الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨
صَوْمِهِ، إِلاَّ أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، فَكَانَ الاِحْتِيَاطُ فِي أَنْ يَضُمَّ إِلَيْهِ يَوْمًا آخَرَ (١) .
قَال الشَّوْكَانِيُّ: فَمُطْلَقُ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِهِ مُقَيَّدٌ بِالإِْفْرَادِ (٢) .
وَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ بِضَمِّ يَوْمٍ آخَرَ إِلَيْهِ، لِحَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ﵂ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَل عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَال: أَصُمْتِ أَمْسِ؟ قَالَتْ: لاَ. قَال: تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟ قَالَتْ: لاَ. قَال: فَأَفْطِرِي (٣) .
ب - صَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ وَحْدَهُ خُصُوصًا:
١٥ - وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى كَرَاهَتِهِ (٤)، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أُخْتِهِ، وَاسْمُهَا الصَّمَّاءُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: لاَ تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلاَّ فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلاَّ لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ (٥) .
وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ، فَفِي إِفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ تَشَبُّهٌ بِهِمْ، إِلاَّ أَنْ يُوَافِقَ صَوْمُهُ
_________
(١) المصدران السابقات في الموضع نفسه.
(٢) نيل الأوطار ٤ / ٢٥٠، ٢٥١.
(٣) حديث جويرية: " أن النبي ﷺ دخل عليها يوم الجمعة. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٢٣٢ ط. السلفية) .
(٤) مراقي الفلاح ٣٥١ والقوانين الفقهية ٧٨، وروضة الطالبين ٢ / ٣٨٧، وكشاف القناع ٢ / ٣٤١.
(٥) حديث أخت عبد الله بن بسر: " لا تصوموا يوم السبت. . . ". أخرجه الترمذي (٣ / ١١١) وحسنه.
بِخُصُوصِهِ يَوْمًا اعْتَادَ صَوْمَهُ، كَيَوْمِ عَرَفَةَ أَوْ عَاشُورَاءَ (١) .
ج - صَوْمُ يَوْمِ الأَْحَدِ بِخُصُوصِهِ:
١٦ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَعَمُّدَ صَوْمِ يَوْمِ الأَْحَدِ بِخُصُوصِهِ مَكْرُوهٌ، إِلاَّ إِذَا وَافَقَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ صَوْمَ السَّبْتِ وَالأَْحَدِ مَعًا لَيْسَ فِيهِ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لأَِنَّهُ لَمْ تَتَّفِقْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَلَى تَعْظِيمِهِمَا، كَمَا لَوْ صَامَ الأَْحَدَ مَعَ الاِثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ تَزُول الْكَرَاهَةُ (٢)، وَيُسْتَظْهَرُ مِنْ نَصِّ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ صِيَامُ كُل عِيدٍ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَوْ يَوْمٍ يُفْرِدُونَهُ بِالتَّعْظِيمِ إِلاَّ أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً لِلصَّائِمِ.
د - إِفْرَادُ يَوْمِ النَّيْرُوزِ بِالصَّوْمِ:
١٧ - يُكْرَهُ إِفْرَادُ يَوْمِ النَّيْرُوزِ، وَيَوْمِ الْمِهْرَجَانِ بِالصَّوْمِ (٣)، وَذَلِكَ لأَِنَّهُمَا يَوْمَانِ يُعَظِّمُهُمَا الْكُفَّارُ، وَهُمَا عِيدَانِ لِلْفُرْسِ، فَيَكُونُ تَخْصِيصُهُمَا بِالصَّوْمِ - دُونَ غَيْرِهِمَا - مُوَافَقَةً لَهُمْ فِي تَعْظِيمِهِمَا، فَكُرِهَ، كَيَوْمِ السَّبْتِ.
وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا كُل عِيدٍ لِلْكُفَّارِ، أَوْ يَوْمٍ
_________
(١) انظر كشاف القناع ٢ / ٣٤١، والمغني ٢ / ٩٩.
(٢) رد المحتار ٢ / ٨٤، وانظر الإقناع وحاشية البجيرمي عليه ٢ / ٣٥٢، وكشاف القناع ٢ / ٣٤١.
(٣) النيروز يوم في طرف الربيع، والمهرجان يوم في طرف الخريف انظر (مراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه ٣٥١) .
يُفْرِدُونَهُ بِالتَّعْظِيمِ (١) وَنَصَّ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى أَنَّ الصَّائِمَ إِذَا قَصَدَ بِصَوْمِهِ التَّشَبُّهَ، كَانَتِ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةً (٢) .
هـ - صَوْمُ الْوِصَال:
١٨ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ) إِلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ الْوِصَال، وَهُوَ: أَنْ لاَ يُفْطِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَصْلًا، حَتَّى يَتَّصِل صَوْمُ الْغَدِ بِالأَْمْسِ، فَلاَ يُفْطِرُ بَيْنَ يَوْمَيْنِ، وَفَسَّرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنْ يَصُومَ السَّنَةَ وَلاَ يُفْطِرَ فِي الأَْيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ (٣) .
وَإِنَّمَا كُرِهَ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَال: وَاصَل رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي رَمَضَانَ، فَوَاصَل النَّاسُ. . فَنَهَاهُمْ، قِيل لَهُ: إِنَّكَ تُوَاصِل، قَال: إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى (٤) .
وَالنَّهْيُ وَقَعَ رِفْقًا وَرَحْمَةً، وَلِهَذَا وَاصَل النَّبِيُّ ﷺ.
وَتَزُول الْكَرَاهَةُ بِأَكْل تَمْرَةٍ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا بِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ لاِنْتِفَاءِ الْوِصَال.
وَلاَ يُكْرَهُ الْوِصَال إِلَى السَّحَرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ﵁
_________
(١) المغني ٢ / ٩٩، والروض المربع ١ / ١٤٦.
(٢) رد المحتار ٢ / ٨٤.
(٣) نفس المرجع.
(٤) حديث ابن عمر: " واصل رسول الله ﷺ. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٢٠٢ ط. السلفية) ومسلم (٢ / ٧٧٤) واللفظ لمسلم.
- مَرْفُوعًا: فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِل، فَلْيُوَاصِل حَتَّى السَّحَرِ (١) وَلَكِنَّهُ تَرَكَ سُنَّةً، وَهِيَ تَعْجِيل الْفِطْرِ، فَتَرْكُ ذَلِكَ أَوْلَى مُحَافَظَةً عَلَى السُّنَّةِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلاَنِ: الأَْوَّل وَهُوَ الصَّحِيحُ: بِأَنَّ الْوِصَال مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ ﵀، وَالثَّانِي: يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (٢) .
و صَوْمُ الدَّهْرِ (صَوْمُ الْعُمُرِ):
١٩ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ) عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ إِلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ، وَعُلِّلَتِ الْكَرَاهَةُ بِأَنَّهُ يُضْعِفُ الصَّائِمَ عَنِ الْفَرَائِصِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالْكَسْبِ الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ، أَوْ بِأَنَّهُ يَصِيرُ الصَّوْمُ طَبْعًا لَهُ، وَمَبْنَى الْعِبَادَةِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْعَادَةِ (٣) .
وَاسْتَدَل لِلْكَرَاهَةِ، بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَْبَدَ (٤) .
_________
(١) حديث أبي سعيد الخدري: " فأيكم إذا أراد أن يواصل. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٢٠٢ ط. السلفية) .
(٢) مراقي الفلاح ص ٣٥١، وشرح الخرشي ٢ / ٢٤٣، وكشاف القناع ٢ / ٣٤٢، وروضة الطالبين ٢ / ٣٦٨.
(٣) مراقي الفلاح ص (٣٥١) والدر المختار ورد المحتار ٢ / ٨٤، والقوانين الفقهية ص ٧٨، وكشاف القناع ٢ / ٣٣٨.
(٤) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: " لا صام من صام الأبد ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٢٢١ ط. السلفية) ومسلم (٢ / ٨١٥ ط. الحلبي) .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ ﵁ قَال: قَال عُمَرُ: يَا رَسُول اللَّهِ، كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟ قَال: لاَ صَامَ وَلاَ أَفْطَرَ، أَوْ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ (١) أَيْ: لَمْ يُحَصِّل أَجْرَ الصَّوْمِ لِمُخَالَفَتِهِ، وَلَمْ يُفْطِرْ لأَِنَّهُ أَمْسَكَ.
وَقَال الْغَزَالِيُّ: هُوَ مَسْنُونٌ (٢) .
وَقَال الأَْكْثَرُونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ خَافَ مِنْهُ ضَرَرًا، أَوْ فَوَّتَ بِهِ حَقًّا كُرِهَ، وَإِلاَّ فَلاَ.
وَالْمُرَادُ بِصَوْمِ الدَّهْرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: سَرْدُ الصَّوْمِ فِي جَمِيعِ الأَْيَّامِ إِلاَّ الأَْيَّامَ الَّتِي لاَ يَصِحُّ صَوْمُهَا، وَهِيَ الْعِيدَانِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ (٣) .
الصَّوْمُ الْمُحَرَّمُ:
٢٠ - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ الأَْيَّامِ التَّالِيَةِ:
أ - صَوْمِ يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ عِيدِ الأَْضْحَى، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهِيَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ (٤) .
_________
(١) حديث أبي قتادة: " قال عمر: يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله؟ . . . ". أخرجه مسلم (٢ / ٨١٩ ط. الحلبي) .
(٢) نيل الأوطار ٤ / ٢٥٥، والوجيز ص ١٠٥، وانظر شرح المنهج ٢ / ٣٥١.
(٣) المجموع ٦ / ٣٨٨.
(٤) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص ٣٥١، والبدائع ٢ / ٧٨، والقوانين الفقهية ص ٧٨، وشرح المحلي على المنهاج ٢ / ٦٠ و٤ / ٢٩٠، وكشاف القناع ٢ / ٣٤٢.
وَذَلِكَ لأَِنَّ هَذِهِ الأَْيَّامَ مُنِعَ صَوْمُهَا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ (١) وَحَدِيثِ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَذِكْرِ اللَّهِ ﷿ (٢) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الصَّوْمِ فِيهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، لِمَا فِي صَوْمِهَا مِنَ الإِْعْرَاضِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَالْكَرَاهَةُ لَيْسَتْ لِذَاتِ الْيَوْمِ، بَل لِمَعْنًى خَارِجٍ مُجَاوِرٍ، كَالْبَيْعِ عِنْدَ الأَْذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، حَتَّى لَوْ نَذَرَ صَوْمَهَا صَحَّ، وَيُفْطِرُ وُجُوبًا تَحَامِيًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَيَقْضِيهَا إِسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ، وَلَوْ صَامَهَا خَرَجَ عَنِ الْعُهْدَةِ، مَعَ الْحُرْمَةِ (٣) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ صَوْمَهَا لاَ يَصِحُّ فَرْضًا وَلاَ نَفْلًا، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَصُومُهَا عَنِ الْفَرْضِ.
وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ: صَوْمَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، وَنَقَل الْمِرْدَاوِيُّ أَنَّهَا الْمَذْهَبُ، لِقَوْل ابْنِ عُمَرَ
_________
(١) حديث أبي سعيد: " نهى عن صيام يومين. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٢٣٩ ط. السلفية) ومسلم (٢ / ٨٠٠ ط. الحلبي) واللفظ لمسلم.
(٢) حديث نبيشة الهذلي: " أيام التشريق. . . ". أخرجه مسلم (٢ / ٨٠٠ ط. الحلبي) .
(٣) الدر المختار ورد المحتار ٢ / ١٢٤.
وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلاَّ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ.
وَهَذَا هُوَ الْقَدِيمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالأَْصَحُّ الَّذِي اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ مَا فِي الْجَدِيدِ، وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الصَّوْمِ فِيهَا مُطْلَقًا (١) .
قَال الْغَزَالِيُّ: وَأَمَّا صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ، فَقَطَعَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِبُطْلاَنِهِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَظْهَرِ انْصِرَافُ النَّهْيِ عَنْ عَيْنِهِ وَوَصْفِهِ، وَلَمْ يَرْتَضِ قَوْلَهُمْ: إِنَّهُ نَهَى عَنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ بِالأَْكْل (٢) .
ب - وَيَحْرُمُ صِيَامُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَصِيَامُ مَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلاَكَ بِصَوْمِهِ (٣) .
ثُبُوتُ هِلاَل شَهْرِ رَمَضَانَ:
٢١ - يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِإِكْمَال شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا اتِّفَاقًا، أَوْ رُؤْيَةِ الْهِلاَل لَيْلَةَ الثَّلاَثِينَ، وَفِي ثُبُوتِ الرُّؤْيَةِ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (رُؤْيَة) ف ٢ (وَرَمَضَان) ف ٢
صَوْمُ مَنْ رَأَى الْهِلاَل وَحْدَهُ:
٢٢ - مَنْ رَأَى هِلاَل رَمَضَانَ وَحْدَهُ، وَرُدَّتْ
_________
(١) انظر القوانين الفقهية ص (٧٨)، والمجموع شرح المهذب للنووي ٦ / ٤٤٤، ٤٤٥ ط دار الفكر، وكشاف القناع ٢ / ٣٤٢، والمغني ٢ / ٩٧، والإنصاف ٢ / ٣٥١ و٣٥٢.
(٢) المستصفى ١ / ٨١ ط دار الكتب العلمية. بيروت.
(٣) القوانين الفقهية ص ٧٨.
شَهَادَتُهُ، لَزِمَهُ الصَّوْمُ وُجُوبًا، عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ) وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَذَلِكَ لِلآْيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (١) . وَلِحَدِيثِ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ (٢) . . . وَحَدِيثِ: الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ (٣) .
وَلأَِنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، فَلَزِمَهُ صَوْمُهُ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لاَ يَصُومُ إِلاَّ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ.
وَقِيل: يَصُومُ نَدْبًا احْتِيَاطًا، كَمَا ذَكَرَهُ الْكَاسَانِيُّ (٤) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِذَا اعْتَقَدَ عَدَمَ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ لِجَهْلِهِ فَقَوْلاَنِ عِنْدَهُمْ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، لأَِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الْعِيَانِ بَيَانٌ، أَوْ عَدَمَ وُجُوبِ
_________
(١) سورة البقرة / ١٨٥.
(٢) حديث: " صوموا لرؤيته ". أخرجه البخاري (٤ / ١١٩) ومسلم (٢ / ٧٦٢) من حديث أبي هريرة.
(٣) حديث: " الصوم يوم تصومون. . . ". أخرجه الترمذي (٣ / ٧١) من حديث أبي هريرة وقال: حديث حسن غريب.
(٤) انظر البدائع ٢ / ٨١، والدر المختار ورد المحتار ٢ / ٩٠ والمغني ٣ / ١٠ و١١.
الْكَفَّارَةِ، بِسَبَبِ عَدَمِ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى غَيْرِهِ (١) .
٢٣ - وَإِنْ رَأَى هِلاَل شَوَّالٍ وَحْدَهُ، لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، خَوْفَ التُّهْمَةِ وَسَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَقِيل: يُفْطِرُ إِنْ خَفِيَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَال أَشْهَبُ: يَنْوِي الْفِطْرَ بِقَلْبِهِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ، وَقَوْل الْجُمْهُورِ الَّذِينَ مِنْهُمُ الْمَالِكِيَّةُ - إِنْ أَفْطَرَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ عُثِرَ عَلَيْهِ عُوقِبَ إِنِ اتُّهِمَ، وَلاَ كَفَّارَةَ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، لِشُبْهَةِ الرَّدِّ (٢) .
وَقَال الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، لأَِنَّهُ تَيَقَّنَ مِنْ شَوَّالٍ، فَجَازَ لَهُ الأَْكْل كَمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ، لَكِنْ يُفْطِرُ سِرًّا، بِحَيْثُ لاَ يَرَاهُ أَحَدٌ، لأَِنَّهُ إِذَا أَظْهَرَ الْفِطْرَ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ، وَعُقُوبَةِ السُّلْطَانِ (٣) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ أَفْطَرَ مَنْ رَأَى الْهِلاَل وَحْدَهُ فِي الْوَقْتَيْنِ: رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ قَضَى وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ فِي رَمَضَانَ، صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا، وَلَوْ كَانَ فِطْرُهُ قَبْلَمَا رَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ الرَّاجِحِ، لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ، لأَِنَّ مَا رَآهُ يَحْتَمِل أَنْ
_________
(١) القوانين الفقهية ص ٧٩، وجواهر الإكليل ١ / ١٤٤ و١٤٥.
(٢) مراقي الفلاح ص ٣٥٧، والدر المختار ٢ / ٩٠، والمغني ٣ / ١١، والقوانين الفقهية ص ٧٩.
(٣) المجموع ٦ / ٢٧٦، والمغني والشرح الكبير ٣ / ١١.
يَكُونَ خَيَالًا، لاَ هِلاَلًا - كَمَا يَقُول الْحَصْكَفِيُّ -
وَقِيل: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِمَا - أَيْ فِي الْفِطْرِ وَفِي رَمَضَانَ - وَذَلِكَ لِلظَّاهِرِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْفِطْرِ، وَلِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ فِي رَمَضَانَ (١) .
رُكْنُ الصَّوْمِ:
٢٤ - رُكْنُ الصَّوْمِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ هُوَ: الإِْمْسَاكُ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ (٢)، وَذَلِكَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ، حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ.
وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَْسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل﴾ (٣) .
وَالْمُرَادُ مِنَ النَّصِّ: بَيَاضُ النَّهَارِ وَظُلْمَةُ اللَّيْل، لاَ حَقِيقَةُ الْخَيْطَيْنِ، فَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْجُمْلَةَ مِنَ الْمُفْطِرَاتِ لَيَالِيَ الصِّيَامِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالإِْمْسَاكِ عَنْهُنَّ فِي النَّهَارِ، فَدَل عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الصَّوْمِ وَقِوَامَهُ هُوَ ذَلِكَ الإِْمْسَاكُ (٤) .
شُرُوطُ وُجُوبِ الصَّوْمِ:
٢٥ - شُرُوطُ وُجُوبِ الصَّوْمِ، أَيِ: اشْتِغَال
_________
(١) مراقي الفلاح ص ٣٥٧، والدر المختار ورد المحتار ٢ / ٩٠.
(٢) مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح ص ٣٤٩، والبدائع ٢ / ٩٠، والشرح الكبير للدردير ١ / ٥٠٩، والقوانين الفقهية ص ٧٨، وشرح المنهج بحاشية الجمل ٢ / ٣١٠، وشرح المحلي وحاشية القليوبي عليه ٢ / ٥٢، والمغني والشرح الكبير ٣ / ٣.
(٣) سورة البقرة / ١٨٧.
(٤) تحفة الفقهاء للسمرقندي ١ / ٥٣٧ و٥٣٨، والبدائع ٢ / ٩٠.