الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٥ الصفحة 11

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٥

عَامَلَهُ عَلِمَ بِالْحَجْرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ - كَمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ - وَهَذَا إِذَا كَانَ الْمُعَامِل هُوَ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَيْهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ السَّفِيهُ هُوَ الَّذِي تَسَلَّطَ عَلَيْهِ دُونَ إِذْنِ صَاحِبِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ إِنْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِ لأَِنَّهُ لاَ تَفْرِيطَ مِنْ مَالِكِهِ (١) .

نَقْضُ قَرَارِ الْقَاضِي بِالْحَجْرِ بِقَرَارِ قَاضٍ آخَرَ:

٧ م - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا حَجَرَ قَاضٍ عَلَى سَفِيهٍ، ثُمَّ رُفِعَ الْقَرَارُ إِلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَطْلَقَ حَجْرَهُ وَأَجَازَ مَا كَانَ بَاعَهُ أَوِ اشْتَرَاهُ أَوْ تَصَرَّفَ بِهِ حَالَةَ الْحَجْرِ وَلَمْ يَرَ حَجْرَ الأَْوَّل شَيْئًا جَازَ إِطْلاَقُهُ وَإِبْطَال حَجْرِهِ.

لأَِنَّهُ لَوْ تَحَوَّل رَأْيُ الأَْوَّل فَأَطْلَقَ عَنْهُ الْحَجْرَ جَازَ فَكَذَلِكَ الثَّانِي، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ.

ثُمَّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً مِنَ الْقَاضِي؛ لأَِنَّ الْقَضَاءَ يَسْتَدْعِي مَقْضِيًّا لَهُ وَمَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا مِنْهُ، وَقَدْ رَأَى الآْخَرُ النَّظَرَ لَهُ فِي إِطْلاَقِهِ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ مِنْهُ (٢) .

_________

(١) انظر تكملة المجموع ٣ / ٣٨٠ ومغني المحتاج ٢ / ١٧١. والمغني ٤ / ٥٢٠.

(٢) المبسوط ٢٤ / ١٨٤.

فَكُّ الْحَجْرِ عَنْ السَّفِيهِ:

٨ - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمُ الصَّاحِبَانِ الْقَائِلُونَ بِالْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ يَرَوْنَ أَنَّهُ لاَ يُفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ إِلاَّ بَعْدَ إِينَاسِ الرُّشْدِ مِنْهُ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقَائِل بِأَنَّهُ لاَ يُحْجَرُ عَلَى الْبَالِغِ إِلاَّ أَنَّهُ يُمْنَعُ الْوَلِيُّ مِنْ دَفْعِ مَالِهِ إِلَيْهِ إِذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَامًا مِنْ عُمْرِهِ، فَإِذَا بَلَغَ هَذِهِ السِّنَّ دَفَعَ إِلَيْهِ أَمْوَالَهُ رَشَدَ أَمْ لَمْ يَرْشُدْ.

وَاسْتَدَل: بِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ فَلاَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِالرَّشِيدِ.

وَبِأَنَّ فِي الْحَجْرِ سَلْبَ وِلاَيَتِهِ وَإِهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ، وَهُوَ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنَ التَّبْذِيرِ.

فَلاَ يُحْتَمَل الضَّرَرُ الأَْعْلَى لِدَفْعِ الأَْدْنَى؛ وَلأَِنَّ الْغَالِبَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ إِينَاسُ الرُّشْدِ، لأَِنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَدًّا فِيهَا وَلِقَوْل عُمَرَ ﵁: إِنَّهُ يَنْتَهِي لُبُّ الرَّجُل إِلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً (١) . وَقَدْ فُسِّرَ الأَْشُدُّ بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ (٢)﴾ .

_________

(١) الاختيار ٢ / ٩٧ والهداية بأعلى فتح القدير ٨ / ١٩٣ ومغني المحتاج ٢ / ١٧٠ والمغني لابن قدامة ٤ / ٥١٨ وبلغة السالك ٢ / ١٢٨ ونيل الأوطار ٥ / ٣٦٨.

(٢) سورة الأنعام / ١٥٢.

مَنْ يَفُكُّ حَجْرَ السَّفِيهِ:

٩ - السَّفَهُ - كَمَا تَقَدَّمَ - نَوْعَانِ: نَوْعٌ اسْتَمَرَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَآخَرُ طَرَأَ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا.

أَمَّا إِذَا كَانَ قَدِ اسْتَمَرَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ: فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي زَوَال الْحَجْرِ عَنْهُ عَلَى ثَلاَثَةِ آرَاءٍ:

أَحَدُهَا: إِنَّهُ يَزُول بَعْدَ زَوَال السَّفَهِ وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، أَوْ فَكِّ وَلِيٍّ، أَوْ إِذْنِ زَوْجٍ، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْل مَنْ لاَ يَرَى لُزُومَ حُكْمِ الْحَاكِمِ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ.

وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ بِدُونِ حُكْمِ حَاكِمٍ فَيَزُول بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ كَالْحَجَرِ عَلَى الْمَجْنُونِ (١) .

وَثَانِيهَا: لاَ بُدَّ مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ فِي زَوَالِهِ، وَهُوَ الْقَوْل الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّ الرُّشْدَ يَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ.

وَعُلِّل ذَلِكَ بِأَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَلاَ يُفَكُّ إِلاَّ بِقَرَارٍ مِنْهُ.

وَثَالِثُهَا: إِنْ كَانَ وَلِيُّهُ الْوَصِيَّ أَوْ مُقَدَّمَ الْقَاضِي

_________

(١) مغني المحتاج ٢ / ١٧٠ والمبدع ٤ / ٣٣١ والمبسوط ٢٤ / ١٦٣ وبلغة السالك ٢ / ١٣٠.

فَلاَ يَحْتَاجُ فَكُّهُمَا الْحَجْرَ عَنْهُ إِلَى إِذْنِ الْقَاضِي بَل هُمَا يَفُكَّانِهِ.

أَمَّا إِنْ كَانَ الأَْبُ فَإِنَّهُ يَفُكُّ عَنْهُ بِرُشْدِهِ، إِلاَّ إِذَا حَجَرَ عَلَيْهِ قَبْل الرُّشْدِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (١) .

وَإِنْ طَرَأَ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَذْهَبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ لِفَكِّهِ قَضَاءُ قَاضٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَبِهِ قَال أَبُو يُوسُفَ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَبِهِ قَال الشَّافِعِيَّةُ، وَجَمِيعُ مَنْ يُشْتَرَطُ لِحَجْرِهِ حُكْمُ حَاكِمٍ.

وَعَلَّلُوا ذَلِكَ: بِأَنَّهُ ثَبَتَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَلاَ يَزُول إِلاَّ بِحُكْمِ حَاكِمٍ (٢) .

وَثَانِيهِمَا: لاَ يُشْتَرَطُ قَضَاءُ الْقَاضِي لِزَوَالِهِ بَل يَكْفِي انْتِفَاءُ السَّفَهِ عَنْهُ لاِعْتِبَارِهِ رَشِيدًا وَهُوَ قَوْل أَبِي الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّهُ حَجْرٌ سَبَبُهُ السَّفَهُ وَقَدْ زَال كَالصِّغَرِ وَالْجُنُونِ (٣) .

_________

(١) الدسوقي ٣ / ٢٩٦ ومواهب الجليل ٥ / ٦٥.

(٢) المبدع ٤ / ٣٤٢ والدر المختار مع حاشية ابن عابدين ٦ / ١٥٢ ومغني المحتاج ٢ / ١٧٠ تكملة المجموع ١٣ / ٣٨٢.

(٣) المبدع ٤ / ٣٤٢.

ادِّعَاءُ الرُّشْدِ أَوِ السَّفَهِ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ:

١٠ - إِذَا ادَّعَى الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَنَّهُ قَدْ رَشَدَ وَأَقَامَ الْوَلِيُّ أَوِ الْوَصِيُّ بَيِّنَةً أُخْرَى بِالسَّفَهِ أَوْ بِاسْتِمْرَارِهِ.

فَإِنْ ذَكَرَتِ الْبَيِّنَتَانِ التَّارِيخَ وَاخْتَلَفَ أُخِذَ بِذَاتِ التَّارِيخِ الْمُتَأَخِّرِ.

وَإِنْ جَاءَتَا مُقَيَّدَتَيْنِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَاسْتَوَتَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ السَّفَهِ.

وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ؛ لأَِنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ - وَهُوَ اسْتِصْحَابُ الأَْصْل. إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اشْتَرَطُوا لِقَبُول شَهَادَةِ السَّفَهِ وَالرُّشْدِ بَيَانُ سَبَبِهِمَا؛ إِذْ قَدْ يُظَنُّ أَنَّ بَعْضَ الصَّرْفِ هُوَ نَوْعٌ مِنَ السَّرَفِ - كَأَنْ يَأْكُل وَيَلْبَسَ الأَْشْيَاءَ النَّفِيسَةَ اللاَّئِقَةَ بِأَمْثَالِهِ - وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَرَفٍ، وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ إِصْلاَحَ نَوْعٍ مِنَ التَّصَرُّفِ هُوَ رُشْدٌ، لِذَلِكَ لاَ بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ السَّفَهِ وَالرُّشْدِ.

أَمَّا إِذَا جَاءَتْ مُطْلَقَةً عَنِ التَّوْقِيتِ فَقَدْ قَال الشَّافِعِيَّةُ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الرُّشْدِ (١) .

_________

(١) انظر تكملة المجموع ١٣ / ٣٧٠ ومغني المحتاج ٢ / ١٧٧ وحاشية ابن عابدين مع الدر المختار ٦ / ١٥٢.

الْوِلاَيَةُ عَلَى مَال السَّفِيهِ:

١١ - تَقَدَّمَ أَنَّ السَّفَهَ قِسْمَانِ: مُسْتَمِرٌّ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَطَارِئٌ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا.

(١) فَإِنْ كَانَ الأَْوَّل: فَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الأَْوْلَى بِالْوِلاَيَةِ الأَْبُ ثُمَّ وَصِيُّهُ، وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ لَمْ يُوصِ الأَْبُ فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُقِيمَ أَمِينًا فِي النَّظَرِ فِي أَقْوَالِهِ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ.

ثُمَّ بَعْدَ وَصِيِّ الأَْبِ الْحَاكِمُ، وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ لَمْ يُوجَدِ الْحَاكِمُ فَأَمِينٌ يَقُومُ بِهِ (١) .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الأَْبُ، ثُمَّ وَصِيُّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ، ثُمَّ الْجَدُّ الصَّحِيحُ وَإِنْ عَلاَ، ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ وَصِيُّهُ (٢) .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الأَْوْلَى الأَْبُ ثُمَّ الْجَدُّ؛ لأَِنَّهُمَا أَشْفَقُ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانُ (٣) .

وَقَدِ اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْوِلاَيَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلسُّلْطَانِ أَوْ لِلْقَاضِي

_________

(١) الخرشي ٥ / ٢٩٧ وكشاف القناع ٣ / ٤٣٤، ٤٤٠.

(٢) حاشية ابن عابدين ٦ / ١٧٤.

(٣) مغني المحتاج ٢ / ١٧٠، والقليوبي ٢ / ٣٠٤.

فَقَطْ؛ لأَِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُعِيدُ عَلَيْهِ الْحَجْرَ وَيَفُكُّهُ، إِذْ وِلاَيَةُ الأَْبِ وَنَحْوِهِ قَدْ زَالَتْ فَيَنْظُرُ لَهُ مَنْ لَهُ النَّظَرُ الْعَامُّ وَهُوَ الرَّاجِحُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقِيل: هُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ.

أَمَّا الرَّأْيُ الْمَرْجُوحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالاِسْتِحْسَانُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - وَقِيل: هُوَ قَوْل مُحَمَّدٍ - فَالأَْوْلَى بِذَلِكَ هُوَ مَنْ ذُكِرَ فِي السَّفَهِ الاِسْتِمْرَارِيِّ (١) .

(٢) وَإِنْ كَانَ الثَّانِي: فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ إِطْلاَقِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ السَّفَهِ الاِسْتِمْرَارِيِّ وَالطَّارِئِ فِي الْوِلاَيَةِ، فَالأَْحَقُّ الأَْبُ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ الْحَاكِمُ (٢) .

وَلاَ وِلاَيَةَ لِلأُْمِّ إِلاَّ عَلَى قَوْل الأَْثْرَمِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: حَيْثُ تَجُوزُ وِلاَيَةُ الأُْمِّ إِنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيٌّ.

كَمَا لاَ وِلاَيَةَ لِلْجَدِّ وَالْعَصَبَاتِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَتَعْلِيل مَنْ لَمْ يَجْعَل لِلْجَدِّ وَالْعَصَبَاتِ وِلاَيَةً عَلَى الْمَال دُونَ النِّكَاحِ: أَنَّ الْمَال مَحَل

_________

(١) كشاف القناع ٣ / ٤٣٥، ٤٤٠، ومغني المحتاج ٢ / ٨٧٠ وحاشية ابن عابدين ٦ / ١٧٤.

(٢) الخرشي ٥ / ٢٩٧.

الْخِيَانَةِ، وَغَيْرُ الأَْبِ وَوَصِيِّهِ وَالْقَاضِي قَاصِرٌ عَنْهَا غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْمَال.

وَشُرُوطُ الْوَلِيِّ وَوَاجِبَاتُهُ وَمَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ أَوْ لاَ يَجُوزُ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (وِلاَيَة) .

أَثَرُ السَّفَهِ فِي الأَْحْكَامِ. الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ:

١٢ - لاَ يُوجِبُ السَّفَهُ خَلَلًا فِي أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ وَلاَ يَمْنَعُ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ مِنَ الْوُجُوبِ عَلَى السَّفِيهِ أَوْ لَهُ، فَيَكُونُ مُطَالَبًا بِالأَْحْكَامِ كُلِّهَا.

وَلِهَذَا لاَ تَنْعَدِمُ الأَْهْلِيَّةُ بِسَبَبِ السَّفَهِ وَلاَ يُجْعَل السَّفَهُ عُذْرًا فِي إِسْقَاطِ الْخِطَابِ عَنْهُ بِشَيْءٍ مِنَ الشَّرَائِعِ، وَلاَ فِي إِهْدَارِ عِبَارَتِهِ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الأَْسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْعُقُوبَةِ (١) .

أَثَرُ السَّفَهِ فِي الزَّكَاةِ:

١٢ م - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَال السَّفِيهِ - فَهُوَ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ كَالرَّشِيدِ؛ لأَِنَّهَا تَصَرُّفٌ لاَ يَحْتَمِل الْفَسْخَ وَالنَّقْضَ وَلأَِنَّ مَنْ عَدَا الْحَنَفِيَّةَ أَوْجَبُوهَا فِي مَال الصَّغِيرِ

_________

(١) المبسوط ٢٤ / ١٥٧ وشرح المنار لابن ملك ٢ / ٩٨٨، ٩٨٩.

وَالْمَجْنُونِ فَوُجُوبُهَا عَلَى السَّفِيهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

وَلَكِنْ حَصَل الْخِلاَفُ فِي مَنْ يَدْفَعُهَا هَل هُوَ أَمْ وَلِيُّهُ؟

فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَدْفَعُهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ الْمَالِيَّةِ؛ لأَِنَّهَا وِلاَيَةٌ وَتَصَرُّفٌ مَالِيٌّ.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ لَكِنْ إِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَعَيَّنَ لَهُ الْمَدْفُوعَ إِلَيْهِ صَحَّ صَرْفُهُ، وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْوَلِيِّ أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ وَلِيُّهُ لِيَصْرِفَهَا بِنَفْسِهِ؛ لأَِنَّهَا عِبَادَةٌ فَلاَ بُدَّ مِنَ النِّيَّةِ فِيهَا، وَلَكِنْ يَبْعَثُ مَعَهُ أَمِينًا كَيْ لاَ يَصْرِفَهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهَا (١) .

زَكَاةُ الْفِطْرِ:

١٣ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى السَّفِيهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ مُسْلِمٌ

_________

(١) الهداية مع فتح القدير ٨ / ٦٩٩، وبدائع الصنائع ٧ / ٦٧١ ومغني المحتاج ٢ / ١٧٢ وكشاف القناع ٣ / ٤٤٢ للإمام العلامة منصور بن إدريس البهوتي المولود سنة ١٠٠٠ المتوفى بالقاهرة ١٠٥١ هـ مطبعة الحكومة بمكة ١٣٩٤ هـ وبلغة السالك ١ / ١٩٣ حيث أوجبها المالكية في مال الصغير والمجنون فالسفيه من باب أولى.

مُكَلَّفٌ حُرٌّ، وَالسَّفَهُ فِيهِ لاَ يُعَارِضُ أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ.

إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مَنْ يَدْفَعُهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ.

وَإِذَا قَصَّرَ الْوَلِيُّ فِي دَفْعِهَا أَخْرَجَهَا هُوَ بَعْدَ رَفْعِ الْحَجْرِ عَنْهُ.

صَدَقَةُ النَّفْل:

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ الْقَائِلُونَ بِالْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ إِلَى مَنْعِهِ مِنْ صَدَقَةِ النَّفْل (١) .

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ جَوَّزُوهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ؛ لأَِنَّهُمْ يَمْنَعُونَ تَصَرُّفَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.

أَثَرُ السَّفَهِ عَلَى الأَْيْمَانِ وَكَفَّارَتِهَا:

١٤ - إِذَا حَلَفَ السَّفِيهُ بِاَللَّهِ أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ انْعَقَدَ يَمِينُهُ اتِّفَاقًا

أَمَّا كَفَّارَتُهُ: فَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ السَّفِيهَ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لاَ غَيْرُ كَابْنِ السَّبِيل الْمُنْقَطِعِ عَنْ مَالِهِ، وَلاَ يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالإِْطْعَامِ أَوْ بِالْكِسْوَةِ؛ لأَِنَّهُ لَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ لَبَذَّرَ

_________

(١) الإفصاح عن معاني الصحاح لأبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الحنبلي المتوفى سنة ٥٦٠ هـ نشر وطبع المؤسسة السعيدية بالرياض، وحاشية ابن عابدين ٦ / ١٤٩ ومغني المحتاج ١ / ٤٠٩ وبدائع الصنائع ٧ / ١٧١، والمبدع ٤ / ٣٣٠ وبداية المجتهد ٢ / ٢١٣ والإقناع على أبي شجاع شرح الشربيني ٣ / ٧١.