الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٣ الصفحة 5

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٣

فَقَال: زِنْبَاعٌ: فَدَعَاهُ النَّبِيُّ ﷺ فَقَال: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ فَقَال كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا وَكَذَا، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ لِلْعَبْدِ: اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ (١) . وَلَوِ اسْتَكْرَهَ عَبْدَهُ عَلَى الْفَاحِشَةِ بِلِوَاطٍ عَتَقَ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ الَّتِي لاَ تُطِيقُ الْوَطْءَ فَأَفْضَاهَا؛ لأَِنَّهُ فِي مَعْنَى التَّمْثِيل.

وَلاَ يَعْتِقُ بِخَدْشِهِ أَوْ ضَرْبِهِ أَوْ لَعْنِهِ (٢)، وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ (عِتْق)، وَأَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ بِالتَّمْثِيل بِهِ تَعَمُّدَ الشَّيْنِ الْمَعْنَوِيِّ كَحَلْقِ لِحْيَةِ عَبْدٍ تَاجِرٍ، أَوْ حَلْقِ شَعْرِ أَمَةٍ رَفِيعَةٍ. وَأَلْحَقُوا بِهِ أَيْضًا تَمْثِيل الرَّجُل بِعَبْدِ غَيْرِهِ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِصَاحِبِهِ، لَكِنْ لاَ يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ بِذَلِكَ إِلاَّ إِنْ كَانَتْ مَفْسَدَةً لِمَنَافِعِ الرَّقِيقِ كُلِّهَا أَوْ جُلِّهَا (٣)

.

حُقُوقُ الرَّقِيقِ عَلَى سَيِّدِهِ:

٢٤ - أَوَّلًا: نَفَقَةُ الْمَمْلُوكِينَ وَاجِبَةٌ عَلَى مَالِكِيهِمْ إِجْمَاعًا، لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنَ الأَْحَادِيثِ مِنْهَا قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ لاَ يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَل إِلاَّ مَا يُطِيقُ (٤) وَلِقَوْلِهِ ﷺ: كَفَى

_________

(١) حديث: " أن زنباعًا وجد غلامًا له مع جارية ". أخرجه أحمد (٢ / ١٨٢ - ط الميمنية) وذكره الهيثمي في المجمع (٦ / ٢٨٨ - ط المقدسي) وقال: " رجاله ثقات ".

(٢) كشاف القناع ٤ / ٥١٤، والزرقاني ٨ / ١٣٠ - ١٣١.

(٣) الزرقاني وحاشية البناني ٨ / ١٢٩ و٦ / ١٤٧.

(٤) حديث: " للمملوك طعامه وكسوته ". أخرجه مسلم (٣ / ١٢٨٤ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.

بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ (١) . وَلأَِنَّهُ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ نَفَقَةٍ، وَمَنَافِعُهُ لِسَيِّدِهِ، وَهُوَ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ.

وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرُ كِفَايَتِهِ.

وَسَوَاءٌ أَكَانَ الرَّقِيقُ مُوَافِقًا فِي الدِّينِ لِمَالِكِهِ أَوْ مُخَالِفًا لَهُ.

وَالسَّيِّدُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَجْعَل نَفَقَتَهُ مِنْ كَسْبِهِ إِنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ كَسْبَهُ أَوْ يَجْعَلَهُ بِرَسْمِ خِدْمَتِهِ وَيُنْفِقَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؛ لأَِنَّ الْكُل مَالُهُ.

وَإِنْ كَانَ لِلْمَمْلُوكِ كَسْبٌ أَكْثَرُ مِنْ نَفَقَتِهِ وَجَعَل السَّيِّدُ نَفَقَتَهُ فِي كَسْبِهِ، فَلِلسَّيِّدِ أَخْذُ الزَّائِدِ عَنْ نَفَقَتِهِ، وَإِنْ كَانَ كَسْبُهُ لاَ يَكْفِي لِنَفَقَتِهِ فَعَلَى سَيِّدِهِ إِتْمَامُهَا. وَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ.

وَالْوَاجِبُ مِنَ الإِْطْعَامِ كِفَايَتُهُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ وَأُدْمِ مِثْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ.

وَالْوَاجِبُ مِنَ الْكِسْوَةِ الْمَعْرُوفُ مِنْ غَالِبِ الْكِسْوَةِ لأَِمْثَال الْمَمْلُوكِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ. وَيَجِبُ لَهُ الْغِطَاءُ وَالْوِطَاءُ وَالْمَسْكَنُ وَالْمَاعُونُ. وَلاَ يَجُوزُ الاِقْتِصَارُ فِي الْكِسْوَةِ عَلَى مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَإِنْ كَانَ لاَ يَتَأَذَّى بِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ.

فَإِنِ امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنَ الإِْنْفَاقِ الْوَاجِبِ لِعُسْرِهِ

_________

(١) حديث: " كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته ". أخرجه مسلم (٢ / ٦٩٢ - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمرو.

أَوْ إِبَائِهِ فَطَلَبَ الْمَمْلُوكُ بَيْعَهُ أُجْبِرَ السَّيِّدُ عَلَى ذَلِكَ، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ مَال السَّيِّدِ فِي نَفَقَةِ رَقِيقِهِ. وَلاَ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ عَبِيدِهِ فِي النَّفَقَةِ، وَلاَ بَيْنَ الْجَوَارِي، بَل يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُنَّ لِلاِسْتِمْتَاعِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَزِيدَهَا فِي النَّفَقَةِ (١) . وَهَذَا كُلُّهُ تَفْصِيل الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ إِذَا مَرِضَ الْمَمْلُوكُ أَوْ زَمِنَ أَوْ عَمِيَ، وَانْقَطَعَ كَسْبُهُ، فَعَلَى سَيِّدِهِ الإِْنْفَاقُ عَلَيْهِ، وَالْقِيَامُ بِهِ؛ لأَِنَّ نَفَقَتَهُ تَجِبُ بِالْمِلْكِ لاَ بِالْعَمَل، وَلِذَا تَجِبُ مَعَ الصِّغَرِ (٢) .

وَلاَ تَسْقُطُ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ بِإِبَاقِهِ أَوْ عِصْيَانِهِ أَوْ حَبْسِهِ أَوْ نُشُوزِ الأَْمَةِ (٣) .

وَلَوِ امْتَنَعَ السَّيِّدُ عَنِ الإِْنْفَاقِ فَقَدَرَ الْعَبْدُ عَلَى أَخْذِ قَدْرِ كِفَايَتِهِ مِنْ مَال سَيِّدِهِ فَلَهُ ذَلِكَ (٤) .

وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ نَفَقَةُ تَجْهِيزِ رَقِيقِهِ إِذَا مَاتَ وَدَفْنُهُ (٥) .

وَتُسْتَحَبُّ مُدَاوَاهُ الرَّقِيقِ إِذَا مَرِضَ وَمَا لَزِمَ مِنْ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَثَمَنِ الدَّوَاءِ فَهُوَ عَلَى السَّيِّدِ، وَيَجِبُ خِتَانُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَخْتُونًا مِنْهُمْ، وَهَذَا عِنْدَ

_________

(١) المغني ٧ / ٦٣٠، ٦٣٢، وكشاف القناع ٥ / ٤٨٨، والمحلي على المنهاج ٤ / ٩٣، وروضة الطالبين ٩ / ١١٥ - ١١٨، والزرقاني ٤ / ٢٥٩، ٢٦٠.

(٢) المغني ٧ / ٦٣١.

(٣) كشاف القناع ٥ / ٤٨٨.

(٤) كشاف القناع ٥ / ٤٨٩.

(٥) كشاف القناع ٢ / ١٠٤، ٥ / ٤٨٩.

مَنْ قَال بِوُجُوبِ الْخِتَانِ (١) . (ر: خِتَان)

٢٥ - ثَانِيًا: ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ إِعْفَافُ مَمَالِيكِهِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا إِذَا طَلَبُوا ذَلِكَ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْكِحُوا الأَْيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ (٢) وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ. " مَنْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَلَمْ يُزَوِّجْهَا وَلَمْ يُصِبْهَا، أَوْ عَبْدٌ فَلَمْ يُزَوِّجْهُ فَمَا صَنَعَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ فَلَوْلاَ وُجُوبُ إِعْفَافِهِمَا لَمَا لَحِقَ السَّيِّدَ إِثْمٌ بِفِعْلِهِمَا، وَلأَِنَّ النِّكَاحَ تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ غَالِبًا وَيَتَضَرَّرُ بِفَوَاتِهِ وَيَتَعَرَّضُ بِمَنْعِهِ مِنْهُ لِلْفِتْنَةِ، فَأُجْبِرَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ، وَيَكُونُ الإِْعْفَافُ لِلذَّكَرِ بِتَزْوِيجِهِ أَوْ بِتَمْلِيكِهِ أَمَةً يَتَسَرَّاهَا عَلَى خِلاَفٍ فِي جَوَازِ تَسَرِّيهِ، يَأْتِي بَيَانُهُ، وَلِلأُْنْثَى بِتَزْوِيجِهَا أَوْ بِوَطْءِ سَيِّدِهَا لَهَا بِمَا يُغْنِيهَا عَنِ التَّزْوِيجِ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ قَضَاءُ حَاجَتِهَا وَدَفْعُ شَهْوَتِهَا، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ تَزْوِيجُهَا.

وَإِذَا كَانَ لِلْعَبْدِ زَوْجَةٌ فَعَلَى سَيِّدِهِ تَمْكِينُهُ مِنْ الاِسْتِمْتَاعِ بِهَا لَيْلًا؛ لأَِنَّ وُجُوبَ الإِْعْفَافِ يَقْتَضِي الإِْذْنَ فِي الاِسْتِمْتَاعِ الْمُعْتَادِ.

فَإِنِ امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنَ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ أَوِ الإِْعْفَافِ الْوَاجِبِ بِمَا تَقَدَّمَ، سَوَاءٌ لِعَجْزِهِ أَوْ إِبَائِهِ فَطَلَبَ الْعَبْدُ أَوِ الْجَارِيَةُ أَنْ يُبَاعَ، وَجَبَ عَلَى السَّيِّدِ إِجَابَتُهُ إِلَى ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِحَدِيثِ: تَقُول الْمَرْأَةُ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي أَوْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُول

_________

(١) كشاف القناع ٥ / ٤٩٠.

(٢) سورة النور / ٣٢.

الْعَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُول الاِبْنُ: أَطْعِمْنِي إِلَى مَنْ تَدَعُنِي وَفِي رِوَايَةٍ: وَيَقُول خَادِمُكَ أَطْعِمْنِي وَإِلاَّ فَبِعْنِي (١) . فَإِنْ لَمْ يَفْعَل بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ فِي نَفَقَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ، أَوْ يُؤَجِّرُهُ أَوْ يَعْتِقُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل بَاعَهُ الْحَاكِمُ.

وَإِذَا كَانَ السَّيِّدُ يَطَأُ جَارِيَتَهُ فَغَابَ غَيْبَةً لاَ تُقْطَعُ إِلاَّ بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ فَطَلَبَتِ التَّزْوِيجَ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ (٢) .

وَلاَ يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَقَارِبِ الرَّقِيقِ إِعْفَافُهُ، بَل الْحَقُّ عَلَى السَّيِّدِ، وَالأَْصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ عَدَمُ وُجُوبِ إِعْفَافِ السَّيِّدِ رَقِيقَهُ.

وَلَمْ نَجِدْ لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ كَلاَمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَنَسَبَ صَاحِبُ الْمُغْنِي إِلَيْهِمَا عَدَمَ الْوُجُوبِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الإِْضْرَارِ الْمَالِيِّ بِالسَّيِّدِ؛ وَلأَِنَّ التَّزْوِيجَ لَيْسَ مِمَّا تَقُومُ بِهِ الْبَيِّنَةُ (٣) .

٢٦ - ثَالِثًا: إِذَا طَلَبَ الرَّقِيقُ الْعِتْقَ لَمْ يَلْزَمْ سَيِّدَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ، لَكِنْ إِنْ طَلَبَ الْكِتَابَةَ، وَهِيَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ يُؤَدِّيهِ لِسَيِّدِهِ، وَجَبَ عَلَى سَيِّدِهِ أَنْ يُعَاقِدَهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، مِنْهُمْ

_________

(١) المغني ٧ / ٦٣٢، ٦٣٣، وروضة الطالبين ٩ / ١١٩، وفتح الباري ٩ / ٥٠٠، ٥٠١. وحديث: " تقول المرأة: إما أن تطعمني أو تطلقني ". أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٥٠٠ - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.

(٢) كشاف القناع ١ / ٤٨٩، ٤٩٠.

(٣) القليوبي ٥ / ٢٧١.

عِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ وَمَسْرُوقٌ وَعُمَرُ وَابْنُ دِينَارٍ وَالضَّحَّاكُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ (١) وَرُوِيَ أَنَّ سِيرِينَ أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ سِيرِينَ سَأَل أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ مَوْلاَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ، فَأَبَى أَنَسٌ، فَرَفَعَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ الدُّرَّةَ وَتَلاَ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ فَكَاتَبَهُ أَنَسٌ.

وَذَهَبَ أَئِمَّةُ الأَْمْصَارِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ غَيْرُ وَاجِبٍ، قَالُوا: لأَِنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلاَ تَصِحُّ إِلاَّ عَنْ تَرَاضٍ، وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ يَحِل لاِمْرِئٍ مِنْ مَال أَخِيهِ إِلاَّ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ (٢) . وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ فِي الآْيَةِ الْقُوَّةُ عَلَى الْكَسْبِ وَالأَْدَاءِ، وَقِيل: الْمُرَادُ الصَّلاَحُ وَالأَْمَانَةُ وَالدِّينُ (٣) .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيل الْكَلاَمِ فِي الْكِتَابَةِ وَأَحْكَامِ الْمُكَاتَبِ تَحْتَ عُنْوَانِ: (مُكَاتَبَة)

_________

(١) سورة النور / ٣٣.

(٢) حديث: " لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه ". أخرجه أحمد (٣ / ٤٢٣ - ط الميمنية) من حديث عمرو بن يثربي، وأورده الهيثمي في المجمع (٤ / ١٧١ - ١٧٢ - ط القدسي) وقال: " رواه أحمد وابنه في زياداته عليه، والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد ثقات ".

(٣) تفسير القرطبي عند الآية ٣٣ من سورة النور، القاهرة، دار الكتب المصرية، والزرقاني ٨ / ١٤٨، وكشاف القناع ٤ / ٥٤٠.

الإِْنْفَاقُ عَلَى زَوْجَةِ الرَّقِيقِ وَوَلَدِهِ:

٢٧ - يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى زَوْجَةِ الرَّقِيقِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، وَنَفَقَةُ الْجَارِيَةِ الْمُزَوَّجَةِ عَلَى زَوْجِهَا إِنْ كَانَ حُرًّا، وَعَلَى سَيِّدِ زَوْجِهَا إِنْ كَانَ رَقِيقًا مَا كَانَتْ مَعَ زَوْجِهَا، وَحَيْثُ عَادَتْ إِلَى سَيِّدِهَا لِخِدْمَتِهِ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مَا كَانَتْ عِنْدَهُ.

وَنَفَقَةُ أَوْلاَدِ الرَّقِيقَةِ عَلَى سَيِّدِهَا وَلَوْ كَانَ أَبُوهُمْ حُرًّا؛ لأَِنَّهُمْ يَكُونُونَ رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ تَبَعًا لأُِمِّهِمْ، وَنَفَقَةُ أَوْلاَدِ الْحُرَّةِ مِنْ عَبْدٍ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ نَفَقَتُهُمْ مِنَ الأَْقَارِبِ؛ لأَِنَّهُمْ لاَ يَتْبَعُونَ السَّيِّدَ، بَل يَكُونُونَ أَحْرَارًا، وَمِنَ الأَْقَارِبِ الأُْمُّ (١)، عَلَى تَفْصِيلٍ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي بَحْثِ: (نَفَقَة) .

الرِّفْقُ بِالرَّقِيقِ وَالإِْحْسَانُ إِلَيْهِ:

٢٨ - أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالإِْحْسَانِ إِلَى الرَّقِيقِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيل وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ (٢) . قَال الْقُرْطُبِيُّ: نَدَبَهُمْ إِلَى مَكَارِمِ الأَْخْلاَقِ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى الإِْحْسَانِ وَإِلَى طَرِيقِ التَّوَاضُعِ،

_________

(١) كشاف القناع ٥ / ٤٨٨.

(٢) سورة النساء / ٣٦.

حَتَّى لاَ يَرَوْا لأَِنْفُسِهِمْ مَزِيَّةً عَلَى عَبِيدِهِمْ إِذِ الْكُل عَبِيدُ اللَّهِ، وَالْمَال مَال اللَّهِ، لَكِنْ سُخِّرَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَمَلَكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِتْمَامًا لِلنِّعْمَةِ، وَتَنْفِيذًا لِلْحِكْمَةِ (١) . وَقَال النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِْحْسَانَ عَلَى كُل شَيْءٍ (٢) . وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَوْصَى بِهِمْ فَقَال: أَرِقَّاءَكُمْ أَرِقَّاءَكُمْ (٣) . وَفِي حَدِيثٍ: قَال: كَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ قَال: الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ. اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ (٤) .

وَقَدْ بَيَّنَتْ شَرِيعَةُ الإِْسْلاَمِ أَنَّ الرَّقِيقَ وَالأَْحْرَارَ إِخْوَةٌ، وَأَنَّ الاِخْتِلاَفَ بِالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ لاَ يَعْنِي عَدَمَ قِيَامِ هَذِهِ الأُْخُوَّةِ، وَأَمَّا جَعْل الرَّقِيقِ بِيَدِ سَيِّدِهِ، وَتَمْلِيكُهُ رَقَبَتَهُ فَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالاِبْتِلاَءِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، لِيَعْلَمَ مَنْ يَقُومُ بِحَقِّ ذَلِكَ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ

_________

(١) تفسير القرطبي ٥ / ١٩٠.

(٢) حديث: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء ". أخرجه مسلم (٣ / ١٥٤٨ - ط الحلبي) من حديث شداد بن أوس.

(٣) حديث: " أرقاءكم أرقاءكم ". أخرجه أحمد (٤ / ٣٥ - ٣٦ - ط الميمنية) من حديث يزيد بن جارية، وأورده الهيثمي في المجمع (٤ / ٢٣٦ - ط القدسي) وقال: " رواه أحمد والطبراني، وفيه عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف ".

(٤) حديث: " الصلاة الصلاة، اتقوا لله فيما ملكت أيمانكم ". أخرجه أحمد (١ / ٧٨ - ط الميمنية) من حديث علي بن أبي طالب، وإسناده صحيح.

يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ (١) أَيْ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ (٢) .

وَقَال النَّبِيُّ ﷺ: إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ (٣) وَرُوِيَ أَنَّهُ ﷺ قَال: حُسْنُ الْمَلَكَةِ يُمْنٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: نَمَاءٌ، وَسُوءُ الْخُلُقِ شُؤْمٌ (٤) أَيْ إِذَا أَحْسَنَ الصَّنِيعَ بِالْمَمَالِيكِ وَمُعَامَلَتَهُمْ فَإِنَّهُمْ يُحْسِنُونَ خِدْمَتَهُ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ، كَمَا أَنَّ سُوءَ الْمَلَكَةِ يُؤَدِّي إِلَى الشُّؤْمِ وَالْهَلَكَةِ (٥) .

وَالإِْحْسَانُ إِلَى الرَّقِيقِ يَتَضَمَّنُ بِالإِْضَافَةِ إِلَى الاِلْتِزَامِ بِحُقُوقِهِ الْوَاجِبَةِ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ أُمُورًا، مِنْهَا:

أ - تَرْكُ ظُلْمِهِ وَالإِْسَاءَةِ إِلَيْهِ:

٢٩ - سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِضَرْبٍ، أَوْ شَتْمٍ، أَوْ تَحْقِيرٍ كَمَا تَقَدَّمَ، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَْنْصَارِيِّ قَال: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَمًا لِي، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ - قَال رَاوِي الْحَدِيثِ: مَرَّتَيْنِ - لَلَّهُ أَقْدَرُ مِنْكَ عَلَيْهِ فَالْتَفَتُّ

_________

(١) سورة النساء / ٢٥.

(٢) تفسير القرطبي ٥ / ١٤١.

(٣) حديث: " إخوانكم خولكم ". تقدم تخريجه ف / ١٣.

(٤) حديث: " حسن الملكة يمن، وسوء الخلق شؤم ". أخرجه أحمد (٣ / ٥٠٢ - ط الميمنية) وأبو داود (٥ / ٣٦٢ - تحقيق عزت عبيد دعاس) وأعله المناوي في " الفيض " (٣ / ٣٨٦ - ط المكتبة التجارية) .

(٥) عون المعبود ١٤ / ٧١ المدينة المنورة، السلفية.

فَإِذَا هُوَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ يَا رَسُول اللَّهِ: هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ. قَال: أَمَا إِنَّكَ لَوْ لَمْ تَفْعَل لَلَفَحَتْكَ النَّارُ. أَوْ: لَمَسَّتْكَ النَّارُ (١) وَقَال ﷺ: لاَ يَدْخُل الْجَنَّةَ سَيِّئُ الْمَلَكَةِ (٢) .

ب - الإِْحْسَانُ إِلَى الْعَبْدِ فِي الطَّعَامِ:

٣٠ - وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُجْلِسَهُ مَعَهُ لِيَأْكُل مِنْ طَعَامِهِ إِذَا أَحْضَرَهُ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ اسْتُحِبَّ أَنْ يُنَاوِلَهُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي عَالَجَ الطَّعَامَ تَأَكَّدَ الاِسْتِحْبَابُ، وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي هَذَا الْحَال إِلَى الْوُجُوبِ فِي قَوْلٍ، وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَطْعَمُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ (٣) . وَقَوْلِهِ: إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامٍ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ، أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلاَجَهُ (٤) . وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا كَفَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ صَنْعَةَ

_________

(١) حديث: " اعلم أبا مسعود لله أقدر منك عليه ". أخرجه مسلم (٣ / ١٢٨١ - ط الحلبي) .

(٢) حديث: " لا يدخل الجنة سيئ الملكة ". أخرجه الترمذي (٤ / ٣٣٤ - ط الحلبي) من حديث أبي بكر الصديق، وقال: " هذا حديث غريب، وقد تكلم أيوب السختياني وغير واحد في فرقد السبخي من قبل حفظه " وكذا ضعفه المناوي في " الفيض " (٦ / ٤٤٩ - ط المكتبة التجارية) .

(٣) حديث: " من كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم وليلبسه مما يلبس ". تقدم تخريجه ف / ١٣.

(٤) حديث: " إذا أتى أحدكم خادمه ". أخرجه البخاري (الفتح - ٩ / ٥٨١ - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.