الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٤ الصفحة 8

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٤

أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي سَاعَةٍ أُخْرَى. (١)

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَصَالَةُ الشَّهَادَةِ:

٣٥ - اشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي شُهُودِ الزِّنَى الأَْصَالَةَ، فَلاَ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَى؛ لأَِنَّ الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السِّتْرِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا شُبْهَةٌ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا اجْتِمَاعُ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ وَالْكَذِبِ فِي شُهُودِ الْفَرْعِ مَعَ احْتِمَال ذَلِكَ فِي شُهُودِ الأَْصْل، وَهَذَا احْتِمَالٌ زَائِدٌ لاَ يُوجَدُ فِي شُهُودِ الأَْصْل، وَلأَِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ إِنَّمَا تُقْبَل لِلْحَاجَةِ، وَلاَ حَاجَةَ إِلَيْهَا فِي الْحَدِّ، لأَِنَّ سِتْرَ صَاحِبِهِ أَوْلَى مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ.

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْمَالِكِيَّةُ هَذَا الشَّرْطَ فَتَجُوزُ عِنْدَهُمُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَى بِشَرْطِ أَنْ يَنْقُل عَنْ كُل شَاهِدٍ أَصِيلٍ شَاهِدَانِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْقُل الشَّاهِدَانِ عَنْ شَاهِدٍ وَاحِدٍ أَوْ عَنْ شَاهِدَيْنِ،

_________

(١) حاشية ابن عابدين ٣ / ١٤٣ دار إحياء التراث العربي، شرح فتح القدير ٥ / ٦١ وما بعدها دار إحياء التراث العربي، الفتاوى الهندية ٢ / ١٥٢ المطبعة الأميرية ١٣١٠هـ، وحاشية الدسوقي ٤ / ١٨٥ دار الفكر، مغني المحتاج ٤ / ١٤٩ دار إحياء التراث العربي، نهاية المحتاج ٧ / ٤٢٩ ط. مصطفى البابي الحلبي ١٩٦٧ م، وكشاف القناع ٦ / ١٠١، ٤١٠، عالم الكتب ١٩٨٣ م، والمغني ٨ / ١٩٩ ط الرياض.

وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدَيْنِ النَّاقِلَيْنِ أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا أَصِيلًا، فَيَجُوزُ فِي الزِّنَى أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ، أَوْ يَشْهَدَ كُل اثْنَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ، أَوْ شَهَادَةِ اثْنَيْنِ، أَوْ يَشْهَدَ ثَلاَثَةٌ عَلَى ثَلاَثَةٍ، وَيَشْهَدَ اثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ الرَّابِعِ، وَإِذَا نَقَل اثْنَانِ عَنْ ثَلاَثَةٍ وَعَنِ الرَّابِعِ اثْنَانِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلاَفًا لاِبْنِ الْمَاجِشُونِ؛ وَوَجْهُ عَدَمِ صِحَّتِهَا أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الْفَرْعُ إِلاَّ حَيْثُ تَصِحُّ شَهَادَةُ الأَْصْل لَوْ حَضَرَ، وَالرَّابِعُ الَّذِي نَقَل عَنْهُ الاِثْنَانِ الآْخَرَانِ لَوْ حَضَرَ مَا صَحَّتْ شَهَادَتُهُ مَعَ الاِثْنَيْنِ النَّاقِلَيْنِ عَنِ الثَّلاَثَةِ لِنَقْصِ الْعَدَدِ، قَال الدُّسُوقِيُّ: وَيُحْتَمَل أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ؛ لأَِنَّ عَدَدَ الْفَرْعِ فِيهَا نَاقِصٌ عَنْ عَدَدِ الأَْصْل حَيْثُ نَقَل عَنِ الثَّلاَثَةِ اثْنَانِ فَقَطْ، وَالْفَرْعُ لاَ يَنْقُصُ عَنِ الأَْصْل لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَنِيَابَتِهِ مَنَابَهُ. كَمَا يَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ التَّلْفِيقُ بَيْنَ شُهُودِ الأَْصْل وَالْفَرْعِ، كَأَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ عَلَى رُؤْيَةِ الزِّنَى، وَيَنْقُل اثْنَانِ عَنْ كُل وَاحِدٍ مِنَ الاِثْنَيْنِ الآْخَرَيْنِ (١) .

شَهَادَةُ الزَّوْجِ عَلَى الزِّنَى:

٣٦ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ

_________

(١) شرح فتح القدير ٥ / ٦٨ دار إحياء التراث العربي، حاشية الدسوقي ٤ / ٢٠٥ دار الفكر، مغني المحتاج ٤ / ٤٥٣ دار إحياء التراث العربي، كشاف القناع ٦ / ٤٣٨ عالم الكتب ١٩٨٣ م.

وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى عَدَمِ قَبُول شَهَادَةِ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالزِّنَى لِلتُّهْمَةِ، إِذْ أَنَّهُ بِشَهَادَتِهِ عَلَيْهَا مُقِرٌّ بِعَدَاوَتِهِ؛ وَلأَِنَّهَا دَعْوَى خِيَانَتِهَا فِرَاشَهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى قَبُول شَهَادَةِ الزَّوْجِ؛ لأَِنَّ التُّهْمَةَ مَا تُوجِبُ جَرَّ نَفْعٍ، وَالزَّوْجُ مُدْخِلٌ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ لُحُوقَ الْعَارِ وَخُلُوَّ الْفِرَاشِ، خُصُوصًا إِذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا أَوْلاَدٌ صِغَارٌ. (١)

وَانْظُرِ الشَّهَادَةَ بِالزِّنَى الْقَدِيمِ، فِي مُصْطَلَحِ (حُدُودٍ ف ٢٤) الْمَوْسُوعَةُ ١٧ / ١٣٧.

وَأَمَّا بَقِيَّةُ مَسَائِل الشَّهَادَةِ كَرُجُوعِ الشُّهُودِ، وَظُهُورِ عَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشُّهُودِ، وَاخْتِلاَفِ الشُّهُودِ فِي الشَّهَادَةِ، وَتَعَارُضِ الشَّهَادَاتِ، وَأَثَرِ تَعَهُّدِ النَّظَرِ فِي قَبُول الشَّهَادَةِ، فَتَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ: (شَهَادَةٍ) .

ب - الإِْقْرَارُ:

٣٧ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ الزِّنَى بِالإِْقْرَارِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارَيْهِمَا (٢) . وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الإِْقْرَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلاَ يُكْتَفَى

_________

(١) شرح فتح القدير ٥ / ٥ دار إحياء التراث العربي، حاشية الدسوقي ٤ / ١٦٨ دار الفكر، روضة الطالبين ١١ / ٢٣٧ المكتب الإسلامي ١٩٧٥ م، كشاف القناع ٦ / ١٠١ عالم الكتب ١٩٨٣ م.

(٢) حديث: " رجم ماعز والغامدية بإقراريهما ". أخرجه مسلم (٣ / ١٣٢١ - ١٣٢٢ - ط الحلبي) .

بِالإِْقْرَارِ مُرَّةً وَاحِدَةً، وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ اشْتِرَاطَ كَوْنِهَا فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ دُونَ مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَذَلِكَ بِأَنْ يَرُدَّهُ الْقَاضِي كُلَّمَا أَقَرَّ فَيَذْهَبَ حَيْثُ لاَ يَرَاهُ ثُمَّ يَجِيءَ فَيُقِرَّ، وَيَسْتَوِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنْ تَكُونَ الأَْقَارِيرُ الأَْرْبَعَةُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَوْ مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى الاِكْتِفَاءِ بِالإِْقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ اكْتَفَى مِنَ الْغَامِدِيَّةِ بِإِقْرَارِهَا مُرَّةً وَاحِدَةً.

وَيُشْتَرَطُ فِي الإِْقْرَارِ أَنْ يَكُونَ مُفَصِّلًا مُبَيِّنًا لِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ لِتَزُول التُّهْمَةُ وَالشُّبْهَةُ. (١) وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِمَاعِزٍ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ؟ قَال: لاَ يَا رَسُول اللَّهِ، قَال: أَنِكْتَهَا؟ لاَ يُكَنِّي فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: قَال: حَتَّى غَابَ ذَلِكَ مِنْكَ فِي ذَلِكَ مِنْهَا؟ قَال: نَعَمْ، قَال: كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: فَهَل تَدْرِي مَا الزِّنَى؟ قَال: نَعَمْ أَتَيْتُ مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُل مِنَ امْرَأَتِهِ حَلاَلًا. (٢)

_________

(١) شرح فتح القدير ٥ / ٤،٨ دار إحياء التراث العربي، حاشية الدسوقي ٤ / ٣١٨ دار الفكر، مغني المحتاج ٤ / ١٥٠ دار إحياء التراث العربي، كشاف القناع ٦ / ٩٨ عالم الكتب ١٩٨٣ م، المغني لابن قدامة ٨ / ١٩١، ١٩٣ الرياض.

(٢) حديث: " استجواب ماعز. . . " أخرج الرواية الأولى البخاري (الفتح ١٢ / ١٣٥ - ط السلفية) وأخرج الأخرى أبو داود (٤ / ٥٨٠ - تحقيق عزت عبيد دعاس) .

وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (حُدُودٍ) ف ٢٦ الْمَوْسُوعَةُ ١٧ / ١٣٨، وَمُصْطَلَحَ: (إِقْرَارٍ) ف ١٢ وَمَا بَعْدَهَا، ٦ / ٤٩، وَانْظُرْ أَيْضًا الشُّبْهَةَ بِتَقَادُمِ الإِْقْرَارِ، وَالرُّجُوعَ فِي الإِْقْرَارِ فِي مُصْطَلَحِ: (إِقْرَارٍ) ف ٥٧ وَمَا بَعْدَهَا الْمَوْسُوعَةُ ٦ / ٧١

الْبَيِّنَةُ عَلَى الإِْقْرَارِ:

٣٨ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِالْبَيِّنَةِ - الشَّهَادَةِ - عَلَى الإِْقْرَارِ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الإِْقْرَارِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُقْبَل الشَّهَادَةُ عَلَى الإِْقْرَارِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إِقْرَارِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَلاَ يُحَدُّ، مِثْل الرُّجُوعِ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالزِّنَى أَرْبَعًا، يَثْبُتُ الزِّنَى لِوُجُودِ الإِْقْرَارِ بِهِ أَرْبَعًا، وَلاَ يَثْبُتُ الإِْقْرَارُ بِالزِّنَى بِدُونِ أَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى الإِْقْرَارِ بِهِ مِنَ الرِّجَال. فَإِنْ أَنْكَرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الإِْقْرَارَ، أَوْ صَدَّقَهُمْ دُونَ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، لأَِنَّ إِنْكَارَهُ وَتَصْدِيقَهُ دُونَ أَرْبَعٍ رُجُوعٌ عَنْ إِقْرَارِهِ، وَهُوَ مَقْبُولٌ مِنْهُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِالشَّهَادَةِ عَلَى إِقْرَارِهِ. قَالُوا: لَوْ شَهِدُوا عَلَى إِقْرَارِهِ بِالزِّنَى فَقَال: مَا أَقْرَرْتُ، أَوْ قَال بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِإِقْرَارِهِ: مَا أَقْرَرْتُ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ

لاَ يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِهِ؛ لأَِنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ وَالْقَاضِي (١) .

ج - الْقَرَائِنُ:

٣٩ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِعِلْمِ الإِْمَامِ وَالْقَاضِي، فَلاَ يُقِيمَانِهِ بِعِلْمِهِمَا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ مَرْجُوحٍ وَأَبُو ثَوْرٍ: إِلَى ثُبُوتِهِ بِعِلْمِهِ. وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُودٍ) ف ٢٨ الْمَوْسُوعَةُ ١٧ / ١٣٩

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِظُهُورِ الْحَمْل وَاللِّعَانِ وَتَفْصِيلُهُ فِيمَا يَلِي:

١ - ظُهُورُ الْحَمْل:

٤٠ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِظُهُورِ الْحَمْل فِي امْرَأَةٍ لاَ زَوْجَ لَهَا وَأَنْكَرَتِ الزِّنَى؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ إِكْرَاهٍ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ إِلَى عُمَرَ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ وَقَدْ حَمَلَتْ، وَسَأَلَهَا عُمَرُ،

_________

(١) الفتاوى الهندية ٢ / ١٤٣ المطبعة الأميرية ١٣١٠هـ، وحاشية الدسوقي ٤ / ٣١٨ دار الفكر، وروضة الطالبين ١٠ / ٩٦ المكتب الإسلامي، كشاف القناع ٦ / ٩٩ عالم الكتب.

فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةُ الرَّأْسِ وَقَعَ عَلَيَّ رَجُلٌ وَأَنَا نَائِمَةٌ، فَمَا اسْتَيْقَظْتُ حَتَّى نَزَعَ فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالاَ: إِذَا كَانَ فِي الْحَدِّ " لَعَل " " وَعَسَى " فَهُوَ مُعَطَّلٌ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهَا تُسْأَل، وَلاَ يَجِبُ سُؤَالُهَا. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِظُهُورِ حَمْل امْرَأَةٍ لاَ زَوْجَ لَهَا، فَتُحَدُّ وَلاَ يُقْبَل دَعْوَاهَا الْغَصْبَ عَلَى ذَلِكَ بِلاَ قَرِينَةٍ تَشْهَدُ لَهَا بِذَلِكَ، أَمَّا مَعَ قَرِينَةٍ تُصَدِّقُهَا فَتُقْبَل دَعْوَاهَا وَلاَ تُحَدُّ، كَأَنْ تَأْتِيَ مُسْتَغِيثَةً مِنْهُ، أَوْ تَأْتِيَ الْبِكْرُ تَدَّعِي عَقِبَ الْوَطْءِ، وَكَذَا لاَ تُقْبَل دَعْوَاهَا أَنَّ هَذَا الْحَمْل مِنْ مَنِيٍّ شَرِبَهُ فَرْجُهَا فِي الْحَمَّامِ، وَلاَ مِنْ وَطْءِ جِنِّيٍّ إِلاَّ لِقَرِينَةٍ مِثْل كَوْنِهَا عَذْرَاءَ وَهِيَ مِنْ أَهْل الْعِفَّةِ. وَالْمُرَادُ بِالزَّوْجِ زَوْجٌ يُلْحَقُ بِهِ الْحَمْل فَيَخْرُجُ الْمَجْبُوبُ وَالصَّغِيرُ، أَوْ أَتَتْ بِهِ كَامِلًا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْعَقْدِ فَتُحَدُّ. وَمِثْل الْمَرْأَةِ الَّتِي لاَ زَوْجَ لَهَا الأَْمَةُ الَّتِي أَنْكَرَ سَيِّدُهَا وَطْأَهَا فَتُحَدُّ (١) .

٢ - اللِّعَانُ:

٤١ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى ثُبُوتِ حَدِّ

_________

(١) شرح فتح القدير ٥ / ٤ دار إحياء التراث العربي، حاشية الدسوقي ٤ / ٣١٩ دار الفكر، شرح روض الطالب ٤ / ١٣٠ المكتبة الإسلامية، مطالب أولي النهى ٦ / ١٩٣ المكتب الإسلامي ١٩٦١ م، المغني لابن قدامة ٨ / ٢١٠ مكتبة الرياض.

الزِّنَى بِاللِّعَانِ إِذَا لاَعَنَ الزَّوْجُ وَامْتَنَعَتِ الْمَرْأَةُ عَنْهُ، فَيَثْبُتُ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَى حِينَئِذٍ وَتُحَدُّ، أَمَّا إِذَا لاَعَنَتْ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهَا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا امْتَنَعَتْ عَنِ اللِّعَانِ لاَ حَدَّ عَلَيْهَا؛ لأَِنَّ زِنَاهَا لَمْ يَثْبُتْ؛ وَلأَِنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَيَحْبِسُهَا الْحَاكِمُ حَتَّى تُلاَعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ (١) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (لِعَانٍ) .

إِقَامَةُ حَدِّ الزِّنَى:

١ - مَنْ يُقِيمُ حَدَّ الزِّنَى:

٤٢ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُقِيمُ حَدَّ الزِّنَى عَلَى الْحُرِّ إِلاَّ الإِْمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُودٍ) ف ٣٦ الْمَوْسُوعَةُ ١٧ / ١٤٤

٢ - عَلاَنِيَةُ الْحَدِّ:

٤٣ - اسْتَحَبَّ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُسْتَوْفَى حَدُّ الزِّنَى بِحُضُورِ جَمَاعَةٍ. قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْحُدُودِ الزَّجْرُ، وَذَلِكَ لاَ يَحْصُل إِلاَّ بِالْحُضُورِ.

_________

(١) الفتاوى الهندية ١ / ٥١٦ المطبعة الأميرية ١٣١٠هـ، وحاشية الدسوقي ٢ / ٤٦٦ دار الفكر، والقوانين الفقهية ٢٧٠ دار العلم للملايين ١٩٧٩ م، ونهاية المحتاج ٧ / ١٢٣ مصطفى البابي الحلبي، وكشاف القناع ٥ / ٤٠٠ عالم الكتب ١٩٨٣ م.

وَأَوْجَبَ الْحَنَابِلَةُ حُضُورَ طَائِفَةٍ لِيَشْهَدُوا حَدَّ الزِّنَى (١) . لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (٢) .

٣ - كَيْفِيَّةُ إِقَامِهِ الْحَدِّ:

٤٤ - سَبَقَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الْجَلْدِ وَالأَْعْضَاءِ الَّتِي لاَ تُجْلَدُ، وَبَيَانُ إِذَا كَانَ الْمَحْدُودُ مَرِيضًا لاَ يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ ضَعِيفًا لاَ يَحْتَمِل الْجَلْدَ (٣) . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (جَلْدٍ) ف ١٢ الْمَوْسُوعَةُ الْفِقْهِيَّةُ ١٥ / ٢٤٧

كَمَا أَنَّ تَفْصِيل كَيْفِيَّةِ الرَّجْمِ فِي مُصْطَلَحِ: (رَجْمٍ) ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنْ تَكُونَ الْحِجَارَةُ فِي الرَّجْمِ مُتَوَسِّطَةً كَالْكَفِّ - تَمْلأَُ الْكَفَّ - فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُرْجَمَ بِصَخَرَاتٍ تُذَفِّفُهُ (أَيْ تُجْهِزُ عَلَيْهِ فَوْرًا) فَيَفُوتُ التَّنْكِيل الْمَقْصُودُ، وَلاَ بِحَصَيَاتٍ خَفِيفَةٍ لِئَلاَّ يَطُول تَعْذِيبُهُ، قَال

_________

(١» بدائع الصنائع ٧ / ٦٠، ٦١ دار الكتاب العربي ١٩٨٢ م الفتاوى الهندية ٢ / ١٤٦ المطبعة الأميرية ١٣١٠هـ، ومواهب الجليل ٦ / ٢٩٧ دار الفكر، والقوانين الفقهية ٣٨٥ دار العلم للملايين ١٩٧٩ م، وروضة الطالبين ١٠ / ٩٩ المكتب الإسلامي، وشرح روض الطالب ٤ / ١٣٣ المكتبة الإسلامية، وكشاف القناع ٦ / ٨٤ عالم الكتب ١٩٨٣ م، والمغني ٨ / ١٧٠ مكتبة الرياض.

(٢» سورة النور / ٢.

(٣) حاشية ابن عابدين ٣ / ١٤٨ دار إحياء التراث العربي، والفتاوى الهندية ٣ / ١٤٧ المطبعة الأميرية ١٣١٠ هـ، ومغني المحتاج ٤ / ١٥٤ دار إحياء التراث العربي، وكشاف القناع ٦ / ٨٢ عالم الكتب ١٩٨٣ م.

الْمَالِكِيَّةُ: وَيَخُصُّ بِالرَّجْمِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي هِيَ مَقَاتِل مِنَ الظَّهْرِ وَغَيْرِهِ مِنَ السُّرَّةِ إِلَى مَا فَوْقُ، وَيُتَّقَى الْوَجْهُ وَالْفَرْجُ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنْ يَتَّقِيَ الرَّاجِمُ الْوَجْهَ لِشَرَفِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِكَيْفِيَّةِ وُقُوفِ الرَّاجِمِينَ، فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُصَفُّوا عِنْدَ الرَّجْمِ كَصُفُوفِ الصَّلاَةِ، كُلَّمَا رَجَمَ قَوْمٌ تَأَخَّرُوا وَتَقَدَّمَ غَيْرُهُمْ فَرَجَمُوا. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُسَنُّ أَنْ يَدُورَ النَّاسُ حَوْل الْمَرْجُومِ مِنْ كُل جَانِبٍ كَالدَّائِرَةِ إِنْ كَانَ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ؛ لأَِنَّهُ لاَ حَاجَةَ إِلَى تَمْكِينِهِ مِنَ الْهَرَبِ، وَلاَ يُسَنُّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ زِنَاهُ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ لاِحْتِمَال أَنْ يَهْرُبَ فَيُتْرَكَ وَلاَ يُتَمَّمُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُحِيطُ النَّاسُ بِهِ (١) .

مُسْقِطَاتُ حَدِّ الزِّنَى:

٤٥ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي سُقُوطِ حَدِّ الزِّنَى بِالشُّبْهَةِ، إِذِ الْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ (٢) . وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَى الشُّبْهَةِ ف ١٤

_________

(١» الفتاوى الهندية ٢ / ١٤٦ المطبعة الأميرية ١٣١٠ هـ حاشية الدسوقي ٤ / ٣٢٠ دار الفكر، القوانين الفقهية ٣٨٥ دار العلم للملايين ١٩٧٩ م، روضة الطالبين ١٠ / ٩٩ المكتب الإسلامي، مغني المحتاج ٤ / ١٥٣ دار إحياء التراث العربي، كشاف القناع ٦ / ٨٤، ٩٠ عالم الكتب ١٩٨٣ م.

(٢) الحديث تقدم تخريجه فقرة (١٤) .