الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨
الْحَنَفِيَّةِ، وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
فَلَوْ قَتَلَهُ الْجَارِحُ بِصَدْمٍ، أَوْ عَضٍّ بِلاَ جُرْحٍ لَمْ يُبَحْ، كَالْمِعْرَاضِ إِذَا قَتَل بِعَرْضِهِ أَوْ ثِقَلِهِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَل الْكَلْبَ فَأَصَابَ الصَّيْدَ وَكَسَرَ عُنُقَهُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ، أَوْ جَثَمَ عَلَى صَدْرِهِ وَخَنَقَهُ (١) .
وَوَجْهُ اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ، أَيِ الْجُرْحِ، هُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾ (٢) وَلأَِنَّ الْمَقْصُودَ إِخْرَاجُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، وَهُوَ يَخْرُجُ بِالْجُرْحِ عَادَةً، وَلاَ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ إِلاَّ نَادِرًا، فَأُقِيمَ الْجُرْحُ مَقَامَهُ، كَمَا فِي الذَّكَاةِ الاِخْتِيَارِيَّةِ وَالرَّمْيِ بِالسَّهْمِ، وَلأَِنَّهُ إِذَا لَمْ يَجْرَحْهُ صَارَ مَوْقُوذَةً، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ بِالنَّصِّ، كَمَا عَلَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَابْنُ قُدَامَةَ (٣) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْل أَشْهَبَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ يُشْتَرَطُ فِي الْحَيَوَانِ أَنْ يَجْرَحَ الصَّيْدَ، فَلَوْ تَحَامَلَتِ الْجَارِحَةُ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ بِثِقَلِهَا، أَوْ مَاتَ بِصَدْمَتِهَا، أَوْ بِعَضِّهَا، أَوْ بِقُوَّةِ إِمْسَاكِهَا مِنْ غَيْرِ عَقْرٍ حَل؛
_________
(١) ابن عابدين على الدر المختار ٥ / ٢٩٩، والقوانين الفقهية ص ١٨٢، ١٨٣، والفواكه الدواني ١ / ٤٥٨، ومطالب أولي النهى ٦ / ٣٥١، ومغني المحتاج ٤ / ٢٧٦، والمغني لابن قدامة ٨ / ٥٤٥.
(٢) سورة المائدة / ٤.
(٣) تبيين الحقائق شرح الكنز ٦ / ٥١، ٥٢.
وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ (١) وَلأَِنَّهُ يَعْسُرُ تَعْلِيمُهُ أَنْ لاَ يَقْتُل إِلاَّ بِجُرْحٍ (٢) .
٤١ - الشَّرْطُ الثَّالِثُ:
أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مُرْسَلًا مِنْ قِبَل مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ مَقْرُونًا بِالتَّسْمِيَةِ، فَلَوِ انْبَعَثَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، أَوِ انْفَلَتَ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ، أَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الإِْرْسَال فَأَخَذَ صَيْدًا وَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَل (٣)، وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ.
وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيل هَذَا الشَّرْطِ فِي شُرُوطِ الصَّائِدِ.
٤٢ - الشَّرْطُ الرَّابِعُ:
أَنْ لاَ يَشْتَغِل الْحَيَوَانُ بِعَمَلٍ آخَرَ بَعْدَ الإِْرْسَال، وَذَلِكَ لِيَكُونَ الاِصْطِيَادُ مَنْسُوبًا لِلإِْرْسَال، وَهَذَا الشَّرْطُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لَوْ أَكَل خُبْزًا بَعْدَ الإِْرْسَال أَوْ بَال لَمْ يُؤْكَل، وَلَوْ عَدَل عَنِ الصَّيْدِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً، أَوْ تَشَاغَل فِي غَيْرِ طَلَبِ الصَّيْدِ، وَفَتَرَ عَنْ سَنَنِهِ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ فَأَخَذَهُ، لَمْ يُؤْكَل إِلاَّ بِإِرْسَالٍ مُسْتَأْنَفٍ، أَوْ أَنْ يَزْجُرَهُ صَاحِبُهُ وَيُسَمِّيَ فِيمَا يَحْتَمِل الزَّجْرَ فَيَنْزَجِرُ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَمَنَ وَاسْتَخْفَى، كَمَا يَكْمُنُ الْفَهْدُ عَلَى
_________
(١) سورة المائدة / ٤.
(٢) مغني المحتاج ٤ / ٢٧٦.
(٣) ابن عابدين ٥ / ٣٩٩ - ٤٠٢، والقوانين الفقهية ص ١٨٢، ومغني المحتاج ٤ / ٢٧٥، وكشاف القناع ٦ / ٢٢٤.
وَجْهِ الْحِيلَةِ، لاَ لِلاِسْتِرَاحَةِ، فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى إِرْسَالٍ مُسْتَأْنَفٍ (١) .
وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ حَيْثُ قَالُوا فِي شُرُوطِ الْجَارِحِ: أَنْ لاَ يَرْجِعَ عَنِ الصَّيْدِ، فَإِنْ رَجَعَ بِالْكُلِّيَّةِ لَمْ يُؤْكَل، وَكَذَلِكَ لَوِ اشْتَغَل بِصَيْدٍ آخَرَ، أَوْ بِأَكْلِهِ (٢) .
وَفَصَّل الْمَوَّاقُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَال: مَنْ أَرْسَل كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ عَلَى صَيْدٍ فَطَلَبَهُ سَاعَةً، ثُمَّ رَجَعَ عَنِ الطَّلَبِ، ثُمَّ عَادَ فَقَتَلَهُ، فَإِنْ كَانَ كَالطَّالِبِ لَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَهُوَ عَلَى طَلَبِهِ فَهُوَ عَلَى إِرْسَالِهِ الأَْوَّل، وَإِنْ وَقَفَ لأَِجْل الْجِيفَةِ أَوْ شَمَّ كَلْبًا أَوْ سَقَطَ الْبَازِي عَجْزًا عَنْهُ، ثُمَّ رَأَيَاهُ فَاصْطَادَهُ، فَلاَ يُؤْكَل إِلاَّ بِإِرْسَالٍ مُسْتَأْنَفٍ (٣) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ أَرْسَل كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَعَدَل إِلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ إِلَى جِهَةِ غَيْرِ الإِْرْسَال فَأَصَابَهُ وَمَاتَ حَل، لأَِنَّهُ يَعْسُرُ تَكْلِيفُهُ تَرْكَ الْعُدُول (٤) .
اسْتِئْجَارُ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ:
٤٣ - لاَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْصَحِّ، وَالْحَنَابِلَةِ فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
_________
(١) ابن عابدين ٥ / ٣٩٩.
(٢) القوانين الفقهية ص ١٨٢.
(٣) المواق بهامش الحطاب ٣ / ٢١٦.
(٤) مغني المحتاج ٤ / ٢٧٧.
وَعَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَطْلُوبَةَ مِنْهُ غَيْرُ مَقْدُورَةِ الاِسْتِيفَاءِ، إِذْ لاَ يُمْكِنُ إِجْبَارُ الْكَلْبِ عَلَى الصَّيْدِ، فَلَمْ تَكُنِ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي هِيَ مَعْقُودٌ عَلَيْهَا مَقْدُورَةَ الاِسْتِيفَاءِ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ.
وَعَلَّلَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ قِيمَةَ لِعَيْنِ الْكَلْبِ، فَكَذَا لِمَنْفَعَتِهِ.
وَعَلَّلَهُ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْكَلْبَ حَيَوَانٌ مُحَرَّمٌ بَيْعُهُ لِخُبْثِهِ، فَحُرِّمَتْ إِجَارَتُهُ، وَلأَِنَّ إِبَاحَةَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ لَمْ تُبِحْ بَيْعَهُ، فَكَذَلِكَ إِجَارَتُهُ، وَلأَِنَّ مَنْفَعَتَهُ لاَ تُضْمَنُ فِي الْغَصْبِ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا فِي الإِْجَارَةِ (١) .
حُكْمُ مَعَضِّ الْكَلْبِ وَأَثَرِ فَمِهِ فِي الصَّيْدِ:
٤٤ - صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - بِأَنَّ مَعَضَّ الْكَلْبِ نَجَسٌ (٢) .
وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يُعْفَى عَنْهُ كَوُلُوغِهِ. وَالثَّانِي: يُعْفَى عَنْهُ لِلْحَاجَةِ.
قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَالأَْصَحُّ عَلَى الأَْوَّل أَنَّهُ يَكْفِي غَسْل الْمَعَضِّ سَبْعًا بِمَاءٍ وَتُرَابٍ فِي إِحْدَاهُنَّ، كَغَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لاَ يَجِبُ أَنْ يُقَوَّرَ الْمَعَضُّ وَيُطْرَحَ، لأَِنَّهُ لَمْ يَرِدْ.
وَالثَّانِي: يَجِبُ ذَلِكَ، وَلاَ يَكْفِي الْغُسْل؛
_________
(١) البدائع ٤ / ١٨٩، وبداية المجتهد ٢ / ٢٤٥، ومغني المحتاج ٢ / ٢٣٥، والمغني ٤ / ٢٧٩ - ٢٨٠: ط. الرياض.
(٢) مغني المحتاج ٤ / ٢٦٧، والمغني لابن قدامة ٨ / ٥٤٦.
لأَِنَّ الْمَوْضِعَ تَشَرَّبَ لُعَابَهُ، فَلاَ يَتَخَلَّلُهُ الْمَاءُ (١) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: يَجِبُ غَسْل أَثَرِ فَمِ الْكَلْبِ، لأَِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ نَجَاسَتُهُ، فَيَجِبُ غَسْل مَا أَصَابَهُ كَبَوْلِهِ (٢) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - إِلَى طَهَارَةِ مَعَضِّ الْكَلْبِ، وَعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِهِ. قَال ابْنُ جُزَيٍّ: مَوْضِعُ نَابِ الْكَلْبِ يُؤْكَل، لأَِنَّهُ طَاهِرٌ فِي الْمَذْهَبِ (٣) .
وَعَلَّل ابْنُ قُدَامَةَ عَدَمَ وُجُوبِ غَسْل الْمَعَضِّ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَمَرَا بِأَكْلِهِ، وَلَمْ يَأْمُرَا بِغَسْلِهِ (٤) .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ.
لَكِنَّ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَهُمْ: أَنَّ الْكَلْبَ لَيْسَ نَجِسَ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا نَجَاسَتُهُ بِنَجَاسَةِ لَحْمِهِ وَدَمِهِ، وَلاَ يَظْهَرُ حُكْمُهَا وَهُوَ حَيٌّ، كَمَا قَال ابْنُ عَابِدِينَ (٥) .
الاِشْتِرَاكُ فِي الصَّيْدِ:
٤٥ - الاِشْتِرَاكُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الصَّائِدِينَ: بِأَنْ يَجْتَمِعَ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ فِي الرَّمْيِ، أَوْ إِرْسَال الْجَارِحِ عَلَى الصَّيْدِ، أَوْ يَكُونَ فِي آلَةِ الصَّيْدِ:
_________
(١) مغني المحتاج ٤ / ٢٦٧.
(٢) المغني لابن قدامة ٨ / ٥٤٦.
(٣) القوانين الفقهية ص ١٨٤.
(٤) المغني لابن قدامة ٨ / ٥٤٦.
(٥) ابن عابدين والدر المختار ١ / ١٣٩.
بِأَنْ يُصْطَادَ الْمَصِيدُ بِسَهْمٍ وَبُنْدُقَةٍ مَثَلًا، أَوْ بِكَلْبَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَبَيَانُ كِلْتَا الصُّورَتَيْنِ فِيمَا يَلِي:
أَوَّلًا - اشْتِرَاكُ الصَّائِدِينَ:
أ - اشْتِرَاكُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلصَّيْدِ مَعَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ:
٤٦ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَكَ فِي الصَّيْدِ مَنْ يَحِل صَيْدُهُ كَمُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ مَعَ مَنْ لاَ يَحِل صَيْدُهُ، كَمَجُوسِيٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ فَإِنَّ الصَّيْدَ حَرَامٌ لاَ يُؤْكَل، وَذَلِكَ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ تَغْلِيبِ جَانِبِ الْحُرْمَةِ عَلَى جَانِبِ الْحِل (١) .
وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ شَارَكَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا، كَأَنْ رَمَيَا صَيْدًا أَوْ أَرْسَلاَ عَلَيْهِ جَارِحًا يَحْرُمُ الصَّيْدُ، لأَِنَّهُ اجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُبِيحٌ وَمُحَرِّمٌ، فَغَلَّبْنَا التَّحْرِيمَ، كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ مَا يُؤْكَل وَمَا لاَ يُؤْكَل، لِقَوْلِهِ ﷺ: مَا اجْتَمَعَ الْحَلاَل وَالْحَرَامُ إِلاَّ وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلاَل (٢) . وَلأَِنَّ الْحَرَامَ وَاجِبُ التَّرْكِ، وَالْحَلاَل جَائِزُ التَّرْكِ؛ فَكَانَ الاِحْتِيَاطُ فِي التَّرْكِ (٣) .
_________
(١) بدائع الصنائع ٥ / ٥٦، وجواهر الإكليل ١ / ٢١١، ومغني المحتاج ٤ / ٢٦٦، وكشاف القناع ٦ / ٢١٧، ٢١٨.
(٢) حديث: " ما اجتمع الحلال والحرام. . . ". أورده العجلوني في كشف الخفاء (٢ / ٢٣٦)، وقال: قال ابن السبكي في الأشباه والنظائر نقلا عن البيهقي: رواه جابر الجعفي عن ابن مسعود، وفيه ضعف وانقطاع. وقال الزين العراقي في تخريج منهاج الأصول: لا أصل له، وأدرجه ابن مفلح في أول كتابه في الأصول فيما لا أصل له.
(٣) نفس المرجع، وانظر في التعليل الزيلعي ٦ / ٧٤.
وَهَذَا إِذَا مَاتَ الصَّيْدُ بِسَهْمَيْهِمَا أَوْ بِكَلْبَيْهِمَا، وَلاَ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِذَا وَقَعَ سَهْمَاهُمَا فِيهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، أَوْ وَقَعَ سَهْمُ أَحَدِهِمَا قَبْل الآْخَرِ.
أَمَّا إِذَا أَرْسَلاَ كَلْبَيْنِ أَوْ سَهْمَيْنِ عَلَى صَيْدٍ فَسَبَقَتْ آلَةُ الْمُسْلِمِ فَقَتَلَتْهُ أَوْ أَنْهَتْهُ إِلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ (١)، ثُمَّ أَصَابَ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ أَوْ سَهْمُهُ حَل، وَلاَ يَقْدَحُ مَا وُجِدَ مِنَ الْمَجُوسِيِّ (٢) .
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ الثَّانِي (أَيْ مِنَ الْمَجُوسِيِّ) مُوحِيًا أَيْضًا؛ لأَِنَّ الإِْبَاحَةَ حَصَلَتْ بِالأَْوَّل، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الثَّانِي (٣) .
وَإِذَا رَدَّهُ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ عَلَى كَلْبِ الْمُسْلِمِ فَقَتَلَهُ حَل كَذَلِكَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَإِذَا رَمَى الْمَجُوسِيُّ سَهْمَهُ فَرَدَّ السَّهْمُ الصَّيْدَ فَأَصَابَهُ سَهْمُ الْمُسْلِمِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَحِل، لأَِنَّ الْمُسْلِمَ انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ، لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَصَفُوا الْحِل فِي صُورَةِ رَدِّ كَلْبِ الْمَجُوسِيِّ بِالْكَرَاهَةِ (٤) .
أَمَّا إِذَا سَبَقَتْ آلَةُ الْمَجُوسِيِّ فَقَتَلَتْهُ، أَوْ أَنْهَتْهُ إِلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ، أَوْ لَمْ يَسْبِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا
_________
(١) وقد عبر عنه الحنابلة بالجرح الموحى (كشاف القناع ٦ / ٢١٧) .
(٢) مغني المحتاج ٤ / ٢٦٦.
(٣) كشاف القناع ٦ / ٢١٧.
(٤) تبيين الحقائق ٦ / ٥٤، وكشاف القناع ٦ / ٢١٧.
وَجَرَحَاهُ مَعًا، وَحَصَل الْهَلاَكُ بِهِمَا، أَوْ جُهِل ذَلِكَ، أَوْ جَرَحَاهُ مُرَتَّبًا وَلَكِنْ لَمْ يُذَفِّفْ (١) أَحَدُهُمَا فَهَلَكَ بِهِمَا - حَرُمَ الصَّيْدُ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ (٢) .
ب - اشْتِرَاكُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلصَّيْدِ مَعَ مِثْلِهِ:
٤٧ - إِنِ اشْتَرَكَ فِي الرَّمْيِ أَوِ الإِْصَابَةِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلصَّيْدِ مَعَ مِثْلِهِ، كَمُسْلِمَيْنِ أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ أَوْ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ، فَلَهُ صُوَرٌ:
الأُْولَى: إِنْ رَمَيَا مَعًا وَأَصَابَاهُ وَقَتَلاَهُ كَانَ الصَّيْدُ حَلاَلًا، كَمَا لَوِ اشْتَرَكَا فِي ذَبْحِهِ، وَيَكُونُ الصَّيْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (٣) .
الثَّانِيَةُ: إِنْ جَرَحَاهُ مَعًا، وَأَزْمَنَاهُ، وَلَمْ يَكُنْ جُرْحُ أَحَدِهِمَا مُذَفِّفًا، ثُمَّ مَاتَ الصَّيْدُ بِسَبَبِ جُرْحِ الاِثْنَيْنِ، حَل وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا.
الثَّالِثَةُ: إِنْ كَانَ جُرْحُ أَحَدِهِمَا مُوحِيًا (مُذَفِّفًا)، وَالآْخَرُ غَيْرَ مُوحٍ، وَلاَ يُثْبِتُهُ مِثْلُهُ، فَالصَّيْدُ لِصَاحِبِ الْجُرْحِ الْمُوحِي، لاِنْفِرَادِهِ بِذَلِكَ.
_________
(١) التذفيف هو إسراع القتل بقطع حلقوم ومريء أو أحدهما أو إخراج حشوه أو نحو ذلك.
(٢) البدائع ٥ / ٥٦، والزيلعي ٦ / ٥٤، ومغني المحتاج ٤ / ٢٦٦، وجواهر الإكليل ١ / ٢١١ وما بعدها، وكشاف القناع ٦ / ٢١٧.
(٣) الزيلعي ٦ / ٦١، ومغني المحتاج ٤ / ٢٨١، وكشاف القناع ٦ / ٢١٥، وجواهر الإكليل ١ / ٢١٢.
الرَّابِعَةُ: إِذَا رَمَيَا وَأَصَابَا مُتَعَاقِبَيْنِ، فَذَفَّفَ الثَّانِي، أَوْ أَزْمَنَ دُونَ الأَْوَّل مِنْهُمَا، بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَذْفِيفٌ وَلاَ إِزْمَانٌ حَل، وَالصَّيْدُ لِلثَّانِي، لأَِنَّ جُرْحَهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي امْتِنَاعِهِ أَوْ قَتْلِهِ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ عَلَى الأَْوَّل بِجُرْحِهِ، لأَِنَّهُ كَانَ مُبَاحًا حِينَئِذٍ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فِي الْجُمْلَةِ (١) .
الْخَامِسَةُ: إِذَا رَمَيَا مُتَعَاقِبَيْنِ، فَأَثْخَنَهُ الأَْوَّل، ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي وَقَتَلَهُ يَحْرُمُ، وَيَضْمَنُ الثَّانِي لِلأَْوَّل قِيمَتَهُ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَةُ الأَْوَّل، أَمَّا الْحُرْمَةُ فَلأَِنَّهُ لَمَّا أَثْخَنَهُ الأَْوَّل فَقَدْ خَرَجَ مِنْ حَيِّزِ الاِمْتِنَاعِ، وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَى ذَكَاتِهِ الاِخْتِيَارِيَّةِ، وَلَمْ يُذَكَّ، وَصَارَ الثَّانِي قَاتِلًا لَهُ، فَيَحْرُمُ.
وَهَذَا إِذَا كَانَ بِحَالٍ يَسْلَمُ مِنَ الْجُرْحِ الأَْوَّل، لأَِنَّ مَوْتَهُ يُضَافُ إِلَى الثَّانِي.
أَمَّا إِذَا كَانَ حَيًّا حَيَاةَ مَذْبُوحٍ فَيَحِل وَالْمِلْكُ لِلأَْوَّل، لأَِنَّ مَوْتَهُ لاَ يُضَافُ إِلَى الرَّمْيِ الثَّانِي، فَلاَ اعْتِبَارَ بِوُجُودِهِ.
وَأَمَّا ضَمَانُ الثَّانِي لِلأَْوَّل فِي حَالَةِ الْحُرْمَةِ، فَلأَِنَّهُ أَتْلَفَ صَيْدًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ، لأَِنَّهُ مَلَكَهُ بِالإِْثْخَانِ، فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَتْلَفَ (٢) .
_________
(١) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ٦ / ٦٠، ٦١، ومغني المحتاج ٤ / ٢٨١، ٢٨٢، وكشاف القناع ٦ / ٢١٥، وحاشية الدسوقي مع الشرح الكبير ٢ / ١٠٣.
(٢) المراجع السابقة.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِنْ أَزْمَنَ الأَْوَّل، ثُمَّ ذَفَّفَ الثَّانِي بِقَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ فَهُوَ حَلاَلٌ، وَإِنْ ذَفَّفَ لاَ بِقَطْعِهِمَا، أَوْ لَمْ يُذَفِّفْ أَصْلًا، وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَحَرَامٌ، أَمَّا الأَْوَّل فَلأَِنَّ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ لاَ يَحِل إِلاَّ بِذَبْحِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلاِجْتِمَاعِ الْمُبِيحِ وَالْمُحَرِّمِ، كَمَا إِذَا اشْتَرَكَ فِيهِ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ، وَفِي كِلْتَا الصُّورَتَيْنِ يَضْمَنُهُ الثَّانِي لِلأَْوَّل، لأَِنَّهُ أَفْسَدَ مِلْكَهُ (١) .
وَالاِعْتِبَارُ فِي التَّرْتِيبِ وَالْمَعِيَّةِ بِالإِْصَابَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلاَمِ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْل زُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - لاَ بِابْتِدَاءِ الرَّمْيِ، كَمَا أَنَّ الاِعْتِبَارَ فِي كَوْنِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ بِحَالَةِ الإِْصَابَةِ، فَلَوْ رَمَى غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، أَوْ أَرْسَل عَلَيْهِ الْكَلْبَ فَأَصَابَهُ وَهُوَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ، لَمْ يَحِل إِلاَّ بِإِصَابَتِهِ فِي الْمَذْبَحِ، وَإِنْ رَمَاهُ وَهُوَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَأَصَابَهُ وَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ حَل مُطْلَقًا عِنْدَهُمْ (٢) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ - عَدَا زُفَرَ - إِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ الْحِل وَالضَّمَانِ وَقْتُ الرَّمْيِ، لأَِنَّ الرَّمْيَ إِلَى صَيْدٍ مُبَاحٍ، فَلاَ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ، وَلاَ يَنْقَلِبُ بَعْدَ ذَلِكَ مُوجِبًا، وَالْحِل يَحْصُل بِفِعْلِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ وَالإِْرْسَال، فَيُعْتَبَرُ وَقْتُهُ، أَمَّا فِي حَقِّ الْمِلْكِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ الإِْثْخَانِ، لأَِنَّ بِهِ
_________
(١) مغني المحتاج ٤ / ٢٨١.
(٢) مغني المحتاج ٤ / ٢٨٢، وانظر كشاف القناع ٦ / ٢١٩، والزيلعي ٦ / ٦١.