الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٣
فِي مِثْل الْحَالَةِ الأَْخِيرَةِ: لَهُ قِيمَتُهُ كَامِلَةً لِلْجَبِّ، وَقِيمَتُهُ بَعْدَ الْجَبِّ لِلْخِصَاءِ.
وَاحْتُجَّ لِهَذَا الْقَوْل بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ سَعِيدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى التَّقْدِيرِ فِي الْحُرِّ، لأَِنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِمَالٍ مِنْ كُل وَجْهٍ، بِدَلِيل أَنَّ فِي قَتْلِهِ الْقِصَاصَ وَالْكَفَّارَةَ بِخِلاَفِ سَائِرِ الأَْمْوَال (١) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى اعْتِبَارِ التَّقْدِيرِ بِالنِّسْبَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَوْل الثَّانِي، لَكِنْ قَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُزَادُ عَنْ دِيَةِ مِثْل ذَلِكَ الْعُضْوِ مِنَ الْحُرِّ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَفِيهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، كَدِيَةِ الْحُرِّ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مَهْمَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ، فَإِنَّ أَرْشَ يَدِهِ خَمْسَةُ آلاَفٍ إِلاَّ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ لاَ يُزَادُ عَلَيْهَا.
قَالُوا: لأَِنَّ الْيَدَ مِنَ الآْدَمِيِّ نِصْفُهُ فَتُعْتَبَرُ بِكُلِّهِ، وَيَنْقُصُ هَذَا الْمِقْدَارُ إِظْهَارًا لاِنْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ عَنْ رُتْبَةِ الْحُرِّ. وَكُل مَا يُقَدَّرُ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَهُوَ مُقَدَّرٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لأَِنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعَبْدِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ إِذْ هُوَ بَدَل الدَّمِ.
قَالُوا: وَمَنْ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ فَقَدْ فَوَّتَ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ شَاءَ الْوَلِيُّ دَفَعَ عَبْدَهُ إِلَى الْجَانِي وَأَخَذَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَلاَ شَيْءَ لَهُ مِنَ
_________
(١) المغني ٨ / ٦٠، وكشاف القناع ٦ / ٢٢، وشرح المنهاج ٤ / ١٤٤، ١٤٥، وروضة الطالبين ٩ / ٣١٢.
النُّقْصَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَال الصَّاحِبَانِ: بَل يَكُونُ لَهُ إِنْ أَمْسَكَهُ أَخْذُ مَا نَقَصَهُ (١) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ فِي الضَّمَانِ بَيْنَ جِرَاحَاتِ الْعَبْدِ وَبَيْنَ قَطْعِ طَرَفٍ أَوْ عُضْوٍ، فَفِي الْجِرَاحَاتِ الَّتِي لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِي الْحُرِّ يَضْمَنُ بِنِسْبَتِهَا مِنْ كَامِل قِيمَتِهِ، فَفِي الْجَائِفَةِ أَوِ الآْمَّةِ ثُلُثُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشُرِ قِيمَتِهِ، وَفِي مُنَقِّلَتِهِ عُشُرُ قِيمَتِهِ وَنِصْفُ عُشُرِهَا. وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْجِرَاحِ وَهُوَ مَا لَيْسَ فِيهِ مُقَدَّرٌ، يُقَدَّرُ نَقْصُ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَيُدْفَعُ كَامِلًا مَهْمَا بَلَغَ. فَإِنْ بَرِئَ بِلاَ شَيْنٍ فَلاَ شَيْءَ فِيهِ سِوَى الأَْدَبِ فِي الْعَمْدِ.
وَكَذَا قَطْعُ الأَْعْضَاءِ فِيهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ بِسَبَبِ ذَلِكَ (٢) . وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ مَتْنِ خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الأَْعْضَاءِ بِنِسْبَتِهَا مِنَ الْقِيمَةِ (٣) .
الْجِنَايَةُ عَلَى جَنِينِ الأَْمَةِ:
١١٩ - لَوْ جَنَى عَلَى أَمَةٍ فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَ مَحْكُومًا بِرِقِّهِ، فَفِيهِ قِيمَتُهُ عَلَى
_________
(١) الهداية وتكملة فتح القدير ٨ / ٣٧٠، ٣٧٤.
(٢) المدونة ٦ / ٣٣٣، والمغني لابن قدامة ٨ / ٦٠، والزرقاني ٨ / ٣٧، ٣٥ و٦ / ١٤٧.
(٣) الدسوقي ٤ / ٢٧١، والحطاب ٦ / ٢٦١، والزرقاني ٨ / ٣٥، والفواكه الدواني ٢ / ٢٧٢، والعدوي على كفاية الطالب ٢ / ٢٨٣.
مَا تَقَدَّمَ. أَمَّا إِنْ أَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا بَعْدَ تَخَلُّقِهِ أَوْ نَفْخِ الرُّوحِ، فَفِيهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عُشُرُ قِيمَةِ أُمِّهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْجِنَايَةِ.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ أُنْثَى فَفِيهِ عُشُرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَفِيهِ نِصْفُ عُشُرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ: فِيهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ أُمِّهِ (١) .
جِنَايَاتُ الرَّقِيقِ:
١٢٠ - إِنْ كَانَ الْقَاتِل رَقِيقًا فَمَا وَجَبَ بِجِنَايَتِهِ مِنَ الْمَال سَوَاءٌ أَكَانَ دِيَةَ نَفْسِ حُرٍّ أَوْ طَرَفَهُ، أَوْ قِيمَةَ عَبْدٍ أَوْ قِيمَةَ طَرَفِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَلَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ، أَوْ كَانَتْ خَطَأً فَعُفِيَ عَنْهَا عَلَى مَالٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَجِبُ فِي رَقَبَتِهِ، وَلاَ تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ وَلاَ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ وَهَكَذَا جَمِيعُ الدُّيُونِ الَّتِي تَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الإِْتْلاَفَاتِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَأْذُونًا لَهُ بِالتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ. وَهَذَا قَوْل الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
قَالُوا: وَلَمْ تَتَعَلَّقْ هَذِهِ الدُّيُونُ بِذِمَّتِهِ لأَِنَّهُ يُفْضِي إِلَى إِلْغَائِهَا أَوْ تَأْخِيرِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ، وَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَجْنِ،
_________
(١) الدر المختار وحاشية ابن عابدين ٥ / ٣٧٨، وبداية المجتهد ٢ / ٣٨٠ وفيه بعض اختلاف عما ذكره الدر عن أبي حنيفة.
فَتَعَيَّنَ تَعَلُّقُهَا بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ لأَِنَّ الضَّمَانَ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ كَالْقِصَاصِ.
وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: تَتَعَلَّقُ أَيْضًا بِذِمَّةِ الْعَبْدِ.
ثُمَّ إنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي أَوْ أَقَل، فَالسَّيِّدُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ أَوْ يُسَلِّمَ الْعَبْدَ إِلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِلْبَيْعِ؛ لأَِنَّهُ إِنْ دَفَعَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ فَقَدْ تَأَدَّى الْحَقُّ، وَإِنْ سَلَّمَ الْعَبْدَ فَقَدْ أَدَّى الْمَحَل الَّذِي تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِهِ، وَحَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لاَ يَتَعَلَّقُ بِأَكْثَرَ مِنَ الرَّقَبَةِ، وَقَدْ أَدَّاهَا، فَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ. وَالْخِيَارُ إِلَى السَّيِّدِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ إِنْ أَدَّى الأَْرْشَ، وَلاَ يَلْزَمُهُ الأَْرْشُ إِنْ سَلَّمَ الْعَبْدَ.
وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: يُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِقِيمَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهُ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ مَا لَمْ يَفْدِهِ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لأَِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرْغَبَ فِيهِ رَاغِبٌ فَيَشْتَرِيَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ، فَإِذَا مَنَعَ تَسْلِيمَهُ لِلْبَيْعِ لَزِمَهُ جَمِيعُ الأَْرْشِ لِتَفْوِيتِهِ ذَلِكَ (١) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةَ خَطَأٍ بِقَتْل نَفْسٍ قِيل لِمَوْلاَهُ: إِمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ بَدَلَهَا أَوْ
_________
(١) المغني ٧ / ٧٨١ و٤ / ٢٤٨، وكشاف القناع ٦ / ٣٤، ٤٧٣، والزرقاني ٨ / ٥، وروضة الطالبين ٩ / ٣٦٢، وشرح المنهاج ٤ / ١٥٨.
تَفْدِيَهُ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ قَال: إِذَا جَنَى الْعَبْدُ فَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ. وَلأَِنَّ الأَْصْل فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الآْدَمِيِّ فِي حَالَةِ الْخَطَأِ أَنْ تَتَبَاعَدَ عَنِ الْجَانِي تَحَرُّزًا عَنِ اسْتِئْصَالِهِ وَالإِْجْحَافِ بِهِ، إِذْ هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَمَّدِ الْجِنَايَةَ، وَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي إِذَا كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ، وَالسَّيِّدُ عَاقِلَةُ عَبْدِهِ؛ لأَِنَّ الْعَبْدَ يَسْتَنْصِرُ بِهِ - وَالأَْصْل فِي الْعَاقِلَةِ النُّصْرَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنِ الإِْهْدَارِ.
وَهَذَا عِنْدَهُمْ بِخِلاَفِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَال لأَِنَّ الْعَوَاقِل لاَ تَحْمِل الْمَال. وَالْوَاجِبُ الأَْصْلِيُّ مِنَ الأَْمْرَيْنِ عِنْدَهُمْ دَفْعُ الْعَبْدِ الْجَانِي إِلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَل الْوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْل إِلَى الأَْمْرِ الثَّانِي وَهُوَ الْفِدَاءُ بِالأَْرْشِ.
قَالُوا: فَإِنْ دَفَعَهُ مَالِكُهُ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا، وَكُلٌّ مِنَ الأَْمْرَيْنِ يَلْزَمُ حَالًا، أَمَّا الدَّفْعُ فَلأَِنَّ التَّأْجِيل فِي الأَْعْيَانِ بَاطِلٌ، وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلأَِنَّهُ جُعِل بَدَلًا، فَيَقُومُ مَقَامَهُ وَيَأْخُذُ حُكْمَهُ فَيَجِبُ حَالًا. وَأَيُّهُمَا اخْتَارَهُ وَفَعَلَهُ فَلاَ شَيْءَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ غَيْرُهُ.
فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ بَطَل حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَل الْحَقِّ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَمَا اخْتَارَ الْوَلِيُّ الْفِدَاءَ لَمْ يَبْرَأْ لِتَحَوُّل الْحَقِّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إِلَى ذِمَّةِ الْمَوْلَى.
وَالاِخْتِيَارُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْل، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْل فَلَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَكَذَا كُل مَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، كَأَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ أَوْ يَهَبَهُ أَوْ يُدَبِّرَهُ، أَوْ يَسْتَوْلِدَ الأَْمَةَ الثَّيِّبَ، أَوْ يَطَأَ الْبِكْرَ.
وَأَمَّا إِذَا قَتَل الْعَبْدُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَالْوَاجِبُ عِنْدَهُمُ الْقِصَاصُ كَمَا تَقَدَّمَ (١) .
الْكَفَّارَةُ فِي قَتْل الرَّقِيقِ:
١٢١ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ فِي قَتْل الرَّقِيقِ - بِالإِْضَافَةِ إِلَى قِيمَتِهِ الْوَاجِبَةِ لِسَيِّدِهِ - الْكَفَّارَةَ وَلَوْ قَتَل عَبْدَ نَفْسِهِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَذَلِكَ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ (٢) . الآْيَةَ، وَلأَِنَّهُ مُؤْمِنٌ فَأَشْبَهَ الْحُرَّ، وَهِيَ كَكَفَّارَةِ قَتْل الْحُرِّ سَوَاءٌ، عَلَى التَّفْصِيل وَالْخِلاَفِ فِي ذَلِكَ (ر: كَفَّارَة) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجِبُ كَفَّارَةٌ فِي قَتْل الْعَبْدِ لأَِنَّهُ مَالٌ، وَيُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ، فَلاَ كَفَّارَةَ فِيهِ، كَمَا لاَ كَفَّارَةَ فِي إِتْلاَفِ سَائِرِ الْمُمْتَلَكَاتِ. وَالتَّكْفِيرُ مَعَ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ. قَال الْمَالِكِيَّةُ: وَحُكْمُ الرَّقِيقِ فِي التَّكْفِيرِ إِذَا قَتَل حُرًّا أَوْ عَبْدًا حُكْمُ الْحُرِّ مِنْ حَيْثُ أَصْل التَّكْفِيرِ (٣) .
_________
(١) الهداية ٨ / ٣٥٥ - ٣٦٠ وتكملة فتح القدير.
(٢) سورة النساء / ٩٢.
(٣) المغني ٨ / ٩٣، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٧٢، والقليوبي وعميرة ٤ / ١٦٢.
وَأَمَّا مَا يُكَفِّرُ بِهِ الْعَبْدُ فَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
غَصْبُ الرَّقِيقِ:
١٢٢ - مَنْ غَصَبَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْغَصْبِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ (ر: غَصْب) .
وَذَلِكَ لأَِنَّ الرَّقِيقَ مَالٌ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ غَصْبِ سَائِرِ الأَْمْوَال مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً لَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَى بُضْعِهَا وَهُوَ الْجِمَاعُ، فَيَصِحُّ تَزْوِيجُ السَّيِّدِ لَهَا، وَلاَ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَهْرَهَا لَوْ حَبَسَهَا عَنِ النِّكَاحِ حَتَّى فَاتَ نِكَاحُهَا بِالْكِبَرِ.
وَإِنْ وَطِئَهَا بَعْدَ الْغَصْبِ فَهُوَ زِنًا لأَِنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَتَهُ وَلاَ مِلْكَ يَمِينِهِ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِشُرُوطِهِ، وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ مِثْلِهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ مُطَاوِعَةً اتِّفَاقًا.
أَمَّا إِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ إِلَى أَنَّهُ لاَ مَهْرَ لَهَا، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ (١) . وَقَال الْبُخَارِيُّ: وَلَيْسَ فِي الأَْمَةِ الثَّيِّبِ فِي قَضَاءِ الأَْئِمَّةِ غُرْمٌ وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَجِبُ الْمَهْرُ وَيَكُونُ لِسَيِّدِهَا
_________
(١) حديث: " نهى عن مهر البغي ". أخرجه مسلم (٣ / ١١٩٨ - ط الحلبي) من حديث أبي مسعود الأنصاري.
لأَِنَّهُ حَقُّهُ، فَلاَ يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا كَأَجْرِ مَنَافِعِهَا (١) .
الرَّقِيقُ وَالْحُدُودُ:
حَدُّ الزِّنَا:
١٢٣ - إِذَا زَنَى الرَّقِيقُ يُجْلَدُ خَمْسِينَ جَلْدَةً ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَلاَ يُرْجَمُ، اتِّفَاقًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ (٢) فَيَنْصَرِفُ التَّنْصِيفُ إِلَى الْجَلْدِ دُونَ الرَّجْمِ لِوَجْهَيْنِ: أَنَّ الْجَلْدَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ دُونَ الرَّجْمِ، وَأَنَّ الرَّجْمَ لاَ يَتَنَصَّفُ بَل الَّذِي يَتَنَصَّفُ هُوَ الْجَلْدُ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِل عَنِ الأَْمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنُ فَقَال إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ (٣) وَالْعَبْدُ كَالأَْمَةِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ. قَال عَلِيٌّ ﵁: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمُ الْحَدَّ،
_________
(١) المغني ٥ / ٢٤٧، ٢٤٨، وكشاف القناع ٤ / ٧٧، ٩٧، والقليوبي ٣ / ٣٣، ٤١، وفتح القدير ٧ / ٣٩٠، ٣٩٢، والعناية ٧ / ٣٧١، والدر المختار وابن عابدين ٥ / ١٣٠، والزرقاني ٦ / ١٥١.
(٢) سورة النساء / ٢٥.
(٣) حديث: " إذا زنت فاجلدوها ". أخرجه البخاري (الفتح ١٢ / ١٦٢ - ط السلفية) ومسلم (٣ / ١٣٢٩ - ط الحلبي) .
مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ (١) .
السَّرِقَةُ:
الْمَمْلُوكُ السَّارِقُ:
١٢٤ - ذَهَبَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ سَرَقَ الْمَمْلُوكُ مَا فِيهِ الْحَدُّ وَتَمَّتْ شُرُوطُ الْحَدِّ وَجَبَ قَطْعُهُ، لِعُمُومِ آيَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ، وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ رَقِيقًا لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَنَحَرُوهَا، فَأَمَرَ بِهِمْ عُمَرُ ﵁ أَنْ تُقْطَعَ أَيْدِيهِمْ. ثُمَّ قَال عُمَرُ: وَاَللَّهِ إِنِّي لأَرَاكَ تُجِيعُهُمْ، وَلَكِنْ لأَُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْكَ. ثُمَّ قَال لِلْمُزَنِيِّ: كَمْ ثَمَنُ نَاقَتِكَ؟ قَال: أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ. قَال: أَعْطِهِ ثَمَانَمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدًا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ عِنْدَ عَلِيٍّ ﵁ فَقَطَعَهُ (٢) .
وَإِنْ سَرَقَ الرَّقِيقُ مَال سَيِّدِهِ أَوْ مَال رَقِيقٍ آخَرَ لِسَيِّدِهِ لَمْ يُقْطَعْ لِخَبَرِ عُمَرَ: عَبْدُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ؛ وَلِشُبْهَةِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ؛ وَلأَِنَّ الْعَبْدَ وَمَا مَلَكَتْ يَدَاهُ لِسَيِّدِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ حِرْزِهِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لاَ يُقْطَعُ الْعَبْدُ بِسَرِقَتِهِ مِمَّنْ لَوْ سَرَقَ مِنْهُ السَّيِّدُ لَمْ يُقْطَعْ، وَذَلِكَ كَزَوْجِ
_________
(١) مقالة علي: " يا أيها الناس، أقيموا على أرقائكم الحد ". أخرجها مسلم (٣ / ١٣٣٠ - ط الحلبي) .
(٢) المغني ٨ / ٢٦٧، ٢٦٨، وابن عابدين ٣ / ١٩٢، والزرقاني ٨ / ٩٢.
السَّيِّدَةِ أَوْ زَوْجَةِ السَّيِّدِ، أَوْ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ أَوِ ابْنِهِ أَوْ بِنْتِهِ (١) .
حَدُّ الْقَذْفِ:
أ - إِيقَاعُ الْحَدِّ عَلَى الرَّقِيقِ إِذَا قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً:
١٢٥ - إِذَا قَذَفَ الرَّقِيقُ الْمُكَلَّفُ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً بِالزِّنَا وَلَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ إِجْمَاعًا إِذَا تَمَّتْ شُرُوطُهُ لِعُمُومِ آيَةِ الْقَذْفِ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ حَدَّ الرَّقِيقِ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَدُّ الْقَذْفِ الْجَلْدَ فَهُوَ يَتَنَصَّفُ، فَوَجَبَ تَنْصِيفُهُ، كَحَدِّ الْجَلْدِ فِي الزِّنَا، وَقَدْ قَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: أَدْرَكْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخُلَفَاءِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَضْرِبُونَ الْمَمْلُوكَ إِذَا قَذَفَ إِلاَّ أَرْبَعِينَ (٢) .
ب - قَذْفُ الرَّقِيقِ:
١٢٦ - مَنْ قَذَفَ رَقِيقًا فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، سَوَاءٌ كَانَ الْقَاذِفُ سَيِّدَ الرَّقِيقِ أَوْ غَيْرَ سَيِّدِهِ.
_________
(١) شرح المنهاج وحاشية القليوبي ٤ / ١٨٨، وروضة الطالبين ١٠ / ١٢، وابن عابدين ٣ / ٢٠٢، والدسوقي ٤ / ٣٤٥، والزرقاني ٨ / ١٠٦، ١٠٨، وكشاف القناع ٦ / ١٤١.
(٢) المغني ٨ / ٢١٩، وشرح المنهاج ٤ / ١٨٤، روضة الطالبين ٨ / ٣٢١، والدر المختار مع حاشية ابن عابدين ٣ / ١٦٧، والزرقاني ٨ / ٨٨.