الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٧
صَلاَحٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الصَّلاَحُ: ضِدُّ الْفَسَادِ، وَرَجُلٌ صَالِحٌ فِي نَفْسِهِ مِنْ قَوْمٍ صُلَحَاءَ وَمُصْلِحٌ فِي أَعْمَالِهِ وَأُمُورِهِ، وَقَدْ أَصْلَحَهُ اللَّهُ، وَأَصْلَحَ الشَّيْءَ بَعْدَ فَسَادِهِ: أَقَامَهُ (١) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
أ - صَلاَحُ الإِْنْسَانِ:
٢ - قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الصَّالِحُ مَا كَانَ مَسْتُورًا وَلَمْ يَكُنْ مَهْتُوكًا، وَلاَ صَاحِبَ رِيبَةٍ، وَكَانَ مُسْتَقِيمَ الطَّرِيقَةِ، سَلِيمَ النَّاحِيَةِ، قَلِيل الشَّرِّ، لَيْسَ مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ.
وَقَال الْبُهُوتِيُّ: الصَّلاَحُ فِي الدِّينِ هُوَ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ بِسُنَنِهَا الرَّاتِبَةِ وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ فَلاَ يَرْتَكِبُ كَبِيرَةً وَلاَ يُدْمِنُ عَلَى صَغِيرَةٍ (٢) .
ب - بُدُوُّ صَلاَحِ الثِّمَارِ:
٣ - وَهُوَ ظُهُورُ مَبَادِئِ النُّضْجِ وَالْحَلاَوَةِ فِيمَا لاَ يَتَلَوَّنُ، وَفِي غَيْرِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ فِي الْحُمْرَةِ أَوِ
_________
(١) لسان العرب مادة (صلح) .
(٢) حاشية ابن عابدين ٣ / ٤٤٠، وكشاف القناع ٦ / ٤١٨ - ٤١٩.
السَّوَادِ. وَأَمَّا فِي نَحْوِ الْقِثَّاءِ فَهُوَ أَنْ يُجْنَى غَالِبًا لِلأَْكْل، وَفِي الزَّرْعِ اشْتِدَادُهُ بِأَنْ يَتَهَيَّأَ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَفِي الْوَرْدِ انْفِتَاحُهُ (١) .
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
٤ - يَدْخُل مُصْطَلَحُ صَلاَحٍ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا فِي الشَّهَادَةِ، وَقَبُول شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الَّتِي مِنْ شُرُوطِهَا الْعَدَالَةُ؛ وَالصَّلاَحُ مِنْ صِفَاتِهَا، وَفِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ حَيْثُ يَتِمُّ التَّقْيِيدُ بِصَلاَحِ الرَّجُل.
وَيَدْخُل فِي بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْل بُدُوِّ صَلاَحِهَا (ر: بَيْعُ الثِّمَارِ: الْمَوْسُوعَةُ الْفِقْهِيَّةُ ٩ ٢١) .
وَفِي زَكَاةِ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَخَرْصِهَا إِذَا بَدَا صَلاَحُهَا. (ر: خَرْصُ الثِّمَارِ: الْمَوْسُوعَةُ الْفِقْهِيَّةُ ج ١٩ ص ٩٩ ف ٣) .
وَوَقْتُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحَبِّ وَالثَّمَرِ (٢) (ر: وَقْتُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحَبِّ وَالثَّمَرِ: الْمَوْسُوعَةُ الْفِقْهِيَّةُ ج ٢٣ ص ٢٨٣ ف ١٠٦) .
وَلِلتَّفْصِيل يُرْجَعُ إِلَى كُل مَوْضُوعٍ مِنَ الْمَوَاضِيعِ السَّالِفَةِ فِي مُصْطَلَحِهِ.
_________
(١) حاشية الجمل على شرح المنهاج ٣ / ٢٠٤.
(٢) مواهب الجليل ٦ / ١٥٠، الفتاوى الهندية ٣ / ٤٥٠، شرح منتهي الإرادات ٣ / ٥٤٦، مغني المحتاج ٤ / ٤٢٧ وشرح أدب القاضي للخصاف تأليف ابن مازه البخاري ٣ / ٨ فقرة: ٥٤٥، مختصرة المزني ٥ / ٢٥٦، الأم ٧ / ٤٨.
صَلاَةٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الصَّلاَةُ أَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ: الدُّعَاءُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَصَل عَلَيْهِمْ (١)﴾ أَيِ ادْعُ لَهُمْ.
وَفِي الْحَدِيثِ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَل، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ (٢) أَيْ لِيَدْعُ لأَِرْبَابِ الطَّعَامِ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: قَال الْجُمْهُورُ: هِيَ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ مَعَ النِّيَّةِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: هِيَ اسْمٌ لِهَذِهِ الأَْفْعَال الْمَعْلُومَةِ مِنَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (٣) .
مَكَانَةُ الصَّلاَةِ فِي الإِْسْلاَمِ:
٢ - لِلصَّلاَةِ مَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الإِْسْلاَمِ. فَهِيَ
_________
(١) سورة التوبة / ١٠٣.
(٢) حديث: " إذا دعي أحدكم فليجب. . . ". أخرجه مسلم (٢ / ١٠٥٤ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(٣) فتح القدير ١ / ١٩١ دار إحياء التراث العربي، مواهب الجليل ١ / ٣٧٧، دار الفكر ١٩٧٨م مغني المحتاج ١ / ١٢٠، كشاف القناع ١ / ٢٢١.
آكَدُ الْفُرُوضِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وَأَفْضَلُهَا، وَأَحَدُ أَرْكَانِ الإِْسْلاَمِ الْخَمْسَةِ. قَال النَّبِيُّ ﷺ: بُنِيَ الإِْسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ. وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ (١) وَقَدْ نَسَبَ رَسُول اللَّهِ ﷺ تَارِكَهَا إِلَى الْكُفْرِ فَقَال: إِنَّ بَيْنَ الرَّجُل وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ (٢) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ شَقِيقِ الْعُقَيْلِيِّ قَال: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ لاَ يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الأَْعْمَال تَرْكَهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلاَةِ. فَالصَّلاَةُ عَمُودُ الدِّينِ الَّذِي لاَ يَقُومُ إِلاَّ بِهِ، قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: رَأْسُ الأَْمْرِ الإِْسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ (٣) وَهِيَ أَوَّل مَا يُحَاسَبُ الْعَبْدُ عَلَيْهِ. قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَوَّل مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلاَةُ، فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَنَجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ
_________
(١) حديث: " بني الإسلام على خمس. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ١ / ٤٩ - ط السلفية) ومسلم (١ / ٤٥ - ط الحلبي) من حديث ابن عمر واللفظ المذكور للبخاري.
(٢) حديث: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ". أخرجه مسلم (١ / ٨٨ - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
(٣) حديث: " رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة. . . ". أخرجه الترمذي (٥ / ١٢ - ط الحلبي) من حديث معاذ ابن جبل وقال: حديث حسن صحيح.
خَابَ وَخَسِرَ (١) كَمَا أَنَّهَا آخِرُ وَصِيَّةٍ وَصَّى بِهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ أُمَّتَهُ عِنْدَ مُفَارَقَتِهِ الدُّنْيَا فَقَال ﷺ: الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ (٢) وَهِيَ آخِرُ مَا يُفْقَدُ مِنَ الدِّينِ، فَإِنْ ضَاعَتْ ضَاعَ الدِّينُ كُلُّهُ. قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الإِْسْلاَمِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِاَلَّتِي تَلِيهَا. فَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ، وَآخِرُهُنَّ الصَّلاَةُ (٣)
كَمَا أَنَّهَا الْعِبَادَةُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي لاَ تَنْفَكُّ عَنِ الْمُكَلَّفِ، وَتَبْقَى مُلاَزِمَةً لَهُ طُول حَيَاتِهِ لاَ تَسْقُطُ عَنْهُ بِحَالٍ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِهَا وَالْحَثِّ عَلَى إِقَامَتِهَا، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَمُرَاعَاةِ حُدُودِهَا آيَاتٌ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ (٤) .
فَرْضُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَعَدَدُ رَكَعَاتِهَا:
٣ - أَصْل وُجُوبِ الصَّلاَةِ كَانَ فِي مَكَّةَ فِي أَوَّل
_________
(١) حديث: " أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة. . . ". أخرجه الترمذي (٢ / ٢٧٠ - (ط. الأولى) . الحلبي) من حديث أبي هريرة وحسنه.
(٢) حديث: " الصلاة وما ملكت أيمانكم ". أخرجه ابن ماجه (٢ / ٩٠٠ - ٩٠١ - (ط. الأولى) . . الحلبي) من حديث أنس ابن مالك وحسنه البوصيري في مصباح الزجاجة (٢ / ٩٥ - (ط. دار الجنان) .
(٣) حديث: " لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة. . . ". أخرجه أحمد (٥ / ٢١٥ - ط الميمنية) من حديث أبي أمامة ووأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٢١٨ - ط القدسي) قال: رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح.
(٤) مواهب الجليل ١ / ٣٨٠، كشاف القناع ١ / ٢٢١.
الإِْسْلاَمِ؛ لِوُجُودِ الآْيَاتِ الْمَكِّيَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي بِدَايَةِ الرِّسَالَةِ تَحُثُّ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِالصُّورَةِ الْمَعْهُودَةِ فَإِنَّهَا فُرِضَتْ لَيْلَةَ الإِْسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي تَحْدِيدِ زَمَنِهِ. ٤ - وَقَدْ ثَبَتَتْ فَرْضِيَّةُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ:
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ. ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ (١)﴾، وقَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (٢)﴾ أَيْ فَرْضًا مُؤَقَّتًا. وقَوْله تَعَالَى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى (٣)﴾ وَمُطْلَقُ اسْمِ الصَّلاَةِ يَنْصَرِفُ إِلَى الصَّلَوَاتِ الْمَعْهُودَةِ، وَهِيَ الَّتِي تُؤَدَّى فِي كُل يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْل (٤)﴾ يَجْمَعُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ؛ لأَِنَّ صَلاَةَ الْفَجْرِ تُؤَدَّى فِي أَحَدِ طَرَفَيِ النَّهَارِ، وَصَلاَةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يُؤَدَّيَانِ فِي الطَّرَفِ الآْخَرِ، إِذِ النَّهَارُ قِسْمَانِ غَدَاةٌ وَعَشِيٌّ، وَالْغَدَاةُ اسْمٌ لأَِوَّل النَّهَارِ إِلَى وَقْتِ الزَّوَال، وَمَا بَعْدَهُ الْعَشِيُّ، فَدَخَل فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ ثَلاَثُ صَلَوَاتٍ وَدَخَل فِي قَوْلِهِ:
_________
(١) سورة البقرة / ١١٠.
(٢) سورة النساء / ١٠٣.
(٣) سورة البقرة / ٢٣٨.
(٤) سورة هود / ١١٤.
﴿وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْل﴾ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ، لأَِنَّهُمَا يُؤَدَّيَانِ فِي زُلَفٍ مِنَ اللَّيْل وَهِيَ سَاعَاتُهُ. وقَوْله تَعَالَى: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْل وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (١)﴾ قِيل: دُلُوكُ الشَّمْسِ زَوَالُهَا وَغَسَقُ اللَّيْل أَوَّل ظُلْمَتِهِ، فَيَدْخُل فِيهِ صَلاَةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ أَيْ وَأَقِمْ قُرْآنَ الْفَجْرِ وَهُوَ صَلاَةُ الْفَجْرِ. فَثَبَتَتْ فَرْضِيَّةُ ثَلاَثِ صَلَوَاتٍ بِهَذِهِ الآْيَةِ وَفَرْضِيَّةُ صَلاَتَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ آخَرَ.
وَقِيل: دُلُوكُ الشَّمْسِ غُرُوبُهَا فَيَدْخُل فِيهَا صَلاَةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَفَرْضِيَّةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ آخَرَ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ:
اعْبُدُوا رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَحُجُّوا بَيْتَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ (٢)، وَقَدِ انْعَقَدَ إِجْمَاعُ الأُْمَّةِ عَلَى فَرْضِيَّةِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَتَكْفِيرِ مُنْكِرِهَا (٣)
_________
(١) سورة الإسراء / ٧٨.
(٢) حديث: " اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم. . . ". أخرجه أحمد (٥ / ٢٦٢ - ط. الميمنية) والحاكم (١ / ٩ - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث أبي أمامة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، والسياق لأحمد.
(٣) حاشية ابن عابدين ١ / ٢٣٤، بدائع الصناع ١ / ٨٩ وما بعدها، دار الكتاب العربي ١٩٨٢م.، وحاشية العدوي على الرسالة ١ / ٢١١ دار المعرفة، مغني المحتاج ١ / ١٢١، كشاف القناع ١ / ٢٢٢.
حُكْمُ تَارِكِ الصَّلاَةِ:
٥ - لِتَارِكِ الصَّلاَةِ حَالَتَانِ: إِمَّا أَنْ يَتْرُكَهَا جُحُودًا لِفَرْضِيَّتِهَا، أَوْ تَهَاوُنًا وَكَسَلًا لاَ جُحُودًا.
فَأَمَّا الْحَالَةُ الأُْولَى: فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ جُحُودًا لِفَرْضِيَّتِهَا كَافِرٌ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِل كُفْرًا كَجَاحِدِ كُل مَعْلُومٍ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَمِثْل ذَلِكَ مَا لَوْ جَحَدَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ.
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَهَا جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالإِْسْلاَمِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَيْسَ مُرْتَدًّا، بَل يَعْرِفُ الْوُجُوبَ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُرْتَدًّا.
وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا - وَهِيَ: تَرْكُ الصَّلاَةِ تَهَاوُنًا وَكَسَلًا لاَ جُحُودًا - فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُقْتَل حَدًّا أَيْ أَنَّ حُكْمَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمُ الْمُسْلِمِ فَيُغَسَّل، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِْسْلاَمِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى
اللَّهِ (١) وَلأَِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقَتْل الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ قَال: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ (٢)﴾ وَقَال ﷺ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ (٣) فَلَوْ كَفَرَ لَمْ يَدْخُل تَحْتَ الْمَشِيئَةِ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ تَكَاسُلًا عَمْدًا فَاسِقٌ لاَ يُقْتَل بَل يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ تَكَاسُلًا يُدْعَى إِلَى فِعْلِهَا وَيُقَال لَهُ: إِنْ صَلَّيْتَ وَإِلاَّ قَتَلْنَاكَ، فَإِنْ صَلَّى وَإِلاَّ وَجَبَ قَتْلُهُ وَلاَ يُقْتَل حَتَّى يُحْبَسَ ثَلاَثًا وَيُدْعَى فِي وَقْتِ كُل صَلاَةٍ، فَإِنْ صَلَّى وَإِلاَّ قُتِل حَدًّا، وَقِيل كُفْرًا، أَيْ لاَ يُغَسَّل وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلاَ يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. لَكِنْ لاَ يُرَقُّ وَلاَ يُسْبَى لَهُ أَهْلٌ وَلاَ وَلَدٌ كَسَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ. لِمَا
_________
(١) حديث: " أمرت أن أقاتل الناس. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ١ / ٧٥ - ط السلفية) ومسلم (١ / ٥٣ - ط الحلبي ٩ من حديث ابن عمر.
(٢) سورة التوبة آية / ٥.
(٣) حديث: " خمس صلوات كتبهن الله على العباد. . . ". أخرجه أبو داود (٢ / ١٣٠ - ١٣١ (تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث عبادة بن الصامت، وصححه ابن عبد البر كما في فيض القدير للمناوي (٣ / ٤٥٣ - ط المكتبة التجارية) .
رَوَى جَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِنَّ بَيْنَ الرَّجُل وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ (١) وَرَوَى بُرَيْدَةُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ (٢) وَرَوَى عُبَادَةُ مَرْفُوعًا مَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْمِلَّةِ (٣) وَكُل شَيْءٍ ذَهَبَ آخِرُهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ. وَلأَِنَّهُ يَدْخُل بِفِعْلِهَا فِي الإِْسْلاَمِ، فَيَخْرُجُ بِتَرْكِهَا مِنْهُ كَالشَّهَادَتَيْنِ. وَقَال عُمَرُ ﵁: " لاَ حَظَّ فِي الإِْسْلاَمِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ، وَكَذَا عِنْدَهُمْ لَوْ تَرَكَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَالطَّهَارَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلاَ يُقْتَل بِتَرْكِ صَلاَةٍ فَائِتَةٍ.
كَمَا اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْقَتْل فِي مَحَلِّهِ.
فَمَحَلُّهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ بَقَاءُ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا مِنَ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ فَرْضٌ وَاحِدٌ فَقَطْ. قَال مَالِكٌ: إِنْ قَال: أُصَلِّي وَلَمْ يَفْعَل قُتِل بِقَدْرِ رَكْعَةٍ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلصُّبْحِ، وَغُرُوبِهَا لِلْعَصْرِ، وَطُلُوعِ الْفَجْرِ لِلْعِشَاءِ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَرْضَانِ مُشْتَرَكَانِ أُخِّرَ
_________
(١) حديث: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ". تقدم تخريحه ف٢.
(٢) حديث بريدة: " من تركها فقد كفر. . . ". أخرجه الترمذي (٥ / ١٤ - ط الحلبي) وقال: حديث حسن صحيح.
(٣) حديث عبادة: " من ترك الصلاة متعمدا فقد خرج من الملة ". أورده المنذري في الترغيب (١ / ٣٧٩ - ط الحلبي) وعزاه إلى الطبراني وقال: بإسناده لا بأس به.