الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٣ الصفحة 14

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٣

الصَّحَابَةِ دَعْوَةَ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ وَكَانَ عَبْدًا؛ وَلأَِنَّ فِي هَذِهِ الأَْشْيَاءِ ضَرُورَةً لاَ يَجِدُ التَّاجِرُ مِنْهَا بُدًّا، بِخِلاَفِ نَحْوِ الْكِسْوَةِ وَإِهْدَاءِ الدَّنَانِيرِ فَلاَ ضَرُورَةَ فِيهَا (١) .

وَقَوْل الْمَالِكِيَّةِ قَرِيبٌ مِنْ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ، فَقَدْ قَالُوا: إِنَّ السَّيِّدَ إِنْ أَذِنَ لِلْعَبْدِ فِي نَوْعٍ مِنَ التِّجَارَةِ، كَالْبُرِّ مَثَلًا كَانَ كَوَكِيلٍ مُفَوَّضٍ فِيمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ بَاقِي الأَْنْوَاعِ لأَِنَّهُ أَقْعَدَهُ لِلنَّاسِ وَلاَ يَدْرُونَ لأَِيِّ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ أَقْعَدَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَسُوغُ لَهُ الإِْقْدَامُ عَلَى غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ لَهُ. فَإِنْ صَرَّحَ لَهُ بِمَنْعِهِ مِنْ غَيْرِ النَّوْعِ مُنِعَ مِنْهُ أَيْضًا، ثُمَّ إِنْ أَشْهَرَ الْمَنْعَ رَدَّ مَا أَجْرَاهُ مِنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيمَا أَشْهَرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِرْهُ مَضَى وَلَمْ يَرُدَّ.

قَالُوا: وَكَمَا يَحْصُل الإِْذْنُ بِقَوْلِهِ: أَذِنْتُكَ " وَيَكُونُ إِذْنًا لَهُ مُطْلَقًا، كَذَلِكَ يَحْصُل بِالإِْذْنِ الْحُكْمِيِّ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى لَهُ بِضَاعَةً وَوَضَعَهَا بِحَانُوتٍ وَأَقْعَدَهُ فِيهِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.

قَالُوا: وَلِلْمَأْذُونِ أَنْ يَضَعَ مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَى شَخْصٍ، أَوْ يُؤَخِّرَ دَيْنَهُ الْحَال إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ إِنْ لَمْ تَكْثُرِ الْوَضِيعَةُ، وَلَهُ أَنْ يُضِيفَ الضَّيْفَ لِلاِسْتِئْلاَفِ عَلَى التِّجَارَةِ، وَلَهُ نَحْوُ الضِّيَافَةِ كَالْعَقِيقَةِ لِوَلَدِهِ إِنِ اتَّسَعَ الْمَال وَلَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ سَيِّدُهُ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِهِ مَالًا مُضَارَبَةً لِيَعْمَل فِيهِ لأَِنَّهُ مِنَ التِّجَارَةِ، وَلَهُ أَنْ يَتَسَرَّى

_________

(١) الهداية وشروحها ٨ / ١٣٢.

وَيَقْبَل الْوَدِيعَةَ وَلاَ يَقْبَل التَّوْكِيل، وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا يُوهَبُ لَهُ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ لاَ بِصَدَقَةٍ وَنَحْوِهَا وَلاَ بِهِبَةٍ إِلاَّ هِبَةَ الثَّوَابِ (الْهِبَةُ بِعِوَضٍ) . وَيَجُوزُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لِلإِْفْلاَسِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ كَالْحُرِّ (١) .

اكْتِسَابُ الرَّقِيقِ مِنَ الْمُبَاحَاتِ وَالْتِقَاطُهُ:

١١٢ - لِلرَّقِيقِ الاِكْتِسَابُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ كَالاِصْطِيَادِ وَالاِحْتِطَابِ، وَيَكُونُ مَا يُحَصِّلُهُ لِسَيِّدِهِ (٢) . وَكَذَا لَوْ وَجَدَ رِكَازًا (٣) .

وَإِنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلَهُ أَخْذُهَا وَهُوَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ، وَالْتِقَاطُهُ صَحِيحٌ، وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ اللُّقَطَةِ. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ. بِدَلاَلَةِ عُمُومِ أَحَادِيثِ اللُّقَطَةِ، وَقِيَاسًا عَلَى الْتِقَاطِ الصَّبِيِّ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ؛ وَلأَِنَّ الاِلْتِقَاطَ تَخْلِيصُ مَالٍ مِنَ الْهَلاَكِ فَجَازَ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ، كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَالْمَغْصُوبِ. وَإِذَا الْتَقَطَ كَانَتِ اللُّقَطَةُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَإِنْ عَرَّفَهَا حَوْلًا صَحَّ تَعْرِيفُهُ فَإِذَا تَمَّ الْحَوْل مَلَكَهَا سَيِّدُهُ، وَلِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ أَثْنَاءَ الْحَوْل وَيُتَمِّمُ تَعْرِيفَهَا.

وَإِنْ تَمَلَّكَهَا الْعَبْدُ أَثْنَاءَ الْحَوْل أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا ضَمِنَهَا لِصَاحِبِهَا فِي رَقَبَتِهِ.

وَالْقَوْل الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الأَْظْهَرُ، لاَ يَصِحُّ

_________

(١) شرح الزرقاني ٥ / ٣٠٣.

(٢) روضة الطالبين ٥ / ٣٩٣، والمغني ٥ / ٦٦٦، وشرح الأشباه ٢ / ١٥٦.

(٣) كشاف القناع ٢ / ٢٢٧.

الْتِقَاطُ الْعَبْدِ لأَِنَّ اللُّقَطَةَ فِي الْحَوْل أَمَانَةٌ وَوِلاَيَةٌ وَبَعْدَهُ تَمَلُّكٌ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْوِلاَيَةِ وَلاَ مِنْ أَهْل الْمِلْكِ (١) .

الرَّقِيقُ وَالْجِنَايَاتُ:

الْقِصَاصُ بَيْنَ الأَْحْرَارِ وَالرَّقِيقِ:

١١٣ - أ - إِذَا قَتَل الْحُرُّ الْمُسْلِمُ رَقِيقًا فَلاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ بَل يُعَزَّرُ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِل سَيِّدًا لِلرَّقِيقِ أَوْ أَجْنَبِيًّا، لِمَا رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لاَ يُقَادُ مَمْلُوكٌ مِنْ مَالِكٍ (٢) . وَمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لاَ يُقْتَل حُرٌّ بِعَبْدٍ (٣) .

وَيُجْلَدُ الْحُرُّ إِذَا قَتَل عَبْدًا مِائَةً عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، لِمَا رَوَى عَلِيٌّ ﵁: أَنَّ رَجُلًا قَتَل عَبْدَهُ فَجَلَدَهُ النَّبِيُّ ﷺ مِائَةَ جَلْدَةٍ وَنَفَاهُ عَامًا وَمَحَا اسْمَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَيْ مِنَ الْعَطَاءِ (٤) ". وَلِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى

_________

(١) روضة الطالبين ٥ / ٣٩٣ - ٣٩٧، والمغني ٥ / ٦٦٦، وكشاف القناع ٤ / ٢٢٥، وجواهر الإكليل١ / ٢١٨، وشرح الأشباه ٢ / ١٥٦.

(٢) حديث: " لا يقاد مملوك من مالك ". أخرجه الحاكم (٤ / ٣٦٨ - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث عمر بن الخطاب وضعفه الذهبي.

(٣) حديث: " لا يقتل حر بعبد ". أخرجه البيهقي (٨ / ٣٥ - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث ابن عباس، وقال البيهقي: " في هذا الإسناد ضعف ".

(٤) حديث: " أن رجلًا قتل عبده فجلده النبي ﷺ ". ذكره ابن قدامة في المغني (٧ / ٦٥٩ - ط الرياض) وقال: " رواه سعيد والخلال وقال أحمد: ليس بشيء من قبل إسحاق بن أبي فروة ".

: ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ﴾ (١) وَلأَِنَّ الْعَبْدَ مَنْقُوصٌ بِالرِّقِّ فَلاَ يُكَافِئُ الْحُرَّ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحُرَّ يُقْتَل بِالْعَبْدِ - إِلاَّ عَبْدَ نَفْسِهِ فَلاَ يُقْتَل بِهِ، وَكَذَا عَبْدُ وَلَدِهِ - لِعُمُومِ آيَاتِ الْقِصَاصِ نَحْوِ قَوْله تَعَالَى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ (٢) وَقَوْلِهِ: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ (٣)، وَلِعُمُومِ الأَْحَادِيثِ نَحْوِ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ (٤) . وَقَوْلِهِ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ (٥) .

وَنَقَل ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ النَّخَعِيَّ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْحُرَّ يُقْتَل بِعَبْدِ نَفْسِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ قَتَل عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ (٦) .

_________

(١) سورة البقرة / ١٧٨.

(٢) سورة البقرة / ١٧٨.

(٣) سورة المائدة / ٤٥.

(٤) حديث: " المسلمون تتكافأ دماؤهم ". أخرجه أحمد (٢ / ١٩٢ - ط الميمنية) من حديث عبد الله بن عمر، وإسناده حسن.

(٥) حديث: " النفس بالنفس ". أخرجه البخاري (الفتح ١٢ / ٢٠١ - ط السلفية) من حديث ابن مسعود.

(٦) المغني ٧ / ٦٥٨، ٦٥٩، والزرقاني ٨ / ٣، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٧٢، وبداية المجتهد ٢ / ٣٦٤، ٣٧٢، وحاشية ابن عابدين ٥ / ٣٤٣، ٣٤٤. وحديث: " من قتل عبده قتلناه ". أخرجه الترمذي (٤ / ٢٦ - ط الحلبي) من حديث الحسن عن سمرة، وقال ابن حجر: " الحسن مختلف في سماعه من سمرة "، كذا في التلخيص (٣ / ٥٣ - ط شركة الطباعة الفنية) .

وَأَمَّا فِي الأَْطْرَافِ فَلاَ يُقْتَصُّ مِنَ الْحُرِّ إِذَا قَطَعَ طَرَفَ رَقِيقٍ. وَنَقَل ابْنُ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ خِلاَفًا.

وَحَيْثُ وَجَبَ الْقِصَاصُ فَالْحَقُّ لِلسَّيِّدِ، لَهُ طَلَبُهُ، وَلَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ.

وَحَيْثُ لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ، يَجِبُ التَّعْزِيرُ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (١) .

١١٤ - ب - وَأَمَّا إِذَا قَتَل الرَّقِيقُ حُرًّا سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُول سَيِّدَهُ أَوْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَل بِهِ اتِّفَاقًا إِذَا تَمَّتْ شُرُوطُ الْقِصَاصِ، وَذَلِكَ لِعُمُومِ آيَاتِ الْقِصَاصِ، وَلأَِنَّهُ يُقْتَل بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ﴾ (٢) فَقَتْلُهُ بِالْحُرِّ أَوْلَى لأَِنَّ الْحُرَّ أَكْمَل مِنَ الْعَبْدِ.

وَكَذَا يُؤْخَذُ طَرَفُ الْعَبْدِ بِطَرَفِ الْحُرِّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (٣) .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنَ الْعَبْدِ لِلْحُرِّ فِي الْجِرَاحِ وَالأَْعْضَاءِ، قَال الزَّرْقَانِيُّ: لأَِنَّهُ كَجِنَايَةِ الْيَدِ الشَّلاَّءِ عَلَى الْيَدِ الصَّحِيحَةِ. وَنَقَل ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ فِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَيْنِ (٤) .

_________

(١) المغني ٧ / ٦٥٨، ٦٥٩، والزرقاني ٨ / ٣، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٧٢، وبداية المجتهد ٢ / ٣٦٤، ٣٧٢، وحاشية ابن عابدين ٥ / ٣٤٣، ٣٤٤.

(٢) سورة البقرة / ١٧٨.

(٣) المغني ٧ / ٦٥٩، والزرقاني ٨ / ٢، ٧.

(٤) الزرقاني ٨ / ١٤، وبداية المجتهد ٢ / ٣٧٢، وحاشية ابن عابدين ٥ / ٣٥٦، والهداية مع العناية ٨ / ٣٥٥.

١١٥ - ج - وَكَذَلِكَ يُقْتَل الرَّقِيقُ بِالرَّقِيقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، سَوَاءٌ اتَّحَدَتْ قِيمَةُ الْقَاتِل وَقِيمَةُ الْمَقْتُول أَوِ اخْتَلَفَتَا، وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ آيَاتِ الْقِصَاصِ، وَبِالنَّصِّ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ﴾ (١) وَلأَِنَّ تَفَاوُتَ الْقِيمَةِ فِي الرَّقِيقِ كَتَفَاوُتِ الْفَضَائِل فِي الأَْحْرَارِ، كَالْعِلْمِ وَالشَّرَفِ وَالذُّكُورَةِ وَالأُْنُوثَةِ، فَكَمَا أُهْدِرَ هَذَا التَّفَاوُتُ بَيْنَ الأَْحْرَارِ فَوَجَبَ الْقِصَاصُ مَعَ وُجُودِهِ، فَكَذَا تَفَاوُتُ الْقِيَمِ فِي الرَّقِيقِ.

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِصَاصِ أَنْ لاَ تَكُونَ قِيمَةُ الْقَاتِل أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَقْتُول.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَيْسَ بَيْنَ الْعَبِيدِ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ وَلاَ جُرْحٍ لأَِنَّهُمْ أَمْوَالٌ، وَنَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَجَمَاعَةٍ.

وَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي الأَْطْرَافِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْل عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ - وَقَوْل عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَْنْفَ بِالأَْنْفِ وَالأُْذُنَ بِالأُْذُنِ﴾ الآْيَةَ (٢) .

_________

(١) سورة البقرة / ١٧٨.

(٢) سورة المائدة / ٤٥.

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: لاَ يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. وَهُوَ قَوْل ابْنِ مَسْعُودٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ؛ لأَِنَّ الأَْطْرَافَ مِنَ الْعَبِيدِ مَالٌ فَلاَ يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهَا؛ وَلأَِنَّ التَّسَاوِيَ فِي الأَْطْرَافِ مُعْتَبَرٌ، فَلاَ تُؤْخَذُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلاَّءِ، وَلاَ كَامِلَةُ الأَْصَابِعِ بِنَاقِصَتِهَا، وَأَطْرَافُ الْعَبِيدِ لاَ تَتَسَاوَى.

وَحَيْثُ يَجْرِي الْقِصَاصُ فِي طَرَفِ الْعَبْدِ فَاسْتِيفَاؤُهُ لَهُ وَلَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ (١) .

الدِّيَةُ وَالأَْرْشُ:

١١٦ - أ - إِذَا قَتَل الْحُرُّ عَبْدًا، أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ قَطَعَهُ، أَوْ فَعَل ذَلِكَ عَبْدٌ بِعَبْدٍ، خَطَأً، أَوْ عَمْدًا وَلَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ، ثَبَتَ الْمَال، وَهُوَ فِي الْحُرِّ دِيَةُ النَّفْسِ أَوِ الْعُضْوِ أَوِ الْحُكُومَةِ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي بَابِ الدِّيَاتِ.

وَفِي الْعَبْدِ قِيمَتُهُ إِذَا قَتَل، مَهْمَا كَانَتْ، قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً، حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَبْلُغُ دِيَةَ الْحُرِّ أَوْ تَزِيدُ عَلَيْهَا أَضْعَافًا، وَهَذَا قَوْل الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ سَعِيدٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ قَالُوا: لأَِنَّهُ مَالٌ

_________

(١) المغني ٧ / ٦٦٠، ٧٦١، والزرقاني ٨ / ٧، وبداية المجتهد ٢ / ٣٧٢، نشر المكتبة التجارية الكبرى، وحاشية ابن عابدين ٥ / ٣٥٦.

مُتَقَوِّمٌ أَتْلَفَهُ - سَوَاءٌ عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ - فَيَضْمَنُهُ بِكَمَال قِيمَتِهِ.

قَال النَّوَوِيُّ: وَلاَ مَدْخَل لِلتَّغْلِيظِ فِي بَدَل الرَّقِيقِ. اهـ.

وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: إِنْ ضَمِنَ بِالْجِنَايَةِ يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ، لَكِنْ لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةِ حُرٍّ أَوْ مِثْلَهَا يَنْتَقِصُ عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ دِينَارًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْعَبْدِ، إِلاَّ نِصْفَ دِينَارٍ.

وَإِنْ ضَمِنَ بِالْيَدِ، بِأَنْ غَصَبَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ قِيمَتُهُ وَإِنْ زَادَ عَنْ دِيَةٍ أَوْ دِيَاتٍ.

وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا بِأَنَّ فِي الْعَبْدِ الآْدَمِيَّةَ وَالْمَالِيَّةَ، وَالآْدَمِيَّةُ أَعْلاَهُمَا، فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِإِهْدَارِ الأَْدْنَى عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ فِي حَال الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ بِدَلِيل ثُبُوتِ الْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ، وَالْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ، وَالْقِيمَةُ بَدَلٌ عَنِ الدِّيَةِ فِي قَلِيل الْقِيمَةِ بِالرَّأْيِ، وَتَنْقُصُ فِيمَا زَادَ عَنِ الدِّيَةِ لِنَقْصِ رُتْبَةِ الْعَبْدِ عَنِ الْحُرِّ، وَضَمَانُ الْغَصْبِ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ، فَيَضْمَنُ بِكَامِل قِيمَتِهِ فِي حَالَةِ تَلَفِهِ مَغْصُوبًا إِذِ الْغَصْبُ لاَ يَرِدُ إِلاَّ عَلَى الْمَال.

وَإِنَّمَا حَدَّدُوا النَّقْصَ فِي الْحَالَةِ الأُْولَى بِدِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لأَِثَرٍ وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁. وَنَقَل ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْل الْكُوفَةِ

قَالُوا: فِي نَفْسِ الْعَبْدِ الدِّيَةُ كَالْحُرِّ، لَكِنْ يُنْقَصُ مِنْهَا شَيْءٌ (١) .

الْعَاقِلَةُ وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ:

١١٧ - لاَ تَحْمِل الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ لأَِنَّهُ لاَ عَاقِلَةَ لَهُ.

وَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْل الشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَاللَّيْثِ إِلَى أَنَّ الَّذِي يَتَحَمَّل قِيمَةَ الْعَبْدِ هُوَ الْقَاتِل نَفْسُهُ إِنْ كَانَ حُرًّا وَلَيْسَ عَاقِلَتُهُ وَلَوْ كَانَ الْقَتْل خَطَأً، لِحَدِيثِ: لاَ تَحْمِل الْعَاقِلَةُ لاَ عَمْدًا وَلاَ صُلْحًا وَلاَ اعْتِرَافًا وَلاَ مَا جَنَى الْمَمْلُوكُ (٢) وَلأَِنَّ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ لاَ الدِّيَةُ إِذِ الْعَبْدُ مَالٌ.

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَقَوْل عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ: تَحْمِل الْعَاقِلَةُ نَفْسَ الْعَبْدِ كَمَا تَحْمِل الْحُرَّ، قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَلاَ تَحْمِل مَا دُونَ النَّفْسِ مِنَ الْعَبْدِ لأَِنَّ الأَْطْرَافَ

_________

(١) المغني ٧ / ٦٨٢، وكشاف القناع ٦ / ٢١، وبداية المجتهد ٢ / ٣٧٨، والزرقاني ٨ / ٣١ و٦ / ١٦٣، والدسوقي ٤ / ٢٦٨، وروضة الطالبين ٩ / ٢٥٧، ٣١١، والهداية مع العناية وتكملة فتح القدير ٨ / ٣٦٩.

(٢) حديث: " لا تحمل العاقلة عمدًا ولا صلحًا ولا اعترافًا ولا ما جنى المملوك ". أخرجه البيهقي (٨ / ١٠٤ - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث ابن عباس موقوفًا عليه، وإسناده حسن.

تُعَامَل كَالْمَال (١) .

١١٨ - ب - وَأَمَّا أُرُوشُ جِرَاحِ الْعَبْدِ وَأَعْضَائِهِ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى أَقْوَالٍ:

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ (هُوَ قَدِيمُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ) وَالْحَنَابِلَةُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، قَوَّاهَا ابْنُ قُدَامَةَ إِلَى أَنَّ السَّيِّدَ يَسْتَحِقُّ عَلَى الْجَانِي مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا، فَلَمَّا قَطَعَ يَدَهُ أَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً أَوْ غَيْرَهَا صَارَتْ قِيمَتُهُ ثَمَانَمِائَةٍ فَإِنَّ الأَْرْشَ يَكُونُ مِائَتَيْنِ، وَلَوْ جَبَّهُ وَخَصَاهُ فَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ أَوْ زَادَتْ، فَلاَ شَيْءَ لِلسَّيِّدِ. وَاحْتَجُّوا لِهَذَا الْقَوْل بِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ، فَيُجْرَى فِي ضَمَانِ الإِْتْلاَفِ فِيهِ عَلَى قَاعِدَةِ إِتْلاَفِ الأَْمْوَال الأُْخْرَى.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ عَلَيْهَا الْمَذْهَبُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ جِنَايَةٍ لَيْسَ لَهَا فِي الْحُرِّ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، فَيَكُونُ أَرْشُهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَبَيْنَ جِنَايَةٍ لَهَا فِي الْحُرِّ دِيَةٌ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا، فَيَكُونُ أَرْشُهَا بِنِسْبَةِ ذَلِكَ مِنْ قِيمَتِهِ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا فَقَطَعَ يَدَهُ فَفِيهَا خَمْسُمِائَةٍ، أَوْ قَطَعَ أَنْفَهُ فَفِيهِ قِيمَتُهُ كَامِلَةٌ، مَعَ بَقَاءِ الْعَبْدِ عَلَى مِلْكِ السَّيِّدِ، وَلَوْ جَبَّهُ ثُمَّ خَصَاهُ فَفِيهِ قِيمَتُهُ مَرَّتَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، مَعَ بَقَاءِ مِلْكِيَّتِهِ لِلسَّيِّدِ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ

_________

(١) المغني ٧ / ٧٧٥، وروضة الطالبين ٩ / ٣٥٩، والزرقاني ٨ / ٤٤، وتكملة فتح القدير مع الهداية ٨ / ٤١٣.