الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨
وَأَمَّا الإِْجْمَاعُ فَبَيَانُهُ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُمَارِسُونَ الصَّيْدَ فِي عَهْدِ الرَّسُول ﷺ وَعُهُودِ أَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.
وَأَمَّا الْمَعْقُول: فَهُوَ أَنَّ الصَّيْدَ نَوْعُ اكْتِسَابٍ وَانْتِفَاعٍ بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لِذَلِكَ، وَفِيهِ اسْتِيفَاءُ الْمُكَلَّفِ وَتَمْكِينُهُ مِنْ إِقَامَةِ التَّكَالِيفِ، فَكَانَ مُبَاحًا بِمَنْزِلَةِ الاِحْتِطَابِ (١) . وَبِهَذَا تَتَبَيَّنُ حِكْمَةَ مَشْرُوعِيَّتِهِ.
٧ - وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الأَْصْل فِي الصَّيْدِ الإِْبَاحَةُ، فَلاَ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ خِلاَفُ الأَْوْلَى أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ وَاجِبٌ إِلاَّ فِي صُوَرٍ خَاصَّةٍ بِأَدِلَّةٍ خَاصَّةٍ نَذْكُرُهَا فِيمَا يَلِي:
٨ - أ - يَكُونُ الصَّيْدُ خِلاَفَ الأَْوْلَى إِذَا حَدَثَ لَيْلًا، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ، وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِخِلاَفِهِ، فَفِي الْمُغْنِي: قَال أَحْمَدُ: " لاَ بَأْسَ بِصَيْدِ اللَّيْل " (٢) .
٩ - ب - وَيُكْرَهُ الصَّيْدُ إِذَا كَانَ الْغَرَضُ مِنْهُ التَّلَهِّيَ وَالْعَبَثَ (٣)؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا (٤) . أَيْ هَدَفًا.
_________
(١) تبيين الحقائق للزيلعي ٦ / ٥٠.
(٢) تنوير الأبصار بهامش ابن عابدين ٥ / ٣٠٦، نقلا عن الخانية، والمغني لابن قدامة مع الشرح الكبير ١١ / ١١.
(٣) ابن عابدين نقلا عن مجمع الفتاوى ٥ / ٢٩٧، والشرح الكبير للدردير ٢ / ١٠٨، ومطالب أولي النهى ٦ / ٣٤٠.
(٤) حديث: " لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا ". أخرجه مسلم (٣ / ١٥٤٩) من حديث ابن عباس.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ صُوَرًا أُخْرَى لِلْكَرَاهَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ تَعْلِيمَ الْبَازِي بِالصُّيُودِ الْحَيَّةِ مَكْرُوهٌ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ (١) .
أَمَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ كَرَاهَةِ حِرْفَةِ الاِصْطِيَادِ عُمُومًا، فَقَدْ رَدَّهُ الْحَصْكَفِيُّ وَابْنُ عَابِدِينَ: وَقَالُوا: إِنَّ التَّحْقِيقَ إِبَاحَةُ اتِّخَاذِهِ حِرْفَةً، لأَِنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الاِكْتِسَابِ، وَكُل أَنْوَاعِ الْكَسْبِ فِي الإِْبَاحَةِ سَوَاءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ - قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْكَسْبُ بِالرِّبَا وَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ، وَلَمْ يَكُنْ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ، فَلاَ يُذَمُّ بَعْضُهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَفْضَل مِنْ بَعْضٍ (٢) .
وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يُكْرَهُ الاِصْطِيَادُ فِي صُوَرٍ مِنْهَا:
أ - أَنْ يَكُونَ بِشَيْءٍ نَجِسٍ، كَالْعَذِرَةِ، وَالْمَيْتَةِ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ أَكْل الْمَصِيدِ لِلنَّجَاسَةِ.
ب - وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ بِبَنَاتِ وَرْدَانَ، لأَِنَّ مَأْوَاهَا الْحُشُوشُ (٣) .
ج - وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ بِالضَّفَادِعِ، لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهَا.
_________
(١) الدر المختار على هامش ابن عابدين ٥ / ٣٠٦.
(٢) حاشية ابن عابدين ٥ / ٢٩٧.
(٣) بنات وردان مفرده بنت وردان، وهي دويبة نحو الخنفساء حمراء اللون، وأكثر ما تكون في الحمامات وفي الكنف، والحشوش بالضم (جمع حش بالضم والفتح وله معان منها الكنيف) (المعجم الوسيط مادتي " ورد، وحش ") .
د - وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ بِالْخَرَاطِيمِ (١)، وَكُل شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ (٢) .
١٠ - وَيَحْرُمُ الصَّيْدُ فِي صُوَرٍ، مِنْهَا:
أ - أَنْ يَكُونَ الصَّائِدُ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ.
وَالصَّيْدُ بَرِّيًّا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ (٣) وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
ب - أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ حَرَمِيًّا، سَوَاءٌ أَكَانَ الصَّائِدُ مُحْرِمًا أَمْ حَلاَلًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا﴾ (٤) الآْيَةَ.
وَلِقَوْلِهِ ﷺ فِي صِفَةِ مَكَّةَ: وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا (٥)، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا.
ج - أَنْ يَكُونَ عَلَى الصَّيْدِ أَثَرُ الْمِلْكِ، كَخَضْبٍ أَوْ قَصِّ جَنَاحٍ أَوْ نَحْوِهِمَا.
وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الشَّافِعِيَّةُ نَصًّا، وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلاَمِ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَمْلُوكٌ لِشَخْصٍ آخَرَ (٦) . وَيُشْتَرَطُ
_________
(١) الخراطيم بالميم هكذا في المغني والشرح الكبير، ولعله: الخراطين بالنون وهي ديدان طوال تكون في طين الأنهار، كما في المعجم الوسيط وغيره، والظاهر أن المراد: الديدان التي فيها الروح، فإن قتله حل الاصطياد بها.
(٢) المغني والشرح الكبير ١١ / ٣٢.
(٣) سورة المائدة / ٩٦.
(٤) سورة العنكبوت / ٦٧.
(٥) حديث: " ولا ينفر صيدها. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٤٦) ومسلم (٢ / ٩٨٨) من حديث ابن عباس.
(٦) نهاية المحتاج ٨ / ١١٧.
فِي الصَّيْدِ أَنْ لاَ يَكُونَ مَمْلُوكًا (١) .
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ صُورَةً أُخْرَى يَحْرُمُ فِيهَا الصَّيْدُ، وَهِيَ: خُلُوُّهُ عَنْ نِيَّةٍ مَشْرُوعَةٍ، كَأَنْ يُصَادَ الْمَأْكُول أَوْ غَيْرُهُ لاَ بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ، بَل بِلاَ نِيَّةِ شَيْءٍ، أَوْ بِنِيَّةِ حَبْسِهِ، أَوِ الْفُرْجَةِ عَلَيْهِ (٢) .
لَكِنْ نَقَل الدُّسُوقِيُّ عَنِ الْحَطَّابِ مَا يُفِيدُ جَوَازَ اصْطِيَادِ الصَّيْدِ بِنِيَّةِ الْفُرْجَةِ عَلَيْهِ حَيْثُ لاَ تَعْذِيبَ وَإِنَّ بَعْضَهُمْ أَخَذُوا الْجَوَازَ مِنْ حَدِيثِ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَل النُّغَيْرُ (٣) .
هَذَا، وَقَدْ لَخَّصَ الدَّرْدِيرُ الْحُكْمَ التَّكْلِيفِيَّ لِلصَّيْدِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَال: كُرِهَ لِلَّهْوِ، وَجَازَ لِتَوْسِعَةٍ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ، وَنُدِبَ لِتَوْسِعَةٍ مُعْتَادَةٍ أَوْ سَدِّ خُلَّةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ، أَوْ كَفِّ وَجْهٍ عَنْ سُؤَالٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، وَوَجَبَ لِسَدِّ خُلَّةٍ وَاجِبَةٍ، فَتَعْتَرِيهِ الأَْحْكَامُ الْخَمْسَةُ (٤) .
أَرْكَانُ الصَّيْدِ:
١١ - أَرْكَانُ الصَّيْدِ ثَلاَثَةٌ: صَائِدٌ وَمَصِيدٌ وَآلَةٌ (٥)، وَلِكُل رُكْنٍ مِنْ هَذِهِ الأَْرْكَانِ شُرُوطٌ بَيَانُهَا فِيمَا يَلِي:
_________
(١) انظر الفقرة الأولى، تعريف الصيد.
(٢) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ٢ / ١٠٧ و١٠٨.
(٣) نفس المرجع. وحديث: " يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ ". أخرجه البخاري (الفتح ١٠ / ٥٨٢) من حديث أنس بن مالك.
(٤) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ٢ / ١٠٧ و١٠٨.
(٥) الخرشي ٣ / ٨.
أَوَّلًا: مَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّائِدِ:
يُشْتَرَطُ فِي الصَّائِدِ لِصِحَّةِ الصَّيْدِ الشُّرُوطُ الآْتِيَةُ:
١٢ - الشَّرْطُ الأَْوَّل -
أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا، مُمَيِّزًا، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (١» .
وَذَلِكَ لأَِنَّ الصَّبِيَّ غَيْرَ الْعَاقِل لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّذْكِيَةِ عِنْدَهُمْ، فَلاَ يَكُونُ أَهْلًا لِلاِصْطِيَادِ، وَلأَِنَّ الصَّيْدَ يَحْتَاجُ إِلَى الْقَصْدِ وَالتَّسْمِيَةِ، وَهُمَا لاَ يَصِحَّانِ مِمَّنْ لاَ يَعْقِل، كَمَا عَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ صَيْدُ الْمَجْنُونِ، وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، كَمَا لاَ تَجُوزُ ذَبِيحَتُهُمَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ ذَبْحَ وَصَيْدَ صَبِيٍّ - وَلَوْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ - حَلاَلٌ فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَهُمْ، لأَِنَّ لَهُمْ قَصْدًا وَإِرَادَةً فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لأَِنَّهُمْ قَدْ يُخْطِئُونَ الذَّبْحَ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الأُْمِّ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَحِل صَيْدُهُمْ وَلاَ ذَبْحُهُمْ، لِفَسَادِ قَصْدِهِمْ (٢) .
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٥ / ١٨٨، ٢٩٧، والقوانين الفقهية لابن جزي ص ١٨١، والخرشي على خليل ٢ / ٣٠١، ونهاية المحتاج للرملي ٨ / ١٠٦، ومغني المحتاج للخطيب ٤ / ٢٦٧، والمغني لابن قدامة ٨ / ٥٨١، وانظر كذلك نتائج الأفكار على الهداية مع حاشية العناية ٨ / ١٧٠، وما بعدها.
(٢) مغني المحتاج للشربيني الخطيب ٤ / ٢٦٧.
قَال الشِّرْبِينِيُّ: وَمَحَل الْخِلاَفِ فِي الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَمْيِيزٌ أَصْلًا، فَإِنْ كَانَ لَهُمَا أَدْنَى تَمْيِيزٍ حَل قَطْعًا (١) .
وَلِتَفْصِيل هَذَا الْمَوْضُوعِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (ذَبَائِح ف ٢١) .
١٣ - الشَّرْطُ الثَّانِي:
أَنْ يَكُونَ حَلاَلًا، فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَمْ يُؤْكَل مَا صَادَهُ، بَل يَكُونُ مَيْتَةً (٢) كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
١٤ - الشَّرْطُ الثَّالِثُ:
أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَحِل مَا صَادَهُ الْكِتَابِيُّ وَإِنْ حَل مَا ذَبَحَهُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الذَّبْحِ وَالصَّيْدِ بِأَنَّ الصَّيْدَ رُخْصَةٌ، وَالْكَافِرُ وَلَوْ كِتَابِيًّا لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (٣) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: يُعْتَبَرُ (هَذَا الشَّرْطُ) مِنْ حِينِ الإِْرْسَال إِلَى حِينِ الإِْصَابَةِ، وَهُنَاكَ قَوْلٌ آخَرُ لِلْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وَقْتُ الإِْرْسَال فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ (٤) .
_________
(١) نفس المرجع.
(٢) انظر ابن عابدين وبهامشه الدر المختار ٥ / ١٨٨.
(٣) الشرح الكبير بحاشية الدسوقي ٢ / ١٠٢، والشرح الصغير مع حاشية الصاوي ٢ / ١٦١، ٢٦٣، والدر المختار بهامش ابن عابدين ٥ / ١٨٨، ومغني المحتاج ٤ / ٢٦٦، والمغني لابن قدامة ٨ / ٥٣٩.
(٤) البدائع ٥ / ٤٩، والشرح الكبير بحاشية الدسوقي ٢ / ١٠٦، نهاية المحتاج ٨ / ١٠٦، مطالب أولي النهى ٦ / ٣٤٣.
وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يَحِل صَيْدُ الْمُشْرِكِ أَوِ الْمُرْتَدِّ (١)، وَوَجْهُ اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ هُوَ أَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِ لاَ يُخْلِصُ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ، وَوَجْهُ حِل صَيْدِ وَذَبَائِحِ أَهْل الْكِتَابِ هُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ (٢) .
وَالْمَقْصُودُ بِالْكِتَابِيِّ: الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ، ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا (٣) .
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (ذَبَائِح ف ٢٣، ٢٤) .
١٥ - الشَّرْطُ الرَّابِعُ:
يُشْتَرَطُ فِي الصَّائِدِ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ الإِْرْسَال أَوِ الرَّمْيِ، وَذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (٤) .
ثُمَّ إِنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الإِْرْسَال وَلَوْ حُكْمًا، فَالشَّرْطُ عِنْدَهُمْ عَدَمُ تَرْكِهَا عَمْدًا، فَلَوْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ وَلَمْ يَتَعَمَّدِ التَّرْكَ جَازَ.
_________
(١) الدر المختار بهامش ابن عابدين ٥ / ١٨٨، ١٨٩، والمغني ٨ / ٥٣٩، ٥٤٠، ومغني المحتاج ٤ / ٢٦٦.
(٢) سورة المائدة / ٥.
(٣) البدائع ٥ / ٤٥، والخرشي على مختصر خليل ٢ / ٣٠١، والشرح الصغير للدردير ٢ / ١٦٣.
(٤) الدر المختار بهامش ابن عابدين ٥ / ٣٠٠، وحاشية الدسوقي مع الشرح الكبير ٢ / ١٠٣، والمغني لابن قدامة ٨ / ٥٨٠، والقوانين الفقهية لابن جزي ص ١٨١.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ إِذَا ذَكَرَ وَقَدِرَ (١) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يُبَحْ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: هَذَا تَحْقِيقُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْل الشَّعْبِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ تُشْتَرَطُ عَلَى إِرْسَال الْكَلْبِ، وَلاَ يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي إِرْسَال السَّهْمِ إِلَيْهِ حَقِيقَةً، وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّكِّينِ، بِخِلاَفِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ يَفْعَل بِاخْتِيَارِهِ (٢) .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلاَ تُشْتَرَطُ عِنْدَهُمُ التَّسْمِيَةُ بَل تُسَنُّ عِنْدَ إِرْسَال السَّهْمِ أَوِ الْجَارِحَةِ، فَلَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَل، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: يُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَرْكِهَا (٣) .
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (ذَبَائِح ف ٣٢ - ٣٤) .
وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (تَسْمِيَة ف ١٩) .
١٦ - الشَّرْطُ الْخَامِسُ:
أَنْ لاَ يُهِل الصَّائِدُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَهَذَا الشَّرْطُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أُهِل بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ (٤) .
_________
(١) ابن عابدين وبهامشه الدر المختار ٥ / ٣٠٠، الشرح الكبير للدردير ٢ / ١٠٦.
(٢) المغني لابن قدامة ٨ / ٥٤٠.
(٣) مغني المحتاج ٤ / ٢٧٢.
(٤) سورة البقرة / ١٧٣.
وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (ذَبَائِح ف ٣٥) .
١٧ - الشَّرْطُ السَّادِسُ:
أَنْ يُرْسِل الآْلَةَ بِحَيْثُ يُنْسَبُ إِلَيْهِ الصَّيْدُ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَكُونُ إِرْسَال الْجَارِحَةِ مِنْ يَدِ الصَّائِدِ أَوْ يَدِ غُلاَمِهِ، قَال الصَّاوِيُّ: الْمُرَادُ بِالْيَدِ حَقِيقَتُهَا، وَمِثْلُهَا إِرْسَالُهَا مِنْ حِزَامِهِ أَوْ مِنْ تَحْتِ قَدَمِهِ، لاَ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ أَوِ الْمِلْكُ فَقَطْ، وَقَالُوا: إِنَّهُ تَكْفِي نِيَّةُ الأَْمْرِ وَتَسْمِيَتُهُ وَإِسْلاَمُهُ (١) .
وَقَدْ فَرَّعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِل (٢) .
مِنْهَا:
أ - لَوْ أَطَارَتِ الرِّيحُ السَّهْمَ فَقَتَلَتْ صَيْدًا أَوْ نَصَبَ سِكِّينًا بِلاَ قَصْدٍ فَاحْتَكَّ بِهِ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ لَمْ يَحِل، صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (٣) .
ب - لَوِ اسْتَرْسَلَتْ جَارِحَةٌ بِنَفْسِهَا، وَلَمْ يُغْرِهَا أَحَدٌ فِي أَثْنَاءِ الاِسْتِرْسَال إِغْرَاءً يَزِيدُ مِنْ سُرْعَتِهَا حَرُمَ مَا قَتَلَتْهُ مِنَ الصَّيْدِ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الإِْرْسَال (٤) .
_________
(١) حاشية الصاوي على الشرح الصغير ٢ / ١٦٣.
(٢) حاشية ابن عابدين ٥ / ٣٠٠ - ٣٠٣، والهداية مع العناية وتكملة الفتح ٨ / ١٨١ وما بعدها، والشرح الصغير للدردير مع حاشية الصاوي ٢ / ١٦٢، والبجيرمي ٤ / ٢٨٧، ومطالب أولي النهى ٦ / ٣٥١، وكشاف القناع ٦ / ٢٢٤.
(٣) مغني المحتاج ٤ / ٢٧٦، ومطالب أولي النهى ٦ / ٣٥١.
(٤) ابن عابدين ٥ / ٣٠٠، ومغني المحتاج ٤ / ٢٧٦، ومطالب أولي النهى ٦ / ٣٥١.
ج - لَوِ اسْتَرْسَلَتْ جَارِحَةٌ بِنَفْسِهَا وَأَغْرَاهَا مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلصَّيْدِ إِغْرَاءً يَزِيدُ مِنْ سُرْعَتِهَا لَمْ يَحِل مَا قَتَلَتْهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِعَدَمِ الإِْرْسَال مِنْ يَدِ الصَّائِدِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَعَلَّلُوا الْحُرْمَةَ بِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الاِسْتِرْسَال الْمَانِعُ وَالإِْغْرَاءُ الْمُبِيحُ، فَغَلَبَ جَانِبُ الْمَنْعِ، كَمَا يَقُول الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ (١) .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - فَقَالُوا بِالْحِل إِنِ اقْتُرِنَ بِالإِْغْرَاءِ التَّسْمِيَةُ لِظُهُورِ أَثَرِ الإِْغْرَاءِ بِزِيَادَةِ الْعَدْوِ (٢)، وَلأَِنَّ الإِْغْرَاءَ أَثَّرَ فِي عَدْوِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَرْسَلَهُ، كَمَا يَقُول الرَّحِيبَانِيُّ (٣) .
د - لَوْ أَرْسَل الْجَارِحَةَ وَهُوَ أَهْلٌ لِلصَّيْدِ، فَأَغْرَاهَا مَنْ لاَ يَحِل صَيْدُهُ لَمْ يَحْرُمْ مَا قَتَلَتْهُ، لأَِنَّ الإِْرْسَال السَّابِقَ عَلَى الإِْغْرَاءِ أَقْوَى مِنْهُ، فَلاَ يَنْقَطِعُ حُكْمُ الإِْرْسَال بِالإِْغْرَاءِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (٤) .
هـ - لَوْ أَرْسَل الْجَارِحَةَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلصَّيْدِ، فَأَغْرَاهَا مَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ لَمْ يُؤْكَل مَا قَتَلَتْهُ، لأَِنَّ الاِعْتِبَارَ بِالإِْرْسَال الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنَ الإِْغْرَاءِ (٥) .
_________
(١) الشرح الصغير ٢ / ١٦٣، ومغني المحتاج ٤ / ٢٧٦.
(٢) مغني المحتاج ٤ / ٢٧٦.
(٣) مطالب أولي النهى ٦ / ٣٥١، والمغني لابن قدامة ٨ / ٥٤١.
(٤) مغني المحتاج ٤ / ٢٧٧، ومطالب أولي النهى ٦ / ٣٤٣.
(٥) المراجع السابقة.