الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨ الصفحة 22

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨

١١ - وَإِذَا قَتَل رَجُلًا، وَادَّعَى أَنَّهُ وَجَدَهُ مَعَ امْرَأَتِهِ، فَأَنْكَرَ وَلِيُّ الْمَقْتُول فَالْقَوْل قَوْل الْوَلِيِّ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ سُئِل عَنْ رَجُلٍ دَخَل بَيْتَهُ، فَإِذَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلٌ، فَقَتَلَهَا وَقَتَلَهُ، قَال عَلِيٌّ: إِنْ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، وَإِلاَّ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ، وَلأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ، فَلاَ يَسْقُطُ حُكْمُ الْقَتْل بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى.

إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْبَيِّنَةِ.

فَقَال الْجُمْهُورُ: إِنَّهَا أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ، لِخَبَرِ عَلِيٍّ السَّابِقِ، وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ﵁ قَال: يَا رَسُول اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِي بِأَرْبَعِهِ شُهَدَاءَ؟ فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: نَعَمْ. . . الْحَدِيثَ " (١) .

وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَكْفِي شَاهِدَانِ، لأَِنَّ الْبَيِّنَةَ تَشْهَدُ عَلَى وُجُودِ الرَّجُل عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَيْسَ عَلَى الزِّنَا (٢) .

وَكَذَا لَوْ قَتَل رَجُلًا فِي دَارِهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ هَجَمَ عَلَى مَنْزِلِهِ، فَأَنْكَرَ وَلِيُّ الْمَقْتُول، قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَلَمْ يَكُنِ الْمَقْتُول مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ، قُتِل صَاحِبُ الدَّارِ

_________

(١) حديث سعد بن عبادة: " أيا رسول الله! أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا. . . ". أخرجه مسلم (٢ / ١١٣٥) .

(٢) مغني المحتاج ٤ / ١٩٩، وروضة الطالبين ١٠ / ١٩٠، والمغني لابن قدامة ٨ / ٣٣١، وحاشية الدسوقي ٤ / ٣٥٧.

قِصَاصًا، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُول مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنَ الْقَاتِل فِي الْقِيَاسِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُول فِي الاِسْتِحْسَانِ، لأَِنَّ دَلاَلَةَ الْحَال أَوْرَثَتْ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ لاَ الْمَال (١) .

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَلاَ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ، إِلاَّ إِذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ يَحْضُرُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقْبَل قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ (٢) .

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَمْ يُقْبَل قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وَيَكْفِي فِي الْبَيِّنَةِ قَوْلُهَا: دَخَل دَارَهُ شَاهِرًا السِّلاَحَ، وَلاَ يَكْفِي قَوْلُهَا: دَخَل بِسِلاَحٍ مِنْ غَيْرِ شَهْرٍ، إِلاَّ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتِيل عَدَاوَةٌ فَيَكْفِي ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ (٣) .

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَمْ يُقْبَل قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وَإِلاَّ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُول يُعْرَفُ بِفَسَادٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ، فَإِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُمْ رَأَوْا هَذَا مُقْبِلًا إِلَى هَذَا بِالسِّلاَحِ الْمَشْهُورِ فَضَرَبَهُ هَذَا، فَقَدْ هُدِرَ دَمُهُ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ دَاخِلًا دَارَهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا سِلاَحًا، أَوْ ذَكَرُوا سِلاَحًا غَيْرَ مَشْهُورٍ لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ بِذَلِكَ، لأَِنَّهُ قَدْ يَدْخُل لِحَاجَةٍ، وَمُجَرَّدُ الدُّخُول لاَ يُوجِبُ إِهْدَارَ دَمِهِ.

_________

(١) حاشية ابن عابدين ٥ / ٣٥١.

(٢) حاشية الدسوقي ٤ / ٣٥٧.

(٣) مغني المحتاج ٤ / ١٩٩، وروضة الطالبين ١٠ / ١٩٠.

وَإِنْ تَجَارَحَ رَجُلاَنِ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا قَائِلًا: إِنِّي جَرَحْتُهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِي، حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إِبْطَال دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا جَرَحَهُ، لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى الآْخَرِ مَا يُنْكِرُهُ، وَالأَْصْل عَدَمُهُ (١) .

وَالتَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاص، شَهَادَة) .

دَفْعُ الصَّائِل عَلَى الْمَال:

١٢ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِل عَلَى الْمَال وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، لِقَوْلِهِ ﷺ: قَاتِل دُونَ مَالِكَ (٢) . وَاسْمُ الْمَال يَقَعُ عَلَى الْقَلِيل كَمَا يَقَعُ عَلَى الْكَثِيرِ. فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ دَفْعِ الصَّائِل عَلَى مَالِهِ إِلاَّ بِالْقَتْل فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ قُتِل دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ (٣) .

وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَالِهِ وَمَال غَيْرِهِ. فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْخَانِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ رَأَى رَجُلًا يَسْرِقُ مَالَهُ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ، أَوْ رَأَى رَجُلًا يَثْقُبُ حَائِطَهُ، أَوْ حَائِطَ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ

_________

(١) المغني لابن قدامة ٨ / ٣٣٣.

(٢) حديث: " قاتل دون مالك ". أخرجه النسائي ٧ / ١١٤، من حديث المخارق وإسناده صحيح.

(٣) حديث: " من قتل دون ماله فهو شهيد ". أخرجه البخاري (٥ / ١٢٣) ومسلم (١ / ١٢٥) من حديث عبد الله بن عمرو ﵄.

يَهْرُبْ حَل لَهُ قَتْلُهُ، وَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ (١) .

إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا لِلْوُجُوبِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى أَخْذِهِ هَلاَكٌ، أَوْ شِدَّةُ أَذًى، وَإِلاَّ فَلاَ يَجِبُ الدَّفْعُ اتِّفَاقًا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنِ الْمَال، لأَِنَّهُ يَجُوزُ إِبَاحَتُهُ لِلْغَيْرِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ ذَا رُوحٍ أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَرَهْنٍ وَإِجَارَةٍ فَيَجِبُ الدِّفَاعُ عَنْهُ، قَال الإِْمَامُ الْغَزَالِيُّ: وَكَذَا إِنْ كَانَ مَال مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، أَوْ وَقْفٍ أَوْ مَالًا مُودَعًا، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ الدِّفَاعُ عَنْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَخْشَ عَلَى نَفْسٍ، أَوْ عَلَى بُضْعٍ، وَعَلَيْهِ فَإِذَا رَأَى شَخْصًا يُتْلِفُ حَيَوَانَ نَفْسِهِ إِتْلاَفًا مُحَرَّمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الدِّفَاعُ عَنْهُ، مِنْ بَابِ الأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.

كَمَا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَتَل الصَّائِل عَلَى الْمَال فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بِقِصَاصٍ وَلاَ دِيَةٍ وَلاَ كَفَّارَةٍ وَلاَ قِيمَةٍ، لأَِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالأَْدِلَّةِ السَّابِقَةِ بِالْقِتَال وَالْقَتْل، وَبَيْنَ الأَْمْرِ بِالْقِتَال وَالضَّمَانِ مُنَافَاةٌ، قَال تَعَالَى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْل مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ (٢) . وَقَال ﷺ: انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا (٣) وَقَال

_________

(١) ابن عابدين ٥ / ٣٥١، والفتاوى الخانية ٣ / ٤٤١، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٩٧، ومواهب الجليل ٦ / ٣٢٣، والدسوقي ٤ / ٣٥٧.

(٢) سورة البقرة / ١٩٤.

(٣) حديث: " انصر أخاك ظالما. . . ". سبق تخرجه فقرة ١٠.

أَيْضًا: مَنْ قُتِل دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ.

وَيُسْتَثْنَى عِنْدَهُمْ مِنْ جَوَازِ الدِّفَاعِ عَنِ الْمَال صُورَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: لَوْ قَصَدَ مُضْطَرٌّ طَعَامَ غَيْرِهِ، فَلاَ يَجُوزُ لِمَالِكِهِ دَفْعُهُ عَنْهُ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا مِثْلَهُ، فَإِنْ قَتَل الْمَالِكُ الصَّائِل الْمُضْطَرَّ إِلَى الطَّعَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَالأُْخْرَى: إِذَا كَانَ الصَّائِل مُكْرَهًا عَلَى إِتْلاَفِ مَال غَيْرِهِ، فَلاَ يَجُوزُ دَفْعُهُ عَنْهُ، بَل يَلْزَمُ الْمَالِكَ أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ، كَمَا يَتَنَاوَل الْمُضْطَرُّ طَعَامَهُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا دَفْعُ الْمُكْرَهِ.

قَال الأَْذْرَعِيُّ: وَهَذَا فِي آحَادِ النَّاسِ، أَمَّا الإِْمَامُ وَنُوَّابُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الدِّفَاعُ عَنْ أَمْوَال رَعَايَاهُمْ (١) .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ: لاَ يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ مَالِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلاَ مَال غَيْرِهِ، وَلاَ حِفْظِهِ مِنَ الضَّيَاعِ وَالْهَلاَكِ، لأَِنَّهُ يَجُوزُ بَذْلُهُ لِمَنْ أَرَادَهُ مِنْهُ ظُلْمًا. وَتَرْكُ الْقِتَال عَلَى مَالِهِ أَفْضَل مِنَ الْقِتَال عَلَيْهِ.

وَقِيل: يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّفَاعُ عَنْ مَالِهِ.

أَمَّا دَفْعُ الإِْنْسَانِ عَنْ مَال غَيْرِهِ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يُفْضِ إِلَى الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِ الطَّالِبِ، أَوْ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ.

_________

(١) مغني المحتاج ٤ / ١٩٥، وحاشية الباجوري ٢ / ٢٥٦، وروضة الطالبين ١٠ / ١٨٨، وحاشية الجمل على شرح المنهج ٥ / ١٦٦.

وَقَال جَمَاعَةٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ مَال الْغَيْرِ مَعَ ظَنِّ سَلاَمَةِ الدَّافِعِ وَالصَّائِل، وَإِلاَّ حُرِّمَ الدِّفَاعُ.

قَالُوا: وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَعُونَةُ غَيْرِهِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ مَالِهِ مَعَ ظَنِّ السَّلاَمَةِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا (١)، وَلأَِنَّهُ لَوْلاَ التَّعَاوُنُ لَذَهَبَتْ أَمْوَال النَّاسِ وَأَنْفُسُهُمْ، لأَِنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ إِذَا انْفَرَدُوا بِأَخْذِ مَال إِنْسَانٍ - وَلَمْ يُعِنْهُ غَيْرُهُ - فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَمْوَال الْكُل، وَاحِدًا وَاحِدًا (٢) .

_________

(١) حديث: " انصر أخاك. . . ". تقدم ف ١٠.

(٢) كشاف القناع ٦ / ١٥٦، والمغني لابن قدامة ٨ / ٣٣٢، وكشف المخدرات ص ٤٧٨، والإنصاف ١٠ / ٣٠٤.

صَيْدٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الصَّيْدُ لُغَةً: مَصْدَرُ صَادَ يَصِيدُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ، أَيْ فِعْل الاِصْطِيَادِ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَصِيدِ، يُقَال: صَيْدُ الأَْمِيرِ، وَصَيْدٌ كَثِيرٌ، وَيُرَادُ بِهِ الْمِصْيَدُ، كَمَا يُقَال: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ أَيْ مَخْلُوقُهُ ﷾ (١) .

وَالصَّيْدُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَصِيدِ: (٢) يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ (٣) .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عَرَّفَهُ الْكَاسَانِيُّ عَلَى الإِْطْلاَقِ الثَّانِي (أَيِ الْمَصِيدِ) بِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يَتَوَحَّشُ وَيَمْتَنِعُ، وَلاَ يُمْكِنُ أَخْذُهُ إِلاَّ بِحِيلَةٍ، إِمَّا لِطَيَرَانِهِ أَوْ لِعَدْوِهِ (٤) .

وَعَرَّفَهُ الْبُهُوتِيُّ بِالإِْطْلاَقَيْنِ: (الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَالْمَصِيدِ) فَقَال: الصَّيْدُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ: اقْتِنَاصُ حَيَوَانٍ مُتَوَحِّشٍ طَبْعًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ وَلاَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ (٥) .

_________

(١) المصباح المنير، ولسان العرب، والقاموس، وانظر الاختيار لتعليل المختار للموصلي ٥ / ٢.

(٢) حاشية الجمل ٥ / ٢٣٣، وانظر كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي ٦ / ٢١٣، ومغني المحتاج ٤ / ٢٦٥.

(٣) سورة المائدة ٩٥.

(٤) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ٥ / ٣٥.

(٥) كشاف القناع ٦ / ٢١٣.

أَمَّا بِالْمَعْنَى الثَّانِي - أَيِ الْمَصِيدِ - فَعَرَّفَهُ بِقَوْلِهِ: الصَّيْدُ حَيَوَانٌ مُقْتَنَصٌ حَلاَلٌ مُتَوَحِّشٌ طَبْعًا، غَيْرَ مَمْلُوكٍ وَلاَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَخَرَجَ الْحَرَامُ كَالذِّئْبِ، وَالإِْنْسِيُّ كَالإِْبِل وَلَوْ تَوَحَّشَتِ (١) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الذَّبْحُ:

٢ - الذَّبْحُ فِي اللُّغَةِ: الشَّقُّ، وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ الْقَطْعُ فِي الْحَلْقِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ مِنَ الْعُنُقِ (٢) .

ب - النَّحْرُ:

٣ - مِنْ مَعَانِي النَّحْرِ فِي اللُّغَةِ: الطَّعْنُ فِي لَبَّةِ الْحَيَوَانِ، لأَِنَّهَا مُسَامِتَةٌ لأَِعْلَى صَدْرِهِ، يُقَال: نَحَرَ الْبَعِيرَ يَنْحَرُهُ نَحْرًا (٣) .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: يُطْلَقُ النَّحْرُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الْفُقَهَاءِ: يُسْتَحَبُّ فِي الإِْبِل النَّحْرُ (٤) . (ر: نَحْر) .

ج - الْعَقْرُ:

٤ - الْعَقْرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ لُغَةً: ضَرْبُ قَوَائِمِ الْبَعِيرِ.

_________

(١) نفس المرجع.

(٢) القاموس ولسان العرب والمصباح المنير، والمفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني مادة: (ذبح) .

(٣) لسان العرب، والقاموس، وتاج العروس.

(٤) بدائع الصنائع ٥ / ٦٠.

وَاسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ بِمَعْنَى: الإِْصَابَةِ الْقَاتِلَةِ لِلْحَيَوَانِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ مِنْ بَدَنِهِ، إِذَا كَانَ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِالسَّهْمِ أَمْ بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ (١) . (ر: عَقْر) .

أَقْسَامُ الصَّيْدِ:

٥ - الصَّيْدُ نَوْعَانِ: بَرِّيٌّ وَبَحْرِيٌّ.

فَالصَّيْدُ الْبَرِّيُّ: مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْبَرِّ، وَلاَ عِبْرَةَ بِالْمَكَانِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ.

أَمَّا الصَّيْدُ الْبَحْرِيُّ: فَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ، وَلَوْ كَانَ مَثْوَاهُ فِي الْبَرِّ، لأَِنَّ التَّوَالُدَ أَصْلٌ، وَالْكَيْنُونَةَ بَعْدَهُ عَارِضٌ.

فَكَلْبُ الْمَاءِ وَالضُّفْدَعُ، وَمِثْلُهُ السَّرَطَانُ وَالتِّمْسَاحُ وَالسُّلَحْفَاةُ بَحْرِيٌّ يَحِل اصْطِيَادُهُ لِلْمُحْرِمِ (٢)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُحِل لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ﴾ (٣) .

وَأَمَّا الْبَرِّيُّ: فَحَرَامٌ عَلَيْهِ إِلاَّ مَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ. ر: (حَرَم، فِقْرَة: ١٣) .

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

٦ - الأَْصْل فِي الصَّيْدِ الإِْبَاحَةُ، إِلاَّ لِمُحْرِمٍ أَوْ فِي الْحَرَمِ، يَدُل عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِْجْمَاعُ، وَالْمَعْقُول.

_________

(١) لسان العرب، والبدائع ٥ / ٤٣.

(٢) الاختيار ١ / ١٦٦، ابن عابدين ٢ / ٢١٢.

(٣) سورة المائدة / ٩٦.

أَمَّا الْكِتَابُ فَآيَاتٌ، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: ﴿أُحِل لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ (١) .

وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ (٢) .

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَأَحَادِيثُ، مِنْهَا: حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ﵁ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ نَتَصَيَّدُ بِهَذِهِ الْكِلاَبِ، فَمَا يَحِل لَنَا مِنْهَا؟ فَقَال: إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُل مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، إِلاَّ أَنْ يَأْكُل الْكَلْبُ فَلاَ تَأْكُل، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كَلْبٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلاَ تَأْكُل (٣) .

وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ ﵁ أَنَّهُ سَأَل رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ الصَّيْدِ بِالْقَوْسِ، وَالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ، وَالْكَلْبِ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ، فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ. مَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ كُل، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ كُل، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ مُعَلَّمًا فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُل (٤) .

_________

(١) سورة المائدة / ٩٦.

(٢) سورة المائدة / ٢.

(٣) حديث عدي بن حاتم: " إذا أرسلت كلابك المعلمة. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٦١٢) .

(٤) حديث أبي ثعلبة الخشني: " ما صدت بقوسك فاذكر اسم الله. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٦١٢) ومسلم (٣ / ١٥٣٢) .