الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٤
عِنْدَمَا تَزُول الشَّمْسُ هُوَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: أَمَّنِي جِبْرِيل عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الأُْولَى مِنْهُمَا حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْل الشِّرَاكِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِل كُل شَيْءٍ مِثْل ظِلِّهِ ثُمَّ قَال: وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِل كُل شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالأَْمْسِ قَال: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ جِبْرِيل فَقَال: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا وَقْتُ الأَْنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ (١) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: " أَوْقَاتِ الصَّلاَةِ ".
ب - حُكْمُ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَال:
٣ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَال:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ فِي جَمِيعِ نَهَارِهِ أَيْ قَبْل الزَّوَال وَبَعْدَ الزَّوَال، لِلأَْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْكَثِيرَةِ فِي فَضْل السِّوَاكِ (٢) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ
_________
(١) البدائع ١ / ١٢٢، جواهر الإكليل ١ / ٣٢، مغني المحتاج ١ / ١٢١، المجموع للنووي ٣ / ١٨، كشاف القناع ١ / ٢٤٩. وحديث: " أمني جبريل عند البيت مرتين. . . " أخرجه الترمذي (٢ / ٢٧٩ - ٢٨٠ - ط الحلبي) من حديث ابن عباس، وقال: حديث حسن صحيح.
(٢) البدائع ١ / ١٩، الفواكه الدواني ١ / ٣٥٧.
إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ التَّسَوُّكُ بَعْدَ الزَّوَال سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِسِوَاكٍ يَابِسٍ أَوْ رَطْبٍ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ (١) . وَالْخُلُوفُ إِنَّمَا يَظْهَرُ غَالِبًا بَعْدَ الزَّوَال (٢) .
وَالتَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (سِوَاكٍ، وَصِيَامٍ) .
_________
(١) حديث: " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ١٠٣ - ط السلفية)، ومسلم (٢ / ٨٠٦ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(٢) المجموع ١ / ٢٧٥ - ٢٧٩، وكشاف القناع ١ / ٧٢.
زَوْجٌ
التَّعْرِيفُ
١ - الزَّوْجُ فِي اللُّغَةِ: الْفَرْدُ الَّذِي لَهُ قَرِينٌ، قَال تَعَالَى: ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُْنْثَى﴾ (١) فَكُلٌّ مِنْهُمَا زَوْجٌ، فَالرَّجُل زَوْجُ الْمَرْأَةِ، وَهِيَ زَوْجُهُ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ (٢) وَيُقَال أَيْضًا: هِيَ زَوْجَتُهُ، قَال الرَّاغِبُ: وَهِيَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ. وَلاَ يُقَال لِلاِثْنَيْنِ: زَوْجٌ، إِنَّمَا يُقَال: زَوْجَانِ، قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ، وَقِيل: الزَّوْجُ خِلاَفُ الْفَرْدِ، يُقَال: فَرْدٌ أَوْ زَوْجٌ، وَيُقَال أَيْضًا: خَسًّا أَوْ زَكَا (الْخَسَا الْفَرْدُ، وَالزَّكَا الزَّوْجُ) وَيُقَال أَيْضًا: شَفْعٌ أَوْ وِتْرٌ، فَكُل مُقْتَرِنَيْنِ مُتَجَانِسَيْنِ كَانَا، أَمْ نَقِيضَيْنِ فَهُمَا زَوْجٌ.
وَالزَّوْجُ فِي الْحِسَابِ مَا يَنْقَسِمُ بِمُتَسَاوِيَيْنِ (٣) .
وَالزَّوْجُ فِي الاِصْطِلاَحِ: بَعْل الْمَرْأَةِ.
_________
(١) سورة النجم / ٤٥.
(٢) سورة الأحزاب / ٣٧.
(٣) لسان العرب، والمصباح المنير.
حُقُوقُ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ:
أ - وُجُوبُ الطَّاعَةِ:
٢ - جَعَل اللَّهُ الرَّجُل قَوَّامًا عَلَى الْمَرْأَةِ بِالأَْمْرِ وَالتَّوْجِيهِ وَالرِّعَايَةِ، كَمَا يَقُومُ الْوُلاَةُ عَلَى الرَّعِيَّةِ، بِمَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ الرَّجُل مِنْ خَصَائِصَ جِسْمِيَّةٍ وَعَقْلِيَّةٍ، وَبِمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْ وَاجِبَاتٍ مَالِيَّةٍ، قَال تَعَالَى: ﴿الرِّجَال قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّل اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (١) .
قَال الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ الآْيَةِ: أَيْ يَقُومُونَ عَلَيْهِنَّ قِيَامَ الْوُلاَةِ عَلَى الرَّعِيَّةِ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ: وَهْبِيٌّ وَكَسْبِيٌّ، فَقَال: ﴿بِمَا فَضَّل اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (٢) بِسَبَبِ تَفْضِيلِهِ الرِّجَال عَلَى النِّسَاءِ بِكَمَال الْعَقْل، وَحُسْنِ التَّدْبِيرِ، وَمَزِيدِ الْقُوَّةِ، وَبِمَا أَنْفَقُوا فِي نِكَاحِهِنَّ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، فَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا حَقُّ الطَّاعَةِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ (٣) .
رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ؟ قَال: زَوْجُهَا (٤) وَقَال
_________
(١) النساء / ٣٤.
(٢) جزء من نفس الآية السابقة.
(٣) تفسير البيضاوي، وابن كثير، والطبري.
(٤) حديث عائشة: " أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ ". أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ٣٠٨ - ٣٠٩ - ط السعادة) وقال: " فيه أبو عتبة ولم يحدث غير مسعر، وبقية رجاله رجال الصحيح ".
﵊: لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَِحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا لِمَا جَعَل اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْحَقِّ (١) .
ب - تَمْكِينُ الزَّوْجِ مِنَ الاِسْتِمْتَاعِ:
٣ - مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ تَمْكِينُهُ مِنَ الاِسْتِمْتَاعِ، فَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَكَانَتْ أَهْلًا لِلْجِمَاعِ وَجَبَ تَسْلِيمُ نَفْسِهَا إِلَيْهِ بِالْعَقْدِ إِذَا طَلَبَ، وَذَلِكَ أَنْ يُسَلِّمَهَا مَهْرَهَا الْمُعَجَّل وَتُمْهَل مُدَّةً حَسَبَ الْعَادَةِ لإِصْلاَحِ أَمْرِهَا كَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةِ إِذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ لأَِنَّهُ مِنْ حَاجَتِهَا، وَلأَِنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ جَرَتِ الْعَادَةُ بِمِثْلِهِ. وَقَال النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَ قُفُولِهِ مَرَّةً إِلَى الْمَدِينَةِ: أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا - أَيْ عِشَاءً - لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغَيَّبَةُ (٢) . وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ لإِصْلاَحِ نَفْسِهَا (٣) . (ر: نِكَاحٌ) .
وَلِلزَّوْجِ إِجْبَارُ زَوْجَتِهِ عَلَى الْغُسْل مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةً؛ لأَِنَّهُ
_________
(١) حديث: " لو كنت آمرا أحد أن يسجد لأحد ". أخرجه الترمذي (٣ / ٤٥٦ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، وقال: " حديث حسن غريب ".
(٢) حديث: " أمهلوا حتى تدخلوا ليلا ". أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٣٤٣ - ط السلفية) ومسلم (٢ / ١٠٨٨ - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
(٣) المغني ٧ / ١٩، والمجموع ١١ / ٤٠٧، ونهاية المحتاج ٦ / ٣٤٠.
يَمْنَعُ الاِسْتِمْتَاعَ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لَهُ، فَمَلَكَ إِجْبَارَهَا عَلَى إِزَالَةِ مَا يَمْنَعُ حَقَّهُ. وَلَهُ إِجْبَارُ الْمُسْلِمَةِ الْبَالِغَةِ عَلَى الْغُسْل مِنَ الْجَنَابَةِ، أَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى الْغُسْل مِمَّا ذُكِرَ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْجَنَابَةِ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (١) .
ج - عَدَمُ الإِْذْنِ لِمَنْ يَكْرَهُ الزَّوْجُ دُخُولَهُ:
٤ - وَمِنْ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَلاَّ تُدْخِل بَيْتَهُ أَحَدًا يَكْرَهُهُ (٢) . لِحَدِيثِ: فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلاَ يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ (٣) .
د - عَدَمُ الْخُرُوجِ مِنَ الْبَيْتِ إِلاَّ بِإِذْنِ الزَّوْجِ:
٥ - مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَلاَّ تَخْرُجَ مِنَ الْبَيْتِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ (٤) . لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ: مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ؟ فَقَال: حَقُّهُ عَلَيْهَا أَلاَّ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا
_________
(١) المدونة ١ / ٣٤١، والمجموع ١٦ / ٤١١، والمغني ٧ / ٢٠.
(٢) المغني ٧ / ١٩، والمجموع ١٦ / ٤٠٦.
(٣) حديث: " فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن ". أخرجه الترمذي (٣ / ٤٥٨ - ط الحلبي) من حديث عمرو بن الأحوص، وقال: " حديث حسن صحيح ".
(٤) المجموع ١٦ / ٤١١، الفتاوى الهندية ١ / ٣٤١، الخانية ٤٤٢، وفتح القدير ٣ / ٣٠٤، والفواكه الدواني ٢ / ٤٨.
إِلاَّ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْ لَعَنَتْهَا مَلاَئِكَةُ السَّمَاءِ وَمَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ، وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ حَتَّى تَرْجِعَ (١) .
وَاشْتَرَطُوا فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ صَالِحًا لِلسُّكْنَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لِلسُّكْنَى كَأَنْ خَافَتْ سُقُوطَهُ عَلَيْهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَرَافِقُ، فَلَهَا الْخُرُوجُ مِنْهُ. وَقَدْ ذَكَرُوا أَسْبَابًا لِجَوَازِ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا مِنَ الْمَنْزِل: مِنْهَا: الْخُرُوجُ إِلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ، إِذَا وَقَعَتْ لَهَا نَازِلَةٌ وَلَيْسَ الزَّوْجُ فَقِيهًا.
وَمِنْهَا: الْخُرُوجُ إِلَى حَجَّةِ الْفَرْضِ إِذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا تَخْرُجُ مَعَهُ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ. وَالتَّفْصِيل فِي (نَفَقَةٍ)، (حَجٍّ)، (نُشُوزٍ) .
٦ - وَاخْتَلَفُوا فِي عِيَادَةِ وَالِدَيْهَا:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ عِيَادَةِ وَالِدٍ زَمِنٍ لَيْسَ لَهُ مَنْ يَقُومُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهَا طَاعَةُ زَوْجِهَا إِنْ مَنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْوَالِدُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا؛ لأَِنَّ الْقِيَامَ بِخِدْمَتِهِ فَرْضٌ عَلَيْهَا فِي مِثْل هَذِهِ الْحَالَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الزَّوْجِ (٢) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ لِعِيَادَةِ أَبِيهَا الْمَرِيضِ إِلاَّ بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَلَهُ مَنْعُهَا
_________
(١) حديث: " حق الزوج على زوجته ألا تخرج من بيتها إلا بإذنه ". أورده المنذري في الترغيب والترهيب (٤ / ١٢٦ - ط المكتبة التجارية) وعزاه إلى الطبراني، وصدره بصيغة التضعيف.
(٢) الفتاوى الهندية ١ / ٣٤٠، والخانية ٤٤٣، وشرح فتح القدير ٣ / ٣٠٤.
مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ حُضُورِ جِنَازَتِهِ لِحَدِيثِ: أَنَّ رَجُلًا خَرَجَ وَأَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ لاَ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا، فَمَرِضَ أَبُوهَا، فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ ﷺ فَقَال لَهَا: أَطِيعِي زَوْجَكِ فَمَاتَ أَبُوهَا فَاسْتَأْذَنَتْ مِنْهُ ﷺ فِي حُضُورِ جِنَازَتِهِ فَقَال لَهَا: أَطِيعِي زَوْجَكِ فَأَرْسَل إِلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لأَِبِيهَا بِطَاعَتِهَا لِزَوْجِهَا (١) وَلأَِنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ وَاجِبَةٌ، فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ الْوَاجِبِ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ. قَالُوا: وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي أَلاَّ يَمْنَعَهَا مِنْ عِيَادَةِ وَالِدَيْنِ مَرِيضَيْنِ وَحُضُورِ جِنَازَتِهِمَا؛ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ قَطِيعَةً لَهُمَا وَحَمْلًا لِزَوْجَتِهِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَمَنْعُهَا مِنْ عِيَادَةِ وَالِدٍ مَرِيضٍ لَيْسَ مِنَ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِي شَيْءٍ (٢) .
هـ - التَّأْدِيبُ:
٧ - لِلزَّوْجِ تَأْدِيبُ زَوْجَتِهِ عِنْدَ عِصْيَانِهَا أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ لاَ بِالْمَعْصِيَةِ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِتَأْدِيبِ النِّسَاءِ بِالْهَجْرِ وَالضَّرْبِ عِنْدَ عَدَمِ طَاعَتِهِنَّ، وَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَرْبَعَةَ مَوَاضِعَ يَجُوزُ فِيهَا لِلزَّوْجِ تَأْدِيبُ زَوْجَتِهِ بِالضَّرْبِ، مِنْهَا:
تَرْكُ الزِّينَةِ إِذَا أَرَادَ الزِّينَةَ، وَمِنْهَا: تَرْكُ
_________
(١) حديث: " أن رجلا سافر ومنع زوجته من الخروج. . . ". أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ٣١٥ - ط السعادة) وقال: " رواه الطبراني في الأوسط وفيه عصمة بن المتوكل، وهو ضعيف ".
(٢) المغني ٧ / ٢٠، والمجموع ١٦ / ٤١١، والفتاوى الهندية ١ / ٣٤١.
الإِْجَابَةِ إِذَا دَعَاهَا إِلَى الْفِرَاشِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ. وَمِنْهَا: تَرْكُ الصَّلاَةِ، وَمِنْهَا: الْخُرُوجُ مِنَ الْبَيْتِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ (١) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَأْدِيبٍ)، (نُشُوزٍ)
وَخِدْمَةُ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا:
٨ - لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ خِدْمَةُ زَوْجِهَا مِنَ الْعَجْنِ، وَالْخَبْزِ، وَالطَّبْخِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لأَِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهَا هُوَ الاِسْتِمْتَاعُ فَلاَ يَلْزَمُهَا مَا سِوَاهُ، هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ (٢) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: عَلَى الزَّوْجَةِ الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ مِنْ عَجْنٍ وَكَنْسٍ، وَفَرْشٍ، وَاسْتِقَاءِ مَاءٍ مِنَ الدَّارِ، أَوْ مِنَ الصَّحْرَاءِ إِنْ كَانَتْ عَادَةُ بَلَدِهَا كَذَلِكَ - إِلاَّ أَنْ تَكُونَ مِنَ الأَْشْرَافِ الَّذِينَ لاَ يَمْتَهِنُونَ نِسَاءَهُمْ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ إِخْدَامُهَا.
وَلاَ يَلْزَمُهَا الاِكْتِسَابُ كَالْغَزْل وَالنَّسِيجِ، وَأَمَّا غَسْل الثِّيَابِ وَخِيَاطَتُهَا فَيَنْبَغِي فِيهِ اتِّبَاعُ الْعُرْفِ (٣) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (نَفَقَةٍ)، (زَوْجَةٍ) .
ز - مَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ:
٩ - أَمَّا مَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ فَلَهَا مِثْل
_________
(١) الفتاوى الخانية على الفتاوى الهندية ١ / ٤٤٢.
(٢) الخانية على الفتاوى الهندية ١ / ٤٤٣، والمجموع ١٦ / ٤٢٥، والمغني ٧ / ٢٠.
(٣) الفواكه الدواني ٢ / ٤٨.
الَّذِي عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي (زَوْجَةٍ) .
ح - مَا يَنْبَغِي لِلزَّوْجِ فِي مُعَامَلَةِ زَوْجَتِهِ:
١٠ - عَلَى الزَّوْجِ إِكْرَامُ زَوْجَتِهِ وَحُسْنُ مُعَاشَرَتِهَا وَمُعَامَلَتِهِ لَهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَقْدِيمُ مَا يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ إِلَيْهَا مِمَّا يُؤَلِّفُ قَلْبَهَا، قَال تَعَالَى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ .
وَمِنْ مَظَاهِرِ إِكْمَال الْخُلُقِ وَنُمُوِّ الإِْيمَانِ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ رَقِيقًا مَعَ أَهْلِهِ، يَقُول الرَّسُول ﷺ: أَكْمَل الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا (١) . وَإِكْرَامُ الْمَرْأَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَكَامُل شَخْصِيَّةِ الرَّجُل، وَإِهَانَتُهَا عَلاَمَةُ الْخِسَّةِ وَاللُّؤْمِ. وَمِنْ إِكْرَامِهَا التَّلَطُّفُ مَعَهَا وَمُدَاعَبَتُهَا، وَجَاءَ فِي الأَْثَرِ أَنَّهُ ﷺ قَال: كُل مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُل الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ، إِلاَّ رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلاَعَبَتَهُ أَهْلَهُ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ (٢) وَمِنْ إِكْرَامِهَا أَنْ يَتَجَنَّبَ أَذَاهَا وَلَوْ بِالْكَلِمَةِ النَّابِيَةِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (زَوْجَةٍ) .
_________
(١) حديث: " أكمل المؤمنين إيمانا ". أخرجه الترمذي (٣ / ٤٥٧ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، وقال: " حديث حسن صحيح ".
(٢) حديث: " كل ما يلهو به الرجل المسلم. . . " أخرجه الترمذي (٤ / ١٤٩ - ط دار الكتب العلمية) من حديث عقبة بن عامر. وقال: حديث حسن صحيح.