الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٤
مِنْهُمَا، أَوْ بِمُصَاهَرَةٍ كَمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ، فَلاَ حَدَّ بِوَطْئِهَا فِي الأَْظْهَرِ؛ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ. قَال الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَمَحَل ذَلِكَ فِيمَنْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا كَأُخْتِهِ. أَمَّا مَنْ لاَ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا كَالأُْمِّ وَالْجَدَّةِ فَهُوَ زَانٍ قَطْعًا. وَكَذَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ، أَوْ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ، أَوِ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ غَيْرِهِ، أَوِ الْمَجُوسِيَّةَ وَالْوَثَنِيَّةَ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَسْلَمَتْ أَمَةُ ذِمِّيٍّ فَوَطِئَهَا قَبْل أَنْ تُبَاعَ. وَأَمَّا الشُّبْهَةُ فِي الْفَاعِل، فَمِثْل أَنْ يَجِدَ امْرَأَةً فِي فِرَاشِهِ فَيَطَؤُهَا ظَانًّا أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ ظَنَّ ذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَلَوْ ظَنَّهَا جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ فَكَانَتْ غَيْرَهَا فَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ لأَِنَّهُ عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَكَانَ عَلَيْهِ الاِمْتِنَاعُ. وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ مِنَ احْتِمَالَيْنِ. وَجَزَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِسُقُوطِهِ. وَيَدْخُل فِي شُبْهَةِ الْفَاعِل الْمُكْرَهُ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ. وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وَأَمَّا الشُّبْهَةُ فِي الْجِهَةِ: فَهِيَ كُل طَرِيقٍ صَحَّحَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَأَبَاحَ الْوَطْءَ بِهَا فَلاَ حَدَّ فِيهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ يَعْتَقِدُ التَّحْرِيمَ نَظَرًا لاِخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ. فَلاَ حَدَّ فِي الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ بِلاَ وَلِيٍّ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَبِلاَ شُهُودٍ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ. وَلاَ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ كَمَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِشُبْهَةِ الْخِلاَفِ.
ثُمَّ إِنَّ مَحَل الْخِلاَفِ فِي النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ أَنْ لاَ يُقَارِنَهُ حُكْمٌ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. فَإِنْ قَارَنَهُ
حُكْمٌ قَاضٍ بِبُطْلاَنِهِ حُدَّ قَطْعًا، أَوْ حُكْمٌ قَاضٍ بِصِحَّتِهِ لَمْ يُحَدَّ قَطْعًا.
وَقَدْ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الضَّابِطَ فِي الشُّبْهَةِ قُوَّةُ الْمُدْرِكِ لاَ عَيْنُ الْخِلاَفِ. فَلَوْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ حُدَّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ حُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ حِل ذَلِكَ.
وَصَرَّحَ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْخِلاَفُ مِنْ عَالِمٍ يُعْتَدُّ بِخِلاَفِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْهُ الْفَاعِل. (١)
د - الشُّبْهَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ:
٢١ - لَمْ يُقَسِّمِ الْحَنَابِلَةُ الشُّبْهَةَ إِلَى أَنْوَاعٍ كَالْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا لَهَا أَمْثِلَةً فَقَالُوا: لاَ حَدَّ عَلَى الأَْبِ إِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ سَوَاءٌ وَطِئَهَا الاِبْنُ أَوْ لاَ؛ لأَِنَّهُ وَطْءٌ تَمَكَّنَتِ الشُّبْهَةُ فِيهِ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي مِلْكِ وَلَدِهِ لِحَدِيثِ أَنْتَ وَمَالُكَ لأَِبِيكَ. وَلاَ حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ، أَوْ لِوَلَدِهِ فِيهَا شِرْكٌ، أَوْ لِمُكَاتَبِهِ فِيهَا شِرْكٌ؛ لِلْمِلْكِ أَوْ شُبْهَتِهِ، وَلاَ حَدَّ إِنْ وَطِئَ أَمَةً كُلَّهَا لِبَيْتِ الْمَال أَوْ بَعْضَهَا لِبَيْتِ الْمَال وَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ، لأَِنَّ لَهُ حَقًّا فِي بَيْتِ الْمَال. وَلاَ حَدَّ إِنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ دُبُرٍ؛ لأَِنَّ الْوَطْءَ قَدْ صَادَفَ مِلْكًا، وَإِنْ وَطِئَ امْرَأَةً
_________
(١) روضة الطالبين ١٠ / ٩٢ المكتب الإسلامي، شرح روض الطالب ٤ / ١٢٦ المكتبة الإسلامية، مغني المحتاج ٤ / ١٤٤، ١٤٥ دار إحياء التراث العربي، نهاية المحتاج ٧ / ٤٢٤، ٤٢٥ مصطفى البابي الحلبي ١٩٦٧ م.
عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ فِي مَنْزِلِهِ ظَنَّهَا امْرَأَتَهُ أَوْ زُفَّتْ إِلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يُقَل لَهُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ. وَلَوْ دَعَا ضَرِيرٌ امْرَأَتَهُ فَأَجَابَتْهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا فَوَطِئَهَا فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ. بِخِلاَفِ مَا لَوْ دَعَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ فَأَجَابَهُ غَيْرُهَا فَوَطِئَهَا يَظُنُّهَا الْمَدْعُوَّةَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْمَدْعُوَّةُ مِمَّنْ لَهُ فِيهَا شُبْهَةٌ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ أَمْ لَمْ يَكُنْ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُعْذَرُ بِهَذَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَل رَجُلًا يَظُنُّهُ ابْنَهُ فَبَانَ أَجْنَبِيًّا. وَإِنْ وَطِئَ أَمَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ أَوِ الْوَثَنِيَّةَ أَوِ الْمُرْتَدَّةَ أَوِ الْمُعْتَدَّةَ، أَوِ الْمُزَوَّجَةَ، أَوْ فِي مُدَّةِ اسْتِبْرَائِهَا فَلاَ حَدَّ، لأَِنَّهَا مِلْكُهُ. وَإِنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَالنِّكَاحِ بِلاَ وَلِيٍّ، أَوْ بِلاَ شُهُودٍ، وَنِكَاحِ الشِّغَارِ، وَنِكَاحِ الْمُحَلِّل، وَنِكَاحِ الأُْخْتِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا، وَنَحْوِهَا، وَنِكَاحِ الْبَائِنِ مِنْهُ، وَنِكَاحِ خَامِسَةٍ فِي عِدَّةِ رَابِعَةٍ لَمْ تَبِنْ، وَنِكَاحِ الْمَجُوسِيَّةِ، وَعَقْدِ الْفُضُولِيِّ وَلَوْ قَبْل الإِْجَازَةِ، سَوَاءٌ اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ أَمْ لاَ.
هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأَْصْحَابِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ، أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ إِذَا اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ.
وَإِنْ جَهِل نِكَاحًا بَاطِلًا إِجْمَاعًا كَخَامِسَةٍ فَلاَ حَدَّ لِلْعُذْرِ، وَيُقْبَل مِنْهُ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا. أَمَّا إِذَا عَلِمَ بِبُطْلاَنِهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. وَلاَ حَدَّ فِي الْوَطْءِ فِي شِرَاءٍ فَاسِدٍ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَوِ
اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ لِلشُّبْهَةِ؛ لأَِنَّ الْبَائِعَ بِإِقْبَاضِهِ الأَْمَةَ كَأَنَّهُ أَذِنَهُ فِي فِعْل مَا يَمْلِكُهُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَمِنْهُ الْوَطْءُ، أَمَّا قَبْل الْقَبْضِ فَيُحَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ. كَمَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي وَطْءِ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إِذَا كَانَ يَعْتَقِدُ التَّحْرِيمَ وَيَعْلَمُ انْتِقَال الْمِلْكِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ. (١)
٥ - مِنْ شُرُوطِ حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْل مُخْتَارًا:
٢٢ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُكْرَهَةِ عَلَى الزِّنَى لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (٢) . وَعَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً اسْتُكْرِهَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ. (٣) وَلأَِنَّ هَذَا شُبْهَةٌ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِهَا.
وَقَدْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الإِْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ.
_________
(١) كشاف القناع ٦ / ٩٦، ٩٧ عالم الكتب ١٩٨٣ م، مطالب أولي النهى ٦ / ١٨٣، ١٨٤، المكتب الإسلامي ١٩٦١ م.
(٢) حديث: " تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ". أخرجه الحاكم (٢ / ١٩٨ - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث ابن عباس وصححه، ووافقه الذهبي.
(٣) حديث وائل: " أن امرأة استكرهت على عهد النبي ﷺ. . . " أخرجه ابن أبي شيبة (٩ / ٥٥٠ - ط السلفية - بمبي) وعنه البيهقي (٨ / ٢٣٥ - ط دائرة المعارف العثمانية)، وأعله بالانقطاع في موضعين في سنده.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الرَّجُل إِذَا أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَى. فَذَهَبَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُخْتَارِ وَالَّذِي بِهِ الْفَتْوَى وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ إِلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى الرَّجُل الْمُكْرَهِ عَلَى الزِّنَى لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِشُبْهَةِ الإِْكْرَاهِ.
وَذَهَبَ الأَْكْثَرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ - وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ - وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْمُكْرَهِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْوَطْءَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالاِنْتِشَارِ الْحَادِثِ بِالاِخْتِيَارِ.
وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ إِكْرَاهِ السُّلْطَانِ وَإِكْرَاهِ غَيْرِهِ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ فِي إِكْرَاهِ السُّلْطَانِ؛ لأَِنَّ سَبَبَهُ الْمُلْجِئَ قَائِمٌ ظَاهِرًا، وَالاِنْتِشَارُ دَلِيلٌ مُتَرَدِّدٌ؛ لأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ؛ لأَِنَّ الاِنْتِشَارَ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا لاَ طَوْعًا، كَمَا فِي النَّائِمِ، فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَعَلَيْهِ الْحَدُّ إِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُ السُّلْطَانِ، لأَِنَّ الإِْكْرَاهَ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ لاَ يَدُومُ إِلاَّ نَادِرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الاِسْتِعَانَةِ بِالسُّلْطَانِ أَوْ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيُمْكِنُهُ دَفْعُهُ بِنَفْسِهِ بِالسِّلاَحِ. وَالنَّادِرُ لاَ حُكْمَ لَهُ فَلاَ يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ، بِخِلاَفِ السُّلْطَانِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ الاِسْتِعَانَةُ بِغَيْرِهِ وَلاَ الْخُرُوجُ بِالسِّلاَحِ عَلَيْهِ فَافْتَرَقَا. وَالْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَوْل الصَّاحِبَيْنِ. قَال مَشَايِخُ الْحَنَفِيَّةِ: وَهَذَا اخْتِلاَفُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، فَفِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ مِنَ الْقُوَّةِ مَا لاَ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالسُّلْطَانِ،
وَفِي زَمَنِهِمَا ظَهَرَتِ الْقُوَّةُ لِكُل مُتَغَلِّبٍ فَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا. (١)
ثَانِيًا: الشُّرُوطُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا:
١ - اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمَوْطُوءَةِ حَيَّةً:
٢٣ - اشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) فِي وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَى أَنْ تَكُونَ الْمَوْطُوءَةُ حَيَّةً، فَلاَ يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُمْ بِوَطْءِ الْمَيْتَةِ؛ لأَِنَّ الْحَدَّ إِنَّمَا وَجَبَ لِلزَّجْرِ، وَهَذَا مِمَّا يَنْفِرُ الطَّبْعُ عَنْهُ، فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى الزَّجْرِ عَنْهُ بِحَدٍّ لِزَجْرِ الطَّبْعِ عَنْهُ. وَفِيهِ التَّعْزِيرُ عِنْدَهُمْ.
وَيُعَبِّرُ الشَّافِعِيَّةُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ بِالْفَرْجِ الْمُشْتَهَى طَبْعًا، وَهُوَ فَرْجُ الآْدَمِيِّ الْحَيِّ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ فَيَجِبُ عِنْدَهُمُ الْحَدُّ بِوَطْءِ الْمَيْتَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي قُبُلِهَا أَوْ دُبُرِهَا. وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجَ فَلاَ يُحَدُّ بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ الْمَيْتَةِ. وَاسْتَثْنَوْا كَذَلِكَ الْمَرْأَةَ إِذَا أَدْخَلَتْ ذَكَرَ مَيْتٍ غَيْرَ زَوْجٍ فِي فَرْجِهَا فَلاَ تُحَدُّ لِعَدَمِ اللَّذَّةِ (٢) .
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٣ / ١٥٧ دار إحياء التراث العربي، فتح القدير ٥ / ٥٢ دار إحياء التراث العربي، حاشية الدسوقي ٤ / ٣١٨ دار الفكر، نهاية المحتاج ٧ / ٤٢٥ مصطفى البابي الحلبي ١٩٦٧ م، مغني المحتاج ٤ / ١٤٥ دار إحياء التراث العربي، كشاف القناع ٦ / ٩٧ عالم الكتب ١٩٨٣ م، الإنصاف ١٠ / ١٨٢ مطبعة السنة المحمدية ١٩٥٧ م.
(٢) شرح فتح القدير ٥ / ٤٥ دار إحياء التراث العربي، حاشية الدسوقي ٤ / ٣١٤ دار الفكر، مغني المحتاج ٤ / ١٤٤، ١٤٥ دار إحياء التراث العربي، كشاف القناع ٦ / ٩٨ عالم الكتب ١٩٨٣ م.
كَوْنُ الْمَوْطُوءَةِ امْرَأَةً:
٢٤ - اشْتَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي حَدِّ الزِّنَى أَنْ تَكُونَ الْمَوْطُوءَةُ امْرَأَةً. فَلاَ حَدَّ عِنْدَهُ فِيمَنْ عَمِل عَمَل قَوْمِ لُوطٍ، وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ وَيُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ، وَلَوِ اعْتَادَ اللِّوَاطَةَ قَتَلَهُ الإِْمَامُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مِحْصَنٍ سِيَاسَةً. أَمَّا الْحَدُّ الْمُقَدَّرُ شَرْعًا فَلَيْسَ حُكْمًا لَهُ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِزِنًى وَلاَ فِي مَعْنَاهُ فَلاَ يَثْبُتُ فِيهِ حَدٌّ.
وَلَمْ يَشْتَرِطْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ هَذَا الشَّرْطَ، فَذَهَبَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حَدَّ الزِّنَى عَلَى الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ جَلْدًا إِنْ لَمْ يَكُنْ أُحْصِنَ، وَرَجْمًا إِنْ أُحْصِنَ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُمَا يُرْجَمَانِ حَدًّا أُحْصِنَا أَمْ لاَ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْفَاعِل. أَمَّا الْمَفْعُول بِهِ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ؛ لأَِنَّ الْمَحَل لاَ يُتَصَوَّرُ فِيهِ إِحْصَانٌ. (١)
_________
(١) شرح فتح القدير ٥ / ٤٣، والكفاية على الهداية بذيل الفتح ٥ / ٤٣ وما بعدها دار إحياء التراث العربي، وحاشية ابن عابدين ٣ / ١٥٥، دار إحياء التراث العربي، وحاشية الدسوقي ٤ / ٣١٤ - ٣٢٠ دار الفكر، مغني المحتاج ٤ / ١٤٤ دار إحياء التراث العربي، كشاف القناع ٦ / ٩٤ عالم الكتب ١٩٨٣ م.
وَطْءُ الْبَهِيمَةِ:
٢٥ - ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى مَنْ أَتَى بَهِيمَةً لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قَال: مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ (١) . وَمِثْل هَذَا لاَ يَقُولُهُ إِلاَّ عَنْ تَوْقِيفٍ، وَلأَِنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَأْبَاهُ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى زَجْرٍ بِحَدٍّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ: إِنَّهُ يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ آخَرُ: بِأَنَّهُ يُقْتَل مُطْلَقًا مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ.
وَمِثْل وَطْءِ الْبَهِيمَةِ مَا لَوْ مَكَّنَتِ امْرَأَةٌ حَيَوَانًا مِنْ نَفْسِهَا حَتَّى وَطِئَهَا فَلاَ حَدَّ عَلَيْهَا بَل تُعَزَّرُ.
وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ) أَنَّهُ لاَ تُقْتَل الْبَهِيمَةُ، وَإِذَا قُتِلَتْ فَإِنَّهَا يَجُوزُ أَكْلُهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إِنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَمَنَعَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَكْلَهَا. وَقَالاَ: تُذْبَحُ وَتُحْرَقُ. وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِكَرَاهَةِ الاِنْتِفَاعِ بِهَا حَيَّةً وَمَيِّتَةً.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْبَهِيمَةَ تُقْتَل سَوَاءٌ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَأْكُولَةً أَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ. وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَال: مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ
_________
(١) أثر ابن عباس: " من أتى بهيمة فلا حد عليه " أخرجه ابن أبي شيبة (١٠ / ٥ - ط الدار السلفية - بمبي) .
فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ. (١) وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ آخَرُ: إِنَّهَا تُذْبَحُ إِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً، وَصَرَّحُوا بِحُرْمَةِ أَكْلِهَا إِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا يُؤْكَل. (٢)
٣ - كَوْنُ الْوَطْءِ فِي الْقُبُل:
٢٦ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَى عَلَى مَنْ أَتَى امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا، لأَِنَّهُ فَرْجٌ أَصْلِيٌّ كَالْقُبُل.
وَخَصَّ الشَّافِعِيَّةُ الْحَدَّ بِالْفَاعِل فَقَطْ. أَمَّا الْمَفْعُول بِهَا فَإِنَّهَا تُجْلَدُ وَتُغَرَّبُ، مُحْصَنَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ؛ لأَِنَّ الْمَحَل لاَ يُتَصَوَّرُ فِيهِ إِحْصَانٌ.
وَاشْتَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ فِي الْقُبُل فَلاَ يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُ عَلَى مَنْ أَتَى امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا، وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ.
ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ. أَمَّا إِتْيَانُ الرَّجُل زَوْجَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَلاَ حَدَّ فِيهِ اتِّفَاقًا، وَيُعَزَّرُ فَاعِلُهُ لاِرْتِكَابِهِ
_________
(١) حديث ابن عباس: " من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة ". أخرجه أحمد (١ / ٢٦٩ - ط الميمنية) وصححه ابن عبد الهادي المقدسي في المحرر في الحديث (٢ / ٦٢٤ - ط دار المعرفة) .
(٢) حاشية ابن عابدين ٣ / ١٥٥ دار إحياء التراث العربي، شرح فتح القدير ٥ / ٤٥، حاشية الدسوقي ٤ / ٣١٦، مغني المحتاج ٤ / ١٤٥، شرح روض الطالب ٤ / ١٢٦ المكتبة الإسلامية، كشاف القناع ٦ / ٩٥، الإنصاف ١٠ / ١٧٨ مطبعة السنة المحمدية ١٩٥٧ م.
مَعْصِيَةً. وَقَصَرَ الشَّافِعِيَّةُ التَّعْزِيرَ عَلَى مَا إِذَا تَكَرَّرَ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ فَلاَ تَعْزِيرَ فِيهِ. (١)
٤ - كَوْنُ الْوَطْءِ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ:
٢٧ - اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِي وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ الزِّنَى فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ. فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوِ الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ وَأَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِهِ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَصَابَ بِهَا حَدًّا ثُمَّ هَرَبَ فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَإِنَّهُ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. (٢)
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقَامَ عَلَى أَحَدٍ حَدٌّ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ.
وَلأَِنَّ الْوُجُوبَ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ، وَلاَ قُدْرَةَ لِلإِْمَامِ عَلَيْهِ حَال كَوْنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلاَ وُجُوبَ
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٣ / ١٥٥ دار إحياء التراث العربي، شرح فتح القدير ٥ / ٤٣ دار إحياء التراث العربي، حاشية الدسوقي ٤ / ٣١٤ دار الفكر، مغني المحتاج ٤ / ١٤٤ دار إحياء التراث العربي، كشاف القناع ٦ / ٩٤ عالم الكتب ١٩٨٣ م.
(٢) حديث: " من زنى أو سرق في دار الحرب. . . " ذكره محمد بن الحسن الشيباني في كتاب السير (٥ / ١٨٥٢ - ط مطبعة شركة الإعلانات الشرقية) من حديث عطية بن قيس الكلابي مرفوعا بلفظ: " إذا هرب الرجل، وقد قتل أو زنى أو سرق إلى العدو ثم أخذ أمانا على نفسه، فإنه يقام