الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨ الصفحة 24

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨

و- لَوِ انْفَلَتَتِ الْجَارِحَةُ مِنْ يَدِ صَاحِبِهَا غَيْرَ مُسْتَرْسِلَةٍ، فَأَغْرَاهَا مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلصَّيْدِ حَل مَا قَتَلَتْهُ لأَِنَّ الإِْغْرَاءَ لَيْسَ مَسْبُوقًا بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ - صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ.

وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمَالِكِيَّةُ، فَقَال مَالِكٌ أَوَّلًا بِالْحِل، ثُمَّ عَدَل إِلَى الْحُرْمَةِ، لأَِنَّ الاِصْطِيَادَ لاَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ إِلاَّ إِذَا أَرْسَل الْجَارِحَةَ مِنْ يَدِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ خَلِيلٌ وَالدَّرْدِيرُ، وَإِنْ كَانَ الْقَوْل بِالْحِل قَدْ أَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَاللَّخْمِيِّ وَأَيَّدَهُ الْبُنَانِيِّ، وَهُوَ الْمُتَّفَقُ مَعَ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ (١) .

ز - لَوْ أَرْسَل الْجَارِحَةَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلصَّيْدِ، فَوَقَفَتْ فِي ذَهَابِهَا، فَأَغْرَاهَا مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ حَرُمَ مَا قَتَلَتْهُ، لاِرْتِفَاعِ حُكْمِ الإِْرْسَال بِالْوُقُوفِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ (٢) .

١٨ - الشَّرْطُ السَّابِعُ:

قَصْدُ مَا يُبَاحُ صَيْدُهُ.

يُشْتَرَطُ فِي الصَّائِدِ أَنْ يَقْصِدَ بِإِرْسَالِهِ صَيْدَ مَا يُبَاحُ صَيْدُهُ، فَلَوْ أَرْسَل سَهْمًا أَوْ جَارِحَةً عَلَى إِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُسْتَأْنَسٍ، أَوْ حَجَرٍ فَأَصَابَتْ صَيْدًا لَمْ يَحِل (٣) .

ثُمَّ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِي تَطْبِيقِ

_________

(١) الشرح الصغير للدردير مع حاشية الصاوي ٢ / ١٦٣، وابن عابدين ٥ / ٣٠٣.

(٢) ابن عابدين ٥ / ٣٠٠، ٣٠١.

(٣» ابن عابدين ٥ / ٤٠٠ - ٣٠٣، والشرح الصغير مع حاشية الصاوي ٢ / ١٦١، ١٦٤، ومغني المحتاج ٤ / ٢٧٧، والمغني لابن قدامة ٨ / ٥٤٢ - ٥٤٥.

هَذَا الشَّرْطِ، وَفِي الْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرُوهَا.

فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا سَمِعَ الصَّائِدُ حِسَّ مَا لاَ يَحِل صَيْدُهُ مِنْ إِنْسَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَفَرَسٍ وَشَاةٍ وَطَيْرٍ مُسْتَأْنَسٍ وَخِنْزِيرٍ أَهْلِيٍّ، فَأَطْلَقَ سَهْمًا فَأَصَابَ مَا يَحِل صَيْدُهُ، لَمْ يَحِل لأَِنَّ الْفِعْل لَيْسَ بِاصْطِيَادٍ.

بِخِلاَفِ مَا إِذَا سَمِعَ حِسَّ أَسَدٍ فَرَمَى إِلَيْهِ أَوْ أَرْسَل كَلْبَهُ، فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ حَلاَل الأَْكْل حَل، لأَِنَّهُ أَرَادَ صَيْدَ مَا يَحِل اصْطِيَادُهُ، كَمَا إِذَا رَمَى إِلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ (١) .

لأَِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يُجِيزُونَ صَيْدَ مَا لاَ يُؤْكَل لَحْمُهُ لِمَنْفَعَةِ جِلْدِهِ، أَوْ شَعْرِهِ أَوْ رِيشِهِ، أَوْ لِدَفْعِ شَرِّهِ (٢)، كَمَا سَيَأْتِي فِي شُرُوطِ الْمِصْيَدِ.

وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الزَّيْلَعِيِّ قَوْلَهُ: لاَ يَحِل الصَّيْدُ إِلاَّ بِوَجْهَيْنِ:

أَنْ يَرْمِيَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّيْدَ.

وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي أَرَادَهُ، وَسَمِعَ حِسَّهُ، وَرَمَى إِلَيْهِ صَيْدًا، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّا يُؤْكَل أَمْ لاَ (٣) .

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ عِلْمُ الصَّائِدِ حِينَ إِرْسَال الْجَارِحِ عَلَى الْمِصْيَدِ أَنَّهُ مِنَ الْمُبَاحِ، كَالْغَزَال وَالْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ نَوْعَهُ، بِأَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ مُبَاحٌ، لَكِنْ تَرَدَّدَ: هَل هُوَ حِمَارٌ

_________

(١) حاشية ابن عابدين ٥ / ٣٠٦.

(٢) الدر المختار بهامش ابن عابدين ٥ / ٣٠٥.

(٣) ابن عابدين ٥ / ٣٠٦

وَحْشِيٌّ أَوْ ظَبْيٌ؟ فَإِنَّهُ يُؤْكَل.

وَكَذَا إِنْ تَعَدَّدَ مِصْيَدُهُ وَنَوَى الْجَمِيعَ.

وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْجَمِيعَ فَمَا نَوَاهُ يُؤْكَل إِنْ صَادَهُ أَوَّلًا قَبْل غَيْرِهِ، فَإِنْ صَادَ غَيْرَ الْمَنْوِيِّ قَبْل الْمَنْوِيِّ لَمْ يُؤْكَل وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلاَّ بِذَكَاةٍ، أَمَّا الْمَنْوِيُّ فَلِتَشَاغُلِهِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ الْمَنْوِيِّ عَنْهُ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَنْوِيِّ فَلِعَدَمِ نِيَّةِ اصْطِيَادِهِ (١) .

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي وَاحِدٍ، وَلاَ فِي الْجَمْعِ، لَمْ يُؤْكَل شَيْءٌ، كَمَا نَقَلَهُ الصَّاوِيُّ عَنِ الأَُجْهُورِيُّ (٢) .

وَلاَ يُؤْكَل الْمَصِيدُ إِنْ تَرَدَّدَ - بِأَنْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ أَوْ تَوَهَّمَ - فِي حُرْمَتِهِ، كَخِنْزِيرٍ فَإِذَا هُوَ حَلاَلٌ كَظَبْيٍ، لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ (٣) .

وَنَقَل الصَّاوِيُّ عَنْ جَدِّ الأَُجْهُورِيِّ أَنَّهُ لَوْ نَوَى وَاحِدًا بِعَيْنِهِ لَمْ يُؤْكَل إِلاَّ هُوَ، إِنْ عُرِفَ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدًا لاَ بِعَيْنِهِ لَمْ يُؤْكَل إِلاَّ الأَْوَّل، وَلَوْ شَكَّ فِي أَوَّلِيَّتِهِ لَمْ يُؤْكَل شَيْءٌ (٤) .

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ أَرْسَل سَهْمًا مَثَلًا لاِخْتِبَارِ قُدْرَتِهِ، أَوْ إِلَى غَرَضٍ، فَاعْتَرَضَهُ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ حَرُمَ فِي الأَْصَحِّ الْمَنْصُوصِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ صَيْدًا مُعَيَّنًا (٥) .

وَفِي الْقَوْل الثَّانِي عِنْدَهُمْ: لاَ يَحْرُمُ، نَظَرًا

_________

(١) الشرح الصغير مع حاشية الصاوي ٢ / ١٦٤.

(٢) حاشية الصاوي على الشرح الصغير ٢ / ١٦٤.

(٣) الشرح الصغير للدردير مع حاشية الصاوي ٢ / ١٦٥.

(٤) حاشية الصاوي بذيل الشرح الصغير ٢ / ١٦٤.

(٥) مغني المحتاج ٤ / ٢٧٧.

إِلَى قَصْدِ الْفِعْل، دُونَ مَوْرِدِهِ (١) .

وَإِذَا أَرْسَلَهُ عَلَى مَا لاَ يُؤْكَل، كَخِنْزِيرٍ، فَأَصَابَ صَيْدًا، فَإِنَّهُ لاَ يُؤْكَل عَلَى الأَْصَحِّ كَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَل الْكَلْبَ حَيْثُ لاَ صَيْدَ، فَاعْتَرَضَهُ صَيْدٌ، فَقَتَلَهُ لَمْ يَحِل، وَذَلِكَ لِعَدَمِ قَصْدِ الاِصْطِيَادِ حِينَ الإِْرْسَال.

أَمَّا إِذَا رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا، أَوْ حَيَوَانًا لاَ يُؤْكَل، فَأَصَابَ صَيْدًا حَل، وَكَذَا إِذَا رَمَى سِرْبَ ظِبَاءٍ، وَنَحْوِهَا مِنَ الْوُحُوشِ، فَأَصَابَ وَاحِدَةً مِنْ ذَلِكَ السِّرْبِ حَلَّتْ، أَمَّا فِي الأُْولَى؛ فَلأَِنَّهُ قَتَلَهُ بِفِعْلِهِ، وَلاَ اعْتِبَارَ بِظَنِّهِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلأَِنَّهُ قَصَدَ السِّرْبَ، وَهَذِهِ الْوَاحِدَةُ مِنْهُ.

وَإِنْ قَصَدَ وَاحِدَةً مِنَ السِّرْبِ، فَأَصَابَ غَيْرَهَا مِنْهُ حَلَّتْ فِي الأَْصَحِّ الْمَنْصُوصِ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الْغَيْرُ عَلَى سَمْتِ الأُْولَى أَمْ لاَ، لِوُجُودِ قَصْدِ الصَّيْدِ.

وَمُقَابِل الأَْصَحِّ الْمَنْعُ، نَظَرًا إِلَى أَنَّهَا غَيْرُ الْمَقْصُودَةِ.

وَلَوْ قَصَدَ، وَأَخْطَأَ فِي الظَّنِّ وَالإِْصَابَةِ مَعًا، كَمَنْ رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا، أَوْ خِنْزِيرًا ظَنَّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا غَيْرَهُ حَرُمَ، لأَِنَّهُ قَصَدَ مُحَرَّمًا، فَلاَ يَسْتَفِيدُ الْحِل (٢) .

_________

(١) نفس المرجع.

(٢) مغني المحتاج ٤ / ٢٧٧، وشرح المحلي على المنهاج مع حاشيتي القليوبي وعميرة ٤ / ٢٤٦.

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَرْسَل كَلْبَهُ أَوْ سَهْمَهُ إِلَى هَدَفٍ فَقَتَل صَيْدًا، أَوْ أَرْسَلَهُ يُرِيدُ الصَّيْدَ وَلاَ يَرَى صَيْدًا، أَوْ قَصَدَ إِنْسَانًا أَوْ حَجَرًا، أَوْ رَمَى عَبَثًا غَيْرَ قَاصِدٍ صَيْدًا، أَوْ رَمَى حَجَرًا يَظُنُّهُ صَيْدًا، أَوْ شَكَّ فِيهِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ، أَوْ ظَنَّهُ آدَمِيًّا أَوْ بَهِيمَةً فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يَحِل فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ، لأَِنَّ قَصْدَ الصَّيْدِ شَرْطٌ، وَلَمْ يُوجَدْ.

وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ، أَوْ رَمَى صَيْدًا فَقَتَل جَمَاعَةً حَل الْجَمِيعُ، لأَِنَّهُ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَحَل مَا صَادَهُ.

وَكَذَا إِذَا أَرْسَل سَهْمَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَعَانَتْهُ الرِّيحُ فَقَتَلَهُ، وَلَوْلاَهَا مَا وَصَل السَّهْمُ حَل، لأَِنَّهُ قَتَلَهُ بِسَهْمِهِ وَرَمْيِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَعَ سَهْمُهُ عَلَى حَجَرٍ فَرَدَّهُ عَلَى الصَّيْدِ فَقَتَلَهُ. وَلأَِنَّ الإِْرْسَال لَهُ حُكْمُ الْحِل، وَالرِّيحُ لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهَا، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا.

وَالْجَارِحُ بِمَنْزِلَةِ السَّهْمِ، فَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ، أَوْ عَلَى صَيْدٍ فَصَادَ عَدَدًا حَل الْجَمِيعُ (١) .

١٩ - الشَّرْطُ الثَّامِنُ:

أَنْ يَكُونَ الصَّائِدُ بَصِيرًا، وَهَذَا الشَّرْطُ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ، حَيْثُ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ صَيْدُ الأَْعْمَى بِرَمْيِ سَهْمٍ

_________

(١) كشاف القناع عن متن الإقناع ٦ / ٢٢٤، ٢٢٥، والمغني لابن قدامة ٨ / ٥٤٥.

أَوْ إِرْسَال كَلْبٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْجَوَارِحِ فِي الأَْصَحِّ، لِعَدَمِ صِحَّةِ قَصْدِهِ، فَأَشْبَهَ اسْتِرْسَال الْكَلْبِ بِنَفْسِهِ.

وَمُقَابِل الأَْصَحِّ: يَحِل صَيْدُهُ، كَذَبْحِهِ (١) .

قَال الرَّمْلِيُّ: وَمَحَل الْخِلاَفِ مَا إِذَا دَلَّهُ بَصِيرٌ عَلَى الصَّيْدِ فَأَرْسَل، أَمَّا إِذَا لَمْ يَدُلَّهُ أَحَدٌ فَلاَ يَحِل قَطْعًا، نَعَمْ لَوْ أَحَسَّ الْبَصِيرُ بِصَيْدٍ فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ مِنْ وَرَاءِ شَجَرَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَرَمَاهُ حَل بِالإِْجْمَاعِ، فَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ هَذَا مُبْصِرٌ بِالْقُوَّةِ، فَلاَ يُعَدُّ عُرْفًا رَمْيُهُ عَبَثًا (٢) .

ثَانِيًا: مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَصِيدِ:

يُشْتَرَطُ فِي الْمَصِيدِ الشُّرُوطُ التَّالِيَةُ:

٢٠ - الشَّرْطُ الأَْوَّل:

يُشْتَرَطُ فِي الْمَصِيدِ أَنْ يَكُونَ حَيَوَانًا مَأْكُول اللَّحْمِ أَيْ جَائِزَ الأَْكْل، وَهَذَا عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ إِذَا كَانَ الصَّيْدُ لأَِجْل الأَْكْل.

أَمَّا مُطْلَقُ الصَّيْدِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ مَأْكُول اللَّحْمِ، بَل يَجُوزُ عِنْدَهُمْ صَيْدُ مَا يُؤْكَل لَحْمُهُ وَمَا لاَ يُؤْكَل لَحْمُهُ

_________

(١) مغني المحتاج للشربيني الخطيب ٤ / ٢٦٧، وحاشية البجيرمي على المنهج ٤ / ٢٨٧، ٢٨٨.

(٢) نهاية المحتاج ٨ / ١٠٧، وانظر مطالب أولي النهى ٦ / ٢٤٢.

لِمَنْفَعَةِ جِلْدِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ رِيشِهِ، أَوْ لِدَفْعِ شَرِّهِ، وَكُلٌّ مَشْرُوعٌ (١) .

وَيَقُول الأَْبِيُّ الأَْزْهَرِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: الاِصْطِيَادُ الْمُتَعَلِّقُ بِنَحْوِ خِنْزِيرٍ مِنْ كُل مُحَرَّمٍ يَجُوزُ بِنِيَّةِ قَتْلِهِ، وَلاَ يُعَدُّ مِنَ الْعَبَثِ، وَأَمَّا بِنِيَّةِ الْفُرْجَةِ عَلَيْهِ فَلاَ يَجُوزُ.

كَمَا يَجُوزُ ذَكَاةُ مَا لاَ يُؤْكَل لَحْمُهُ مِنَ الْحَيَوَانِ كَخَيْلٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ إِنْ أَيِسَ مِنْهُ (٢) .

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَلاَ يُجِيزُونَ صَيْدَ أَوْ ذَكَاةَ غَيْرِ مَأْكُول اللَّحْمِ، وَلِهَذَا ذَكَرُوا فِي تَعْرِيفِهِمُ الصَّيْدَ بِمَعْنَى الْمَصِيدِ: بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُقْتَنَصٌ حَلاَلٌ مُتَوَحِّشٌ طَبْعًا غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَلاَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ (٣) .

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ ذَبْحَ غَيْرِ مَأْكُول اللَّحْمِ لِلإِْرَاحَةِ لاَ لِلتَّطْهِيرِ.

وَلَمْ يُجِزِ الشَّافِعِيَّةُ قَتْل أَوْ ذَبْحَ غَيْرِ مَأْكُول اللَّحْمِ حَتَّى لِلإِْرَاحَةِ، فَصَيْدُهُ يُعْتَبَرُ مَيْتَةً عِنْدَهُمْ (٤) .

٢١ - الشَّرْطُ الثَّانِي:

أَنْ يَكُونَ الْمَصِيدُ حَيَوَانًا مُتَوَحِّشًا مُمْتَنِعًا عَنِ الآْدَمِيِّ بِقَوَائِمِهِ أَوْ

_________

(١) الدر المحتار بهامش رد المحتار ٥ / ٣٠٥.

(٢) جواهر الإكليل ١ / ٢١٣، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي عليه ٢ / ١٠٨.

(٣) انظر البجيرمي على الخطيب ٤ / ٢٤٨، وحاشية الباجوري على ابن قاسم ٢ / ٢٩٢.

(٤) الشرح الصغير ١ / ١٩، ٣٢١، والبجيرمي على الخطيب ٤ / ٢٤٨.

بِجَنَاحَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّوَحُّشِ - التَّوَحُّشُ بِأَصْل الْخِلْقَةِ وَالطَّبِيعَةِ، أَيْ: لاَ يُمْكِنُ أَخْذُهُ إِلاَّ بِحِيلَةٍ.

فَخَرَجَ بِالْمُمْتَنِعِ مِثْل الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ، لأَِنَّهُمَا لاَ يَقْدِرَانِ عَلَى الْفِرَارِ مِنْ جِهَتِهِمَا، وَبِالْمُتَوَحِّشِ: مِثْل الْحَمَامِ، وَبِقَوْلِهِ " طَبْعًا " مَا يَتَوَحَّشُ مِنَ الأَْهْلِيَّاتِ، فَإِنَّهَا لاَ تَحِل بِالاِصْطِيَادِ وَتَحِل بِذَكَاةِ الضَّرُورَةِ بِشُرُوطِهَا.

وَدَخَل فِيهِ مِثْل الظَّبْيِ، لأَِنَّهُ حَيَوَانٌ مُتَوَحِّشٌ فِي أَصْل الطَّبِيعَةِ، لاَ يُمْكِنُ أَخْذُهُ إِلاَّ بِحِيلَةٍ، وَإِنْ أَلِفَ بَعْدَ الاِصْطِيَادِ (١) .

وَكَوْنُ الْمَصِيدِ حَيَوَانًا مُتَوَحِّشًا مُمْتَنِعًا بِالطَّبْعِ - مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ، مِنْهَا:

أ - إِذَا نَدَّ بَعِيرٌ أَوْ شَرَدَ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ، بِحَيْثُ لاَ يَقْدِرُ صَاحِبُهُ عَلَى ذَكَاتِهِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، أُلْحِقَ بِالصَّيْدِ (أَيِ الْحَيَوَانِ الْمُتَوَحِّشِ الْمُمْتَنِعُ) وَكَذَلِكَ مَا وَقَعَ مِنْهَا فِي قَلِيبٍ أَوْ بِئْرٍ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى إِخْرَاجِهِ وَلاَ تَذْكِيَتِهِ، وَكَذَا مَا صَال عَلَى صَاحِبِهِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ، كُل ذَلِكَ حُكْمُهُ حُكْمُ الصَّيْدِ يَحِل بِالْعَقْرِ وَالْجَرْحِ بِسَهْمٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَسِيل بِهِ دَمُهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ قُدِرَ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) وَرُوِيَ ذَلِكَ

_________

(١) ابن عابدين ٥ / ٢٩٧.

عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ ﵃ وَبِهِ قَال مَسْرُوقٌ وَالأَْسْوَدُ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَإِسْحَاقُ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالثَّوْرِيُّ (١)، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ ﵁ قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، فَأَصَابُوا إِبِلًا وَغَنَمًا، قَال: وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ، فَعَجَّلُوا وَذَبَحُوا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَّمَ، فَعَدَل عَشَرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ فَطَلَبُوهُ، فَأَعْيَاهُمْ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَأَهْوَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ، ثُمَّ قَال: إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا وَفِي لَفْظٍ: فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا (٢) .

وَلأَِنَّ الْوَحْشِيَّ إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ وَجَبَتْ تَذْكِيَتُهُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، فَكَذَلِكَ الأَْهْلِيُّ إِذَا تَوَحَّشَ يُعْتَبَرُ بِحَالِهِ (٣) .

وَلَمْ يُفَرِّقِ الْحَنَفِيَّةُ فِيمَا إِذَا نَدَّ الْبَعِيرُ أَوِ الْبَقَرُ

_________

(١) البدائع ٥ / ٤٣، ونهاية المحتاج ٨ / ١٠٨، والمغني لابن قدامة ٨ / ٥٦٦، ٥٦٧، ومغني المحتاج ٨ / ١٠٨.

(٢) حديث رافع بن خديج: " كنا مع النبي ﷺ بذي الحليفة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٥ / ١٣١) ومسلم (٣ / ١٥٥٨) والسياق للبخاري، واللفظ الآخر للبخاري كذلك (فتح الباري ٩ / ٦٢٣) .

(٣) المغني ٨ / ٥٦٧.

فِي الْمَدِينَةِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ لأَِنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، فَلاَ يُقْدَرُ عَلَيْهِمَا.

وَأَمَّا الشَّاةُ فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ، فَذَكَاتُهَا الْعَقْرُ - أَيْ أَنَّهَا كَالصَّيْدِ - لأَِنَّهُ لاَ يُقْدَرُ عَلَيْهَا، وَإِنْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَمْ يَجُزْ عَقْرُهَا، لأَِنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُهَا، وَذَبْحُهَا مَقْدُورٌ عَلَيْهِ، فَلاَ تَلْحَقُ بِالصَّيْدِ (١) .

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّ جَمِيعَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُتَأَنَّسَةِ إِذَا نَدَّتْ فَإِنَّهَا لاَ تُؤْكَل بِالْعَقْرِ، لأَِنَّ الأَْصْل أَنْ يَكُونَ الْمَصِيدُ وَحْشِيًّا، وَمُقَابِلُهُ مَا لاِبْنِ حَبِيبٍ: أَنَّهُ إِنْ نَدَّ غَيْرُ الْبَقَرِ لَمْ يُؤْكَل بِالْعَقْرِ، وَإِنْ نَدَّ الْبَقَرُ جَازَ أَكْلُهُ بِالْعَقْرِ، لأَِنَّ الْبَقَرَ لَهَا أَصْلٌ فِي التَّوَحُّشِ تَرْجِعُ إِلَيْهِ، لِشَبَهِهَا بِبَقَرِ الْوَحْشِ (٢) .

وَإِذَا تَرَدَّى حَيَوَانٌ بِسَبَبِ إِدْخَال رَأْسِهِ بِكَوَّةٍ - أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ وَحْشِيًّا أَوْ غَيْرَ وَحْشِيٍّ - فَلاَ يُؤْكَل بِالْعَقْرِ، أَيْ بِالطَّعْنِ بِحَرْبَةٍ مَثَلًا فِي غَيْرِ مَحَل الذَّكَاةِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ ذَكَاتِهِ بِالذَّبْحِ أَوِ النَّحْرِ إِنْ كَانَ مِمَّا يُنْحَرُ، وَهَذَا فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

وَقَال ابْنُ حَبِيبٍ: يُؤْكَل بِالْعَقْرِ الْحَيَوَانُ الْمُتَرَدِّي الْمَعْجُوزُ عَنْ ذَكَاتِهِ مُطْلَقًا، بَقَرًا كَانَ

_________

(١) بدائع الصنائع للكاساني ٥ / ٤٣، ٤٤.

(٢) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ٢ / ١٠٣، والقوانين الفقهية لابن جزي ص ١٨٢.