الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨ الصفحة 8

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨

شَيْئًا، قَال مَالِكٌ: وَإِنِ احْتَقَنَ بِشَيْءٍ يَصِل إِلَى جَوْفِهِ، فَأَرَى عَلَيْهِ الْقَضَاءَ، قَال ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (١) .

وَيَبْدُو مَعَ ذَلِكَ تَلْخِيصًا أَنَّ لِلْمَالِكِيَّةِ فِي الْحُقْنَةِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ: الإِْفْطَارُ بِالْحُقْنَةِ الْمَائِعَةِ.

الثَّانِيَ: أَنَّ الْحُقْنَةَ تُفْطِرُ مُطْلَقًا.

الثَّالِثُ: أَنَّهَا لاَ تُفْطِرُ، وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ، لأَِنَّ ذَلِكَ لاَ يَصِل إِلَى الْمَعِدَةِ، وَلاَ مَوْضِعَ يَتَصَرَّفُ مِنْهُ مَا يُغَذِّي الْجِسْمَ بِحَالٍ.

الرَّابِعُ: أَنَّ اسْتِعْمَال الْحُقْنَةِ مَكْرُوهٌ. قَال ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَانَ مَنْ مَضَى مِنَ السَّلَفِ وَأَهْل الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ التَّعَالُجَ بِالْحَقْنِ إِلاَّ مِنْ ضَرُورَةٍ غَالِبَةٍ، لاَ تُوجَدُ عَنِ التَّعَالُجِ بِهَا مَنْدُوحَةٌ، فَلِهَذَا اسْتُحِبَّ قَضَاءُ الصَّوْمِ بِاسْتِعْمَالِهَا (٢) .

ح - الْحُقْنَةُ الْمُتَّخَذَةُ فِي مَسَالِكِ الْبَوْل:

وَيُعَبِّرُ عَنْ هَذَا الشَّافِعِيَّةُ بِالتَّقْطِيرِ، وَلاَ يُسَمُّونَهُ احْتِقَانًا (٣) وَفِيهِ هَذَا التَّفْصِيل:

_________

(١) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه (١ / ٥٢٤، والمدونة الكبرى ١ / ١٩٧، ط: دار صادر. بيروت) .

(٢) انظر القوانين الفقهية ص ٨٠، ومواهب الجليل للحطاب ٢ / ٤٢٤.

(٣) انظر حاشية البيجوري ١ / ٣٠٣.

الأَْوَّل: التَّقْطِيرُ فِي الإِْحْلِيل، أَيِ الذَّكَرِ:

٥٢ - فِي التَّقْطِيرِ أَقْوَالٌ: فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، إِلَى أَنَّهُ لاَ يُفْطِرُ، سَوَاءٌ أَوَصَل إِلَى الْمَثَانَةِ أَمْ لَمْ يَصِل، لأَِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ بَاطِنِ الذَّكَرِ وَبَيْنَ الْجَوْفِ مَنْفَذٌ، وَإِنَّمَا يَمُرُّ الْبَوْل رَشْحًا، فَالَّذِي يَتْرُكُهُ فِيهِ لاَ يَصِل إِلَى الْجَوْفِ، فَلاَ يُفْطِرُ، كَالَّذِي يَتْرُكُهُ فِي فِيهِ وَلاَ يَبْتَلِعُهُ (١)، وَقَال الْمَوَّاقُ: هُوَ أَخَفُّ مِنَ الْحُقْنَةِ (٢) .

وَقَال الْبُهُوتِيُّ: لَوْ قَطَّرَ فِيهِ، أَوْ غَيَّبَ فِيهِ شَيْئًا فَوَصَل إِلَى الْمَثَانَةِ لَمْ يَبْطُل صَوْمُهُ (٣) .

وَلِلشَّافِعِيَّةِ - مَعَ ذَلِكَ - فِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ:

أَحَدُهَا: إِذَا قَطَّرَ فِيهِ شَيْئًا لَمْ يَصِل إِلَى الْمَثَانَةِ لَمْ يُفْطِرْ، وَهَذَا أَصَحُّهَا، لأَِنَّهُ - كَمَا قَال الْمَحَلِّيُّ - فِي جَوْفٍ غَيْرِ مُحِيلٍ.

الثَّانِي: لاَ يُفْطِرُ.

الثَّالِثُ: إِنْ جَاوَزَ الْحَشَفَةَ أَفْطَرَ، وَإِلاَّ لاَ (٤) .

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ إِذَا وَصَل

_________

(١) انظر تبيين الحقائق ١ / ٣٣٠، والفتاوى الهندية ١ / ٢٠٤، والقوانين الفقهية ص ٨٠، والمغني ٣ / ٤٢.

(٢) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل ٢ / ٤٢٤.

(٣) الروض المربع ١ / ١٤٠.

(٤) روضة المفتين ٢ / ٣٥٧، وانظر الإقناع ٢ / ٣٣٠.

إِلَى الْمَثَانَةِ، أَمَّا مَا دَامَ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ فَلاَ يُفْسِدُ (١) .

الثَّانِي: التَّقْطِيرُ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ:

٥٣ - الأَْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَنْصُوصُ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - الَّذِينَ نَصُّوا عَلَى الإِْحْلِيل فَقَطْ - هُوَ فَسَادُ الصَّوْمِ بِهِ، وَعَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْحُقْنَةِ (٢) .

وَوَجْهُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، اسْتِجْمَاعُ شَرْطَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنَ الْمَنْفَذِ السَّافِل الْوَاسِعِ،

وَالآْخَرُ: الاِحْتِقَانُ بِالْمَائِعِ.

وَقَدْ نَصَّ الدَّرْدِيرُ عَلَى الإِْفْطَارِ بِهِ، وَنَصَّ الدُّسُوقِيُّ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمُقَابِلُهُ مَا لاِبْنِ حَبِيبٍ مِنِ اسْتِحْبَابِ الْقَضَاءِ، بِسَبَبِ الْحُقْنَةِ مِنَ الْمَائِعِ الْوَاصِلَةِ إِلَى الْمَعِدَةِ، مِنَ الدُّبُرِ أَوْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، كَمَا نَصَّ الدَّرْدِيرُ عَلَى أَنَّ الاِحْتِقَانَ بِالْجَامِدِ لاَ قَضَاءَ فِيهِ، وَلاَ فِي الْفَتَائِل الَّتِي عَلَيْهَا دُهْنٌ (٣) .

_________

(١) مراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه ص ٣٦٢، وتبيين الحقائق ١ / ٣٣٠.

(٢) فتح القدير ٢ / ٢٦٧، وتبيين الحقائق ١ / ٣٣٠، ومراقي الفلاح (٣٧٠) والفتاوى الهندية ١ / ٢٠٤، وانظر الإقناع ٢ / ٣٣٠، وحاشية القليوبي وعميرة على شرح المحلي ٢ / ٥٦، والروض المربع ١ / ١٤٠.

(٣) الشرح الكبير للدردير، وحاشية الدسوقي عليه ١ / ٥٢٤.

رَابِعًا: التَّقْصِيرُ فِي حِفْظِ الصَّوْمِ وَالْجَهْل بِهِ:

الأَْوَّل: التَّقْصِيرُ:

٥٤ - أ - مِنْ صُوَرِ التَّقْصِيرِ مَا لَوْ تَسَحَّرَ أَوْ جَامَعَ، ظَانًّا عَدَمَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالْحَال أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ، فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَذَلِكَ لِلشُّبْهَةِ، لأَِنَّ الأَْصْل بَقَاءُ اللَّيْل، وَالْجِنَايَةُ قَاصِرَةٌ، وَهِيَ جِنَايَةُ عَدَمِ التَّثَبُّتِ، لاَ جِنَايَةُ الإِْفْطَارِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ، وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ الإِْثْمِ عَلَيْهِ.

وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - أَنَّهُ لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ (١) .

وَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ، لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - وَقِيل: يَقْضِي احْتِيَاطًا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا أَفْطَرَ بِظَنِّ الْغُرُوبِ، وَالْحَال أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ - عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لأَِنَّ الأَْصْل بَقَاءُ النَّهَارِ، وَابْنُ نُجَيْمٍ فَرَّعَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ عَلَى قَاعِدَةِ: الْيَقِينُ لاَ يَزُول بِالشَّكِّ (٢) .

_________

(١) الإنصاف ٣ / ٣١١.

(٢) انظر الأشباه والنظائر (ص ٥٨ ط بيروت)، ومراقي الفلاح ص ٣٦٩، والدر المختار ورد المحتار ٢ / ١٠٤ و١٠٥، والبدائع ٢ / ١٠٠، وجواهر الإكليل ١ / ١٥٠، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير ١ / ٥٢٦، والقوانين الفقهية ص ٨١، وروضة الطالبين ٢ / ٣٦٣، وشرح المحلي على المنهاج ٢٠ / ٥٩.

قَال ابْنُ جُزَيٍّ: مَنْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ، حُرِّمَ عَلَيْهِ الأَْكْل، وَقِيل: يُكْرَهُ.

فَإِنْ أَكَل فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وُجُوبًا - عَلَى الْمَشْهُورِ - وَقِيل: اسْتِحْبَابًا، وَإِنْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ، لَمْ يَأْكُل اتِّفَاقًا، فَإِنْ أَكَل فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَقِيل: الْقَضَاءُ فَقَطْ، وَقَال الدُّسُوقِيُّ: الْمَشْهُورُ عَدَمُهَا.

وَمِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَنْ خَصَّ الْقَضَاءَ بِصِيَامِ الْفَرْضِ فِي الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ، دُونَ صِيَامِ النَّفْل، وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا (١) .

وَقِيل عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يُفْطِرُ فِي صُورَتَيِ الشَّكِّ فِي الْغُرُوبِ وَالْفَجْرِ، وَقِيل: يُفْطِرُ فِي الأُْولَى، دُونَ الثَّانِيَةِ (٢) .

وَمَنْ ظَنَّ أَوِ اشْتَبَهَ فِي الْفِطْرِ، كَمَنْ أَكَل نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ، فَأَكَل عَامِدًا، فَإِنَّهُ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ الشَّرْعِيَّةِ (٣) .

وَالْقَضَاءُ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ

_________

(١) القوانين الفقهية ص ٨١، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ١ / ٥٢٦.

(٢) روضة الطالبين ٢ / ٣٦٣، شرح المحلي على المنهاج ٢ / ٥٩.

(٣) روضة الطالبين ٢ / ٣٦٣، وانظر شرح المحلي على المنهاج بحاشية القليوبي عليه ٢ / ٥٩.

وَهُوَ الأَْصَحُّ (١) .

أَمَّا لَوْ فَعَل مَا لاَ يَظُنُّ بِهِ الْفِطْرَ، كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَالاِكْتِحَال وَاللَّمْسِ وَالتَّقْبِيل بِشَهْوَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِذَلِكَ، فَأَكَل عَمْدًا، فَإِنَّهُ يَقْضِي فِي تِلْكَ الصُّوَرِ وَيُكَفِّرُ لأَِنَّهُ ظَنٌّ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ.

فَلَوْ كَانَ ظَنُّهُ فِي مَحَلِّهِ فَلاَ كَفَّارَةَ، كَمَا لَوْ أَفْتَاهُ مُفْتٍ - يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِ وَيُؤْخَذُ بِفَتْوَاهُ فِي الْبَلَدِ - بِالإِْفْطَارِ فِي الْحِجَامَةِ فَأَكَل عَامِدًا، بَعْدَمَا احْتَجَمَ لاَ يُكَفِّرُ (٢) .

وَالْمَالِكِيَّةُ قَسَّمُوا الظَّنَّ فِي الْفِطْرِ إِلَى قِسْمَيْنِ:

أ - تَأْوِيلٌ قَرِيبٌ: وَهُوَ الَّذِي يَسْتَنِدُ فِيهِ الْمُفْطِرُ إِلَى أَمْرٍ مَوْجُودٍ، يُعْذَرُ بِهِ شَرْعًا، فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، كَمَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ:

- لَوْ أَفْطَرَ نَاسِيًا، فَظَنَّ لِفَسَادِ صَوْمِهِ إِبَاحَةَ الْفِطْرِ، فَأَفْطَرَ ثَانِيًا عَامِدًا، فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

أَوْ لَزِمَهُ الْغُسْل لَيْلًا لِجَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ، وَلَمْ يَغْتَسِل إِلاَّ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَظَنَّ الإِْبَاحَةَ، فَأَفْطَرَ عَمْدًا.

أَوْ تَسَحَّرَ قُرْبَ الْفَجْرِ، فَظَنَّ بُطْلاَنَ صَوْمِهِ، فَأَفْطَرَ.

أَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ لَيْلًا، فَظَنَّ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ

_________

(١) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص ٣٦٨.

(٢) انظر الدر المختار ورد المحتار عليه ٢ / ١٠٨ و١٠٩، وبدائع الصنائع ٢ / ١٠٠.

صَوْمُ صَبِيحَةِ قُدُومِهِ، فَأَفْطَرَ مُسْتَنِدًا إِلَى هَذَا التَّأْوِيل، لاَ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ.

أَوْ سَافَرَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَظَنَّ إِبَاحَةَ الْفِطْرِ فَبَيَّتَ الْفِطْرَ، فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

أَوْ رَأَى هِلاَل شَوَّالٍ نَهَارًا، يَوْمَ ثَلاَثِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَقَدَ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ، فَأَفْطَرَ.

فَهَؤُلاَءِ إِذَا ظَنُّوا إِبَاحَةَ الْفِطْرِ فَأَفْطَرُوا، فَعَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ عَلِمُوا الْحُرْمَةَ، أَوْ شَكُّوا فِيهَا فَعَلَيْهِمُ الْكَفَّارَةُ.

ب - تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ: وَهُوَ الْمُسْتَنِدُ فِيهِ إِلَى أَمْرٍ مَعْدُومٍ أَوْ مَوْجُودٍ، لَكِنَّهُ لَمْ يُعْذَرْ بِهِ شَرْعًا، فَلاَ يَنْفَعُهُ، وَعَرَّفَهُ الأَْبِيُّ بِأَنَّهُ: مَا لَمْ يَسْتَنِدْ لِمَوْجُودٍ غَالِبًا (١)، مِثَال ذَلِكَ:

مَنْ رَأَى هِلاَل رَمَضَانَ، فَشَهِدَ عِنْدَ حَاكِمٍ، فَرُدَّ وَلَمْ يُقْبَل لِمَانِعٍ، فَظَنَّ إِبَاحَةَ الْفِطْرِ، فَأَفْطَرَ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِبُعْدِ تَأْوِيلِهِ.

وَقَال أَشْهَبُ: لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِقُرْبِ تَأْوِيلِهِ لاِسْتِنَادِهِ لِمَوْجُودٍ، وَهُوَ رَدُّ الْحَاكِمِ شَهَادَتَهُ.

وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّهُ اسْتَنَدَ لِمَعْدُومٍ، وَهُوَ أَنَّ الْيَوْمَ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ، مَعَ أَنَّهُ مِنْهُ بِرُؤْيَةِ عَيْنِهِ.

أَوْ بَيَّتَ الْفِطْرَ وَأَصْبَحَ مُفْطِرًا، فِي يَوْمٍ لِحُمَّى تَأْتِيهِ فِيهِ عَادَةً، ثُمَّ حُمَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَوْلَى إِنْ لَمْ يُحَمَّ.

أَوْ بَيَّتَتِ الْفِطْرَ امْرَأَةٌ لِحَيْضٍ اعْتَادَتْهُ فِي

_________

(١) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير ١ / ٥٣٢، وجواهر الإكليل ١ / ١٥٢.

يَوْمِهَا، ثُمَّ حَصَل الْحَيْضُ بَعْدَ فِطْرِهَا، وَأَوْلَى إِنْ لَمْ يَحْصُل.

أَوْ أَفْطَرَ لِحِجَامَةٍ فَعَلَهَا بِغَيْرِهِ، أَوْ فُعِلَتْ بِهِ، فَظَنَّ الإِْبَاحَةَ، فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ. لَكِنْ قَال الدَّرْدِيرُ: الْمُعْتَمَدُ فِي هَذَا عَدَمُ الْكَفَّارَةِ، لأَِنَّهُ مِنَ الْقَرِيبِ، لاِسْتِنَادِهِ لِمَوْجُودٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ ﵊: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ (١) .

أَوِ اغْتَابَ شَخْصًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَظَنَّ إِبَاحَةَ الْفِطْرِ فَأَفْطَرَ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ (٢) .

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ جَامَعَ عَامِدًا، بَعْدَ الأَْكْل نَاسِيًا، وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِهِ، لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الأَْصَحُّ بُطْلاَنَ صَوْمِهِ بِالْجِمَاعِ، لأَِنَّهُ جَامَعَ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ، فَلَمْ يَأْثَمْ بِهِ، لِذَلِكَ قِيل: لاَ يَبْطُل صَوْمُهُ، وَبُطْلاَنُهُ مَقِيسٌ عَلَى مَنْ ظَنَّ اللَّيْل وَقْتَ الْجِمَاعِ، فَبَانَ خِلاَفُهُ.

وَعِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، أَنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ تَجِبَ بِهِ الْكَفَّارَةُ، لأَِنَّ هَذَا الظَّنَّ لاَ يُبِيحُ الْوَطْءَ.

وَأَمَّا لَوْ قَال: عَلِمْتُ تَحْرِيمَهُ، وَجَهِلْتُ

_________

(١) حديث: " وأفطر الحاجم والمحجوم " أخرجه أبو داود (٢ / ٧٧٠) من حديث ثوبان وذكر الزيلعي في نصب الراية (٢ / ٤٧٢) أن البخاري صححه نقلا عن الترمذي.

(٢) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه ١ / ٥٣١، ٥٣٢، وجواهر الإكليل ١ / ١٥١، ١٥٢.

وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ، لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِلاَ خِلاَفٍ (١) .

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ فِي يَوْمٍ رَأَى الْهِلاَل فِي لَيْلَتِهِ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِفِسْقِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، لأَِنَّهُ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ، فَلَزِمَتْهُ كَمَا لَوْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ.

وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَل إِلاَّ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ، أَوْ أَكَل عَامِدًا، ثُمَّ جَامَعَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، لِهَتْكِهِ حُرْمَةَ الزَّمَنِ بِهِ، وَلأَِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُسْتَدِيمِ لِلْوَطْءِ، وَلاَ صَوْمَ هُنَاكَ، فَكَذَا هُنَا (٢) .

الثَّانِي: الْجَهْل:

٥٤ - ب - الْجَهْل: عَدَمُ الْعِلْمِ بِمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ.

فَالْجُمْهُورُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، عَلَى إِعْذَارِ حَدِيثِ الْعَهْدِ بِالإِْسْلاَمِ، إِذَا جَهِل الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ.

قَال الْحَنَفِيَّةُ: يُعْذَرُ مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَصُمْ، وَلَمْ يُصَل، وَلَمْ يُزَكِّ بِجَهْلِهِ بِالشَّرَائِعِ مُدَّةَ جَهْلِهِ؛ لأَِنَّ الْخِطَابَ إِنَّمَا يَلْزَمُ بِالْعِلْمِ بِهِ أَوْ بِدَلِيلِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ، إِذْ لاَ دَلِيل عِنْدَهُ عَلَى فَرْضِ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ (٣) .

_________

(١) شرح المحلي على المنهاج ٢ / ٧٠ و٧١، والمجموع ٦ / ٣٤٤.

(٢) كشاف القناع ٢ / ٣٢٦، والروض المربع ١ / ١٤٢.

(٣) مراقي الفلاح ص ٢٤٣.

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ جَهِل تَحْرِيمَ الطَّعَامِ أَوِ الْوَطْءِ، بِأَنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالإِْسْلاَمِ، أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنِ الْعُلَمَاءِ، لَمْ يُفْطِرْ، كَمَا لَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْقَيْءُ (١) .

وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الْجَاهِل بِأَحْكَامِ الصِّيَامِ لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هُوَ كَالْعَامِدِ.

وَقَسَّمَ الدُّسُوقِيُّ الْجَاهِل إِلَى ثَلاَثَةٍ: فَجَاهِل حُرْمَةِ الْوَطْءِ، وَجَاهِل رَمَضَانَ، لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا، وَجَاهِل وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ - مَعَ عِلْمِهِ بِحُرْمَةِ الْفِعْل - تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ (٢) .

وَأَطْلَقَ الْحَنَابِلَةُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ، كَمَا قَرَّرَ بَعْضٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَصَرَّحُوا بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالْجَاهِل وَالْمُكْرَهِ وَالسَّاهِي وَالْمُخْطِئِ (٣) .

خَامِسًا: عَوَارِضُ الإِْفْطَارِ:

٥٥ - الْمُرَادُ بِالْعَوَارِضِ: مَا يُبِيحُ عَدَمَ الصَّوْمِ.

وَهِيَ: الْمَرَضُ، وَالسَّفَرُ، وَالْحَمْل، وَالرَّضَاعُ، وَالْهَرَمُ، وَإِرْهَاقُ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَالإِْكْرَاهُ (٤) .

_________

(١) الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ٢ / ٣٣٠.

(٢) شرح رسالة أبي زيد، وحاشية العدوي عليه ١ / ٤٠٠، وجواهر الإكليل ١ / ١٥٠.

(٣) كشاف القناع ٢ / ٣٢٤، والمغني والشرح الكبير ٣ / ٥٤، والروض المربع ١ / ١٤١ و١٤٢.

(٤) مراقي الفلاح ص ٣٧٣.