الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨
ب - وَإِمَّا بِتَعْيِينِ الْعَبْدِ، كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ (١) .
وَأَمَّا صَوْمُ الدَّيْنِ، فَمَا لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، كَصَوْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَصَوْمِ كَفَّارَةِ الْقَتْل وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالإِْفْطَارِ فِي رَمَضَانَ، وَصَوْمِ مُتْعَةِ الْحَجِّ، وَصَوْمِ فِدْيَةِ الْحَلْقِ، وَصَوْمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَصَوْمِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ عَنِ الْوَقْتِ، وَصَوْمِ الْيَمِينِ، بِأَنْ قَال: وَاللَّهِ لأَصُومَنَّ شَهْرًا (٢) .
الصَّوْمُ الْمَفْرُوضُ:
يَنْقَسِمُ الصَّوْمُ الْمَفْرُوضُ مِنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، إِلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهُ مَا هُوَ مُتَتَابِعٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ غَيْرُ مُتَتَابِعٍ، بَل صَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ تَابَعَ، وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ.
أَوَّلًا: مَا يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ، وَيَشْمَل مَا يَلِي:
٩ - أ - صَوْمَ رَمَضَانَ، فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِصَوْمِ الشَّهْرِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (٣) وَالشَّهْرُ مُتَتَابِعٌ، لِتَتَابُعِ أَيَّامِهِ، فَيَكُونُ صَوْمُهُ مُتَتَابِعًا ضَرُورَةً.
ب - صَوْمَ كَفَّارَةِ الْقَتْل الْخَطَأِ، وَصَوْمَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالصَّوْمَ الْمَنْذُورَ بِهِ فِي وَقْتٍ
_________
(١) بدائع الصنائع ٢ / ٧٥.
(٢) نفس المرجع ٢ / ٧٦.
(٣) سورة البقرة / ١٨٥.
بِعَيْنِهِ، وَصَوْمَ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَتَابُع) (١) .
ثَانِيًا: مَا لاَ يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ، وَيَشْمَل مَا يَلِي:
١٠ - أ - قَضَاءَ رَمَضَانَ، فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّتَابُعِ فِيهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ (٢) فَإِنَّهُ ذَكَرَ الصَّوْمَ مُطْلَقًا عَنِ التَّتَابُعِ.
وَيُرْوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ: عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَعَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: " إِنْ شَاءَ تَابَعَ، وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ وَلَوْ كَانَ التَّتَابُعُ شَرْطًا، لَمَا احْتَمَل الْخَفَاءَ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّحَابَةِ، وَلَمَا احْتَمَل مُخَالَفَتَهُمْ إِيَّاهُ (٣) .
وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ هُوَ: نَدْبُ التَّتَابُعِ أَوِ اسْتِحْبَابُهُ لِلْمُسَارَعَةِ إِلَى إِسْقَاطِ الْفَرْضِ (٤)
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ تَتَابُعَهُ لأَِنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ عَلَى حَسَبِ الأَْدَاءِ، وَالأَْدَاءُ وَجَبَ مُتَتَابِعًا، فَكَذَا الْقَضَاءُ.
ب - الصَّوْمَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَفِي تَتَابُعِهِ خِلاَفٌ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَتَابُع) .
_________
(١) انظر الموسوعة الفقهية (جـ ١٠ / ف ٣، ٤) .
(٢) سورة البقرة / ١٨٤، وانظر أحكام القرآن للجصاص جـ ١ ص ٢٠٨.
(٣) البدائع ٢ / ٧٦، وانظر القوانين الفقهية: ٨٢.
(٤) جواهر الإكليل ١ / ١٤٦، وحاشية القليوبي على شرح المحلي على المنهاج (٢ / ٦٤ ط: دار إحياء الكتب العربية، لعيسى البابي الحلبي) والروض المربع (١ / ١٤٤ ط: دار الكتب العلمية، بيروت) . وتبيين الحقائق ١ / ٣٣٦.
ج - صَوْمَ الْمُتْعَةِ فِي الْحَجِّ، وَصَوْمَ كَفَّارَةِ الْحَلْقِ، وَصَوْمَ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَصَوْمَ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ، وَصَوْمَ الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ. قَال اللَّهُ ﷿ فِي صَوْمِ الْمُتْعَةِ: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ (١) . . .
وَقَال فِي كَفَّارَةِ الْحَلْقِ: ﴿وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ (٢) . . . .
وَقَال فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ: ﴿أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَال أَمْرِهِ﴾ (٣) فَذَكَرَ الصَّوْمَ فِي هَذِهِ الآْيَاتِ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ التَّتَابُعِ (٤) .
وَكَذَا: النَّاذِرُ، وَالْحَالِفُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ، وَالْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ، ذَكَرَ الصَّوْمَ فِيهَا مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ التَّتَابُعِ.
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (نَذْر، وَأَيْمَان) .
الصَّوْمُ الْمُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِهِ، وَيَشْمَل مَا يَلِي:
الأَْوَّل وَهُوَ: قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ صَوْمِ النَّفْل
_________
(١) سورة البقرة / ١٩٦.
(٢) سورة البقرة / ١٩٦.
(٣) سورة المائدة / ٩٥.
(٤) البدائع ٢ / ٧٦، وانظر حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح / ٣٥٠، وجواهر الإكليل ١ / ١٤٦.
١١ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ قَضَاءَ نَفْل الصَّوْمِ إِذَا أَفْسَدَهُ وَاجِبٌ، وَاسْتَدَل لَهُ الْحَنَفِيَّةُ: بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ، فَعُرِضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ. فَجَاءَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَبَدَرَتْنِي إِلَيْهِ حَفْصَةُ - وَكَانَتِ ابْنَةَ أَبِيهَا - فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا صَائِمَتَيْنِ فَعُرِضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ، قَال: اقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ مَكَانَهُ (١) .
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ خَرَجَ يَوْمًا عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَال: " إِنِّي أَصْبَحْتُ صَائِمًا، فَمَرَّتْ بِي جَارِيَةٌ لِي، فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا، فَمَا تَرَوْنَ؟ فَقَال عَلِيٌّ: أَصَبْتَ حَلاَلًا، وَتَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، كَمَا قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ. قَال عُمَرُ: أَنْتَ أَحْسَنُهُمْ فُتْيَا (٢) .
وَلأَِنَّ مَا أَتَى بِهِ قُرْبَةً، فَيَجِبُ صِيَانَتُهُ وَحِفْظُهُ عَنِ الْبُطْلاَنِ، وَقَضَاؤُهُ عِنْدَ الإِْفْسَادِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ (٣) وَلاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ إِلاَّ بِإِتْيَانِ الْبَاقِي، فَيَجِبُ إِتْمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ عِنْدَ الإِْفْسَادِ ضَرُورَةً، فَصَارَ كَالْحَجِّ
_________
(١) حديث عائشة: " كنت أنا وحفصة صائمتين. . . ". أخرجه الترمذي ٣ / ١٠٣، وصوب إرساله.
(٢) تبيين الحقائق ١ / ٣٣٨.
(٣) سورة محمد / ٣٣.
وَالْعُمْرَةِ الْمُتَطَوَّعَيْنِ (١) .
وَالْحَنَفِيَّةُ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ إِذَا فَسَدَ صَوْمُ النَّافِلَةِ عَنْ قَصْدٍ، أَوْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ عَرَضَ الْحَيْضُ لِلصَّائِمَةِ الْمُتَطَوِّعَةِ.
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الإِْفْسَادِ نَفْسِهِ، هَل يُبَاحُ أَوْ لاَ؟ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، أَنَّهُ لاَ يُبَاحُ إِلاَّ بِعُذْرٍ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، هِيَ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى: يُبَاحُ بِلاَ عُذْرٍ، وَاسْتَوْجَهَهَا الْكَمَال إِذْ قَال: وَاعْتِقَادِي أَنَّ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى أَوْجَهُ (٢) لَكِنْ قُيِّدَتْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِنْ نِيَّتِهِ الْقَضَاءُ (٣) .
وَاخْتَلَفُوا - عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ - هَل الضِّيَافَةُ عُذْرٌ أَوْ لاَ؟ .
قَال فِي الدُّرِّ: وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ، إِنْ كَانَ صَاحِبُهَا مِمَّنْ لاَ يَرْضَى بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ، وَيَتَأَذَّى بِتَرْكِ الإِْفْطَارِ، فَيُفْطِرُ، وَإِلاَّ لاَ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالطَّلاَقِ الثَّلاَثِ، أَفْطَرَ وَلَوْ كَانَ صَوْمُهُ قَضَاءً، وَلاَ يُحَنِّثُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
وَقِيل: إِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ يَرْضَى بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُل، لاَ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ. وَإِنْ كَانَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ يُفْطِرُ.
وَهَذَا إِذَا كَانَ قَبْل الزَّوَال، أَمَّا بَعْدَهُ فَلاَ،
_________
(١) تبيين الحقائق ١ / ٣٣٨، والهداية وشروحها ٢ / ٢٨٠، وانظر الشرح الكبير للدردير بحاشية الدسوقي ١ / ٥٢٧.
(٢) فتح القدير شرح الهداية ٢ / ٢٨٠.
(٣) الدر المختار ٢ / ١٢١.
إِلاَّ لأَِحَدِ أَبَوَيْهِ إِلَى الْعَصْرِ، لاَ بَعْدَهُ (١) . - وَالْمَالِكِيَّةُ أَوْجَبُوا الْقَضَاءَ بِالْفِطْرِ الْعَمْدِ الْحَرَامِ، احْتِرَازًا عَنِ الْفِطْرِ نِسْيَانًا أَوْ إِكْرَاهًا، أَوْ بِسَبَبِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، أَوْ خَوْفِ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتِهِ، أَوْ شِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ، حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ لِحَلِفِ شَخْصٍ عَلَيْهِ بِطَلاَقٍ بَاتٍّ، فَلاَ يَجُوزُ الْفِطْرُ، وَإِنْ أَفْطَرَ قَضَى.
وَاسْتَثْنَوْا مَا إِذَا كَانَ لِفِطْرِهِ وَجْهٌ: - كَأَنْ حَلَفَ بِطَلاَقِهَا، وَيَخْشَى أَنْ لاَ يَتْرُكَهَا إِنْ حَنِثَ، فَيَجُوزُ الْفِطْرُ وَلاَ قَضَاءَ.
- أَوْ أَنْ يَأْمُرَهُ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ بِالْفِطْرِ، حَنَانًا وَإِشْفَاقًا عَلَيْهِ مِنْ إِدَامَةِ الصَّوْمِ، فَيَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ.
- أَوْ يَأْمُرُهُ أُسْتَاذُهُ أَوْ مُرَبِّيهِ بِالإِْفْطَارِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفِ الْوَالِدَانِ أَوِ الشَّيْخُ (٢) .
١٢ - وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، لاَ يُوجِبُونَ إِتْمَامَ نَافِلَةِ الصَّوْمِ، وَلاَ يُوجِبُونَ قَضَاءَهَا إِنْ فَسَدَتْ، وَذَلِكَ: - لِقَوْل عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا يَا رَسُول اللَّهِ، أُهْدِيَ إِلَيْنَا حَيْسٌ (٣) فَقَال: أَرِنِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا. فَأَكَل وَزَادَ النَّسَائِيُّ: إِنَّمَا مِثْل صَوْمِ الْمُتَطَوِّعِ مِثْل الرَّجُل
_________
(١) نفس المرجع ٢ / ١٢١ و١٢٢.
(٢) انظر الشرح الكبير للدردير بحاشية الدسوقي ١ / ٥٢٧.
(٣) جواهر الإكليل شرح مختصر سيدي خليل، للأبي (١ / ١٥٠ ط: دار المعرفة بيروت) . الحيس: تمر مخلوط بسمن وأقط.
يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا (١) .
وَلِحَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ دَخَل عَلَيْهَا، فَدَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ، فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ، أَمَا إِنِّي كُنْتُ صَائِمَةً، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِينُ نَفْسِهِ، إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَفِي رِوَايَةٍ: أَمِيرُ نَفْسِهِ (٢) .
وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: صَنَعْتُ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ طَعَامًا، فَأَتَانِي هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمَّا وُضِعَ الطَّعَامُ قَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: دَعَاكُمْ أَخُوكُمْ، وَتَكَلَّفَ لَكُمْ. ثُمَّ قَال لَهُ: أَفْطِرْ، وَصُمْ مَكَانَهُ يَوْمًا إِنْ شِئْتَ (٣) .
وَلأَِنَّ الْقَضَاءَ يَتْبَعُ الْمَقْضِيَّ عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ
_________
(١) حديث عائشة: " يا رسول الله! أهدي لنا حيس ". أخرجه مسلم (٢ / ٨٠٩ ط الحلبي) وزيادة النسائي في سننه (٤ / ١٩٣، ١٩٤) .
(٢) حديث أم هانئ: " الصائم المتطوع أمين نفسه. . . ". أخرجه الترمذي (٣ / ١٠٠) والبيهقي (٤ / ٢٧٦) وقال ابن التركماني في هامش السنن للبيهقي (٤ / ٢٧٨): هذا الحديث مضطرب إسنادا ومتنا.
(٣) حديث أبي سعيد: " صنعت لرسول الله ﷺ طعاما. . . ". أخرجه البيهقي (٤ / ٢٧٩ - ط دائرة المعارف العثمانية) وحسن ابن حجر إسناده في الفتح (٤ / ٢١٠ ط السلفية) .
وَاجِبًا، لَمْ يَكُنِ الْقَضَاءُ وَاجِبًا، بَل يُسْتَحَبُّ (١) .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي نَافِلَةِ صَوْمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الإِْتْمَامُ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ، وَلاَ كَرَاهَةَ وَلاَ قَضَاءَ فِي قَطْعِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مَعَ الْعُذْرِ (٢) .
أَمَّا مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ فَيُكْرَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ (٣) وَمِنَ الْعُذْرِ أَنْ يَعِزَّ عَلَى مَنْ ضَيَّفَهُ امْتِنَاعُهُ مِنَ الأَْكْل.
وَإِذَا أَفْطَرَ فَإِنَّهُ لاَ يُثَابُ عَلَى مَا مَضَى إِنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَإِلاَّ أُثِيبَ (٤) .
الثَّانِي: صَوْمُ الاِعْتِكَافِ، وَفِيهِ خِلاَفٌ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (اعْتِكَاف ج ٥ ف ١٧) .
صَوْمُ التَّطَوُّعِ:
١٣ - وَهُوَ:
١ - صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ.
٢ - صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ.
_________
(١) كشاف القناع عن متن الإقناع، للبهوتي (٢ / ٣٤٣ ط: مكتبة النصر. الرياض) .
(٢) شرح المحلي وحاشية القليوبي عليه (٢ / ٧٤، والروض المربع ١ / ١٤٦) .
(٣) سورة محمد / ٣٣.
(٤) شرح المنهج وحاشية الجمل عليه (٢ / ٣٥٣، وروضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي ٢ / ٣٨٦ ط: المكتب الإسلامي. بيروت) .
٣ - صَوْمُ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ مِنْ كُل أُسْبُوعٍ.
٤ - صِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ، وَهِيَ الأَْيَّامُ الْبِيضُ.
٥ - صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ.
٦ - صَوْمُ شَهْرِ شَعْبَانَ.
٧ - صَوْمُ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ.
٨ - صَوْمُ شَهْرِ رَجَبٍ.
٩ - صِيَامُ مَا ثَبَتَ طَلَبُهُ وَالْوَعْدُ عَلَيْهِ فِي السُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ.
وَتَفْصِيل أَحْكَامِ هَذَا الصَّوْمِ فِي مُصْطَلَحِ: (صَوْمُ التَّطَوُّعِ)
الصَّوْمُ الْمَكْرُوهُ، وَيَشْمَل مَا يَلِي:
أ - إِفْرَادَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ:
١٤ - نَصَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ الْجُمْهُورُ (١)، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لاَ تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلاَّ وَقَبْلَهُ يَوْمٌ، أَوْ بَعْدَهُ يَوْمٌ (٢)، وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ
_________
(١) مراقي الفلاح / ٣٥١، والقوانين الفقهية (٧٨) وروضة الطالبين ٢ / ٣٨٧، والروض المربع ١ / ١٤٥، وكشاف القناع ٢ / ٣٤٠.
(٢) حديث أبي هريرة: " لا تصوموا يوم الجمعة. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٢٣٢ ط السلفية) ومسلم (٢ / ٨٠١ ط الحلبي) وأحمد (٢ / ٤٩٥)، واللفظ لأحمد.
عِيدٍ، فَلاَ تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ، إِلاَّ أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ (١) .
وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لاَ تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ (٢) .
وَذُكِرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِصَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ وَلاَ يُفْطِرُ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِـ (لاَ بَأْسَ) الاِسْتِحْبَابُ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَصْكَفِيُّ بِنَدْبِ صَوْمِهِ، وَلَوْ مُنْفَرِدًا (٣) . وَكَذَا الدَّرْدِيرُ صَرَّحَ بِنَدْبِ صَوْمِهِ وَحْدَهُ فَقَطْ، لاَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَال: فَإِنْ ضَمَّ إِلَيْهِ آخَرَ فَلاَ خِلاَفَ فِي نَدْبِهِ (٤) .
وَقَال الطَّحْطَاوِيُّ: ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ طَلَبُ صَوْمِهِ، وَالنَّهْيُ عَنْهُ، وَالأَْخِيرُ مِنْهُمَا: النَّهْيُ (٥) .
وَقَال أَبُو يُوسُفَ: جَاءَ حَدِيثٌ فِي كَرَاهَةِ
_________
(١) حديث: " إن يوم الجمعة يوم عيد. . . ". أخرجه أحمد (٢ / ٣٠٣) والحاكم (١ / ٤٣٧) واللفظ لأحمد، وأعله الذهبي بجهالة راو فيه.
(٢) حديث ابن عباس: " لا تصوموا يوم الجمعة وحده. . . ". أخرجه أحمد (١ / ١٩٩) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ١٩٩ - ط. القدسي) وقال: فيه الحسين بن عبد الله بن عبيد الله وثقه ابن معين وضعفه الأئمة
(٣) الدر المختار ٢ / ٨٣.
(٤) الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي ١ / ٥٣٤.
(٥) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (٣٥١) ورد المحتار ٢ / ٨٣.