الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨
إِجْمَاعَ، وَلاَ يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَلاَ تَكْرَارِ النَّظَرِ، لأَِنَّهُ دُونَهُمَا فِي اسْتِدْعَاءِ الشَّهْوَةِ، وَإِفْضَائِهِ إِلَى الإِْنْزَال (١) .
ثَالِثًا: الْمُعَالَجَاتُ وَنَحْوُهَا، وَهِيَ أَنْوَاعٌ، أَهَمُّهَا:
أ - الاِسْتِعَاطُ:
٤٥ - الاِسْتِعَاطُ، افْتِعَالٌ مِنَ السَّعُوطِ، مِثَال رَسُولٍ: دَوَاءٌ يُصَبُّ فِي الأَْنْفِ (٢)، وَالاِسْتِعَاطُ وَالإِْسْعَاطُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: إِيصَال الشَّيْءِ إِلَى الدِّمَاغِ مِنَ الأَْنْفِ (٣) .
وَإِنَّمَا يُفْسِدُ الاِسْتِعَاطُ الصَّوْمَ، بِشَرْطِ أَنْ يَصِل الدَّوَاءُ إِلَى الدِّمَاغِ، وَالأَْنْفُ مَنْفَذٌ إِلَى الْجَوْفِ، فَلَوْ لَمْ يَصِل إِلَى الدِّمَاغِ لَمْ يَضُرَّ، بِأَنْ لَمْ يُجَاوِزِ الْخَيْشُومَ، فَلَوْ وَضَعَ دَوَاءً فِي أَنْفِهِ لَيْلًا، وَهَبَطَ نَهَارًا، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ (٤) .
وَلَوْ وَضَعَهُ فِي النَّهَارِ، وَوَصَل إِلَى دِمَاغِهِ أَفْطَرَ؛ لأَِنَّهُ وَاصِلٌ إِلَى جَوْفِ الصَّائِمِ بِاخْتِيَارِهِ فَيُفَطِّرُهُ كَالْوَاصِل إِلَى الْحَلْقِ، وَالدِّمَاغُ جَوْفٌ - كَمَا قَرَّرُوا - وَالْوَاصِل إِلَيْهِ يُغَذِّيهِ، فَيُفَطِّرُهُ،
_________
(١) المغني ٣ / ٤٩.
(٢) المصباح المنير، مادة (سعط) رد المحتار على الدر المختار ٢ / ١٠٢.
(٣) حاشية القليوبي على شرح المحلي على المنهاج ٢ / ٥٦.
(٤) جواهر الإكليل ١ / ١٤٩.
كَجَوْفِ الْبَدَنِ (١) .
وَالْوَاجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ لاَ الْكَفَّارَةُ، هَذَا هُوَ الأَْصَحُّ، لأَِنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ الإِْفْطَارِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَالصُّورَةُ هِيَ الاِبْتِلاَعُ، وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ، وَالنَّفْعُ الْمُجَرَّدُ عَنْهَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ فَقَطْ (٢) .
وَهَذَا الْحُكْمُ لاَ يَخُصُّ صَبَّ الدَّوَاءِ، بَل لَوِ اسْتَنْشَقَ الْمَاءَ، فَوَصَل إِلَى دِمَاغِهِ أَفْطَرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (٣) .
ب - اسْتِعْمَال الْبَخُورِ:
٤٦ - وَيَكُونُ بِإِيصَال الدُّخَانِ إِلَى الْحَلْقِ، فَيُفْطِرُ، أَمَّا شَمُّ رَائِحَةِ الْبَخُورِ وَنَحْوِهِ بِلاَ وُصُول دُخَانِهِ إِلَى الْحَلْقِ فَلاَ يُفْطِرُ وَلَوْ جَاءَتْهُ الرَّائِحَةُ وَاسْتَنْشَقَهَا، لأَِنَّ الرَّائِحَةَ لاَ جِسْمَ لَهَا (٤) .
فَمَنْ أَدْخَل بِصُنْعِهِ دُخَانًا حَلْقَهُ، بِأَيَّةِ صُورَةٍ كَانَ الإِْدْخَال - فَسَدَ صَوْمُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ دُخَانَ عَنْبَرٍ أَمْ عُودٍ أَمْ غَيْرِهِمَا، حَتَّى مَنْ تَبَخَّرَ بِعُودٍ، فَآوَاهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَاشْتَمَّ دُخَانَهُ، ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ، أَفْطَرَ، لإِمْكَانِ
_________
(١) المغني ٣ / ٣٧ و٣٨.
(٢) رد المحتار على الدر المختار ٢ / ١٠٢.
(٣) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص ٣٦٧، وانظر الشرح الكبير للدردير ١ / ٥٢٥.
(٤) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه ١ / ٥٢٥، وجواهر الإكليل ١ / ١٤٩.
التَّحَرُّزِ مِنْ إِدْخَال الْمُفْطِرِ جَوْفَهُ وَدِمَاغَهُ.
قَال الشَّرَنْبَلاَلِيُّ: هَذَا مِمَّا يَغْفُل عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَلْيُنَبَّهْ لَهُ، وَلاَ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ كَشَمِّ الْوَرْدِ وَالْمِسْكِ، لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَوَاءٍ تَطَيَّبَ بِرِيحِ الْمِسْكِ وَشَبَهِهِ، وَبَيْنَ جَوْهَرِ دُخَانٍ وَصَل إِلَى جَوْفِهِ بِفِعْلِهِ (١)
ج - بُخَارُ الْقِدْرِ:
٤٧ - بُخَارُ الْقِدْرِ، مَتَى وَصَل لِلْحَلْقِ بِاسْتِنْشَاقٍ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ، لأَِنَّ دُخَانَ الْبَخُورِ وَبُخَارَ الْقِدْرِ كُلٌّ مِنْهُمَا جِسْمٌ يَتَكَيَّفُ بِهِ الدِّمَاغُ، وَيَتَقَوَّى بِهِ، أَيْ تَحْصُل لَهُ قُوَّةٌ كَالَّتِي تَحْصُل مِنَ الأَْكْل، أَمَّا لَوْ وَصَل وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلْحَلْقِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ.
هَذَا بِخِلاَفِ دُخَانِ الْحَطَبِ، فَإِنَّهُ لاَ قَضَاءَ فِي وُصُولِهِ لِلْحَلْقِ، وَلَوْ تَعَمَّدَ اسْتِنْشَاقَهُ، لأَِنَّهُ لاَ يَحْصُل لِلدِّمَاغِ بِهِ قُوَّةٌ كَالَّتِي تَحْصُل لَهُ مِنَ الأَْكْل (٢) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ فَتَحَ فَاهُ عَمْدًا حَتَّى دَخَل الْغُبَارُ فِي جَوْفِهِ، لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الأَْصَحِّ (٣) .
_________
(١) مراقي الفلاح ص ٣٦١ و٣٦٢، والدر المختار ورد المحتار ٢ / ٩٧.
(٢) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه ١ / ٥٢٥.
(٣) حواشي تحفة المحتاج ٣ / ٤٠١، وشرح المحلي على المنهاج ٢ / ٥٦، ٥٧، وانظر حاشية البجيرمي على شرح الشربيني الخطيب المسمى بالإقناع ٢ / ٣٢٩. والمغني ٣ / ٤٠، ٤١، وكشاف القناع ٢ / ٣٢٠ و٣٢١.
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ الإِْفْطَارُ بِابْتِلاَعِ غَرْبَلَةِ الدَّقِيقِ وَغُبَارِ الطَّرِيقِ، إِنْ تَعَمَّدَهُ.
د - التَّدْخِينُ:
٤٨ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ شُرْبَ الدُّخَانِ الْمَعْرُوفِ أَثْنَاءَ الصَّوْمِ يُفْسِدُ الصِّيَامَ، لأَِنَّهُ مِنَ الْمُفْطِرَاتِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَبَغ) الْمَوْسُوعَة الْفِقْهِيَّة ١٠ فِقْرَة ٣٠.
هـ - التَّقْطِيرُ فِي الأُْذُنِ:
٤٩ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى فَسَادِ الصَّوْمِ بِتَقْطِيرِ الدَّوَاءِ أَوِ الدُّهْنِ أَوِ الْمَاءِ فِي الأُْذُنِ.
فَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجِبُ الإِْمْسَاكُ عَمَّا يَصِل إِلَى الْحَلْقِ، مِمَّا يَنْمَاعُ أَوْ لاَ يَنْمَاعُ.
وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الْوَاصِل إِلَى الْحَلْقِ مُفَطِّرٌ وَلَوْ لَمْ يُجَاوِزْهُ، إِنْ وَصَل إِلَيْهِ، وَلَوْ مِنْ أَنْفٍ أَوْ أُذُنٍ أَوْ عَيْنٍ نَهَارًا (١) .
وَتَوْجِيهُهُ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ وَاصِلٌ مِنْ أَحَدِ الْمَنَافِذِ الْوَاسِعَةِ فِي الْبَدَنِ، وَهِيَ: الْفَمُ وَالأَْنْفُ وَالأُْذُنُ، وَأَنَّ كُل مَا وَصَل إِلَى الْمَعِدَةِ مِنْ مَنْفَذٍ عَالٍ - مُوجِبٌ لِلْقَضَاءِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْمَنْفَذُ وَاسِعًا أَمْ ضَيِّقًا. وَأَنَّهُ لاَ تَفْرِقَةَ
_________
(١) جواهر الإكليل ١ / ١٤٩.
عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْمَائِعِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي الْوَاصِل إِلَى الْمَعِدَةِ مِنَ الْحَلْقِ (١) .
وَقَال النَّوَوِيُّ: لَوْ صَبَّ الْمَاءَ أَوْ غَيْرَهُ فِي أُذُنَيْهِ، فَوَصَل دِمَاغَهُ أَفْطَرَ عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَنَا، وَلَمْ يَرَ الْغَزَالِيُّ الإِْفْطَارَ بِالتَّقْطِيرِ فِي الأُْذُنَيْنِ (٢) .
وَقَال الْبُهُوتِيُّ: إِذَا قَطَّرَ فِي أُذُنِهِ فَوَصَل إِلَى دِمَاغِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ، لأَِنَّ الدِّمَاغَ أَحَدُ الْجَوْفَيْنِ، فَالْوَاصِل إِلَيْهِ يُغَذِّيهِ، فَأَفْسَدَ الصَّوْمَ (٣) .
وَالْحَنَفِيَّةُ قَالُوا بِفَسَادِ الصَّوْمِ بِتَقْطِيرِ الدَّوَاءِ وَالدُّهْنِ فِي الأُْذُنِ، لأَِنَّ فِيهِ صَلاَحًا لِجُزْءٍ مِنَ الْبَدَنِ، فَوُجِدَ إِفْسَادُ الصَّوْمِ مَعْنًى.
وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي تَقْطِيرِ الْمَاءِ فِي الأُْذُنِ، فَاخْتَارَ الْمَرْغِينَانِيُّ فِي الْهِدَايَةِ - وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ غَيْرُهُ - عَدَمَ الإِْفْطَارِ بِهِ مُطْلَقًا، دَخَل بِنَفْسِهِ أَوْ أَدْخَلَهُ.
وَفَرَّقَ قَاضِي خَانْ، بَيْنَ الإِْدْخَال قَصْدًا فَأَفْسَدَ بِهِ الصَّوْمَ، وَبَيْنَ الدُّخُول فَلَمْ يُفْسِدْهُ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي صَحَّحُوهُ، لأَِنَّ الْمَاءَ يَضُرُّ الدِّمَاغَ، فَانْعَدَمَ الإِْفْسَادُ صُورَةً وَمَعْنًى (٤) .
_________
(١) انظر القوانين الفقهية ص ٨٠، والشرح الكبير للدردير بحاشية الدسوقي عليه ١ / ٥٢٤.
(٢) المجموع ٦ / ٣٢٠، وانظر شرح المحلي على المنهاج ٢ / ٥٦ والوجيز ١ / ١٠١.
(٣) انظر كشاف القناع ٢ / ٣١٨.
(٤) انظر مراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه ص ٣٦٨، والدر المختار ورد المحتار عليه ٢ / ٩٨، وتبيين الحقائق ١ / ٣٢٩، والهداية وشروحها ٢ / ٢٦٦ و٢٦٧.
فَالاِتِّفَاقُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الْفِطْرِ بِصَبِّ الدُّهْنِ، وَعَلَى عَدَمِهِ بِدُخُول الْمَاءِ، وَالاِخْتِلاَفُ فِي التَّصْحِيحِ فِي إِدْخَالِهِ (١) .
و مُدَاوَاةُ الآْمَّةِ وَالْجَائِفَةِ وَالْجِرَاحِ:
٥٠ - الآْمَّةُ: جِرَاحَةٌ فِي الرَّأْسِ، وَالْجَائِفَةُ: جِرَاحَةٌ فِي الْبَطْنِ.
وَالْمُرَادُ بِهَذَا - كَمَا يَقُول الْكَاسَانِيُّ - مَا يَصِل إِلَى الْجَوْفِ مِنْ غَيْرِ الْمَخَارِقِ الأَْصْلِيَّةِ (٢) .
فَإِذَا دَاوَى الصَّائِمُ الآْمَّةَ أَوَ الْجِرَاحَ، فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ - بِوَجْهِ عَامٍّ - فَسَادُ الصَّوْمِ، إِذَا وَصَل الدَّوَاءُ إِلَى الْجَوْفِ.
قَال النَّوَوِيُّ: لَوْ دَاوَى جُرْحَهُ فَوَصَل الدَّوَاءُ إِلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ عِنْدَنَا سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّوَاءُ رَطْبًا أَمْ يَابِسًا (٣) وَعَلَّلَهُ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ أَوْصَل إِلَى جَوْفِهِ شَيْئًا بِاخْتِيَارِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَكَل (٤) . قَال الْمِرْدَاوِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الأَْصْحَابُ (٥) .
وَعَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ - مَعَ نَصِّهِمْ عَلَى عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الدَّوَاءِ الرَّطْبِ وَبَيْنَ الدَّوَاءِ
_________
(١) رد المحتار ٢ / ٩٨.
(٢) مراقي الفلاح ص ٣٦٨، وفتح القدير ٢ / ٢٦٧، والبدائع ٢ / ٩٣.
(٣) المجموع ٦ / ٣٢٠، وشرح المحلي على المنهاج ٢ / ٥٦.
(٤) كشاف القناع ٢ / ٣١٨، وانظر الروض المربع ١ / ١٤٠.
(٥) الإنصاف ٢ / ٢٩٩ و٣٠٠.
الْيَابِسِ - بِأَنَّ بَيْنَ جَوْفِ الرَّأْسِ وَجَوْفِ الْمَعِدَةِ مَنْفَذًا أَصْلِيًّا، فَمَتَى وَصَل إِلَى جَوْفِ الرَّأْسِ، يَصِل إِلَى جَوْفِ الْبَطْنِ (١) .
أَمَّا إِذَا شَكَّ فِي وُصُول الدَّوَاءِ إِلَى الْجَوْفِ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بَعْضُ التَّفْصِيل وَالْخِلاَفِ، فَإِنْ كَانَ الدَّوَاءُ رَطْبًا، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الظَّاهِرُ هُوَ الْوُصُول، لِوُجُودِ الْمَنْفَذِ إِلَى الْجَوْفِ، وَهُوَ السَّبَبُ، فَيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَهُوَ الْوُصُول عَادَةً، وَقَال الصَّاحِبَانِ: لاَ يُفْطِرُ، لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ، فَلاَ يُفْطِرُ بِالشَّكِّ، فَهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْمَخَارِقَ الأَْصْلِيَّةَ؛ لأَِنَّ الْوُصُول إِلَى الْجَوْفِ مِنَ الْمَخَارِقِ الأَْصْلِيَّةِ مُتَيَقَّنٌ بِهِ، وَمِنْ غَيْرِهَا مَشْكُوكٌ بِهِ، فَلاَ نَحْكُمُ بِالْفَسَادِ مَعَ الشَّكِّ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الدَّوَاءُ يَابِسًا، فَلاَ فِطْرَ اتِّفَاقًا؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَصِل إِلَى الْجَوْفِ وَلاَ إِلَى الدِّمَاغِ.
لَكِنْ قَال الْبَابَرْتِيُّ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْوُصُول، حَتَّى إِذَا عَلِمَ أَنَّ الدَّوَاءَ الْيَابِسَ وَصَل إِلَى جَوْفِهِ، فَسَدَ صَوْمُهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الرَّطْبَ لَمْ يَصِل إِلَى جَوْفِهِ، لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ عِنْدَهُ، إِلاَّ أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ.
_________
(١) مراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه ص ٣٦٨، والدر المختار ٢ / ١٠٣
وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ يَقِينًا فَسَدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، نَظَرًا إِلَى الْعَادَةِ، لاَ عِنْدَهُمَا (١) .
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمُ الإِْفْطَارِ بِمُدَاوَاةِ الْجِرَاحِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشِّيحِ تَقِيِّ الدِّينِ.
قَال الْمِرْدَاوِيُّ: وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَدَمَ الإِْفْطَارِ بِمُدَاوَاةِ جَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ (٢) .
قَال ابْنُ جُزَيٍّ: أَمَّا دَوَاءُ الْجُرْحِ بِمَا يَصِل إِلَى الْجَوْفِ، فَلاَ يُفْطِرُ (٣) .
وَقَال الدَّرْدِيرُ، مُعَلِّلًا عَدَمَ الإِْفْطَارِ بِوَضْعِ الدُّهْنِ عَلَى الْجَائِفَةِ، وَالْجُرْحِ الْكَائِنِ فِي الْبَطْنِ الْوَاصِل لِلْجَوْفِ: لأَِنَّهُ لاَ يَصِل لِمَحَل الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَإِلاَّ لَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ (٤) .
ز - الاِحْتِقَانُ:
٥١ - الاِحْتِقَانُ: صَبُّ الدَّوَاءِ أَوْ إِدْخَال نَحْوِهِ فِي الدُّبُرِ (٥) . وَقَدْ يَكُونُ بِمَائِعٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَالاِحْتِقَانُ بِالْمَائِعِ مِنَ الْمَاءِ، وَهُوَ الْغَالِبُ، أَوْ غَيْرِ الْمَاءِ - يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَيُوجِبُ الْقَضَاءَ، فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، وَمَنْصُوصُ خَلِيلٍ، وَهُوَ مُعَلَّلٌ بِأَنَّهُ يَصِل بِهِ الْمَاءُ إِلَى الْجَوْفِ مِنْ
_________
(١) شرح العناية على الهداية للبابرتي مع فتح القدير ٢ / ٢٦٦، ٢٦٧.
(٢) الإنصاف ٣ / ٢٩٩.
(٣) القوانين الفقهية ص ٨٠.
(٤) الشرح الكبير للدردير ١ / ٥٣٣، والمدونة ١ / ١٩٨.
(٥) المصباح المنير مادة (حقن)، ومراقي الفلاح ص ٣٦٧، والإقناع ٢ / ٣٢٩.
مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ، وَبِأَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَادِ كَالْمُعْتَادِ فِي الْوَاصِل، وَبِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَأَوْلَى بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ مِنَ الاِسْتِعَاطِ اسْتِدْرَاكًا لِلْفَرِيضَةِ الْفَاسِدَةِ (١) .
وَلاَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، لِعَدَمِ اسْتِكْمَال الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّوْمِ صُورَةً وَمَعْنًى، كَمَا هُوَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ، بَل هُوَ لِوُجُودِ مَعْنَى الْفِطْرِ، وَهُوَ وُصُول مَا فِيهِ صَلاَحُ الْبَدَنِ إِلَى الْجَوْفِ، دُونَ صُورَتِهِ، وَهُوَ الْوُصُول مِنَ الْفَمِ دُونَ مَا سِوَاهُ (٢) .
وَاسْتَدَل الْمَرْغِينَانِيُّ وَغَيْرُهُ لِلإِْفْطَارِ بِالاِحْتِقَانِ وَغَيْرِهِ، كَالاِسْتِعَاطِ وَالإِْفْطَارِ، بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: إِنَّمَا الإِْفْطَارُ مِمَّا دَخَل، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ (٣) .
وَقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا الْفِطْرُ مِمَّا دَخَل، وَلَيْسَ مِمَّا يَخْرُجُ (٤) .
أَمَّا الاِحْتِقَانُ بِالْجَامِدِ، فَفِيهِ بَعْضُ الْخِلاَفِ: فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَا يَدْخُل
_________
(١) تبيين الحقائق ١ / ٣٢٩ و٣٣٠، والهداية وشروحها ٢ / ٢٦٥، ٢٦٦، والدر المختار ٢ / ١٠٢، وشرح الدردير ١ / ٥٢٤، وجواهر الإكليل ١ / ١٤٩، وشرح المحلي على المنهاج ٢ / ٥٦، والإقناع ٢ / ٣٢٩، ٣٣٠، وكشاف القناع ٢ / ٣١٨.
(٢) تبيين الحقائق ١ / ٣٢٩ و٣٣٠.
(٣) حديث عائشة: " إنما الإفطار مما دخل وليس مما خرج ". أورده الهيثمي في مجمع الزائد (٣ / ١٦٧) وقال: رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفه.
(٤) قول ابن عباس ﵄: " الفطر مما دخل. . ". أخرجه ابن أبي شيبة (٣ / ٥١) .
إِلَى الْجَوْفِ مِنَ الدُّبُرِ بِالْحُقْنَةِ يُفْطِرُ، لأَِنَّهُ وَاصِلٌ إِلَى الْجَوْفِ بِاخْتِيَارِهِ، فَأَشْبَهَ الأَْكْل (١) .
كَذَلِكَ دُخُول طَرَفِ أُصْبُعٍ فِي الْمَخْرَجِ حَال الاِسْتِنْجَاءِ يُفْطِرُ، قَال النَّوَوِيُّ: لَوْ أَدْخَل الرَّجُل أُصْبُعَهُ أَوْ غَيْرَهَا دُبُرَهُ، وَبَقِيَ الْبَعْضُ خَارِجًا، بَطَل الصَّوْمُ، بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا (٢) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَغْيِيبَ الْقُطْنِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْجَوَامِدِ الْجَافَّةِ يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَعَدَمَ التَّغْيِيبِ لاَ يُفْسِدُهُ، كَمَا لَوْ بَقِيَ طَرَفُهُ خَارِجًا، لأَِنَّ عَدَمَ تَمَامِ الدُّخُول كَعَدَمِ دُخُول شَيْءٍ بِالْمَرَّةِ، كَإِدْخَال الأُْصْبُعِ غَيْرِ الْمَبْلُولَةِ، أَمَّا الْمَبْلُولَةُ بِالْمَاءِ وَالدُّهْنِ فَيُفْسِدُهُ (٣) .
وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ الإِْفْطَارَ وَإِبْطَال الصَّوْمِ بِالْحُقْنَةِ الْمَائِعَةِ نَصًّا.
وَقَالُوا: احْتَرَزَ (خَلِيلٌ) بِالْمَائِعِ عَنِ الْحُقْنَةِ بِالْجَامِدِ، فَلاَ قَضَاءَ فِيهَا، وَلاَ فِي فَتَائِل عَلَيْهَا دُهْنٌ لِخِفَّتِهَا.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ، قَال ابْنُ الْقَاسِمِ: سُئِل مَالِكٌ عَنِ الْفَتَائِل تُجْعَل لِلْحُقْنَةِ؟ قَال مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ خَفِيفًا، وَلاَ أَرَى عَلَيْهِ فِيهِ
_________
(١) المغني ٣ / ٣٧، وكشاف القناع ٢ / ٣١٨.
(٢) الإقناع للشربيني الخطيب ٢ / ٣٣٠، والمجموع ٦ / ٣١٤.
(٣) مراقي الفلاح ص ٣٧٠، وانظر تبيين الحقائق وحاشية الشلبي عليه ١ / ٣٢٩، ٣٣٠، والدر المختار ورد المحتار ٢ / ١٠٢.