الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٤ الصفحة 7

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٤

وَإِلاَّ عَرَى عَنِ الْفَائِدَةِ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الاِسْتِيفَاءُ لِيَحْصُل الزَّجْرُ، وَالْفَرْضُ أَنْ لاَ قُدْرَةَ عَلَيْهِ، وَإِذَا خَرَجَ وَالْحَال أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا لِلإِْيجَابِ حَال وُجُودِهِ لَمْ يَنْقَلِبْ مُوجِبًا لَهُ حَال عَدَمِهِ.

وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ إِذَا زَنَى فِي عَسْكَرٍ لأَِمِيرِهِ وِلاَيَةُ إِقَامَةِ الْحَدِّ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَى؛ لأَِنَّهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَالْقُدْرَةُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ خَرَجَ مِنَ الْعَسْكَرِ فَدَخَل دَارَ الْحَرْبِ فَزَنَى ثُمَّ عَادَ إِلَى الْعَسْكَرِ فَإِنَّهُ لاَ يُقِيمُهُ، وَكَذَا لَوْ زَنَى فِي الْعَسْكَرِ وَالْعَسْكَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي أَيَّامِ الْمُحَارَبَةِ قَبْل الْفَتْحِ فَإِنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَهَذَا الْحُكْمُ خَاصٌّ بِمَا إِذَا كَانَ فِي الْعَسْكَرِ مَنْ لَهُ وِلاَيَةُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ، بِخِلاَفِ أَمِيرِ الْعَسْكَرِ أَوِ السَّرِيَّةِ لأَِنَّهُ إِنَّمَا فَوَّضَ لَهُمَا تَدْبِيرَ الْحَرْبِ لاَ إِقَامَةَ الْحُدُودِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلإِْمَامِ، وَوِلاَيَةُ الإِْمَامِ مُنْقَطِعَةٌ ثَمَّةَ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً مِنْ نَحْوِ رِدَّةِ الْمَحْدُودِ وَالْتِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مَنْ أَتَى حَدًّا فِي الْغَزْوِ لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ، لِمَا رَوَى جُنَادَةُ بْنُ أُمَيَّةَ قَال: كُنَّا مَعَ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ فِي الْبَحْرِ، فَأُتِيَ بِسَارِقٍ يُقَال لَهُ: مَصْدَرٌ، قَدْ سَرَقَ بُخْتِيَّةً، (١) فَقَال: قَدْ سَمِعْتُ

_________

(١) أي ناقة من إبل العجم.

رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: لاَ تُقْطَعُ الأَْيْدِي فِي السَّفَرِ (١) وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَقَطَعْتُهُ.

وَنَقَلُوا إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ مَتَى رَجَعَ إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِعُمُومِ الآْيَاتِ وَالأَْخْبَارِ، وَإِنَّمَا أُخِّرَ لِعَارِضٍ، وَقَدْ زَال.

وَإِذَا أَتَى حَدًّا فِي الثُّغُورِ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِيهَا بِغَيْرِ خِلاَفٍ، لأَِنَّهَا مِنْ بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى زَجْرِ أَهْلِهَا كَالْحَاجَةِ إِلَى زَجْرِ غَيْرِهِمْ. (٢)

٥ - أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْل مُسْلِمًا:

٢٨ - اشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ فِي حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْل مُسْلِمًا، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْكَافِرِ إِذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ طَائِعَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَيُرَدُّ إِلَى أَهْل مِلَّتِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ الْعُقُوبَةَ الشَّدِيدَةَ، وَتُحَدُّ الْمُسْلِمَةُ. وَإِنِ اسْتَكْرَهَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَةَ عَلَى الزِّنَى قُتِل.

_________

(١) حديث بسر بن أرطأة: " لا تقطع الأيدي في السفر " أخرجه أبو داود (٤ / ٥٦٣ - ٥٦٤ - تحقيق عزت عبيد دعاس)، وقال ابن حجر عن إسناده: هذا إسناد قوي كذا في فيض القدير للمناوي (٦ / ٤١٧ - ط المكتبة التجارية) .

(٢) حاشية ابن عابدين ٣ / ١٥٦ دار إحياء التراث العربي، شرح فتح القدير ٥ / ٤٦، ٤٧ دار إحياء التراث العربي، مغني المحتاج ٤ / ١٥٠ دار إحياء التراث العربي، كشاف القناع ٦ / ٨٨ عالم الكتب ١٩٨٣ م، الإنصاف ١٠ / ١٦٩ السنة المحمدية ١٩٥٧ م.

وَقَدْ وَافَقَتِ الْمَذَاهِبُ الأُْخْرَى مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمُسْتَأْمَنِ فَقَطْ.

وَهُنَاكَ تَفْصِيلٌ فِي الْمَذَاهِبِ نَذْكُرُهُ فِيمَا يَلِي: فَفِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ: قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ: لاَ يُحَدُّ الْمُسْتَأْمَنُ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، وَيُحَدُّ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، وَقَوْل أَبِي يُوسُفَ: يُحَدُّ الْجَمِيعُ. وَقَوْل مُحَمَّدٍ: لاَ يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ. فَإِذَا زَنَى الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْلِمَةِ أَوِ الذِّمِّيَّةِ فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ دُونَ الْحَرْبِيِّ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ جَمِيعًا فِي قَوْل أَبِي يُوسُفَ، وَلاَ حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي قَوْل مُحَمَّدٍ، وَتَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِالْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ لأَِنَّهُ لَوْ زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمَنَةٍ لاَ يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَدَّانِ، وَإِنْ زَنَى الْمُسْلِمُ أَوِ الذِّمِّيُّ بِالْحَرْبِيَّةِ الْمُسْتَأْمَنَةِ حُدَّ الرَّجُل فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَال أَبُو يُوسُفَ: يُحَدَّانِ جَمِيعًا.

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يُقَامُ حَدُّ الزِّنَى عَلَى الْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأْمَنِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمَا بِالأَْحْكَامِ، وَيُقَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ لاِلْتِزَامِهِ بِالأَْحْكَامِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَجَمَ رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنَ الْيَهُودِ زَنَيَا (١) . وَكَانَا قَدْ أُحْصِنَا. قَال

_________

(١) حديث: " أن النبي ﷺ رجم رجلا وامرأة من اليهود زنيا ". أخرجه البخاري (الفتح ١٢ / ١٦٦ - ط السلفية) ومسلم (٣ / ١٣٢٦ - الحلبي) من حديث ابن عمر.

الرَّمْلِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ أَهْل الذِّمَّةِ الْيَوْمَ لاَ يُحَدُّونَ عَلَى الْمَذْهَبِ كَالْمُسْتَأْمَنِ، لأَِنَّهُمْ لاَ يُجَدَّدُ لَهُمْ عَهْدٌ، بَل يَجْرُونَ عَلَى ذِمَّةِ آبَائِهِمْ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَهْل الذِّمَّةِ يُحَدُّونَ حَدَّ الزِّنَى، لأَِنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ بِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ زَنَيَا فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُول اللَّهِ ﷺ فَرُجِمَا وَيَلْزَمُ الإِْمَامَ إِقَامَةُ الْحَدِّ فِي زِنَى بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ؛ لاِلْتِزَامِهِمْ حُكْمَنَا. وَلاَ يُقَامُ حَدُّ الزِّنَى عَلَى مُسْتَأْمَنٍ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ حُكْمَنَا.

وَلأَِنَّ زِنَى الْمُسْتَأْمَنِ يَجِبُ بِهِ الْقَتْل لِنَقْضِ الْعَهْدِ، وَلاَ يَجِبُ مَعَ الْقَتْل حَدٌّ سِوَاهُ. وَهَذَا إِذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ. أَمَّا إِذَا زَنَى الْمُسْتَأْمَنُ بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. (١)

٦ - أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْل نَاطِقًا:

٢٩ - اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِي حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْل نَاطِقًا. فَلاَ يُقَامُ حَدُّ الزِّنَى عِنْدَهُمْ عَلَى الأَْخْرَسِ مُطْلَقًا، حَتَّى وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَى أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ أَوْ إِشَارَةٍ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِالزِّنَى لاَ تُقْبَل لِلشُّبْهَةِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ هَذَا الشَّرْطَ فَيَجِبُ حَدُّ

_________

(١) حاشية ابن عابدين ٣ / ١٥٤، شرح فتح القدير ٥ / ٤٨، حاشية الدسوقي ٤ / ٣١٣، القوانين الفقهية ٣٨٢ شرح الزرقاني على خليل ٨ / ٧٥ دار الفكر ١٩٧٨ م، شرح روض الطالب ٤ / ١٢٧ المكتبة الإسلامية، مغني المحتاج ٤ / ١٤٧، كشاف القناع ٦ / ٩٠، ٩١.

الزِّنَى عَلَى الأَْخْرَسِ إِذَا زَنَى (١) .

ثُبُوتُ الزِّنَى:

يَثْبُتُ الزِّنَى بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلاَثَةٍ: بِالشَّهَادَةِ، وَالإِْقْرَارِ، وَالْقَرَائِنِ.

أ - الشَّهَادَةُ:

٣٠ - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ الزِّنَى بِالشَّهَادَةِ، وَأَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ (٢) لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ (٣) وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ (٤) وقَوْله تَعَالَى: ﴿لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ (٥)

وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَال لِرَسُول اللَّهِ ﷺ: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنْ وَجَدْتُ مَعَ

_________

(١) حاشية ابن عابدين ٣ / ١٤١، جواهر الإكليل ٢ / ١٣٢ دار المعرفة، التبصرة بهامش فتح العلي ٢ / ٤٠، ٨٠ مصطفى البابي الحلبي ١٩٥٨ م، مغني المحتاج ٤ / ١٥٠، كشاف القناع ٦ / ٩٩.

(٢) حاشية ابن عابدين ٣ / ١٤٢ دار إحياء التراث العربي، حاشية الدسوقي ٤ / ٣١٩ دار الفكر، مغني المحتاج ٤ / ١٤٩ دار إحياء التراث العربي، كشاف القناع ٦ / ١٠٠ عالم الكتب ١٩٨٣ م، المغني لابن قدامة ٨ / ١٩٨ الرياض.

(٣) سورة النساء / ١٥.

(٤) سورة النور / ٤.

(٥) سورة النور / ١٣.

امْرَأَتِي رَجُلًا أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: نَعَمْ (١) .

وَيُشْتَرَطُ فِي الشُّهُودِ عَلَى الزِّنَى بِالإِْضَافَةِ إِلَى الشُّرُوطِ الْعَامَّةِ لِلشَّهَادَةِ (الْمَذْكُورَةِ فِي مُصْطَلَحِ شَهَادَةٍ) أَنْ تَتَوَافَرَ فِيهِمْ شُرُوطٌ مُعَيَّنَةٌ حَتَّى يَثْبُتَ الزِّنَى، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ:

الشَّرْطُ الأَْوَّل: الذُّكُورَةُ:

٣١ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِي شُهُودِ الزِّنَى، فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونُوا رِجَالًا كُلَّهُمْ، لِلنُّصُوصِ السَّابِقَةِ.

وَلاَ تُقْبَل شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الزِّنَى بِحَالٍ؛ لأَِنَّ لَفْظَ الأَْرْبَعَةِ اسْمٌ لِعَدَدِ الْمَذْكُورِينَ، وَيَقْتَضِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ بِأَرْبَعَةٍ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الأَْرْبَعَةَ إِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ نِسَاءً لاَ يُكْتَفَى بِهِمْ، وَأَنَّ أَقَل مَا يُجْزِئُ خَمْسَةٌ، وَهَذَا خِلاَفُ النَّصِّ: ﴿أَنْ تَضِل إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُْخْرَى﴾ (٢) وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: لاَ مَدْخَل لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ. (٣)

_________

(١) حديث أبي هريرة: " في سؤال سعد بن معاذ " أخرجه مسلم (٢ / ١١٣٥ - ط الحلبي) .

(٢) سورة البقرة / ٢٨٢.

(٣) حاشية ابن عابدين ٣ / ١٤٢، وحاشية الدسوقي ٤ / ٣١٩، ومغني المحتاج ٤ / ١٤٩، ٤٤١، وكشاف القناع ٤ / ١٤٩، والمغني ٨ / ١٩٨، ١٩٩.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً:

٣٢ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الزِّنَى لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ، لِلنُّصُوصِ السَّابِقَةِ؛ وَلأَِنَّ الزِّنَى مِنْ أَغْلَظِ الْفَوَاحِشِ فَغُلِّظَتِ الشَّهَادَةُ فِيهِ لِيَكُونَ أَسْتَرَ، وَقَدْ نَقَل ابْنُ قُدَامَةَ الإِْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَمُلُوا أَرْبَعَةً حُدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكْمُلُوا فَهُمْ قَذَفَةٌ، وَعَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ (١) وَلأَِنَّ عُمَرَ ﵁ حَدَّ الثَّلاَثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَى. وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ، وَلِئَلاَّ يَتَّخِذَ صُورَةَ الشَّهَادَةِ ذَرِيعَةً إِلَى الْوَقِيعَةِ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ.

وَعِنْدَ كُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ، أَنَّهُ لاَ يُجْلَدُ الشُّهُودُ إِذَا نَقَصَ عَدَدُهُمْ عَنْ أَرْبَعَةٍ؛ لأَِنَّهُمْ جَاءُوا شَاهِدِينَ لاَ هَاتِكِينَ. (٢)

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ:

٣٣ - اشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَى أَنْ تَكُونَ فِي

_________

(١) سورة النور / ٤.

(٢) حاشية ابن عابدين ٣ / ١٤٢، والفتاوى الهندية ٢ / ١٥١، المطبعة الأميرية ١٣١٠ هـ، حاشية الدسوقي ٤ / ٣١٩، ٣٨٥، مغني المحتاج ٤ / ١٤٩، ١٥٦، كشاف القناع ٦ / ١٠١، المغني ٨ / ١٩٨ - ٢٠١.

مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ شَهِدَ بَعْضُ الأَْرْبَعَةِ فِي مَجْلِسٍ، وَبَعْضُهُمْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُمْ، وَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ. كَمَا اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ أَنْ يَأْتِيَ الشُّهُودُ مُجْتَمِعِينَ إِلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَوِ اجْتَمَعُوا خَارِجَ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ وَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ، أَمَّا لَوْ كَانُوا قُعُودًا فِي مَوْضِعِ الشُّهُودِ فَقَامَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَشَهِدَ، فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ بَعْدَ إِتْيَانِهِمْ مَحَل الْحَاكِمِ جَمِيعًا فَإِنَّهُمْ يُفَرَّقُونَ وُجُوبًا لِيَسْأَل كُل وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ، فَإِنِ اخْتَلَفُوا أَوْ بَعْضُهُمْ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَحُدُّوا.

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحَنَابِلَةُ إِتْيَانَهُمْ مُجْتَمِعِينَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَأْتُوا مُتَفَرِّقِينَ لِقِصَّةِ الْمُغِيرَةِ، فَإِنَّهُمْ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ، وَسُمِعَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَإِنَّمَا حُدُّوا لِعَدَمِ كَمَالِهَا. عَلَى أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُمْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ جَاءَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ أَنْ قَامَ الْحَاكِمُ مِنْ مَجْلِسِهِ فَهُمْ قَذَفَةٌ؛ لأَِنَّ شَهَادَتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلاَ صَحِيحَةٌ، وَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ.

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الشَّافِعِيَّةُ هَذَا الشَّرْطَ فَيَسْتَوِي عِنْدَهُمْ أَنْ يَأْتِيَ الشُّهُودُ مُتَفَرِّقِينَ أَوْ مُجْتَمِعِينَ، وَأَنْ تُؤَدَّى الشَّهَادَةُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَجْلِسٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ

شُهَدَاءَ﴾ (١) . وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَجْلِسَ. وَقَال تَعَالَى: ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ﴾ . (٢) وَلأَِنَّ كُل شَهَادَةٍ مَقْبُولَةٌ إِنِ اتَّفَقَتْ، تُقْبَل إِذَا افْتَرَقَتْ فِي مَجَالِسَ، كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ. (٣)

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: تَفْصِيل الشَّهَادَةِ:

٣٤ - يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ الزِّنَى التَّفْصِيل، فَيَصِفُ الشُّهُودُ كَيْفِيَّةَ الزِّنَى، فَيَقُولُونَ: رَأَيْنَاهُ مُغَيِّبًا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا، أَوْ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ أَوْ قَدْرَهَا - إِنْ كَانَ مَقْطُوعَهَا - فِي فَرْجِهَا كَالْمِيل فِي الْمُكْحُلَةِ، أَوِ الرِّشَاءِ فِي الْبِئْرِ، لأَِنَّهُ إِذَا اعْتَبَرَ التَّصْرِيحَ فِي الإِْقْرَارِ كَانَ اعْتِبَارُهُ فِي الشَّهَادَةِ أَوْلَى؛ وَلأَِنَّهُ قَدْ يَعْتَقِدُ الشَّاهِدُ مَا لَيْسَ بِزِنًى زِنًى، فَاعْتُبِرَ ذِكْرُ صِفَتِهِ. كَمَا يُبَيِّنُ الشُّهُودُ كَيْفِيَّتَهُمَا مِنَ اضْطِجَاعٍ أَوْ جُلُوسٍ أَوْ قِيَامٍ، أَوْ هُوَ فَوْقَهَا أَوْ تَحْتَهَا.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا سَأَلَهُمُ الْقَاضِي فَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى قَوْلِهِمْ: إِنَّهُمَا زَنَيَا، فَإِنَّهُ لاَ يَحُدُّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَلاَ الشُّهُودَ. وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - لاَ بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ

_________

(١) سورة النور / ١٣.

(٢) سورة النساء / ١٥.

(٣) حاشية ابن عابدين ٣ / ١٤٢، الفتاوى الهندية ٢ / ١٥٢ المطبعة الأميرية ١٣١٠ هـ، حاشية الدسوقي ٤ / ١٨٥، القليوبي وعميرة ٤ / ٣٢٤ ط عيسى البابي الحلبي، مغني المحتاج ٤ / ١٤٩، كشاف القناع ٦ / ١٠٠، المغني ٨ / ٢٠٠.

الْمَرْأَةِ، فَلَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لاَ يَعْرِفُونَهَا لَمْ يُحَدَّ؛ لاِحْتِمَال أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ، بَل هُوَ الظَّاهِرُ.

كَمَا لاَ بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْبَلَدِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَكَذَا تَعْيِينُ الْمَكَانِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، كَكَوْنِهَا فِي رُكْنِ الْبَيْتِ الشَّرْقِيِّ أَوِ الْغَرْبِيِّ، أَوْ وَسَطِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَلاَ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمَكَانِ فِي الْبَيْتِ الْوَاحِدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ فِيهِ حُدَّ الرَّجُل وَالْمَرْأَةُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْحَدُّ لاِخْتِلاَفِ الْمَكَانِ حَقِيقَةً وَهُوَ قَوْل زُفَرَ، وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْل فِي زَاوِيَةٍ وَالاِنْتِهَاءُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى بِالاِضْطِرَابِ، أَوْ لأَِنَّ الْوَاقِعَ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ فَيَحْسِبُهُ مَنْ فِي الْمُقَدَّمِ فِي الْمُقَدَّمِ، وَمَنْ فِي الْمُؤَخَّرِ فِي الْمُؤَخَّرِ فَيَشْهَدُ بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُ، وَهَذَا فِي الْبَيْتِ الصَّغِيرِ، أَمَّا فِي الْبَيْتِ الْكَبِيرِ فَلاَ بُدَّ مِنَ التَّعْيِينِ.

وَلاَ بُدَّ أَيْضًا مِنْ تَعْيِينِ الزَّمَانِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، لِتَكُونَ الشَّهَادَةُ مِنْهُمْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا شَهِدَ بِهِ أَحَدُهُمْ غَيْرَ مَا شَهِدَ بِهِ الآْخَرُ. فَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَى فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَنَّهُ زَنَى بِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا يَوْمَ السَّبْتِ فَإِنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. وَكَذَا لاَ تُقْبَل الشَّهَادَةُ فِيمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ