الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨ الصفحة 5

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨

الأَْنْصَارِ: مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ (١) . وَكَانَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ وَاجِبًا، ثُمَّ نُسِخَ بِفَرْضِ رَمَضَانَ (٢) .

وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ تَبْيِيتَ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ الْمُطْلَقَةِ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ.

٣١ - أَمَّا النَّفَل فَيَجُوزُ صَوْمُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ - خِلاَفًا لِلْمَالِكِيَّةِ - بِنِيَّةٍ قَبْل الزَّوَال، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: دَخَل عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَال: هَل عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟، فَقُلْنَا: لاَ، فَقَال: فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ (٣) .

وَلأَِنَّ النَّفَل أَخَفُّ مِنَ الْفَرْضِ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ: أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُ الْقِيَامِ فِي النَّفْل مَعَ الْقُدْرَةِ، وَلاَ يَجُوزُ فِي الْفَرْضِ.

وَعِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ بَعْدَ الزَّوَال، وَالْمَذْهَبُ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ: لاَ يَجُوزُ، لأَِنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَصْحَبَ مُعْظَمَ الْعِبَادَةِ (٤) .

_________

(١) حديث: " أن النبي ﷺ أرسل غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٢٠٠ ط. السلفية) ومسلم (٢ / ٧٩٨ ط. الحلبي) من حديث الربيع بنت معوذ.

(٢) تبيين الحقائق وحاشية الشلبي عليه ١ / ٣١٤، ونظيره في شرح معاني الآثار للطحاوي (٢ / ٧٣، ٧٥ ط. دار الكتب العلمية. بيروت) .

(٣) حديث عائشة: " دخل علي النبي ﷺ ذات يوم. . . ". أخرجه مسلم (٢ / ٨٠٩ ط. الحلبي) .

(٤) الهداية وشروحها ٢ / ٢٤١، والبدائع ٢ / ٨٥، والمجموع ٦ / ٢٩٢.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ مُطْلَقًا، فَرْضًا أَوْ نَفْلًا - نِيَّةٌ مُبَيَّتَةٌ (١)، وَذَلِكَ لإِطْلاَقِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْل، فَلاَ صِيَامَ لَهُ (٢) .

وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ جَوَازُ النِّيَّةِ فِي النَّفْل، قَبْل الزَّوَال وَبَعْدَهُ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَحَدِيثِ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَأَنَّهُ قَوْل مُعَاذٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ ﵃ وَأَنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَا يُخَالِفُهُ صَرِيحًا، وَالنِّيَّةُ وُجِدَتْ فِي جُزْءٍ مِنَ النَّهَارِ، فَأَشْبَهَ وُجُودَهَا قَبْل الزَّوَال بِلَحْظِهِ (٣) .

وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِ نِيَّةِ النَّفْل فِي النَّهَارِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنْ لاَ يَكُونَ فَعَل مَا يُفْطِرُهُ قَبْل النِّيَّةِ، فَإِنْ فَعَل فَلاَ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، قَال الْبُهُوتِيُّ: بِغَيْرِ خِلاَفٍ نَعْلَمُهُ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، لَكِنْ خَالَفَ فِيهِ أَبُو زَيْدٍ الشَّافِعِيُّ (٤) .

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ فِي اعْتِبَارِ الثَّوَابِ: مِنْ أَوَّل النَّهَارِ، أَمْ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ؟ أَصَحُّهُمَا

_________

(١) جواهر الإكليل ١ / ١٤٨، وشرح الخرشي ٢ / ٢٤٦، وانظر الهداية وشرح العناية ٢ / ٢٤١.

(٢) حديث: " من لم يجمع الصيام من الليل، فلا صيام له ". تقدم ف / ٣٠.

(٣) كشاف القناع ٢ / ٣١٧.

(٤) شرح المحلي ٢ / ٥٢ و٥٣، والإقناع بحاشية البجيرمي ٢ / ٣٢٦، ٣٢٧، وكشاف القناع ٢ / ٣١٧.

عِنْدَ الأَْكْثَرِينَ: أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّل النَّهَارِ، كَمَا إِذَا أَدْرَكَ الإِْمَامَ فِي الرُّكُوعِ، يَكُونُ مُدْرِكًا لِثَوَابِ جَمِيعِ الرَّكْعَةِ، فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ جَمِيعُ شُرُوطِ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّل النَّهَارِ.

٣٢ - رَابِعًا: تَجْدِيدُ النِّيَّةِ: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ فِي كُل يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، مِنَ اللَّيْل أَوْ قَبْل الزَّوَال - عَلَى الْخِلاَفِ السَّابِقِ - وَذَلِكَ لِكَيْ يَتَمَيَّزَ الإِْمْسَاكُ عِبَادَةً عَنِ الإِْمْسَاكِ عَادَةً أَوْ حِمْيَةً (١) .

وَلأَِنَّ كُل يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، لاَ يَرْتَبِطُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَلاَ يَفْسُدُ بِفَسَادِ بَعْضٍ، وَيَتَخَلَّلُهَا مَا يُنَافِيهَا، وَهُوَ اللَّيَالِي الَّتِي يَحِل فِيهَا مَا يُحَرَّمُ فِي النَّهَارِ، فَأَشْبَهَتِ الْقَضَاءَ، بِخِلاَفِ الْحَجِّ وَرَكَعَاتِ الصَّلاَةِ (٢) .

وَذَهَبَ زُفَرُ وَمَالِكٌ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ - أَنَّهُ تَكْفِي نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ عَنِ الشَّهْرِ كُلِّهِ فِي أَوَّلِهِ، كَالصَّلاَةِ. وَكَذَلِكَ فِي كُل صَوْمٍ مُتَتَابِعٍ، كَكَفَّارَةِ الصَّوْمِ وَالظِّهَارِ، مَا لَمْ يَقْطَعْهُ أَوْ يَكُنْ عَلَى حَالِةِ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فِيهَا، فَيَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ، وَذَلِكَ لاِرْتِبَاطِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَعَدَمِ جَوَازِ التَّفْرِيقِ، فَكَفَتْ نِيَّةٌ

_________

(١) انظر الدر المختار ورد المحتار عليه ٢ / ٨٧، والمجموع ٦ / ٣٠٢، والإقناع بحاشية البجيرمي عليه ٢ / ٣٢٦، وكشاف القناع ٢ / ٣١٥.

(٢) المصادر السابقة نفسها.

وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَبْطُل بِبُطْلاَنِ بَعْضِهَا، كَالصَّلاَةِ (١) .

فَعَلَى ذَلِكَ لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَمْ يَصِحَّ صِيَامُ الْبَاقِي بِتِلْكَ النِّيَّةِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَقِيل: يَصِحُّ، وَقَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ.

وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ (٢) . وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَال ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ - مِنَ الْمَالِكِيَّةِ -: لاَ بُدَّ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ الْمُتَتَابِعِ مِنَ النِّيَّةِ كُل يَوْمٍ، نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ كَالْعِبَادَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ، مِنْ حَيْثُ عَدَمُ فَسَادِ مَا مَضَى مِنْهُ بِفَسَادِ مَا بَعْدَهُ (٣) .

بَل رُوِيَ عَنْ زُفَرَ أَنَّ الْمُقِيمَ الصَّحِيحَ، لاَ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ، لأَِنَّ الإِْمْسَاكَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالْعِبَادَةِ، فَكَانَ مُتَرَدِّدًا بِأَصْلِهِ مُتَعَيِّنًا بِوَصْفِهِ، فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَتَى بِهِ وَقَعَ عَنْهُ (٤) .

اسْتِمْرَارُ النِّيَّةِ:

٣٣ - اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ الدَّوَامَ عَلَى النِّيَّةِ، فَلَوْ نَوَى الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْل ثُمَّ رَجَعَ عَنْ نِيَّتِهِ قَبْل طُلُوعِ الْفَجْرِ لاَ يَصِيرُ صَائِمًا.

قَال الطَّحْطَاوِيُّ: وَيُشْتَرَطُ الدَّوَامُ عَلَيْهَا. فَلَوْ نَوَى مِنَ اللَّيْل، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ نِيَّتِهِ قَبْل

_________

(١) الدر المختار ورد المحتار ٢ / ٨٧، والقوانين الفقهية ص ٨٠، والشرح الكبير للدردير ١ / ٥٢١.

(٢) كشاف القناع ٢ / ٣١٥، والإنصاف ٣ / ٢٩٥.

(٣) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير ١ / ٥٢١.

(٤) رد المحتار ٢ / ٨٧، والتبيين للزيلعي ١ / ٣١٥.

طُلُوعِ الْفَجْرِ

- صَحَّ رُجُوعُهُ وَلاَ يَصِيرُ صَائِمًا، وَلَوْ أَفْطَرَ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إِلاَّ الْقَضَاءُ، بِانْقِطَاعِ النِّيَّةِ بِالرُّجُوعِ، فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ، لِشُبْهَةِ خِلاَفِ مَنِ اشْتَرَطَ التَّبْيِيتَ، إِلاَّ إِذَا جَدَّدَ النِّيَّةَ، بِأَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ، تَحْصِيلًا لَهَا، لأَِنَّ الأُْولَى غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، بِسَبَبِ الرُّجُوعِ عَنْهَا (١) .

وَلاَ تَبْطُل النِّيَّةُ بِقَوْلِهِ: أَصُومُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لأَِنَّهُ بِمَعْنَى الاِسْتِعَانَةِ، وَطَلَبِ التَّوْفِيقِ وَالتَّيْسِيرِ. وَالْمَشِيئَةُ إِنَّمَا تُبْطِل اللَّفْظَ، وَالنِّيَّةُ فِعْل الْقَلْبِ.

قَال الْبُهُوتِيُّ: وَكَذَا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ لاَ تَبْطُل بِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ فِي نِيَّتِهَا (٢) .

وَلاَ تَبْطُل النِّيَّةُ بِأَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ أَوْ جِمَاعِهِ بَعْدَهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، حُكِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بُطْلاَنُهَا، وَلَوْ رَجَعَ عَنْ نِيَّتِهِ قَبْل طُلُوعِ الْفَجْرِ صَحَّ رُجُوعُهُ (٣) .

وَلَوْ نَوَى الإِْفْطَارَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يُفْطِرُ، كَمَا لَوْ نَوَى التَّكَلُّمَ فِي صَلاَتِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، قَال

_________

(١) مراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه ص ٣٥٤، حاشية الدسوقي ١ / ٥٢٨، الزرقاني ٢ / ٢٠٧، المجموع ٦ / ٢٩٩، كشاف القناع ٢ / ٣١٦.

(٢) مراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه ص ٣٥٤، وكشاف القناع ٢ / ٣١٦، وانظر المجموع ٦ / ٣٩٨.

(٣) راجع الفتاوى الهندية ١ / ١٩٥، وروضة الطالبين ٢ / ٣٥٢.

الْبَيْجُورِيُّ: وَيَضُرُّ رَفْضُ النِّيَّةِ لَيْلًا، وَلاَ يَضُرُّ نَهَارًا (١) .

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُفْطِرُ، لأَِنَّهُ قَطَعَ نِيَّةَ الصَّوْمِ بِنِيَّةِ الإِْفْطَارِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا ابْتِدَاءً (٢) .

الإِْغْمَاءُ وَالْجُنُونُ وَالسُّكْرُ بَعْدَ النِّيَّةِ:

٣٤ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا نَوَى الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْل، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ إِغْمَاءٌ أَوْ جُنُونٌ أَوْ سُكْرٌ:

فَإِنْ لَمْ يُفِقْ إِلاَّ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ صَوْمِهِ، لأَِنَّ الصَّوْمَ هُوَ الإِْمْسَاكُ مَعَ النِّيَّةِ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: قَال اللَّهُ: كُل عَمَل ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي (٣) فَأَضَافَ تَرْكَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَلاَ يُضَافُ الإِْمْسَاكُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ صَوْمِهِ، لأَِنَّ نِيَّتَهُ قَدْ صَحَّتْ، وَزَوَال الاِسْتِشْعَارِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ، كَالنَّوْمِ.

_________

(١) الدر المختار ٢ / ١٢٣، ومراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه ص ٣٦١، وحاشية البيجوري ١ / ٣٠٠.

(٢) القوانين الفقهية ص ٨٠، وانظر كشاف القناع ٢ / ٣١٦.

(٣) حديث: " قال الله: كل عمل ابن آدم له. . . ". أخرجه البخاري (الفتح / ١١٨ ط. السلفية) ومسلم (٢ / ٨٠٧ ط. الحلبي) من حديث أبي هريرة.

أَمَّا إِذَا أَفَاقَ أَثْنَاءَ النَّهَارِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ إِذَا أَفَاقَ قَبْل الزَّوَال، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ صَوْمِهِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَفَاقَ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنَ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي أَوَّلِهِ أَمْ فِي آخِرِهِ.

وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ الْجُنُونِ وَالإِْغْمَاءِ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَوْ جُنَّ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ بَطَل صَوْمُهُ، وَقِيل: هُوَ كَالإِْغْمَاءِ.

وَأَمَّا الرِّدَّةُ بَعْدَ نِيَّةِ الصَّوْمِ فَتُبْطِل الصَّوْمَ بِلاَ خِلاَفٍ (١) .

سُنَنُ الصَّوْمِ وَمُسْتَحَبَّاتُهُ:

٣٥ - سُنَنُ الصَّوْمِ وَمُسْتَحَبَّاتُهُ كَثِيرَةٌ، أَهَمُّهَا:

أ - السَّحُورُ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ. قَال: تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً (٢) .

ب - تَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَتَعْجِيل الْفِطْرِ، وَمِمَّا وَرَدَ فِيهِ حَدِيثُ سَهْل بْنِ سَعْدٍ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لاَ يَزَال النَّاسُ

_________

(١) جواهر الإكليل ١ / ١٤٨، والشرح الكبير للدردير ١ / ٥٢٠، المغني ٣ / ٩٨، والإنصاف ٣ / ٢٩٢ - ٢٩٣، وحاشية البيجوري على شرح ابن قاسم ١ / ٣٠٠، والبحر الرائق ٢ / ٢٧٧، الفتاوى الهندية ١ / ١٩٦

(٢) حديث: " تسحروا، فإن في السحور بركة ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ١٣٩) ومسلم (٢ / ٧٧٠) .

بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ (١) . وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ﵁: تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ. قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَْذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَال: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً (٢) .

ج - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الإِْفْطَارُ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، وَفِي هَذَا وَرَدَ حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يُفْطِرُ قَبْل أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ (٣) .

وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ ﵁ قَال: " قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ، فَإِنَّهُ طَهُورٌ (٤) .

_________

(١) حديث: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ١٩٨ ط. السلفية) ومسلم (٢ / ٧٧١) .

(٢) حديث زيد بن ثابت: " تسحرنا مع النبي ﷺ. . ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ١٣٨ ط. السلفية) ومسلم (٢ / ٧٧١ ط. الحلبي) .

(٣) حديث أنس: " كان رسول الله ﷺ يفطر قبل أن يصلي على رطبات. . . ". أخرجه الترمذي (٣ / ٧٠) وقال: حديث حسن.

(٤) حديث سلمان بن عامر: " إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر. . . ". أخرجه الترمذي (٣ / ٧٠) وقال: " حديث حسن صحيح. . ".

د - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ الإِْفْطَارِ، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مَرْفُوعًا: إِنَّ لِلصَّائِمِ دَعْوَةً لاَ تُرَدُّ (١) .

وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَال: ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الأَْجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (٢) .

وَهُنَاكَ فَضَائِل مِنْ خَصَائِصِ شَهْرِ رَمَضَانَ كَالتَّرَاوِيحِ، وَالإِْكْثَارِ مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَالاِعْتِكَافِ، وَغَيْرِهَا تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.

٣٦ - وَمِنْ أَهَمِّ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَرَفَّعَ عَنْهُ الصَّائِمُ وَيَحْذَرَهُ: مَا يُحْبِطُ صَوْمَهُ مِنَ الْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، فَيَصُونَ لِسَانَهُ عَنِ اللَّغْوِ وَالْهَذَيَانِ وَالْكَذِبِ، وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالْفُحْشِ وَالْجَفَاءِ، وَالْخُصُومَةِ وَالْمِرَاءِ، وَيَكُفَّ جَوَارِحَهُ عَنْ جَمِيعِ الشَّهَوَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، وَيَشْتَغِل بِالْعِبَادَةِ، وَذِكْرِ اللَّهِ، وَتِلاَوَةِ الْقُرْآنِ وَهَذَا - كَمَا يَقُول الْغَزَالِيُّ: هُوَ سِرُّ الصَّوْمِ (٣) وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ

_________

(١) حديث: " إن للصائم دعوة لا ترد ". أخرجه ابن ماجه (١ / ٥٥٧) وفيه راو ذكر الذهبي في الميزان (١ / ١٩٤) أن فيه جهالة.

(٢) حديث: " كان إذا أفطر قال: ذهب الظمأ. . . ". أخرجه أبو داود (٢ / ٧٦٥) والدارقطني (٢ / ١٨٥) وحسن الدراقطني إسناده.

(٣) الوجيز ١ / ١٠٣.

قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: قَال اللَّهُ تَعَالَى: كُل عَمَل ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثُ وَلاَ يَصْخَبُ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُل: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ (١)، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: الصِّيَامُ جُنَّةٌ، مَا لَمْ يَخْرِقْهَا بِكَذِبٍ أَوْ غِيبَةٍ (٢) . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْل الزُّورِ، وَالْعَمَل بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ (٣) .

مُفْسِدَاتُ الصَّوْمِ:

٣٧ - يَفْسُدُ الصَّوْمُ - بِوَجْهٍ عَامٍّ - كُلَّمَا انْتَفَى شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهِ، أَوِ اخْتَل أَحَدُ أَرْكَانِهِ، كَالرِّدَّةِ، وَكَطُرُوءِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَكُل مَا يُنَافِيهِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَحْوِهِمَا، وَدُخُول شَيْءٍ مِنْ خَارِجِ الْبَدَنِ إِلَى جَوْفِ الصَّائِمِ.

٣٨ - وَيُشْتَرَطُ فِي فَسَادِ الصَّوْمِ بِمَا يَدْخُل إِلَى

_________

(١) حديث أبي هريرة: " قال الله: كل عمل ابن آدم له. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ١١٨ ط. السلفية) ومسلم (٢ / ٨٠٧ ط. الحلبي) .

(٢) حديث: " الصيام جنة ما لم يخرقها ". أورده الهيثمي في المجمع (٣ / ١٧١) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه الربيع بن بدر وهو ضعيف.

(٣) حديث أبي هريرة: " من لم يدع قول الزور والعمل به. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ١١٦) .