الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨
الْفُقَهَاءِ، قِيَاسًا عَلَى مَنِ اجْتَهَدَ فِي الْقِبْلَةِ، وَوَافَقَهَا، وَقَال بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ يُجْزِيهِ لِقِيَامِهِ عَلَى الشَّكِّ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الأَْوَّل (١) .
الْحَال الثَّالِثَةُ: إِذَا وَافَقَ صَوْمُ الْمَحْبُوسِ مَا بَعْدَ رَمَضَانَ فَيَجْزِيهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ، إِلاَّ بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالإِْجْزَاءِ: هَل يَكُونُ صَوْمُهُ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً؟ وَجْهَانِ، وَقَالُوا: إِنْ وَافَقَ بَعْضُ صَوْمِهِ أَيَّامًا يَحْرُمُ صَوْمُهَا كَالْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ يَقْضِيهَا.
الْحَال الرَّابِعَةُ: وَهِيَ وَجْهَانِ:
الْوَجْهُ الأَْوَّل: إِذَا وَافَقَ صَوْمُهُ مَا قَبْل رَمَضَانَ وَتَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ وَلَمَّا يَأْتِ رَمَضَانُ لَزِمَهُ صَوْمُهُ إِذَا جَاءَ بِلاَ خِلاَفٍ، لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ فِي وَقْتِهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: إِذَا وَافَقَ صَوْمُهُ مَا قَبْل رَمَضَانَ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ ذَلِكَ إِلاَّ بَعْدَ انْقِضَائِهِ فَفِي إجْزَائِهِ قَوْلاَنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: لاَ يُجْزِيهِ عَنْ رَمَضَانَ بَل يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
_________
(١) الفتاوى الهندية ٤ / ٤١٨، وفتح القدير ٥ / ٤٧١، وحاشية ابن عابدين ٥ / ٣٧٨، والمبسوط ٣ / ٥٩، وحاشية القليوبي ٢ / ٢٩٢، وحاشية الباجوري ١ / ٢١٢، والمجموع ٥ / ٣١٥، والشرح الكبير للدردير ٣ / ٢٨٢، وجواهر الإكليل ١ / ١٤٨، وأسنى المطالب ١ / ٤١٣، والمغني ٣ / ١٦١.
الْقَوْل الثَّانِي: يُجْزِئُهُ عَنْ رَمَضَانَ، كَمَا لَوِ اشْتَبَهَ عَلَى الْحُجَّاجِ يَوْمُ عَرَفَةَ فَوَقَفُوا قَبْلَهُ، وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ (١) .
الْحَال الْخَامِسَةُ: أَنْ يُوَافِقَ صَوْمُ الْمَحْبُوسِ بَعْضَ رَمَضَانَ دُونَ بَعْضٍ، فَمَا وَافَقَ رَمَضَانَ أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ، وَمَا وَافَقَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَيُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمَةُ.
وَالْمَحْبُوسُ إِذَا صَامَ تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا فَوَافَقَ رَمَضَانَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ صَوْمُهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، لاِنْعِدَامِ نِيَّةِ صَوْمِ الْفَرِيضَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الصَّوْمُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، لأَِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ ظَرْفٌ لاَ يَسَعُ غَيْرَ صَوْمِ فَرِيضَةِ رَمَضَانَ، فَلاَ يُزَاحِمُهَا التَّطَوُّعُ وَالنَّذْرُ (٢) .
صَوْمُ الْمَحْبُوسِ إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ نَهَارُ رَمَضَانَ بِلَيْلِهِ:
٩٥ - إِذَا لَمْ يَعْرِفِ الأَْسِيرُ أَوِ الْمَحْبُوسُ فِي رَمَضَانَ النَّهَارَ مِنَ اللَّيْل، وَاسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ الظُّلْمَةُ، فَقَدْ قَال النَّوَوِيُّ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ
_________
(١) الشرح الكبير للدردير ١ / ٥١٩، المجموع ٥ / ٣١٦، الإفصاح لابن هبيرة ١ / ٢٥٠، والمغني ٣ / ١٦٢، والمبسوط ٣ / ٥٩، وحاشية ابن عابدين ٢ / ٣٧٩، وأسنى المطالب ١ / ٤١٤.
(٢) المغني ٣ / ٩٥ و١٦٣، وأسنى المطالب ١ / ٤١٤، والشرح الكبير للدردير ١ / ٥٤١، والدر المختار ٢ / ٣٧٩.
مُهِمَّةٌ قَل مَنْ ذَكَرَهَا، وَفِيهَا ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ لِلصَّوَابِ:
أَحَدُهَا: يَصُومُ وَيَقْضِي لأَِنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ.
الثَّانِي: لاَ يَصُومُ، لأَِنَّ الْجَزْمَ بِالنِّيَّةِ لاَ يَتَحَقَّقُ مَعَ جَهَالَةِ الْوَقْتِ.
الثَّالِثُ: يَتَحَرَّى وَيَصُومُ وَلاَ يَقْضِي إِذَا لَمْ يَظْهَرْ خَطَؤُهُ فِيمَا بَعْدُ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ.
وَنَقَل النَّوَوِيُّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَحْبُوسِ الصَّائِمِ بِالاِجْتِهَادِ إِذَا صَادَفَ صَوْمُهُ اللَّيْل ثُمَّ عَرَفَ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ، وَقَال: إِنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعَ خِلاَفٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، لأَِنَّ اللَّيْل لَيْسَ وَقْتًا لِلصَّوْمِ كَيَوْمِ الْعِيدِ (١) .
_________
(١) الشرح الكبير للدردير ١ / ٥٣٥، والدر المختار ٦ / ٣٣٨، المجموع ٦ / ٣١٧، ٣١٩، ولسان الحكام لابن الشحنه ص ٣٨٧، وأسنى المطالب ١ / ٤٢٢، والمغني ٣ / ١٤٨، والإنصاف ٣ / ٢٨٦، والاختيار ٤ / ١٧٣.
صَوْمُ التَّطَوُّعِ
التَّعْرِيفُ:
١ - الصَّوْمُ لُغَةً: مُطْلَقُ الإِْمْسَاكِ (١) .
وَاصْطِلاَحًا: إِمْسَاكٌ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ مَعَ النِّيَّةِ (٢) .
وَالتَّطَوُّعُ اصْطِلاَحًا: التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ (٣) .
وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ: التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ مِنَ الصَّوْمِ.
فَضْل صَوْمِ التَّطَوُّعِ:
٢ - وَرَدَ فِي فَضْل صَوْمِ التَّطَوُّعِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: حَدِيثُ سَهْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَال لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُل مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لاَ يَدْخُل مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ. فَيُقَال: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُل مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ. فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُل
_________
(١) المصباح المنير مادة (صوم) .
(٢) حاشية ابن عابدين ٢ / ٨٠.
(٣) مغني المحتاج ١ / ٤٤٥.
مِنْهُ أَحَدٌ (١) .
وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيل اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا (٢) .
أَنْوَاعُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ:
٣ - قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ صَوْمَ التَّطَوُّعِ إِلَى مَسْنُونٍ، وَمَنْدُوبٍ، وَنَفْلٍ.
فَالْمَسْنُونُ: عَاشُورَاءُ مَعَ تَاسُوعَاءَ. وَالْمَنْدُوبُ: صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ، وَصَوْمُ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، وَصَوْمُ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ، وَكُل صَوْمٍ ثَبَتَ طَلَبُهُ وَالْوَعْدُ عَلَيْهِ؛ كَصَوْمِ دَاوُدَ ﵊، وَنَحْوِهِ.
وَالنَّفَل: مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ تَثْبُتْ كَرَاهَتُهُ.
وَقَسَّمَ الْمَالِكِيَّةُ - أَيْضًا - صَوْمَ التَّطَوُّعِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: سُنَّةٍ، وَمُسْتَحَبٍّ، وَنَافِلَةٍ.
فَالسُّنَّةُ: صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. وَالْمُسْتَحَبُّ: صِيَامُ الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ، وَشَعْبَانَ، وَالْعَشْرِ الأُْوَل مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَسِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، وَثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ، وَيَوْمِ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ.
_________
(١) حديث سهل بن سعد: " إن في الجنة بابا يقال له: الريان. . . ". أخرجه البخاري (٤ / ١١١) ومسلم (٢ / ٨٠٨) .
(٢) حديث: " من صام يوما في سبيل الله. . . ". أخرجه البخاري (٦ / ٤٧) ومسلم (٢ / ٨٠٨) .
وَالنَّافِلَةُ: كُل صَوْمٍ لِغَيْرِ وَقْتٍ وَلاَ سَبَبٍ، فِي غَيْرِ الأَْيَّامِ الَّتِي يَجِبُ صَوْمُهَا أَوْ يُمْنَعُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: صَوْمُ التَّطَوُّعِ وَالصَّوْمُ الْمَسْنُونُ بِمَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ (١) .
أَحْكَامُ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ:
أ - وَقْتُ النِّيَّةِ:
٤ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: دَخَل عَلَيَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَال: هَل عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْنَا: لاَ، فَقَال: فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ (٢) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ التَّبْيِيتُ كَالْفَرْضِ. لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْل فَلاَ صِيَامَ لَهُ (٣) فَلاَ تَكْفِي النِّيَّةُ بَعْدَ الْفَجْرِ، لأَِنَّ
_________
(١) فتح القدير ٢ / ٤٥، الطحطاوي على مراقي الفلاح ص ٣٥٠، القوانين الفقهية ص ١٣٢، مغني المحتاج ١ / ٤٤٥، وكشاف القناع ٢ / ٣٣٧.
(٢) حديث عائشة: " دخل علي رسول الله ﷺ ذات يوم. . . ". أخرجه مسلم (٢ / ٨٠٩) .
(٣) حديث: " من لم يبيت الصيام. . . ". أخرجه أبو داود (٢ / ٨٢٣ - ٨٢٤) والطحطاوي في شرح المعاني (٢ / ٥٤) وأورده ابن حجر في التلخيص (٢ / ١٨٨) ونقل عن غير واحد من العلماء أنهم أعلوه بالوقف.
النِّيَّةَ الْقَصْدُ، وَقَصْدُ الْمَاضِي مُحَالٌ عَقْلًا.
٥ - وَاخْتَلَفَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي آخِرِ وَقْتِ نِيَّةِ التَّطَوُّعِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّ آخِرَ وَقْتِ نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ الضَّحْوَةُ الْكُبْرَى.
وَالْمُرَادُ بِهَا: نِصْفُ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ، وَالنَّهَارُ الشَّرْعِيُّ: مِنِ اسْتِطَارَةِ الضَّوْءِ فِي أُفُقِ الْمَشْرِقِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ وُقُوعِ النِّيَّةِ قَبْل الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى، فَلاَ تُجْزِئُ النِّيَّةُ عِنْدَ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى اعْتِبَارًا لأَِكْثَرِ الْيَوْمِ كَمَا قَال الْحَصْكَفِيُّ (١) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّ آخِرَ وَقْتِ نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ قَبْل الزَّوَال، وَاخْتُصَّ بِمَا قَبْل الزَّوَال لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال لِعَائِشَةَ يَوْمًا: هَل عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لاَ. قَال: فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ (٢) . إِذِ الْغَدَاءُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَل قَبْل الزَّوَال، وَالْعَشَاءُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَل بَعْدَهُ؛ وَلأَِنَّهُ مَضْبُوطٌ بَيِّنٌ، وَلإِدْرَاكِ مُعْظَمِ النَّهَارِ بِهِ كَمَا فِي رَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ. قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَهَذَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِمَّنْ يُرِيدُ صَوْمَ النَّفْل وَإِلاَّ فَلَوْ نَوَى قَبْل الزَّوَال - وَقَدْ مَضَى مُعْظَمُ النَّهَارِ - صَحَّ صَوْمُهُ.
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٢ / ٨٥.
(٢) حديث: " أن النبي ﷺ قال لعائشة يوما: هل عندكم شيء. . . " تقدم ف: ٤.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ - وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ مَرْجُوحٍ - إِلَى امْتِدَادِ وَقْتِ النِّيَّةِ إِلَى مَا بَعْدَ الزَّوَال، قَالُوا: إِنَّهُ قَوْل مُعَاذٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ، وَلَمْ يُنْقَل عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ﵃ مَا يُخَالِفُهُ صَرِيحًا، وَلأَِنَّ النِّيَّةَ وُجِدَتْ فِي جُزْءِ النَّهَارِ، فَأَشْبَهَ وُجُودَهَا قَبْل الزَّوَال بِلَحْظَةٍ.
وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ نِيَّةِ النَّفْل فِي النَّهَارِ: أَنْ لاَ يَكُونَ فَعَل مَا يُفْطِرُهُ قَبْل النِّيَّةِ، فَإِنْ فَعَل فَلاَ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ حِينَئِذٍ (١) .
ب - تَعْيِينُ النِّيَّةِ:
٦ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ التَّعْيِينُ، فَيَصِحُّ صَوْمُ التَّطَوُّعِ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ، وَقَال النَّوَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ التَّعْيِينُ فِي الصَّوْمِ الْمُرَتَّبِ، كَصَوْمِ عَرَفَةَ، وَعَاشُورَاءَ، وَالأَْيَّامِ الْبِيضِ، وَالسِّتَّةِ مِنْ شَوَّالٍ، وَنَحْوِهَا، كَمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الرَّوَاتِبِ مِنْ نَوَافِل الصَّلاَةِ.
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خِلاَفُ مَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ، قَال الْمَحَلِّيُّ: وَيُجَابُ بِأَنَّ الصَّوْمَ فِي الأَْيَّامِ الْمَذْكُورَةِ مُنْصَرِفٌ إِلَيْهَا، بَل لَوْ نَوَى بِهِ غَيْرَهَا حَصَلَتْ أَيْضًا - كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ - لأَِنَّ
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٢ / ٨٥، حاشية الدسوقي ١ / ٥٣٠، شرح الخرشي على خليل ٢ / ٢٤٦، مغني المحتاج ١ / ٤٢٤، كشاف القناع ٢ / ٣١٧.
الْمَقْصُودَ وُجُودُ الصَّوْمِ فِيهَا، قَال الْقَلْيُوبِيُّ: هَذَا الْجَوَابُ مُعْتَمَدٌ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ، وَإِنْ كَانَ التَّعْيِينُ أَوْلَى مُطْلَقًا (١) .
مَا يُسْتَحَبُّ صِيَامُهُ مِنَ الأَْيَّامِ:
أ - صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ:
٧ - مِنْ صِيَامِ التَّطَوُّعِ صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ، وَهُوَ أَفْضَل صِيَامِ التَّطَوُّعِ (٢)، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ ﵇، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ: وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْل، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا (٣) وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄: صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ ﵇، وَهُوَ أَفْضَل الصِّيَامِ، فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ. فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: لاَ أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ (٤) .
قَال الْبُهُوتِيُّ: لَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِأَنْ لاَ يَضْعُفَ
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٢ / ٨٧، تبيين الحقائق (١ / ٣١٦، ومواهب الجليل ١ / ٥١٥ ط مكتبة النجاح - ليبيا) . المجموع ٦ / ٢٩٥، القليوبي وعميرة ٢ / ٥٣، الإنصاف ٣ / ٢٩٣.
(٢) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص ٣٥١، مغني المحتاج ١ / ٤٤٨، كشاف القناع ٢ / ٣٣٧.
(٣) حديث: " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود. . . ". أخرجه البخاري (٣ / ١٦) من حديث عبد الله بن عمرو ﵄.
(٤) حديث: " صم يوما وأفطر يوما. . . ". أخرجه البخاري (٤ / ٢٢٠) .
الْبَدَنُ حَتَّى يَعْجَزَ عَمَّا هُوَ أَفْضَل مِنَ الصِّيَامِ، كَالْقِيَامِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ اللاَّزِمَةِ، وَإِلاَّ فَتَرْكُهُ أَفْضَل (١) .
ب - صَوْمُ عَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ:
٨ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى سُنِّيَّةِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ - وَهُمَا: الْيَوْمُ الْعَاشِرُ، وَالتَّاسِعُ مِنَ الْمُحَرَّمِ - لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ فِي صَوْمِ عَاشُورَاءَ: أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ (٢) وَلِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ ﵁ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُول: هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ (٣) .
وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ (٤) .
وَقَدْ كَانَ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَرْضًا فِي الإِْسْلاَمِ، ثُمَّ نُسِخَتْ فَرْضِيَّتُهُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ، فَخَيَّرَ النَّبِيُّ ﷺ الْمُسْلِمِينَ فِي صَوْمِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ كَثِيرِينَ وَاخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ (٥)، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الأُْصُولِيُّونَ.
_________
(١) الروض المربع ١ / ١٤٥.
(٢) حديث: " احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله. . . ". أخرجه مسلم (٢ / ٨١٩) من حديث أبي قتادة.
(٣) حديث معاوية: " هذا يوم عاشوراء. . . ". أخرجه البخاري (٤ / ٢٤٤) .
(٤) حديث: " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع. . . ". أخرجه مسلم (٢ / ٧٩٨) .
(٥) كشاف القناع ٢ / ٣٣٩، والإنصاف ٣ / ٣٤٦.