الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨ الصفحة 27

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨

مَقَاتِل الصَّيْدِ؟ قَال: قَال مَالِكٌ: لاَ يُؤْكَل إِلاَّ مَا أَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ (١) .

ب - الاِصْطِيَادُ بِالْبُنْدُقِ:

٣٦ - يُطْلَقُ الْبُنْدُقُ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: مَا يُؤْكَل، وَمِنْهَا: مَا يُصْنَعُ مِنْ طِينَةٍ مُدَوَّرَةٍ أَوْ رَصَاصَةٍ يُرْمَى بِهَا الصَّيْدُ. وَالْوَاحِدَةُ بُنْدُقَةٌ، وَالْجَمْعُ بَنَادِقُ (٢) .

وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا: مَا يُرْمَى بِهِ الصَّيْدُ (٣) .

أَمَّا مَا يُصْنَعُ مِنَ الطِّينِ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَا قُتِل بِبُنْدُقَةِ الطِّينِ الثَّقِيلَةِ لاَ يَحِل أَكْلُهُ، لأَِنَّهَا تَقْتُل بِالثِّقَل لاَ بِالْحَدِّ (٤) .

قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلًا عَنْ قَاضِي خَانْ: لاَ يَحِل صَيْدُ الْبُنْدُقَةِ وَالْحَجَرِ وَالْمِعْرَاضِ وَالْعَصَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِنْ جَرَحَ، لأَِنَّهُ لاَ يَخْزِقُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَدْ حَدَّدَهُ وَطَوَّلَهُ، كَالسَّهْمِ، وَأَمْكَنَ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَخَزَقَهُ بِحَدِّهِ حَل أَكْلُهُ، فَأَمَّا الْجُرْحُ الَّذِي يَدُقُّ فِي الْبَاطِنِ وَلاَ يَخْزِقُ فِي الظَّاهِرِ لاَ يَحِل، لأَِنَّهُ لاَ يَحْصُل بِهِ إِنْهَارُ الدَّمِ، وَمُثَقَّل الْحَدِيدِ وَغَيْرِ الْحَدِيدِ سَوَاءٌ، إِنْ خَزَقَ حَل وَإِلاَّ فَلاَ (٥) .

_________

(١) المدونة الكبرى ٣ / ٥٧.

(٢) متن اللغة ولسان العرب والصحاح.

(٣) ابن عابدين ٥ / ٣٠٤، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ٢ / ١٠٣، ومغني المحتاج ٤ / ٢٧٤.

(٤) نفس المراجع، وانظر كشاف القناع ٦ / ٢١٩.

(٥) حاشية ابن عابدين على الدر المختار ٥ / ٣٠٤.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لاَ يَحِل مَا صِيدَ بِبُنْدُقِ الطِّينِ لأَِنَّهُ لاَ يَجْرَحُ، وَإِنَّمَا يَرُضُّ وَيَكْسِرُ (١) .

وَقَال النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ: فَلَوْ قَتَلَهُ بِمُثَقَّلٍ، أَوْ ثِقَلٍ مُحَدَّدٍ، كَبُنْدُقَةٍ وَسَوْطٍ - حَرُمَ، (٢) أَيِ الأَْكْل مِنْهُ.

وَقَال الْبُجَيْرِمِيُّ: وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بِحُرْمَةِ الرَّمْيِ بِالْبُنْدُقِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخَائِرِ، وَلَكِنْ أَفْتَى النَّوَوِيُّ بِجَوَازِهِ، أَيِ الرَّمْيِ بِالْبُنْدُقِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إِذَا كَانَ الصَّيْدُ لاَ يَمُوتُ فِيهِ غَالِبًا، كَالإِْوَزِّ، فَإِنْ مَاتَ كَالْعَصَافِيرِ فَيَحْرُمُ، فَلَوْ أَصَابَتْهُ الْبُنْدُقَةُ فَذَبَحَتْهُ بِقُوَّتِهَا، أَوْ قَطَعَتْ رَقَبَتَهُ حَرُمَ، وَهَذَا التَّفْصِيل هُوَ الْمُعْتَمَدُ (٣) .

وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ، وَعِبَارَتُهُ: فَإِنْ كَانَ يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا، كَالْعَصَافِيرِ وَصِغَارِ الْوَحْشِ حَرُمَ، كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، فَإِنِ احْتَمَل وَاحْتَمَل يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ (٤) .

وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: وَلاَ بُدَّ مِنْ جُرْحِهِ، أَيِ الصَّيْدِ بِالْمُحَدَّدِ، فَإِنْ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ لَمْ يُبَحْ، كَشَبَكَةٍ، وَفَخٍّ، وَبُنْدُقَةٍ، وَعَصَا، وَحَجَرٍ لاَ حَدَّ لَهُ، قَال الْبُهُوتِيُّ: وَلَوْ شَدَخَهُ أَوْ حَرَّقَهُ

_________

(١) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ٢ / ١٠٣.

(٢) مغني المحتاج ٤ / ٢٧٤.

(٣) البجيرمي على شرح المنهج ٤ / ٢٩٠.

(٤) مغني المحتاج ٤ / ١٧٤.

أَوْ قَطَعَ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ (١) .

وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْبُنْدُقِ الْمَصْنُوعِ مِنَ الطِّينِ أَوِ الرَّصَاصِ مِنْ غَيْرِ نَارٍ، أَمَّا مَا صُنِعَ مِنَ الْحَدِيدِ وَيُرْمَى بِالنَّارِ، فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ: فَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِالْحُرْمَةِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَلاَ يَخْفَى أَنَّ الْجُرْحَ بِالرَّصَاصِ إِنَّمَا هُوَ بِالإِْحْرَاقِ وَالثِّقَل بِوَاسِطَةِ انْدِفَاعِهِ الْعَنِيفِ، إِذْ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ نُجَيْمٍ (٢)، وَيَقُول الزَّيْلَعِيُّ: الْجُرْحُ لاَ بُدَّ مِنْهُ، وَالْبُنْدُقَةُ لاَ تَجْرَحُ (٣) .

وَقَال الْبُجَيْرِمِيُّ: أَمَّا مَا يُصْنَعُ مِنَ الْحَدِيدِ وَيُرْمَى بِالنَّارِ فَحَرَامٌ مُطْلَقًا، مَا لَمْ يَكُنِ الرَّامِي حَاذِقًا، وَقَصَدَ جَنَاحَهُ لإِزْمَانِهِ، وَأَصَابَهُ (٤) .

وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ بِحُرْمَةِ الاِصْطِيَادِ بِالْبُنْدُقَةِ فِيمَا يَمُوتُ بِهَا كَالْعَصَافِيرِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الاِصْطِيَادُ بِالْبُنْدُقَةِ بِوَاسِطَةِ نَارٍ أَمْ لاَ (٥) .

وَصَرَّحَ الدَّرْدِيرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِالْجَوَازِ حَيْثُ قَال: وَأَمَّا الرَّصَاصُ فَيُؤْكَل بِهِ لأَِنَّهُ أَقْوَى مِنَ السِّلاَحِ، كَذَا اعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ (٦) .

_________

(١) كشاف القناع ٦ / ٢١٩.

(٢) حاشية ابن عابدين على الدر المختار ٥ / ٣٠٤.

(٣) تبيين الحقائق ٦ / ٥٩.

(٤) البجيرمي على شرح المنهج ٤ / ٢٩٠.

(٥) حاشية القليوبي على شرح المنهاج ٤ / ٢٤٤.

(٦) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ٢ / ١٠٣.

ثُمَّ فَصَّل الدُّسُوقِيُّ فَقَال: الْحَاصِل أَنَّ الصَّيْدَ بِبُنْدُقِ الرَّصَاصِ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ نَصٌّ لِلْمُتَقَدِّمِينَ، لِحُدُوثِ الرَّمْيِ بِهِ بِحُدُوثِ الْبَارُودِ فِي وَسَطِ الْمِائَةِ الثَّامِنَةِ.

وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِالْمَنْعِ، قِيَاسًا عَلَى بُنْدُقِ الطِّينِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِالْجَوَازِ. . . . لِمَا فِيهِ مِنَ الإِْنْهَارِ وَالإِْجْهَازِ بِسُرْعَةٍ، الَّذِي شُرِعَتِ الذَّكَاةُ لأَِجْلِهِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى بُنْدُقِ الطِّينِ فَاسِدٌ لِوُجُودِ الْفَارِقِ، وَهُوَ وُجُودُ الْخَزْقِ وَالنُّفُوذِ فِي الرَّصَاصِ تَحْقِيقًا، وَعَدَمُ ذَلِكَ فِي بُنْدُقِ الطِّينِ، وَإِنَّمَا شَأْنُهُ الرَّضُّ وَالْكَسْرُ (١) .

ج - الاِصْطِيَادُ بِالسَّهْمِ الْمَسْمُومِ:

٣٧ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الاِصْطِيَادِ بِالسَّهْمِ الْمَسْمُومِ إِذَا تَيَقَّنَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَى قَتْل الصَّيْدِ أَوِ احْتُمِل ذَلِكَ، لأَِنَّهُ اجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُبِيحٌ وَمُحَرَّمٌ، فَغَلَبَ الْمُحَرَّمُ، كَمَا لَوِ اجْتَمَعَ سَهْمُ مَجُوسِيٍّ وَمُسْلِمٍ فِي قَتْل الْحَيَوَانِ. فَإِنْ لَمْ يُحْتَمَل ذَلِكَ فَلاَ يَحْرُمُ (٢) .

وَفَصَّل الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالُوا: مَا مَاتَ

_________

(١) الدسوقي مع الشرح الكبير ٢ / ١٠٣، ١٠٤.

(٢) المواق بهامش الحطاب ٣ / ٢١٧، وحاشية الجمل على شرح المنهج ٥ / ٢٤١، ومطالب أولي النهى ٦ / ٣٤٥، وكشاف القناع ٦ / ٢٢٠.

بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ وَلَمْ يَنْفُذْ مَقْتَلَهُ وَلاَ أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ طُرِحَ، فَإِنْ أَنْفَذَ السَّهْمُ مَقَاتِلَهُ قَبْل أَنْ يَسْرِيَ السُّمُّ فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ، إِلاَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ، خَوْفًا مِنْ أَذَى السُّمِّ، قَال الْمَوَّاقُ نَقْلًا عَنِ الْبَاجِيِّ: فَإِنْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ فَقَدْ ذَهَبَتْ عِلَّةُ الْخَوْفِ مِنْ أَنْ يُعِينَ عَلَى قَتْلِهِ السُّمُّ، وَبَقِيَتْ عِلَّةُ الْخَوْفِ مِنْ أَكْلِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنَ السُّمُومِ الَّتِي يُؤْمَنُ عَلَى أَكْلِهَا كَالْبَقْلَةِ فَقَدِ ارْتَفَعَتِ الْعِلَّتَانِ، وَجَازَ أَكْلُهُ عَلَى قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ.

وَإِذَا رَمَى بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ وَلَمْ يَنْفُذْ مَقَاتِلَهُ، وَأُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ، قَال ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لاَ يُؤْكَل، وَنَحْوَهُ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَال سَحْنُونٌ: إِنَّهُ يُؤْكَل، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ، لأَِنَّهُ قَدْ ذُكِيَ وَحَيَاتُهُ فِيهِ مُجْتَمِعَةٌ قَبْل أَنْ يُنْفِذَ مَقَاتِلَهُ (١) .

ثَانِيًا - الْحَيَوَانُ:

٣٨ - يَجُوزُ الاِصْطِيَادُ بِالْحَيَوَانِ الْمُعَلَّمِ وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِالْجَوَارِحِ، مِنَ الْكِلاَبِ وَالسِّبَاعِ وَالطُّيُورِ مِمَّا لَهُ نَابٌ أَوْ مِخْلَبٌ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ وَالْفَهْدُ وَالنَّمِرُ وَالأَْسَدُ وَالْبَازِي وَسَائِرُ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ، كَالشَّاهِينِ وَالْبَاشِقِ وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهَا.

فَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ كُل مَا يَقْبَل التَّعْلِيمَ وَعُلِّمَ

_________

(١) التاج والإكليل بهامش الحطاب ٣ / ٢١٧.

يَجُوزُ الاِصْطِيَادُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ (١) وَسَيَأْتِي مَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ.

وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي الْحَيَوَانِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُؤْكَل لَحْمُهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، كَمَا لاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ.

وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷾ ﴿أُحِل لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ (٢) .

وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ مِنْ ذَلِكَ الْخِنْزِيرَ، فَلاَ يَحِل الاِصْطِيَادُ بِهِ، لأَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ (٣) .

وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ كَذَلِكَ الْكَلْبَ الأَْسْوَدَ، وَالْبَهِيمَ الأَْسْوَدَ، وَهُوَ مَا لاَ بَيَاضَ فِيهِ، أَوْ كَانَ أَسْوَدَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُكْتَتَانِ، قَال الْبُهُوتِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ (٤) .

وَوَجْهُ الاِسْتِثْنَاءِ: مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ ﵁ مَرْفُوعًا: عَلَيْكُمْ بِالأَْسْوَدِ

_________

(١) تبيين الحقائق للزيلعي ٦ / ٥٠ - ٥١، وابن عابدين على الدر المختار ٥ / ٢٩٨، والقوانين الفقهية ص ١٨١، وحاشية الدسوقي مع الشرح الكبير للدردير ٢ / ١٠٤، ١٠٥، ومغني المحتاج ٤ / ٢٧٥، وكشاف القناع ٦ / ٢٢٢، ٢٢٥.

(٢) سورة المائدة / ٤.

(٣) الزيلعي ٦ / ٥١، وكشاف القناع ٦ / ٢٢٣، وانظر الشبراملسي بذيل نهاية المحتاج ٨ / ١١٤.

(٤) كشاف القناع ٦ / ٢٢٢.

الْبَهِيمِ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ (١) فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ (٢) قَالُوا: فَيَحْرُمُ صَيْدُهُ، لأَِنَّهُ ﷺ أَمَرَ بِقَتْلِهِ.

وَاسْتَثْنَى أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْجَوَارِحِ الأَْسَدَ وَالدُّبَّ؛ لأَِنَّهُمَا لاَ يَعْمَلاَنِ لِغَيْرِهِمَا، أَمَّا الأَْسَدُ فَلِعُلُوِّ هِمَّتِهِ، وَأَمَّا الدُّبُّ فَلِخَسَاسَتِهِ، وَلأَِنَّهُمَا لاَ يَتَعَلَّمَانِ عَادَةً.

وَأَلْحَقَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الْحِدَأَةَ بِهِمَا لِخَسَاسَتِهَا (٣) .

وَاسْتَثْنَى ابْنُ جُزَيٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ النِّمْسَ، فَلاَ يُؤْكَل مَا قَتَل، لأَِنَّهُ لاَ يَقْبَل التَّعْلِيمَ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ: أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى كَوْنِهِ عُلِّمَ بِالْفِعْل، وَلَوْ فِي نَوْعِ مَا لاَ يَقْبَل التَّعْلِيمَ، كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَنِمْسٍ، كَمَا قَال الْعَدَوِيُّ (٤) .

وَيُشْتَرَطُ فِي الْحَيَوَانِ الشُّرُوطُ التَّالِيَةُ:

٣٩ - الشَّرْطُ الأَْوَّل:

يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾ (٥) وَلِقَوْلِهِ ﷺ لأَِبِي ثَعْلَبَةَ ﵁: مَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُل، وَمَا صِدْتَ

_________

(١) الطفية: خوصة المقل (المصباح المنير)، وكشاف القناع ٦ / ٢٢٢.

(٢) حديث: " عليكم بالأسود البهيم ". أخرجه مسلم (٣ / ١٢٠٠) .

(٣) كشاف القناع ٦ / ٢٢٢، والزيلعي ٦ / ٧٠، ٧١.

(٤) القوانين الفقهية ص ١٨١، وحاشية العدوي على شرح الرسالة ١ / ٥٢٠.

(٥) سورة المائدة / ٤.

بِكَلْبِكَ غَيْرِ مُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُل (١) .

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ أَنَّهُ إِذَا أُرْسِل أَطَاعَ وَإِذَا زُجِرَ انْزَجَرَ (٢) .

وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ شَرْطًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا أَمْسَكَ لَمْ يَأْكُل، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ ﷺ: إِلاَّ أَنْ يَأْكُل الْكَلْبُ فَلاَ تَأْكُل، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ (٣) .

وَيُشْتَرَطُ هَذَا فِي جَارِحَةِ الطَّيْرِ - أَيْضًا - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْظْهَرِ، قِيَاسًا عَلَى جَارِحَةِ السِّبَاعِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ هَذَا الشَّرْطُ فِي جَارِحَةِ الطَّيْرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، لأَِنَّهَا لاَ تَحْتَمِل الضَّرْبَ لِتَتَعَلَّمَ تَرْكَ الأَْكْل، بِخِلاَفِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ، وَلِقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: إِذَا أَكَل الْكَلْبُ فَلاَ تَأْكُل، وَإِنْ أَكَل الصَّقْرُ فَكُل (٤) .

وَإِنْ شَرِبَ الْكَلْبُ وَنَحْوُهُ دَمَ الصَّيْدِ وَلَمْ

_________

(١) حديث: أبي ثعلبة: " ما صدت بكلبك المعلم. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٩ / ٦٠٥) ومسلم (٣ / ١٥٣٢) واللفظ للبخاري.

(٢) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ٢ / ١٠٣، ١٠٤، ومغني المحتاج ٤ / ٢٧٥، وكشاف القناع ٦ / ٢٢٣.

(٣) مغني المحتاج ٤ / ٢٧٥، وكشاف القناع ٦ / ٢٢٣. وحديث: " إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٩ / ٦١٢) .

(٤) مغني المحتاج ٤ / ٢٧٥، وكشاف القناع ٦ / ٢٢٣، ٢٢٤.

يَأْكُل مِنْهُ لَمْ يَحْرُمْ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (١) .

وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ هَذِهِ الأُْمُورِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي التَّعْلِيمِ بِحَيْثُ يُظَنُّ تَأَدُّبُ الْجَارِحَةِ، وَلاَ يَنْضَبِطُ ذَلِكَ بِعَدَدٍ، بَل الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إِلَى أَهْل الْخِبْرَةِ بِالْجَوَارِحِ.

وَلَوْ ظَهَرَ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الشُّرُوطِ كَوْنُهُ مُعَلَّمًا، ثُمَّ أَكَل مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ لَمْ يَحِل ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَهُمْ، فَيُشْتَرَطُ تَعْلِيمٌ جَدِيدٌ (٢) .

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يُعْتَبَرُ تَكْرَارُ تَرْكِ الأَْكْل، بَل يَحْصُل التَّعْلِيمُ بِتَرْكِ الأَْكْل مَرَّةً، لأَِنَّهُ تَعَلَّمَ صَنْعَةً أَشْبَهَ سَائِرَ الصَّنَائِعِ، فَإِنْ أَكَل بَعْدَ تَعْلِيمِهِ لَمْ يَحْرُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَيْدِهِ، لِعُمُومِ الآْيَةِ وَالأَْخْبَارِ، وَلَمْ يُبَحْ مَا أَكَل مِنْهُ، وَلَمْ يَخْرُجْ بِالأَْكْل عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا، فَيُبَاحُ مَا صَادَهُ بَعْدَ الَّذِي أَكَل مِنْهُ (٣) .

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عِصْيَانُ الْمُعَلَّمِ مَرَّةً لاَ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا، كَمَا لاَ يَكُونُ مُعَلَّمًا بِطَاعَتِهِ مَرَّةً، بَل الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ كَافٍ (٤) .

وَقَال الدُّسُوقِيُّ: إِنَّ شَرْطَ الاِنْزِجَارِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْبَازِي، لأَِنَّهُ لاَ يَنْزَجِرُ بِالزَّجْرِ بَل

_________

(١) المرجعين السابقين، ومطالب أولي النهى ٦ / ٣٥٠، وحاشية البجيرمي على شرح المنهج ٤ / ٢٩٠.

(٢) مغني المحتاج ٤ / ٢٧٥، ٢٧٦.

(٣) كشاف القناع ٦ / ٢٢٣، ٢٢٤.

(٤) حاشية العدوي على شرح الرسالة ١ / ٥٢٠، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ٢ / ١٠٤.

رَجَّحَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ اعْتِبَارِ الاِنْزِجَارِ مُطْلَقًا، لأَِنَّ الْجَارِحَ لاَ يَرْجِعُ بَعْدَ اسْتِيلاَئِهِ (١) .

وَقَال الصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ التَّعْلِيمَ فِي الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ يَكُونُ بِتَرْكِ الأَْكْل ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَفِي الْبَازِي وَنَحْوِهِ مِنَ الطُّيُورِ بِالرُّجُوعِ إِذَا دُعِيَ، قَال الزَّيْلَعِيُّ: رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄. . . وَإِنَّمَا شَرَطَ تَرْكَ الأَْكْل ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. . . لأَِنَّ تَعَلُّمَهُ يُعْرَفُ بِتَكْرَارِ التَّجَارِبِ وَالاِمْتِحَانِ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ يَثْبُتُ التَّعَلُّمُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنْ قَدْ تَعَلَّمَ، وَلاَ يُقَدَّرُ بِشَيْءٍ، لأَِنَّ الْمَقَادِيرَ تُعْرَفُ بِالنَّصِّ لاَ بِالاِجْتِهَادِ. وَلاَ نَصَّ هُنَا، فَيُفَوَّضُ إِلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ، كَمَا هُوَ دَأْبُهُ، وَلأَِنَّ مُدَّةَ التَّعَلُّمِ تَخْتَلِفُ بِالْحَذَاقَةِ وَالْبَلاَدَةِ، فَلاَ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا (٢) .

قَال ابْنُ عَابِدِينَ: ظَاهِرُ الْمُلْتَقَى تَرْجِيحُ عَدَمِ التَّقْدِيرِ (٣) .

أَمَّا شُرْبُ الْجَارِحِ دَمَ الْمَصِيدِ فَلاَ يَضُرُّ عِنْدَ الْجَمِيعِ (٤) .

٤٠ - الشَّرْطُ الثَّانِي:

أَنْ يَجْرَحَ الْحَيَوَانُ الصَّيْدَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ

_________

(١) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ٢ / ١٠٤.

(٢) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ٦ / ٥١.

(٣) ابن عابدين ٥ / ٢٩٩.

(٤) نفس المرجع.