الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٥ الصفحة 10

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٥

ثَلاَثًا: قِيل وَقَال، وَإِضَاعَةَ الْمَال، وَكَثْرَةَ السُّؤَال (١) . وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَل بِهِ: أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، وَهُنَا يَدُل النَّهْيُ عَلَى وُجُوبِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَال، وَإِبْقَاؤُهُ بِيَدِ السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ لَهُ مُخَالِفٌ لِلأَْمْرِ، فَيَجِبُ حَجْرُهُ عَنْهُ.

وَبِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ. قَال: خُذُوا عَلَى يَدِ سُفَهَائِكُمْ (٢) .

وَبِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَال: ابْتَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْعًا فَقَال عَلِيٌّ ﵁: لآَتِيَنَّ عُثْمَانَ ﵁ فَلأَْحْجُرَنَّ عَلَيْكَ، فَأَعْلَمَ ذَلِكَ ابْنُ جَعْفَرٍ لِلزُّبَيْرِ فَقَال: أَنَا شَرِيكُكَ فِي بَيْعِكَ، فَأَتَى عَلِيٌّ عُثْمَانَ ﵄ فَقَال: احْجُرْ عَلَى هَذَا، فَقَال الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُهُ، فَقَال عُثْمَانُ: أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ شَرِيكُهُ الزُّبَيْرُ؟ (٣)؟

_________

(١) حديث: " إن الله كره لكم ثلاثا. . . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٣٤٠ - ط السلفية) ومسلم (٣ / ١٣٤١ - ط الحلبي) .

(٢) حديث: " خذوا على يد سفهائكم ". أخرجه الطبراني في معجمه الكبير من حديث النعمان بن بشير كما في الجامع الصغير للسيوطي (٣ / ٤٣٥ - بشرحه الفيض - ط - المكتبة التجارية) وأشار إليه بعلامة الضعف.

(٣) مسند الشافعي (٢ / ١٩١ - ١٩٢ - بترتيبه بدائع المنن - ط دار الأنوار) .

وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَل بِهِ: أَنَّ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ لَمْ يَحْصُل مِنْهُمْ إِنْكَارٌ لِلْحَجْرِ، بَل عَلِيٌّ طَلَبَهُ وَالآْخَرُونَ لَمْ يُنْكِرُوهُ فَاحْتَال الزُّبَيْرُ بِحِيلَةِ الشَّرِكَةِ حَتَّى لاَ يُعَدَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ مَغْبُونًا فِي ذَلِكَ.

وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الْمَقُولَةِ: أَنَّهُ مُبَذِّرٌ فِي مَالِهِ فَيَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَالصَّبِيِّ بَل أَوْلَى، لأَِنَّ الصَّبِيَّ إِنَّمَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِتَوَهُّمِ التَّبْذِيرِ مِنْهُ، وَقَدْ تَحَقَّقَ التَّبْذِيرُ وَالإِْسْرَافُ هُنَا، فَلأَنْ يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْلَى (١) .

وَاسْتَدَل أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي عَدَمِ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَكِنْ لاَ يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْخَامِسَةَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا﴾ (٢) .

وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَل بِهَا - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى الْوَلِيَّ عَنِ الإِْسْرَافِ فِي مَال الْيَتِيمِ مَخَافَةَ أَنْ يَكْبَرَ فَلاَ يَبْقَى لَهُ عَلَيْهِ وِلاَيَةٌ، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى زَوَال وِلاَيَتِهِ عَنْهُ بَعْدَ الْكِبَرِ يَكُونُ تَنْصِيصًا

_________

(١) المبسوط ٢٤ / ١٥٨ لشمس الأئمة. السرخسي أول طبعة مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر.

(٢) سورة النساء / ٦.

عَلَى زَوَال الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْكِبَرِ؛ لأَِنَّ الْوِلاَيَةَ عَلَيْهِ لِلْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا تَنْعَدِمُ الْحَاجَةُ إِذَا صَارَ هُوَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ (١) .

وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ الأَْنْصَارِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ لآِفَةٍ أَصَابَتْ رَأْسَهُ فَسَأَل أَهْلُهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ، فَقَال: إِنِّي لاَ أَصْبِرُ عَنِ الْبَيْعِ. فَقَال ﵊: إِذَا بِعْتَ فَقُل: لاَ خِلاَبَةَ، وَجَعَل لَهُ الْخِيَارَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ (٢) .

وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَل بِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ طَلَبِ أَهْلِهِ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ الْحَجْرُ مَشْرُوعًا عَلَى مَنْ يُغْبَنُ لَحَجَرَ عَلَيْهِ.

وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الْمَعْقُول بِأَنَّ السَّفِيهَ حُرٌّ مُخَاطَبٌ فَيَكُونُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ كَالرَّشِيدِ، وَهَذَا لأَِنَّ وُجُودَ التَّصَرُّفِ حَقِيقَةً يَكُونُ بِوُجُودِ رُكْنِهِ، وَوُجُودُهُ شَرْعًا يَكُونُ بِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَحُلُولِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَقَدْ وُجِدَ

_________

(١) المبسوط ٢٤ / ١٥٩، والبدائع ٧ / ١٧٠، والتلويح على التوضيح ٢ / ١٩٢.

(٢) حديث: " إذا بعت فقل: لا خلابة ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٣٣٧ - ط السلفية) ومسلم (٣ / ١١٦٥ - ط الحلبي) من حديث ابن عمر، قوله: " إذا بعت فقل لا خلابة ". وذكر الخيار أخرجه الدارقطني (٣ / ٥٤ - ٥٥ - ط دار المحاسن) .

ذَلِكَ كُلُّهُ فِي تَصَرُّفِ السَّفِيهِ فِي مَالِهِ (١) .

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَهِيَ أَنْ يَبْلُغَ الصَّبِيُّ أَوْ يُفِيقَ الْمَجْنُونُ رَشِيدَيْنِ، ثُمَّ يَطْرَأَ السَّفَهُ عَلَيْهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَل يُحْجَرُ عَلَيْهِمَا؟ .

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:

(١) فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى لُزُومِ الْحَجْرِ بِالسَّفَهِ الطَّارِئِ، وَكَذَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الأُْمُورِ الَّتِي يُبْطِلُهَا الْهَزْل لاَ الأُْمُورُ الَّتِي لاَ يُبْطِلُهَا الْهَزْل؛ لأَِنَّ السَّفِيهَ عِنْدَهُمَا فِي مَعْنَى الْهَازِل يَخْرُجُ كَلاَمُهُ عَنْ نَهْجِ كَلاَمِ الْعُقَلاَءِ لاِتِّبَاعِ الْهَوَى وَمُكَابَرَةِ الْعَقْل لاَ لِنُقْصَانٍ فِي عَقْلِهِ، فَكَذَلِكَ السَّفِيهَ.

وَمِمَّنْ قَال بِالْحَجْرِ بِالسَّفَهِ الطَّارِئِ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَائِشَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَشُرَيْحٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالأَْوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

(٢) وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَمَنْعِهِ مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ رَأْيُ زُفَرَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ (٢) .

_________

(١) المبسوط ٢٤ / ١٥٩ - ١٦٠.

(٢) تكملة المجموع ١٣ / ٣٦٨، وتيسير التحرير ٢ / ٣٠٠ وفتح القدير ٤ / ١٩٦.

هَل يُشْتَرَطُ حُكْمُ قَاضٍ بِالْحَجْرِ لِتَرَتُّبِ أَحْكَامِهِ عَلَيْهِ؟ .

٥ - السَّفَهُ - كَمَا تَقَدَّمَ - عَلَى نَوْعَيْنِ:

(١) سَفَهٌ يَعْقُبُ الصِّبَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْلُغَ سَفِيهًا.

(٢) وَسَفَهٌ يَطْرَأُ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ رَشِيدًا.

فَالأَْوَّل: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي افْتِقَارِهِ إِلَى قَضَاءِ الْقَاضِي عَلَى رَأْيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى قَضَاءِ قَاضٍ؛ لأَِنَّ الْحَجْرَ سَيَدُومُ، وَذَلِكَ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ دَفْعَ أَمْوَالِهِمْ إِلَيْهِمْ عَلَى إِينَاسِ الرُّشْدِ مِنْهُمْ، فَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُمْ فَهُمْ مَحْجُورُونَ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِمْ بِقَضَاءٍ تَحْصِيل الْحَاصِل.

وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْل مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ.

وَثَانِيهِمَا: افْتِقَارُهُ إِلَى قَضَاءِ قَاضٍ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَرَأْيُ أَبِي يُوسُفَ.

وَلِذَلِكَ أَجَازَ مَالِكٌ تَصَرُّفَاتِهِ قَبْل الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِالسَّفِيهِ الْمُهْمَل؛ لأَِنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ، وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّظَرِ وَالضَّرَرِ، فَفِي إِبْقَاءِ الْمِلْكِ لَهُ نَظَرٌ، وَفِي إِهْدَارِ قَوْلِهِ ضَرَرٌ، وَبِمِثْل هَذَا لاَ يَتَرَجَّحُ أَحَدُ

الْجَانِبَيْنِ مِنْهُ إِلاَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي (١) .

وَأَمَّا الثَّانِي: فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى ثَلاَثَةِ آرَاءٍ:

الرَّأْيُ الأَْوَّل: لاَ يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ قَضَاءِ قَاضٍ بِذَلِكَ؛ لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ: خُذُوا عَلَى يَدِ سُفَهَائِكُمْ (٢) .

وَلِقَوْل عَلِيٍّ فِي الأَْثَرِ الَّذِي رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ: " لآَتِيَنَّ عُثْمَانَ لِيَحْجُرَ عَلَيْكَ ".

وَلأَِنَّ التَّبْذِيرَ يَخْتَلِفُ فَيَحْتَاجُ إِلَى الاِجْتِهَادِ وَإِذَا افْتَقَرَ السَّبَبُ إِلَى الاِجْتِهَادِ لَمْ يَثْبُتْ إِلاَّ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ.

وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِهِ قَال أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مَا عَدَا مُحَمَّدَ بْنَ الْقَاسِمِ (٣) .

وَلاَ يَحْجُرُ عَلَيْهِ إِلاَّ الْحَاكِمُ، فَإِذَا أَرَادَ الْوَالِدُ

_________

(١) مغني المحتاج ٢ / ١٧٠ والمبدع ٤ / ٣٣١ وبلغة السالك ٢ / ١٣٠ و١٤٠ ومواهب الجليل ٥ / ٦٤ وبدائع الصنائع ٧ / ١٦٩ لأبي بكر بن مسعود الكاساني المتوفى ٥٨٧ هـ الطبعة الأولى ١٣٢٨ هـ والمبسوط ٢٤ / ١٦٣.

(٢) حديث: " خذوا على يد سفهائكم ". تقدم تخريجه ف / ٤م.

(٣) انظر المراجع السابقة.

أَنْ يَحْجُرَ عَلَى وَلَدِهِ أَتَى الإِْمَامَ لِيَحْجُرَ عَلَيْهِ (١) .

الرَّأْيُ الثَّانِي: لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى قَضَاءِ قَاضٍ، لأَِنَّهُ يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مُبَذِّرًا، كَمَا أَنَّ إِصْلاَحَهُ لِمَالِهِ يُطْلِقُهُ مِنَ الْحَجْرِ نَظَرًا لِوُجُودِ الْمُوجِبِ وَزَوَالِهِ فَأَشْبَهَ الْمَجْنُونَ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْمَرْجُوحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (٢) .

الرَّأْيُ الثَّالِثُ: التَّفْصِيل وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ زَال عَنْهُ الْحَجْرُ بِرُشْدِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِلاَ حُكْمِ حَاكِمٍ ثُمَّ سَفِهَ عَادَ بِلاَ حُكْمِ حَاكِمٍ، وَإِنْ زَال عَنْهُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَلاَ بُدَّ مِنْ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعَوْدَتِهِ، وَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ لِلْحَنَابِلَةِ.

وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَمَا رُفِعَ بِقَضَاءٍ فَلاَ يَعُودُ إِلاَّ بِقَضَاءٍ (٣) .

إِشْهَادُ الْقَاضِي عَلَى حَجْرِهِ أَوْ إِعْلاَنُهُ:

٦ - ذَهَبَ مَنْ قَال: إِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ قَضَاءِ قَاضٍ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي

_________

(١) مواهب الجليل٥ / ٦٤.

(٢) مغني المحتاج ٢ / ١٧٠ والمبدع ٤ / ٣٣١ والمبسوط ٢٤ / ١٦٣ وبلغة السالك ٢ / ١٣٠، ١٤٠ ومواهب الجليل ٥ / ٦٤ وبدائع الصنائع ٧ / ١٦٩.

(٣) المبدع ٤ / ٣٤٢.

أَنْ يُشْهِدَ عَلَى حَجْرِهِ وَأَنْ يُظْهِرَ ذَلِكَ وَيُعْلِنَهُ وَيُشْهِرَهُ فِي الأَْسْوَاقِ وَالْجَامِعِ؛ لِيَعْلَمَ النَّاسُ بِحَالِهِ، وَلِيَتَجَنَّبُوا مُعَامَلَتَهُ وَيُعْلِمَهُمْ أَنَّ مَنْ عَامَلَهُ فَقَدْ ضَيَّعَ مَالَهُ.

وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي النِّدَاءَ بِذَلِكَ جَعَل مَنْ يُنَادِي بِالنَّاسِ بِحَجْرِهِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ (١) .

وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِلاَفِ فِي اشْتِرَاطِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مِنْ قِبَل الْقَاضِي وَعَدَمِهِ مَا يَلِي:

إِذَا عَامَل السَّفِيهَ شَخْصٌ - عَلِمَ بِسَفَهِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ - بِشِرَاءٍ أَوْ إِقْرَاضٍ ثُمَّ تَلِفَ الشَّيْءُ الْمُشْتَرَى أَوْ ضَاعَ حَقُّ الْمُقْرِضِ، فَهَل يَضْمَنُ هُوَ أَوْ الضَّمَانُ عَلَى الشَّخْصِ الْمُتَعَامِل مَعَهُ؟

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إِلَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مَرْدُودٌ وَلَوْ حَسُنَ تَصَرُّفُهُ، مَا لَمْ يَحْصُل الْفَكُّ عَنْهُ.

وَإِنْ تَعَامَل مَعَهُ أَحَدٌ وَهُوَ يَجْهَل فَأَفْعَالُهُ لاَ تُرَدُّ بِاتِّفَاقِ فُقَهَائِهِمْ.

وَإِنْ عَلِمَ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مُهْمَلًا لاَ وَلِيَّ لَهُ: فَتَصَرُّفُهُ مَاضٍ وَلاَزِمٌ، فَلاَ يُرَدُّ، وَلَوْ كَانَ بِدُونِ عِوَضٍ كَعِتْقٍ، لأَِنَّ عِلَّةَ الرَّدِّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ، وَهَذَا

_________

(١) مواهب الجليل ٥ / ٦٤، تكملة المجموع ١٣ / ٣٧٩، والمبدع ٤ / ٣٤٣.

قَوْل مَالِكٍ وَكُبَرَاءِ أَصْحَابِهِ - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ.

أَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ قَال: لاَ يَمْضِي؛ لأَِنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ لِلْحَجْرِ الْقَضَاءُ، وَعَلَى مَنْ يَتَوَلَّى عَلَيْهِ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ مُقَدَّمٍ الرَّدُّ، وَكَذَا لَهُ هُوَ الرَّدُّ بَعْدَ الرُّشْدِ.

أَمَّا بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ - فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ وَلَوْ حَسُنَ تَصَرُّفُهُ مَا لَمْ يَحْصُل الْفَكُّ عَنْهُ مِنْ وَصِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ مُقَدَّمٍ، وَهَذَا أَيْضًا عِنْدَ مَالِكٍ وَجُل أَصْحَابِهِ؛ لِوُجُودِ عِلَّةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ - وَهُوَ السَّفَهُ.

وَقَال ابْنُ الْقَاسِمِ: إِذَا رَشَدَ فَتَصَرُّفُهُ مَاضٍ قَبْل الْفَكِّ؛ لأَِنَّ الْعِلَّةَ مُجَرَّدُ السَّفَهِ وَقَدْ زَال بِرُشْدِهِ (١) .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَكُونُ مَحْجُورًا إِلاَّ بَعْدَ قَضَاءِ قَاضٍ، وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ أَقْرَضَهُ شَخْصٌ مَالًا - بَعْدَ الْحَجْرِ - أَوْ بَاعَ مِنْهُ مَتَاعًا لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لأَِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الرُّشْدِ، فَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ بَاقِيَةً رُدَّتْ، وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً لَمْ يَضْمَنْهَا. عَلِمَ بِحَالِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلاَ يَضْمَنُ قَبْل فَكِّ الْحَجْرِ وَلاَ بَعْدَهُ لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِحَالِهِ فَقَدْ

_________

(١) المواق ومواهب الجليل ٥ / ٦٦، وبلغة السالك ٢ / ١٣٠.

تَعَامَل مَعَهُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَأَنَّ مَالَهُ سَيَضِيعُ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَقَدْ فَرَّطَ حِينَ تَرَكَ اسْتِظْهَارَ أَمْرِهِ وَدَخَل فِي مُعَامَلَتِهِ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ وَعَدَمُ ضَمَانِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، هُوَ إِجْمَاعُ الشَّافِعِيَّةِ.

٧ - وَهَل يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ بَاطِنًا؛ أَيْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؟

اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

الْوَجْهُ الأَْوَّل: يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ، وَبِهِ قَال الصَّيْدَلاَنِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الأُْمِّ؛ وَذَلِكَ لأَِنَّ الْحَجْرَ لاَ يُبِيحُ لَهُ مَال غَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: لاَ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَالنَّوَوِيِّ.

وَالتَّفْصِيل السَّابِقُ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا قَبَضَ السَّفِيهُ الْمَال مِنْ رَشِيدٍ بِإِذْنِهِ وَتَلِفَ الْمَقْبُوضُ قَبْل مُطَالَبَةِ صَاحِبِهِ بِهِ.

أَمَّا لَوْ قَبَضَهُ مِنْ غَيْرِ رَشِيدٍ أَوْ مِنْ رَشِيدٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوْ تَلِفَ بَعْدَ مُطَالَبَتِهِ صَاحِبَهُ بِهِ فَإِنَّ السَّفِيهَ يَضْمَنُ دُونَ خِلاَفٍ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ مَنْ عَامَل السَّفِيهَ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مِنْ قِبَل الْقَاضِي وَأَتْلَفَ السَّفِيهُ الْمَال فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ