الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٧ الصفحة 11

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٧

لِخَمْسِ رَكَعَاتٍ فِي الظُّهْرَيْنِ، وَلأَِرْبَعٍ فِي الْعِشَاءَيْنِ. وَهَذَا فِي الْحَضَرِ، أَمَّا فِي السَّفَرِ فَيُؤَخَّرُ لِثَلاَثٍ فِي الظُّهْرَيْنِ وَأَرْبَعٍ فِي الْعِشَاءَيْنِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَحَل الْقَتْل هُوَ إِخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ فِيمَا لَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ - بِأَنْ يَجْمَعَ مَعَ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا - فَلاَ يُقْتَل بِتَرْكِ الظُّهْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلاَ بِتَرْكِ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَيُقْتَل فِي الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ، وَفِي الْعَصْرِ بِغُرُوبِهَا، وَفِي الْعِشَاءِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، فَيُطَالَبُ بِأَدَائِهَا إِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَيُتَوَعَّدُ بِالْقَتْل إِنْ أَخَّرَهَا عَنِ الْوَقْتِ، فَإِنْ أَخَّرَ وَخَرَجَ الْوَقْتُ اسْتَوْجَبَ الْقَتْل، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُقْتَل بَعْدَ الاِسْتِتَابَةِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْمُرْتَدِّ.

وَالاِسْتِتَابَةُ تَكُونُ فِي الْحَال؛ لأَِنَّ تَأْخِيرَهَا يُفَوِّتُ صَلَوَاتٍ، وَقِيل: يُمْهَل ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. وَالْقَوْلاَنِ فِي النَّدْبِ، وَقِيل فِي الْوُجُوبِ (١) .

_________

(١) حاشية ابن عابدين ١ / ٢٣٥، الفتاوى الهندية ١ / ٥٠، حاشية الدسوقي ١ / ١٨٩ - ١٩٠، ومواهب الجليل ١ / ٤٢٠، مغني المحتاج ١ / ٣٢٧، أسنى المطالب ١ / ٣٦٦، كشاف القناع ١ / ٢٢٧.

شُرُوطُ الصَّلاَةِ:

تَقْسِيمَاتُ الشُّرُوطِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: -

٦ - قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ شُرُوطَ الصَّلاَةِ إِلَى: شُرُوطِ وُجُوبٍ، وَشُرُوطِ صِحَّةٍ، وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ قِسْمًا ثَالِثًا هُوَ: شُرُوطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ مَعًا.

شُرُوطُ وُجُوبِ الصَّلاَةِ:

الإِْسْلاَمُ:

٧ - تَجِبُ الصَّلاَةُ عَلَى كُل مُسْلِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. وَلاَ تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الأَْصْلِيِّ؛ لأَِنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ حَال كُفْرِهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا؛ لأَِنَّ وُجُوبَ الأَْدَاءِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْقَضَاءِ، وَاللاَّزِمُ مُنْتَفٍ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا أَنَّا لاَ نَأْمُرُ الْكَافِرَ بِالصَّلاَةِ فِي كُفْرِهِ وَلاَ بِقَضَائِهَا إِذَا أَسْلَمَ؛ لأَِنَّهُ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ وَمَنْ بَعْدَهُ فَلَمْ يُؤْمَرْ أَحَدٌ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ؛ وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّنْفِيرِ عَنِ الإِْسْلاَمِ، وَلِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ (١)﴾ قَال الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ: هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ. وَعَلَى الْقَوْل بِتَكْلِيفِهِمْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَهُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ.

وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الصَّلاَةَ لاَ تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الأَْصْلِيِّ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ بِهَا

_________

(١) سورة الأنفال / ٣٨.

فِي الدُّنْيَا؛ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ، لَكِنْ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا فِي الآْخِرَةِ زِيَادَةً عَلَى كُفْرِهِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهَا بِالإِْسْلاَمِ (١) .

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ. فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: - إِلَى أَنَّ الصَّلاَةَ لاَ تَجِبُ عَلَى الْمُرْتَدِّ فَلاَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ إِذَا رَجَعَ إِلَى الإِْسْلاَمِ؛ لأَِنَّهُ بِالرِّدَّةِ يَصِيرُ كَالْكَافِرِ الأَْصْلِيِّ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ زَمَنَ الرِّدَّةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى الإِْسْلاَمِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ؛ وَلأَِنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالإِْسْلاَمِ فَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ بِالْجُحُودِ كَحَقِّ الآْدَمِيِّ (٢) .

الْعَقْل:

٨ - يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الصَّلاَةِ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا، فَلاَ تَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (٣) . لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ

_________

(١) حاشية ابن عابدين ١ / ٢٣٤، حاشية العدوي على الرسالة ١ / ٢١١ دار المعرفة، مغني المحتاج ١ / ١٣٠، كشاف القناع ١ / ٢٢٢، ٢٢٣.

(٢) حاشية ابن عابدين ١ / ٤٩٤، ومواهب الجليل ٦ / ٢٨٣ (دار الفكر ١٩٧٨م) وحاشية الجمل ١ / ٢٨٧ شرح روض الطالب ١ / ١٢١، مغني المحتاج ١ / ١٣٠، كشاف القناع ١ / ٢٢٣.

(٣) حاشية ابن عابدين ١ / ٢٣٤، حاشية الدسوقي ١ / ٢٠١، شرح روض الطالب ١ / ١٢١، كشاف القناع ١ / ٢٢٢.

الْمُبْتَلَى وَفِي رِوَايَةٍ: الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ (١) .

وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَغَطَّى عَقْلُهُ أَوْ سُتِرَ بِمَرَضٍ أَوْ إِغْمَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ مُبَاحٍ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَوَال الْعَقْل بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَوْ بِصُنْعِ الْعَبْدِ. فَإِنْ كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَأَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِفَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ آدَمِيٍّ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَتْ فَتْرَةُ الإِْغْمَاءِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْخَمْسِ، وَإِنْ زَادَتْ عَنْ ذَلِكَ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ لِلْحَرَجِ، وَلَوْ أَفَاقَ فِي زَمَنِ السَّادِسَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ إِفَاقَتُهُ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَ إِنْ كَانَ أَقَل مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِثْل أَنْ يَخِفَّ عَنْهُ الْمَرَضُ عِنْدَ الصُّبْحِ مَثَلًا فَيُفِيقَ قَلِيلًا ثُمَّ يُعَاوِدَهُ فَيُغْمَى عَلَيْهِ، فَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الإِْفَاقَةُ، وَيَبْطُل مَا قَبْلَهَا مِنْ حُكْمِ الإِْغْمَاءِ إِذَا كَانَ أَقَل مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ لَكِنَّهُ يُفِيقُ بَغْتَةً فَيَتَكَلَّمُ بِكَلاَمِ الأَْصِحَّاءِ ثُمَّ يُغْمَى عَلَيْهِ فَلاَ عِبْرَةَ بِهَذِهِ الإِْفَاقَةِ.

وَإِنْ كَانَ زَوَال الْعَقْل بِصُنْعِ الآْدَمِيِّ كَمَا لَوْ زَال عَقْلُهُ بِبَنْجٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ دَوَاءٍ لَزِمَهُ قَضَاءُ

_________

(١) حديث: " رفع القلم عن ثلاثة. . . ". أخرجه أبو داود (٤ / ٥٥٨ - تحقيق عزت عبيد دعاس) والحاكم (٢ / ٥٩ - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث عائشة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ولفظ " المعتوه " عند الحاكم.

مَا فَاتَهُ وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ، وَقَال مُحَمَّدٌ: يَسْقُطُ الْقَضَاءُ بِالْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ، لأَِنَّهُ مُبَاحٌ فَصَارَ كَالْمَرِيضِ.

وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ الْمُرَادَ شُرْبُ الْبَنْجِ لأَِجْل الدَّوَاءِ، أَمَّا لَوْ شَرِبَهُ لِلسُّكْرِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً بِصُنْعِهِ كَالْخَمْرِ. وَمِثْل ذَلِكَ النَّوْمُ فَإِنَّهُ لاَ يُسْقِطُ الْقَضَاءَ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَمْتَدُّ يَوْمًا وَلَيْلَةً غَالِبًا، فَلاَ حَرَجَ فِي الْقَضَاءِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إِلَى سُقُوطِ وُجُوبِ الصَّلاَةِ عَلَى مَنْ زَال عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ إِغْمَاءٍ وَنَحْوِهِ، إِلاَّ إِذَا زَال الْعُذْرُ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ مَا يَسَعُ رَكْعَةً بَعْدَ تَقْدِيرِ تَحْصِيل الطَّهَارَةِ الْمَائِيَّةِ أَوِ التُّرَابِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ الْبَاقِي لاَ يَسَعُ رَكْعَةً سَقَطَتْ عَنْهُ الصَّلاَةُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَنْ زَال عَقْلُهُ بِسُكْرٍ حَرَامٍ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ مُطْلَقًا، وَكَذَا النَّائِمُ وَالسَّاهِي تَجِبُ عَلَيْهِمَا الصَّلاَةُ، فَمَتَى تَنَبَّهَ السَّاهِي أَوِ اسْتَيْقَظَ النَّائِمُ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا الصَّلاَةُ عَلَى كُل حَالٍ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَاقِي يَسَعُ رَكْعَةً مَعَ فِعْل مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الطُّهْرِ أَمْ لاَ، بَل وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ تَجِبُ الصَّلاَةُ عَلَى مَنْ زَال عَقْلُهُ بِالْجُنُونِ أَوِ الإِْغْمَاءِ أَوِ الْعَتَهِ أَوِ السُّكْرِ بِلاَ تَعَدٍّ فِي الْجَمِيعِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى

يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ.

فَوَرَدَ النَّصُّ فِي الْمَجْنُونِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ مَنْ زَال عَقْلُهُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فِيهِ، وَسَوَاءٌ قَل زَمَنُ ذَلِكَ أَوْ طَال. إِلاَّ إِذَا زَالَتْ هَذِهِ الأَْسْبَابُ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ قَدْرُ زَمَنِ تَكْبِيرَةٍ فَأَكْثَرَ؛ لأَِنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الإِْيجَابُ يَسْتَوِي فِيهِ الرَّكْعَةُ وَمَا دُونَهَا، وَلاَ تَلْزَمُهُ بِإِدْرَاكِ دُونَ تَكْبِيرَةٍ. وَهَذَا بِخِلاَفِ السُّكْرِ أَوِ الْجُنُونِ أَوِ الإِْغْمَاءِ الْمُتَعَدَّى بِهِ إِذَا أَفَاقَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ زَمَنَ ذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ.

قَالُوا: وَأَمَّا النَّاسِي لِلصَّلاَةِ أَوِ النَّائِمُ عَنْهَا وَالْجَاهِل لِوُجُوبِهَا فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِمُ الأَْدَاءُ؛ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ، لِحَدِيثِ: مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا (١) وَيُقَاسُ عَلَى النَّاسِي وَالنَّائِمِ: الْجَاهِل إِذَا كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالإِْسْلاَمِ.

وَقَصَرَ الْحَنَابِلَةُ عَدَمَ وُجُوبِ الصَّلاَةِ عَلَى الْمَجْنُونِ الَّذِي لاَ يُفِيقُ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ مَرْفُوعًا: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ

_________

(١) حديث: " من نسي صلاة أو نام عنها. . . ". أخرجه المسلم (١ / ٤٧٧ - ط الحلبي) من حديث أنس بن مالك.

الْمَعْتُوهِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ وَلأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْل التَّكْلِيفِ أَشْبَهَ الطِّفْل، وَمِثْلُهُ الأَْبْلَهُ الَّذِي لاَ يُفِيقُ.

وَأَمَّا مَنْ تَغَطَّى عَقْلُهُ بِمَرَضٍ أَوْ إِغْمَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ مُبَاحٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ لاَ يُسْقِطُ الصَّوْمَ، فَكَذَا الصَّلاَةُ؛ وَلأَِنَّ عَمَّارًا ﵁ " غُشِيَ عَلَيْهِ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَال: هَل صَلَّيْتَ؟ فَقَالُوا: مَا صَلَّيْتُ مُنْذُ ثَلاَثٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى تِلْكَ الثَّلاَثَ، وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ نَحْوُهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالإِْجْمَاعِ؛ وَلأَِنَّ مُدَّةَ الإِْغْمَاءِ لاَ تَطُول - غَالِبًا - وَلاَ تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْوِلاَيَةُ، وَكَذَا مَنْ تَغَطَّى عَقْلُهُ بِمُحَرَّمٍ - كَمُسْكِرٍ - فَيَقْضِي؛ لأَِنَّ سُكْرَهُ مَعْصِيَةٌ فَلاَ يُنَاسِبُ إِسْقَاطَ الْوَاجِبِ عَنْهُ.

وَكَذَا تَجِبُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ عَلَى النَّائِمِ: بِمَعْنَى يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا إِذَا اسْتَيْقَظَ لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا (١) وَلَوْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ حَال نَوْمِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا كَالْمَجْنُونِ، وَمِثْلُهُ السَّاهِي (٢) .

_________

(١) تقدم تخريجه قبل قليل.

(٢) حاشية ابن عابدين ١ / ٥١٢، وحاشية الدسوقي ١ / ١٨٤، شرح روض الطالب ١ / ١٢٢، مغني المحتاج ١ / ١٣١، كشاف القناع ١ / ٢٢٢.

الْبُلُوغُ:

٩ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْبُلُوغَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الصَّلاَةِ، فَلاَ تَجِبُ الصَّلاَةُ عَلَى الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ؛ لِلْخَبَرِ الآْتِي؛ وَلأَِنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ كَالْحَجِّ، لَكِنْ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالصَّلاَةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سَنَوَاتٍ، وَيَضْرِبَهُ عَلَى تَرْكِهَا إِذَا بَلَغَ عَشْرَ سَنَوَاتٍ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ (١) .

وَقَدْ حَمَل جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - الأَْمْرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَحَمَلَهُ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى النَّدْبِ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الضَّرْبَ يَكُونُ بِالْيَدِ لاَ بِغَيْرِهَا كَالْعَصَا وَالسَّوْطِ، وَأَنْ لاَ يُجَاوِزَ الثَّلاَثَ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِمِرْدَاسٍ الْمُعَلِّمِ: إِيَّاكَ أَنْ تَضْرِبَ فَوْقَ ثَلاَثٍ، فَإِنَّكَ إِذَا ضَرَبْتَ فَوْقَ الثَّلاَثِ اقْتَصَّ اللَّهُ مِنْكَ (٢)

_________

(١) حديث: " مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين. . ". أخرجه أبو داود (١ / ٣٢٤ - تحقيق عزت عبيد دعاس) وحسنه النووي في رياض الصالحين (ص ١٧١ - ط. الرسالة) .

(٢) حديث: " إياك أن تضرب فوق ثلاثة. . . ". أورده ابن عابدين في رد المحتار (١ / ٢٣٥ - ط بولاق) نقلا عن أحكام الصغار للإستروشني ولم يعزه إلي أي مصدر حديثي.

وَيُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ جَوَازُهُ بِغَيْرِ الْيَدِ، قَال الشَّيْخُ الدُّسُوقِيُّ: وَلاَ يُحَدُّ بِعَدَدٍ كَثَلاَثَةِ أَسْوَاطٍ بَل يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ حَال الصِّبْيَانِ.

وَمَحَل الضَّرْبِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ ظَنَّ إِفَادَتَهُ، قَالُوا: الضَّرْبُ يَكُونُ مُؤْلِمًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ إِنْ ظَنَّ إِفَادَتَهُ وَإِلاَّ فَلاَ.

وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ وُجُوبَ الأَْمْرِ بِهَا يَكُونُ بَعْدَ اسْتِكْمَال السَّبْعِ وَالأَْمْرَ بِالضَّرْبِ يَكُونُ بَعْدَ الْعَشْرِ بِأَنْ يَكُونَ الأَْمْرُ فِي أَوَّل الثَّامِنَةِ وَبِالضَّرْبِ فِي أَوَّل الْحَادِيَةِ عَشْرَةَ.

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَكُونُ الأَْمْرُ عِنْدَ الدُّخُول فِي السَّبْعِ وَالضَّرْبُ عِنْدَ الدُّخُول فِي الْعَشْرِ.

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُضْرَبُ فِي أَثْنَاءِ الْعَشْرِ، وَلَوْ عَقِبَ اسْتِكْمَال التِّسْعِ. قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَصَحَّحَهُ الإِْسْنَوِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ الْبُلُوغِ. وَأَمَّا الأَْمْرُ بِهَا فَلاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ تَمَامِ السَّبْعِ (١) .

شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلاَةِ:

أ - الطَّهَارَةُ الْحَقِيقِيَّةُ:

١٠ - وَهِيَ طَهَارَةُ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ عَنِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَثِيَابَكَ

_________

(١) حاشية ابن عابدين ١ / ٢٣٤، ٢٣٥، حاشية الدسوقي ١ / ١٨٦، مغني المحتاج ١ / ١٣١، شرح روض الطالب ١ / ١٢١، كشاف القناع ١ / ٢٢٥.

فَطَهِّرْ (١) (٢)﴾ وَإِذَا وَجَبَ تَطْهِيرُ الثَّوْبِ فَتَطْهِيرُ الْبَدَنِ أَوْلَى، وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: تَنَزَّهُوا مِنَ الْبَوْل، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ (٣) وَقَوْلِهِ ﷺ: إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي (٤) فَثَبَتَ الأَْمْرُ بِاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ، وَالأَْمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ.

وَأَمَّا طَهَارَةُ مَكَانِ الصَّلاَةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٥)﴾ وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ فَهِيَ تَدُل بِدَلاَلَةِ النَّصِّ عَلَى وُجُوبِ طَهَارَةِ الْمَكَانِ كَمَا اسْتَدَل بِهَا عَلَى وُجُوبِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ كَمَا سَبَقَ.

وَلِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ فِي الْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَمَعَاطِنِ الإِْبِل وَقَوَارِعِ الطَّرِيقِ وَالْحَمَّامِ وَالْمَقْبَرَةِ. . . إِلَخْ (٦)

_________

(١) سورة المدثر / ٤.

(٢) سورة المدثر / ٤.

(٣) أخرجه الدارقطني. ١ / ١٢٧ - ط دار المحاسن) من حديث أنس ابن مالك، واختلف في وصله وإرساله وذكره ابن أبي حاتم في علل الحديث (١ / ٢٦ - ط السلفية) بطريق رجح فيه وصله.

(٤) حديث: / " إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ١ / ٤٠٩ - ط السلفية) ومسلم (١ / ٢٦٢ - ط. الحلبي) من حديث عائشة بألفاظ متقاربة.

(٥) سورة البقرة / ١٢٥.

(٦) حديث: " نهى عن الصلاة في المزبلة والمجزرة ". أخرجه الترمذي (٢ / ١٧٨ - ط الحلبي) من حديث ابن عمر، وقال الترمذي: إسناده ليس بذلك القوي.