الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨ الصفحة 26

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨

وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْل ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ وَعَطَاءٍ وَرَبِيعَةَ وَإِسْحَاقَ. وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ يَقُولُونَ: إِنْ كَانَتِ الْجِرَاحَةُ مُوحِيَةً كَأَنْ ذَبَحَهُ أَوْ أَبَانَ حَشْوَتَهُ لَمْ يَضُرَّ وُقُوعُهُ فِي الْمَاءِ، وَلاَ تَرَدِّيهِ، لأَِنَّ هَذَا صَارَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ بِالذَّبْحِ، فَلاَ يُؤَثِّرُ فِيهِ مَا أَصَابَهُ (١) .

وَلَوْ وَقَعَ الصَّيْدُ فِي الْمَاءِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَقْتُلُهُ، مِثْل أَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ خَارِجًا مِنَ الْمَاءِ، أَوْ يَكُونَ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي لاَ يَقْتُلُهُ الْمَاءُ، أَوْ كَانَ التَّرَدِّي لاَ يَقْتُل مِثْل ذَلِكَ الْحَيَوَانِ فَلاَ خِلاَفَ فِي إِبَاحَتِهِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلاَ تَأْكُل (٢)، وَلأَِنَّ الْوُقُوعَ فِي الْمَاءِ وَالتَّرَدِّي إِنَّمَا حُرِّمَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا أَوْ مُعِينًا عَلَى الْقَتْل، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ (٣) .

وَكَذَلِكَ إِذَا وَقَعَ عَلَى الأَْرْضِ ابْتِدَاءً، بَعْدَ أَنْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَمَاتَ حَل؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ كَيْ لاَ يَنْسَدَّ بَابُ الاِصْطِيَادِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، لأَِنَّ اعْتِبَارَهُ لاَ يُؤَدِّي إِلَى سَدِّ بَابِهِ، وَلاَ يُؤَدِّي إِلَى الْحَرَجِ، فَأَمْكَنَ تَرْجِيحُ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى مَا هُوَ الأَْصْل فِي الشَّرْعِ (٤) .

_________

(١) المغني لابن قدامة ٨ / ٥٥٥، والمراجع السابقة.

(٢) حديث: " وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل. . . ". أخرجه مسلم (٣ / ١٥٣١) .

(٣) المراجع السابقة.

(٤) الزيلعي ٦ / ٥٨، ومغني المحتاج ٤ / ٣٧٤.

هَذَا، وَإِذَا أَدْرَكَ الصَّيْدَ حَيًّا غَيْرَ مَنْفُوذِ مَقْتَلٍ لَمْ يُؤْكَل إِلاَّ بِذَكَاةٍ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، كَمَا قَدَّمْنَا. وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (١) .

حُكْمُ جُزْءِ الْمَصِيدِ:

٢٩ - إِذَا رَمَى صَيْدًا فَأَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا، وَبَقِيَ الصَّيْدُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً يَحْرُمُ الْعُضْوُ الْمُبَانُ بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِهِ ﷺ: مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَا قُطِعَ مِنْهَا فَهُوَ مَيْتَةٌ (٢) .

أَمَّا الْمَقْطُوعُ مِنْهُ، وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْحَيُّ، فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ ذَكَاةٍ، وَإِلاَّ يَحْرُمُ - أَيْضًا - بِاتِّفَاقٍ.

وَإِذَا رَمَاهُ فَقَطَعَ رَأْسَهُ، أَوْ قَدَّهُ نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلاَثًا - وَالأَْكْثَرُ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ - حَل كُلُّهُ، لأَِنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ صُورَةً لاَ حُكْمًا، إِذْ لاَ يُتَوَهَّمُ سَلاَمَتُهُ وَبَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ، فَوَقَعَ ذَكَاةً فِي الْحَال فَحَل كُلُّهُ (٣) .

أَمَّا إِذَا قَطَعَ مِنْهُ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ فَخِذًا، أَوْ نَحْوَهَا وَلَمْ تَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَفِيهِ التَّفْصِيل الآْتِي:

قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ

_________

(١) الشرح الصغير ٢ / ١٦٩، والقوانين الفقهية ص ١٨٣، والزيلعي ٦ / ٥٧، ومغني المحتاج ٤ / ٣٧٤، وما بعدها، والمغني لابن قدامة ٨ / ٤٤٧.

(٢) حديث: " ما قطع من البهيمة وهي حية. . . ". أخرجه الترمذي (٤ / ٧٤) من حديث أبي واقد الليثي، وقال: " حديث حسن ".

(٣) تبيين الحقائق للزيلعي ٦ / ٥٩، والقوانين الفقهية ص ١٨٣، ومغني المحتاج ٤ / ٢٧٠، والمغني لابن قدامة ٨ / ٥٥٦.

فَخِذًا أَوْ ثُلُثَهُ مِمَّا يَلِي الْقَوَائِمَ أَوْ أَقَل مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ يَحْرُمُ الْمُبَانُ مِنْهُ، لأَِنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فِي الْبَاقِي (١) .

وَلَوْ ضَرَبَ صَيْدًا فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ وَلَمْ يَنْفَصِل، ثُمَّ مَاتَ، إِنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ الْتِئَامُهُ وَانْدِمَالُهُ حَل أَكْلُهُ، لأَِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَجْزَائِهِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يُتَوَهَّمُ، بِأَنْ بَقِيَ مُتَعَلِّقًا بِجِلْدٍ حَل مَا سِوَاهُ دُونَهُ، لِوُجُودِ الإِْبَانَةِ مَعْنًى، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي (٢) .

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ النِّصْفَ فَأَكْثَرَ جَازَ أَكْل الْجَمِيعِ، وَلَوْ قَطَعَ الْجَارِحُ دُونَ النِّصْفِ كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَهُوَ مَيْتَةٌ، وَيُؤْكَل مَا سِوَاهُ، إِلاَّ أَنْ يَحْصُل بِالْقَطْعِ إِنْفَاذُ مَقْتَلٍ كَالرَّأْسِ فَلَيْسَ بِمَيْتَةٍ فَيُؤْكَل كَالْبَاقِي (٣) .

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ: بِأَنَّهُ لَوْ أَبَانَ مِنَ الصَّيْدِ عُضْوًا كَيَدِهِ بِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ (أَيْ مُسْرِعٍ لِلْقَتْل) فَمَاتَ حَل الْعُضْوُ وَالْبَدَنُ كُلُّهُ (٤) .

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ: أَشْهَرُهُمَا عَنْ أَحْمَدَ إِبَاحَتُهُمَا.

قَال أَحْمَدُ: إِنَّمَا حَدِيثُ النَّبِيِّ ﷺ: مَا قَطَعْتَ مِنَ الْحَيِّ مَيْتَةٌ (٥) . إِذَا قَطَعْتَ

_________

(١) الزيلعي ٦ / ٥٩.

(٢) الزيلعي ٦ / ٥٩، ٦٠.

(٣) القوانين الفقهية لابن جزي ١٨٣، والشرح الصغير ١ / ٣١٧.

(٤) مغني المحتاج ٤ / ١٧٠.

(٥) حديث: " ما قطعت من الحي ميتة "، تقدم ذكر لفظه الثابت.

وَهِيَ حَيَّةٌ تَمْشِي وَتَذْهَبُ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْبَيْنُونَةُ وَالْمَوْتُ جَمِيعًا أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ إِذَا كَانَ فِي عِلاَجِ الْمَوْتِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ، أَلاَ تَرَى الَّذِي يَذْبَحُ رُبَّمَا مَكَثَ سَاعَةً، وَرُبَّمَا مَشَى حَتَّى يَمُوتَ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لاَ يُبَاحُ مَا بَانَ مِنْهُ، عَمَلًا بِقَوْلِهِ ﷺ: مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ (١) .

وَلأَِنَّ هَذِهِ الْبَيْنُونَةَ لاَ تَمْنَعُ بَقَاءَ الْحَيَوَانِ فِي الْعَادَةِ فَلَمْ يُبَحْ أَكْل الْبَائِنِ (٢) .

وَهَذِهِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا إِنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي الْمَصِيدِ الْبَرِّيِّ، إِذَا عَقَرَتْهُ الْجَوَارِحُ أَوِ السِّلاَحُ أَوْ أَنْفَذَتْ مَقَاتِلَهُ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا غَيْرَ مَنْفُوذِ الْمَقَاتِل ذُكِّيَ، وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ مَا يُشْتَرَطُ فِي الذَّبْحِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (ذَبَائِح ف ١٦ - ٣٩) .

٣٠ - أَمَّا الْمَصِيدُ الْبَحْرِيُّ فَلاَ تُشْتَرَطُ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ.

وَيَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) صَيْدُ وَأَكْل جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ سَمَكًا أَمْ غَيْرَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُحِل لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾ (٣) أَيْ مَصِيدُهُ

_________

(١) حديث: " ما أبين من حي. . . " تقدم كذلك ذكر لفظه الثابت: وأخرجه الزيلعي في " نصب الراية " (٤ / ٣١٧ مطولا) .

(٢) المغني لابن قدامة ٨ / ٥٥٧.

(٣) سورة المائدة / ٩٦.

وَمَطْعُومُهُ، وَلِقَوْلِهِ ﷺ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِل مِيتَتُهُ (١) .

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَحِل مَا لَيْسَ عَلَى صُورَةِ السَّمَكِ الْمَشْهُورَةِ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ عِنْدَهُمْ: إِنْ أُكِل مِثْلُهُ فِي الْبَرِّ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَل، وَإِلاَّ فَلاَ (٢) .

لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ اسْتَثْنَوْا مِنَ الْحِل الضُّفْدَعَ، وَالتِّمْسَاحَ، وَالْحَيَّةَ؛ وَذَلِكَ لِنَهْيِهِ ﷺ عَنْ قَتْل الضُّفْدَعِ وَلاِسْتِخْبَاثِ النَّاسِ التِّمْسَاحَ، وَلأَِكْلِهِ النَّاسَ، وَلِلسُّمِّيَّةِ فِي الْحَيَّةِ (٣) .

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: لاَ يُؤْكَل مَائِيٌّ إِلاَّ السَّمَكُ غَيْرَ طَافٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ (٤) وَمَا سِوَى السَّمَكِ خَبِيثٌ، لِقَوْلِهِ ﷺ: أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، أَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَال (٥) .

_________

(١) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ٥ / ١١٥، ومغني المحتاج ٤ / ٢٩٧، وكشاف القناع ٦ / ١٩٣، والقوانين الفقهية ص ١٨٤. وحديث: " هو الطهور ماؤه الحل ميتته. . . ". أخرجه الترمذي (١ / ١٠١) من حديث أبي هريرة، وقال: حديث حسن صحيح.

(٢) مغني المحتاج ٤ / ٢٩٧.

(٣) حديث: " نهيه ﷺ عن قتل الضفدع. . . ". أخرجه النسائي (٧ / ٢١٠) والحاكم (٤ / ٤١١) من حديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

(٤) سورة الأعراف / ١٥٧.

(٥) حديث: " أحلت لنا ميتتان ودمان. . . ". أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٠٧٣) من حديث ابن عمرو في إسناده ضعف، والصواب أنه موقوف، وله حكم الرفع، كذا في التلخيص الجيد لابن حجر ١ / ٢٦.

وَأَمَّا الطَّافِي فَيُكْرَهُ أَكْلُهُ (١) لِقَوْل جَابِرٍ ﵁: أَنَّهُ ﵊ قَال: مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَكُلُوا، وَمَا طَفَا فَلاَ تَأْكُلُوا (٢) .

وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (أَطْعِمَة ف ٦ ج ٥) .

شُرُوطُ آلَةِ الصَّيْدِ:

آلَةُ الصَّيْدِ نَوْعَانِ: أَدَاةٌ جَامِدَةٌ، أَوْ حَيَوَانٌ.

أَوَّلًا - الأَْدَاةُ الْجَامِدَةُ:

٣١ - الأَْدَاةُ الْجَامِدَةُ: مِنْهَا مَا لَهُ حَدٌّ يَصْلُحُ لِلْقَطْعِ، كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ، وَمِنْهَا مَا يَنْطَلِقُ مِنْ آلَةٍ أُخْرَى وَلَهُ رَأْسٌ مُحَدَّدٌ يَصْلُحُ لِلْخَزْقِ (٣) كَالسَّهْمِ، وَمِنْهَا مَا لَهُ رَأْسٌ مُحَدَّدٌ لاَ يَنْطَلِقُ مِنْ آلَةٍ أُخْرَى كَالْحَدِيدَةِ الْمُثَبَّتَةِ فِي رَأْسِ الْعَصَا، أَوِ الْعَصَا الَّتِي بُرِيَ رَأْسُهَا حَتَّى صَارَ مُحَدَّدًا يُمْكِنُ الْقَتْل بِهِ طَعْنًا.

_________

(١) تبيين الحقائق شرح الكنز ٥ / ٢٩٦، ٢٩٧.

(٢) حديث: " ما نضب عنه الماء فكلوا. . . " أورده الزيلعي في نصب الراية (٤ / ٢٠٢) بلفظ: " ما نضب عنه الماء فكلوا وما لفظه الماء فكلوا، وما طفا فلا تأكلوا "، وقال: غريب بهذا اللفظ، وذكر أن أبا داود وابن ماجه أخرجا من حديث جابر مرفوعا: " ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه وطفا، فلا تأكلوه "، وأشار إلى تضعيفه.

(٣) الخزق: النفوذ في الجسم، يقال: خزق السهم القرطاس: نفذ منه (المصباح المنير في المادة) .

وَهَذِهِ الأَْدَوَاتُ وَنَحْوُهَا يَجُوزُ الاِصْطِيَادُ بِهَا إِذَا قَتَلَتِ الصَّيْدَ بِحَدِّهَا أَوْ رَأْسِهَا وَحَصَل الْجُرْحُ بِالْمَصِيدِ بِلاَ خِلاَفٍ.

أَمَّا الآْلاَتُ الَّتِي لاَ تَصْلُحُ لِلْقَتْل بِحَدِّهَا وَلاَ بِرَأْسِهَا الْمُحَدَّدِ، وَإِنَّمَا تَقْتُل بِالثِّقَل كَالْحَجَرِ الَّذِي لَمْ يُرَقَّقْ، أَوِ الْعَمُودِ وَالْعَصَا غَيْرِ مُحَدَّدَةِ الرَّأْسِ، أَوِ الْمِعْرَاضِ (١) بِعَرْضِهِ وَنَحْوِهَا، فَلاَ يَجُوزُ بِهَا الاِصْطِيَادُ، وَإِذَا اسْتُعْمِلَتْ فَلاَ بُدَّ فِي الْمَرْمِيِّ مِنَ التَّذْكِيَةِ، وَإِلاَّ لاَ يَحِل أَكْلُهُ.

وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الآْلاَتِ الْمُحَدَّدَةِ إِذَا اسْتُعْمِلَتْ وَأَصَابَتْ بِعَرْضِهَا غَيْرِ الْمُحَدَّدِ لاَ يَحِل الْمَرْمِيُّ بِهَا إِلاَّ بِالتَّذْكِيَةِ (٢) .

وَيُمْكِنُ أَنْ تُخْتَصَرَ شُرُوطُ الآْلَةِ فِيمَا يَلِي:

٣٢ - الشَّرْطُ الأَْوَّل:

أَنْ تَكُونَ الآْلَةُ مُحَدَّدَةً تَجْرَحُ وَتُؤَثِّرُ فِي اللَّحْمِ بِالْقَطْعِ أَوِ الْخَزْقِ، وَإِلاَّ لاَ يَحِل بِغَيْرِ الذَّبْحِ.

وَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مِنَ الْحَدِيدِ، فَيَصِحُّ الاِصْطِيَادُ بِكُل آلَةٍ حَادَّةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَدِيدَةً، أَمْ خَشَبَةً حَادَّةً، أَمْ حِجَارَةً

_________

(١) المعراض: عود محدد ربما جعل في رأسه حديدة يشبه السهم، ويحذف به الصيد (المغني ٨ / ٥٥٨) .

(٢) تبيين الحقائق للزيلعي ٦ / ٥٩، والقوانين الفقهية ص ١٨١، ومغني المحتاج ٤ / ٢٧٤، وحاشية البجيرمي على المنهج ٤ / ٢٩٠، وكشاف القناع ٦ / ٢١٩، والمغني لابن قدامة ٨ / ٥٥٩.

مُرَقَّقَةَ الرَّأْسِ، أَمْ نَحْوَهَا تَنْفُذُ دَاخِل الْجِسْمِ (١) .

٣٣ - الشَّرْطُ الثَّانِي:

أَنْ تُصِيبَ الصَّيْدَ بِحَدِّهَا فَتَجْرَحَهُ، وَيُتَيَقَّنَ كَوْنُ الْمَوْتِ بِالْجُرْحِ، وَإِلاَّ لاَ يَحِل أَكْلُهُ؛ لأَِنَّ مَا يُقْتَل بِعَرْضِ الآْلَةِ أَوْ بِثِقَلِهِ يُعْتَبَرُ مَوْقُوذَةً (٢) . وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ إِلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿وَالْمَوْقُوذَةُ﴾ (٣) وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ ﵁ قَال لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنِّي أَرْمِي الصَّيْدَ بِالْمِعْرَاضِ فَأُصِيبُ، فَقَال: إِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلاَ تَأْكُلْهُ (٤) . وَفِي لَفْظٍ لَهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِذَا رَمَيْتَ فَسَمَّيْتَ فَخَزَقْتَ فَكُل، فَإِنْ لَمْ يَتَخَزَّقْ فَلاَ تَأْكُل، وَلاَ تَأْكُل مِنَ الْمِعْرَاضِ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتَ، وَلاَ تَأْكُل مِنَ الْبُنْدُقَةِ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتَ (٥) وَلِمَا وَرَدَ أَنَّهُ ﵊ نَهَى عَنِ الْخَذْفِ، وَقَال: إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْدًا وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوًّا، وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ (٦) .

_________

(١) المراجع السابقة.

(٢) تبيين الحقائق ٦ / ٥٨، ٥٩، ومغني المحتاج ٤ / ٢٧٤، وكشاف القناع ٦ / ٢١٩.

(٣) سورة المائدة / ٣.

(٤) حديث عدي بن حاتم: " إذا رميت بالمعراض. . . ". أخرجه مسلم (٣ / ١٥٢٩) .

(٥) حديث: " إذا رميت فسميت فخزقت. . . ". أخرجه أحمد (٤ / ٣٨٠) من حديث عدي بن حاتم.

(٦) حديث: " نهى عن الحذف. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٩ / ٥٩٩) ومسلم (٣ / ١٥٤٨) من حديث عبد الله بن مغفل، واللفظ لمسلم.

٣٤ - الشَّرْطُ الثَّالِثُ:

اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يُصِيبَ الرَّمْيُ الصَّيْدَ مُبَاشَرَةً، وَلاَ يَعْدِل عَنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا رَدَّ السَّهْمَ رِيحٌ إِلَى وَرَائِهِ، أَوْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً، فَأَصَابَ صَيْدًا لاَ يَحِل، وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ حَائِطٌ أَوْ شَجَرَةٌ (١) .

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي إِعَانَةِ الرِّيحِ لِلسَّهْمِ: لَوْ قَتَل الصَّيْدَ بِإِعَانَةِ الرِّيحِ لِلسَّهْمِ لَمْ يَحْرُمْ (٢) .

وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ لَوْ رَدَّ السَّهْمَ حَجَرٌ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى الصَّيْدِ فَقَتَلَهُ لَمْ يَحْرُمْ، لِعُسْرِ الاِحْتِرَازِ عَنْهُ (٣) .

مَسَائِل وَفُرُوعٌ فِي الآْلَةِ الْجَامِدَةِ:

تَعَرَّضَ الْفُقَهَاءُ فِي شُرُوطِ الآْلَةِ الْجَامِدَةِ لِمَسَائِل بَيَّنُوا أَحْكَامَهَا، وَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ الْمَسَائِل مَا يَلِي:

أ - الاِصْطِيَادُ بِالشَّبَكَةِ وَالأُْحْبُولَةِ:

٣٥ - لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً أَوْ أُحْبُولَةً، وَسَمَّى، فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ وَمَاتَ مَجْرُوحًا لَمْ يَحِل إِذَا لَمْ تَكُنْ بِهَا آلَةٌ جَارِحَةٌ، وَلَوْ كَانَ بِهَا آلَةٌ جَارِحَةٌ كَمِنْجَلٍ، أَوْ نَصَبَ سَكَاكِينَ وَسَمَّى حَل،

_________

(١) حاشية ابن عابدين على الدر المختار ٥ / ٣٠٠، ٣٠١.

(٢) حاشية البجيرمي على شرح المنهج ٤ / ٢٩٠، ومطالب أولي النهى ٦ / ٣٥٢.

(٣) مطالب أولي النهى ٦ / ٣٥٢.

كَمَا لَوْ رَمَاهُ بِهَا، صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (١) .

وَأَضَافَ الْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ يَحِل، وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ نَاصِبِهِ أَوْ رِدَّتِهِ، اعْتِبَارًا بِوَقْتِ النَّصْبِ، لأَِنَّهُ كَالرَّمْيِ (٢) .

قَال الْبُهُوتِيُّ: لأَِنَّ النَّصْبَ جَرَى مَجْرَى الْمُبَاشَرَةِ فِي الضَّمَانِ، فَكَذَا فِي الإِْبَاحَةِ لِقَوْلِهِ ﷺ: كُل مَا رَدَّتْ إِلَيْكَ يَدُكَ (٣) . وَلأَِنَّهُ قَتَل الصَّيْدَ بِمَا لَهُ حَدٌّ جَرَتِ الْعَادَةُ بِالصَّيْدِ بِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ (٤) .

أَمَّا إِذَا لَمْ يَجْرَحْهُ مَا نَصَبَهُ مِنْ مَنَاجِل أَوْ سَكَاكِينَ - كَالْمُنْخَنِقَةِ بِالأُْحْبُولَةِ - فَلاَ يُبَاحُ الصَّيْدُ لِعَدَمِ الْجُرْحِ، وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُحَرَّمَاتِ ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَل السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ (٥) .

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ كَمَا جَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِذَا قَتَلَتِ الْحِبَالاَتُ مِنَ الصَّيْدِ، أَيُؤْكَل أَمْ لاَ؟ قَال مَالِكٌ: لاَ يُؤْكَل إِلاَّ مَا أَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ مِنْ ذَلِكَ، قَال: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: فَإِنْ كَانَتْ فِي الْحِبَالاَتِ حَدِيدَةٌ فَأَنْفَذَتِ الْحَدِيدَةُ

_________

(١) حاشية ابن عابدين ٥ / ٣٠٢، وكشاف القناع ٦ / ٢١٩، ٢٢٠، وانظر مغني المحتاج ٤ / ٢٧٤، والبجيرمي على شرح المنهج ٤ / ٢٩٠.

(٢) كشاف القناع ٦ / ٢١٩.

(٣) حديث: " كل ما ردت إليك يدك. . . ". أخرجه أحمد (٤ / ١٩٥) من حديث أبي ثعلبة.

(٤) كشاف القناع ٦ / ٢١٩.

(٥) سورة المائدة / ٣.