الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٥
أَمْوَالَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَلَوْ كَفَّرَ بِهَا لَمْ يُجْزِئْهُ لأَِنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ.
وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ التَّكْفِيرَ بِغَيْرِ الصَّوْمِ إِذَا أَذِنَ الْوَلِيُّ وَعَيَّنَ الْمَصْرِفَ وَكَانَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ كَالزَّكَاةِ (١) .
إِلاَّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا قَالاَ: لَوْ أَعْتَقَ عَنْ يَمِينِهِ صَحَّ الْعِتْقُ وَيَسْعَى (٢) الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ، وَلاَ يُجْزِئُ عِتْقُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ؛ لأَِنَّهُ عِتْقٌ بِعِوَضٍ فَلاَ يَقَعُ التَّحْرِيرُ تَكْفِيرًا.
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: فَبَعْدَ الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرِينَ يُكَفِّرُ كَالرَّشِيدِ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، وَكَذَا قَبْلَهَا لِعُمُومِ آيَةِ الْيَمِينِ.
وَلَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ، وَفِي أَثْنَائِهِ فُكَّ حَجْرُهُ أَوِ انْتَهَى، بَطَل تَكْفِيرُهُ بِالصَّوْمِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ كَالرَّشِيدِ، لِزَوَال الْحَجْرِ عَنْهُ، أَمَّا لَوْ فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الصِّيَامِ فَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ لِلْكَفَّارَةِ (٣) .
_________
(١) المجموع ١٣ / ١٨١ وبدائع الصنائع ٧ / ١٧٠ ومغني المحتاج ٢ / ١٧١، ١٧٣ والمواق ٥ / ٦٥ وكشاف القناع ٣ / ٤١٣.
(٢) السعاية: هو أن يكلف العبد المعتوق بالكسب وجمع المال ليدفع قيمته إلى سيده بدلا من عتقه.
(٣) المبسوط ٢٤ / ١٧٠، والاختيار ٢ / ٦٨ وكشاف القناع ٣ / ٤٤٣، والمبدع ٤ / ٣٤٤.
أَثَرُ السَّفَهِ عَلَى النَّذْرِ:
١٥ - إِنْ نَذَرَ السَّفِيهُ عِبَادَةً بَدَنِيَّةً وَجَبَتِ اتِّفَاقًا، لأَِنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ صَرْفِ أَمْوَالِهِ وَعَنِ التَّصَرُّفِ فِيهَا، وَالْعِبَادَةُ الْبَدَنِيَّةُ لاَ تَعَلُّقَ لَهَا بِالْمَال.
وَإِنْ نَذَرَ عِبَادَةً مَالِيَّةً - فَقَدْ حَصَل الْخِلاَفُ فِي صِحَّتِهَا عَلَى ثَلاَثَةِ آرَاءٍ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: تَلْزَمُهُ بِذِمَّتِهِ لاَ بِعَيْنِ مَالِهِ فَيَثْبُتُ الْمَنْذُورُ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَيَفِي بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ، وَهُوَ رَأْيُ الشَّافِعِيَّةِ (١) .
الرَّأْيُ الثَّانِي: لاَ تَلْزَمُهُ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (٢) .
الرَّأْيُ الثَّالِثُ: تَلْزَمُهُ وَلَكِنْ مِنْ حَقِّ الْوَلِيِّ إِبْطَالُهُ، وَهُوَ رَأْيُ الْمَالِكِيَّةِ (٣) .
أَثَرُ السَّفَهِ عَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ:
١٦ - أَمَّا حَجَّةُ الإِْسْلاَمِ - وَهِيَ حَجُّ الْفَرْضِ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً.
فَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى السَّفِيهِ
_________
(١) مغني المحتاج ٢ / ١٧٣.
(٢) المبسوط ٢٤ / ١٧٠، وشرح العناية على الهداية ٨ / ١٩٩، وكشاف القناع ٣ / ١٤٣.
(٣) حاشية الصاوي على الشرح الصغير ١ / ٣٢٣.
وَعَلَى صِحَّتِهَا مِنْهُ، وَلاَ يَحِقُّ لِوَلِيِّهِ حَجْرُهُ عَنْهَا؛ لأَِنَّهَا وَجَبَتْ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتُدْفَعُ النَّفَقَةُ إِلَى ثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ حَتَّى الْعَوْدَةِ (١) .
أَمَّا الْحَجُّ الْمَنْذُورُ - فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لُزُومُهُ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِلُزُومِ النَّذْرِ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ (٢) .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لاَ يَلْزَمُ السَّفِيهَ حَجُّ النَّذْرِ (٣) .
وَأَمَّا حَجُّ النَّفْل فَيُمْنَعُ مِنْهُ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ صَحَّ وَتُدْفَعُ إِلَيْهِ نَفَقَتُهُ الْمَعْهُودَةُ - وَهِيَ مِقْدَارُ مَا كَانَ يُنْفِقُهُ لَوْ كَانَ فِي مَنْزِلِهِ (٤) .
١٧ - أَمَّا الْعُمْرَةُ لأَِوَّل مَرَّةٍ فَمَنْ قَال بِوُجُوبِهَا وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ قَالُوا بِصِحَّةِ إِحْرَامِهِ بِهَا، وَتُدْفَعُ نَفَقَاتُهُ إِلَى ثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ حَتَّى الْعَوْدَةِ، كَمَا سَبَقَ فِي الْقَوْل بِالْحَجِّ.
وَبِهَذَا قَال الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا - أَيْ: لاَ يُمْنَعُ
_________
(١) فتح القدير على الهداية ٨ / ١٩٩، ومغني المحتاج ٢ / ١٧٣، وكشاف القناع ٣ / ٤٤٢، وبلغة السالك ١ / ٢٤٤.
(٢) مغني المحتاج ٢ / ١٧٣، والصاوي ١ / ٣٢٣، وكشاف القناع ٣ / ١٤٣.
(٣) المبسوط ٢٤ / ١٧١.
(٤) الهداية مع فتح القدير ٨ / ١٩٩، وابن عابدين ٦ / ١٤٩، ومغني المحتاج ٢ / ١٧٣، وكشاف القناع ٣ / ٤٤٢.
مِنْ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ - فَإِنَّهُمْ وَإِنْ قَالُوا بِسُنِّيَّتِهَا إِلاَّ أَنَّهُمْ أَجَازُوهَا مِنْهُ؛ لاِخْتِلاَفِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِهَا.
حَتَّى إِنَّهُمْ قَالُوا: لاَ يُمْنَعُ الْحَاجُّ مِنَ الْقِرَانِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْنَعُ مِنْ إِفْرَادِ السَّفَرِ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلاَ يُمْنَعُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَلَمْ نَجِدْ تَصْرِيحًا لَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (١) .
جِنَايَتُهُ فِي الإِْحْرَامِ:
١٨ - إِذَا أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَحَصَلَتْ مِنْهُ جِنَايَةٌ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَتِهِ الصِّيَامُ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لاَ غَيْرُ. وَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مِنَ الدَّمِ يُؤَخَّرُ إِلَى مَا بَعْدَ رُشْدِهِ - كَالْفَقِيرِ الَّذِي لاَ يَجِدُ الْمَال، وَكَذَا لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ تَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ مُصْلِحًا (٢) .
أَيْ: رَاشِدًا.
أَثَرُ السَّفَهِ فِي الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ:
١٩ - قَال الْمَالِكِيَّةُ: السَّفِيهُ مِثْل الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ إِلاَّ فِي الطَّلاَقِ وَاسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ وَنَفْيِهِ
_________
(١) مغني المحتاج ٢ / ١٧٣، وانظر الخلاف في سنيتها ووجوبها في الخرشي ٢ / ٢٨١.
(٢) الهداية مع الفتح ٨ / ١٩٩.
وَالْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ، وَالإِْقْرَارِ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ (١) .
أَوَّلًا: أَثَرُهُ فِي النِّكَاحِ.
أ - زَوَال وِلاَيَةِ النِّكَاحِ بِالسَّفَهِ:
٢٠ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي زَوَال وِلاَيَةِ السَّفِيهِ وَبَقَائِهَا إِلَى مَذْهَبَيْنِ نَظَرًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي اشْتِرَاطِ الرُّشْدِ فِي الْوَلِيِّ وَعَدَمِهِ.
الْمَذْهَبُ الأَْوَّل: تَزُول وِلاَيَةُ الْوَلِيِّ بِالسَّفَهِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَصْلُحُ لأَِمْرِ نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يَصْلُحُ لأَِمْرِ غَيْرِهِ، فَلاَ يَصِحُّ إِيجَابُهُ أَصَالَةً وَلاَ وَكَالَةً، أَذِنَ الْوَلِيُّ أَمْ لَمْ يَأْذَنْ، أَمَّا الْقَبُول فَتَصِحُّ وَكَالَتُهُ فِيهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلٌ لِمَالِكٍ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: بَقَاءُ الْوِلاَيَةِ لَهُ؛ لأَِنَّ رُشْدَ الْمَال غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي النِّكَاحِ وَأَنَّهُ كَامِل النَّظَرِ فِي أَمْرِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ.
وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالرَّأْيُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ (٢) .
_________
(١) بلغة السالك ٢ / ١٣٩.
(٢) كشاف القناع ٥ / ٥٥، وبدائع الصنائع ٧ / ١٧١، وبداية المجتهد ٢ / ٩، ومغني المحتاج ٢ / ١٧١، ٣ / ١٥٤.
ب - تَزْوِيجُ الْمَرْأَةِ السَّفِيهَةِ نَفْسَهَا:
٢١ - مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ لِلْمَرْأَةِ الرَّشِيدَةِ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا لَمْ يُجَوِّزْهُ لِلسَّفِيهَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
وَأَمَّا مَنْ جَوَّزَ إِنْكَاحَ الرَّشِيدَةِ نَفْسَهَا كَأَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَأَبِي يُوسُفَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي إِنْكَاحِ السَّفِيهَةِ نَفْسَهَا، فَأَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ لاَ يَرَوْنَ الْحَجْرَ عَلَيْهَا؛ لأَِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لاَ يَقُول بِهِ.
فَلِلسَّفِيهَةِ عِنْدَهُ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا.
وَأَمَّا غَيْرُهُ مِمَّنْ لاَ يَشْتَرِطُ الْوَلِيَّ فَقَال مُحَمَّدٌ: يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا وَلاَ يَنْفُذُ إِلاَّ بِإِجَازَةِ الْوَلِيِّ (١) .
ج - أَثَرُ السَّفَهِ فِي النِّكَاحِ:
٢٢ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ نِكَاحِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِلسَّفَهِ وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ إِذْنِ الْوَلِيِّ لِصِحَّتِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ - إِلَى صِحَّةِ نِكَاحِهِ أَذِنَ الْوَلِيُّ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ؛ وعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ مَالِيٍّ وَلُزُومُ الْمَال فِيهِ
_________
(١) انظر نيل الأوطار ٦ / ٢٥١، والاختيار ٣ / ٩٠، وبداية المجتهد ٢ / ٧، والمبسوط ٢٤ / ٤٧٨، ٤٧٩ والمغني ٦ / ٤١٩.
ضِمْنِيٌّ؛ وَلأَِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْهَزْل؛ وَلأَِنَّهُ مِنَ الْحَوَائِجِ الأَْصْلِيَّةِ لِلإِْنْسَانِ.
وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَابِلَةِ: يَصِحُّ بِشَرْطِ احْتِيَاجِهِ إِلَيْهِ، وَقَالُوا: لأَِنَّهُ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ وَالنِّكَاحُ لَمْ يُشْرَعْ لِقَصْدِ الْمَال، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْحَاجَةُ لِلْمُتْعَةِ أَمْ لِلْخِدْمَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو ثَوْرٍ: إِلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، لأَِنَّهُ تَصَرُّفٌ يَجِبُ بِهِ الْمَال فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ كَالشِّرَاءِ، وَقَدْ جَعَلُوا الْخِيَارَ لِلْوَلِيِّ: إِنْ شَاءَ زَوَّجَهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ أَذِنَ لَهُ لِيَعْقِدَ بِنَفْسِهِ (١) .
فَإِذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ فَلاَ شَيْءَ لِلزَّوْجَةِ إِنْ لَمْ يَدْخُل بِهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَإِنْ دَخَل بِهَا فَلاَ حَدَّ لِلشُّبْهَةِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ - كَمَا لَوِ اشْتَرَى شَيْئًا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ وَأَتْلَفَهُ، وَالْقَوْل الثَّانِي: يَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْل - كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى غَيْرِهِ، وَالثَّالِثُ: يَلْزَمُهُ أَقَل شَيْءٍ يُتَمَوَّل.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ نِكَاحِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، وَيَكُونُ النِّكَاحُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ، فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ، وَإِنْ رَدَّهُ بَطَل وَلاَ شَيْءَ لِلزَّوْجَةِ، وَهَل يَحِقُّ لِلْوَلِيِّ إِجْبَارُ السَّفِيهِ عَلَى النِّكَاحِ؟ .
_________
(١) الهداية على فتح القدير ٨ / ١٩٨، وبدائع الصنائع ٧ / ١٧١، والمبدع ٤ / ٣٤٣، وكشاف القناع ٣ / ٤٤١، تكملة المجموع ١٣ / ٣٨١، والمغني ٢ / ٥٢٣.
جَوَّزَ الْحَنَابِلَةُ ذَلِكَ إِنْ كَانَ السَّفِيهُ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ - بِأَنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ ضَعِيفًا يَحْتَاجُ إِلَى امْرَأَةٍ تَخْدُمُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ ذَلِكَ، وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (١) .
٢٢ م - أَمَّا الْمَهْرُ فَأَبُو حَنِيفَةَ يُثْبِتُ لِمَنْ نَكَحَهَا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ الْمَهْرَ الْمُسَمَّى؛ لأَِنَّهُ لاَ يَرَى الْحَجْرَ عَلَيْهِ.
وَقَال غَيْرُهُ: يَتَقَيَّدُ بِمَهْرِ الْمِثْل، وَلاَ تَصِحُّ الزِّيَادَةُ وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ؛ لأَِنَّهَا تَبَرُّعٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اعْتَبَرُوا الزِّيَادَةَ لاَزِمَةً إِذَا أَذِنَ بِهَا الْوَلِيُّ (٢) .
أَثَرُ السَّفَهِ عَلَى الطَّلاَقِ وَالْخُلْعِ وَالظِّهَارِ وَالإِْيلاَءِ:
٢٣ - ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْل الْعِلْمِ إِلَى وُقُوعِ الطَّلاَقِ مِنَ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَالْحَجْرُ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ. وَالطَّلاَقُ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِي الْمَال فَلاَ يُمْنَعُ كَالإِْقْرَارِ بِالْحَدِّ، بِدَلِيل أَنَّهُ يَصِحُّ مِنَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ مَعَ مَنْعِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَال.
_________
(١) روضة الطالبين ٧ / ٩٩، تكملة المجموع ٣ / ٣٨١، والتاج والإكليل للمواق ٣ / ٤٥٧، وكشاف القناع ٥ / ٤٥، ومغني المحتاج ٢ / ١٧١.
(٢) الهداية مع فتح القدير ٨ / ١٩٨، والمبدع ٤ / ٣٤٣.
وَقَال ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ: لاَ يَقَعُ طَلاَقُهُ؛ لأَِنَّ الْبُضْعَ يَجْرِي مَجْرَى الْمَال، بِدَلِيل أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمَالٍ وَيَصِحُّ أَنْ يَزُول مِلْكُهُ عَنْهُ بِمَالٍ فَلَمْ يَمْلِكِ التَّصَرُّفَ فِيهِ كَالْمَال (١) .
وَأَمَّا خُلْعُهُ فَيَصِحُّ، إِلاَّ أَنَّهَا لاَ تُسَلِّمُ بَدَل الْخُلْعِ إِلَيْهِ بَل إِلَى وَلِيِّهِ، فَإِنْ سَلَّمَتْهُ إِلَيْهِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ وَجَبَ عَلَيْهَا الضَّمَانُ - كَمَا فِي الْبَيْعِ.
وَلَوْ دَفَعَتْهُ إِلَيْهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَبْرَأُ كَمَا لَوْ سَلَّمَتْهُ إِلَى الْعَبْدِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ.
وَثَانِيهِمَا: لاَ تَبْرَأُ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْقَبْضِ.
وَأَمَّا الرَّجْعَةُ: فَتَصِحُّ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ وَلِيُّهُ (٢) .
وَيَقَعُ ظِهَارُ السَّفِيهِ وَإِيلاَؤُهُ، إِلاَّ أَنَّهُ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لاَ بِالْعِتْقِ وَالإِْطْعَامِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَإِنْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ لَمْ يَنْفُذْ، وَإِنْ كَفَّرَ بِالإِْطْعَامِ لَمْ يَجُزْ؛ لأَِنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ، فَإِنْ فُكَّ
_________
(١) المبسوط ٢٤ / ١٧١، بدائع الصنائع ٧ / ١٧١، ومغني المحتاج ٣ / ٢٧٩، ٢ / ١٧٢، وتكملة المجموع ١٣ / ٣٨٠، وكشاف القناع ٣ / ٤٤٢، والمغني ٤ / ٥٢١ والخرشي ٥ / ٢٦٥، والمواق ٥ / ٦٥.
(٢) تكملة المجموع ١٤ / ٣٨٠، والمبدع ٤ / ٣٤٣، ومغني المحتاج ٣ / ٣٣٦، وبلغة السالك ١ / ٤٣٩.
عَنْهُ الْحَجْرُ قَبْل الصَّوْمِ كَفَّرَ كَالرَّشِيدِ لاَ إِنْ فُكَّ بَعْدَ الصَّوْمِ (١) .
وَلَوْ طَلَبَتِ السَّفِيهَةُ الْخُلْعَ.
فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، إِذَا بَلَغَتْ رَشِيدَةً وَحُجِرَ عَلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ خُلْعُهَا، وَلَوْ خَالَعَهَا بِلَفْظِ الْخُلْعِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُول طَلُقَتْ رَجْعِيًّا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ طَلُقَتْ بَائِنًا وَلاَ مَال لَهُ. وَلَغَا ذِكْرُ الْمَال؛ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْل الْتِزَامِهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ. وَإِنْ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهَا يَصِحُّ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَقَالُوا: لاَ يَصِحُّ الْخُلْعُ إِنْ طَلَبَتْهُ السَّفِيهَةُ وَبَذَلَتْ مِنْهَا الْمَال بِدُونِ إِذْنِ وَلِيِّهَا، وَإِنْ بَذَلَهُ غَيْرُهَا أَوْ هِيَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ صَحَّ، وَإِلاَّ بَانَتْ مِنْهُ بِدُونِ عِوَضٍ (٢) .
أَثَرُ السَّفَهِ عَلَى إِسْقَاطِ الْحَضَانَةِ:
٢٤ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ السَّفَهِ مَانِعًا الْمَرْأَةَ مِنَ الْحَضَانَةِ أَوْ مُسْقِطًا لَهَا.
فَذَهَبَ مَنِ اشْتَرَطَ فِي الْحَاضِنَةِ الرُّشْدَ وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ السَّفَهَ مَانِعٌ مِنْهَا
_________
(١) الخرشي ٥ / ٢٩٥، والمبدع ٤ / ٣٤٣، والمبسوط ٢٤ / ١٧٠، ومغني المحتاج ٣٢ / ٣٥٢، والسيل الجرار ٢ / ٤١٣.
(٢) مغني المحتاج ٣ / ٢٦٤، والمبسوط ٢٤ / ١٧٤، والفروع ٥ / ٣٤٤، وبلغة السالك ١ / ٤١٠.