الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٣ الصفحة 13

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٣

الأَْبُ عَبْدًا فَلاَ حَضَانَةَ لَهُ. قَال صَاحِبُ كَشَّافِ الْقِنَاعِ: فَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ جَازَ؛ لاِنْتِفَاءِ الْمَانِعِ.

وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ صُورَةً: وَهِيَ أَنْ تُسَلَّمَ أَمَةٌ لِكَافِرٍ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، فَحَضَانَتُهُ لَهَا، لأَِنَّهَا فَارِغَةٌ إِذْ يُمْنَعُ سَيِّدُهَا مِنْ قُرْبَانِهَا.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأُْمَّ الرَّقِيقَةَ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْحُرِّ؛ لأَِنَّهَا أُمٌّ مُشْفِقَةٌ فَأَشْبَهَتِ الْحُرَّةَ.

قَالُوا: فَإِنْ بِيعَتِ الأَْمَةُ فَنُقِلَتْ كَانَ الأَْبُ أَحَقَّ بِهِ. لَكِنْ قَالُوا: إِنْ تَسَرَّرَ بِهَا الزَّوْجُ بَعْدَ طَلاَقِهَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا، لأَِنَّهَا حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ تَتَزَوَّجُ (١) .

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا فَسَيِّدُهُ أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِ مِنْ أُمِّهِ وَأَبِيهِ وَلَوْ كَانَا حُرَّيْنِ؛ لأَِنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ، وَصُوَرُ رِقِّهِ مَعَ حُرِّيَّةِ الأُْمِّ مُتَعَدِّدَةٌ، مِنْهَا: أَنْ يُولَدَ مِنْ رَقِيقَةٍ فَتَعْتِقُ هِيَ دُونَ وَلَدِهَا. لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ، لِمَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا (٢) .

الرَّضَاعُ:

١٠٤ - لِلأَْمَةِ إِرْضَاعُ وَلَدِهَا حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، وَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ تَمْكِينُهَا مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ لاَ يَسْتَرْضِعَ الأَْمَةَ لِغَيْرِ وَلَدِهَا؛ لأَِنَّ فِيهِ إِضْرَارًا بِالْوَلَدِ لِلنَّقْصِ مِنْ كِفَايَتِهِ وَصَرْفِ اللَّبَنِ الْمَخْلُوقِ

_________

(١) المغني ٧ / ٦١٣، والزرقاني ٤ / ٢٦٤، وكشاف القناع ٤ / ٢٣٥، والقليوبي ٤ / ٩٠.

(٢) فتح القدير ٣ / ٣١٧.

لَهُ إِلَى غَيْرِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ، فَلاَ يَجُوزُ كَنَقْصِ الْكَبِيرِ عَنْ كِفَايَتِهِ.

فَإِنْ كَانَ فِي لَبَنِهَا فَضْلٌ عَنْ كِفَايَةِ وَلَدِهَا فَلِسَيِّدِهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِإِجَارَتِهَا لِلإِْرْضَاعِ، كَمَا لَوْ مَاتَ وَلَدُهَا وَبَقِيَ لَبَنُهَا (١) .

الرَّقِيقُ وَالْوَصَايَا:

أ - وَصِيَّةُ الرَّقِيقِ:

١٠٥ - إِنْ وَصَّى الْعَبْدُ بِمَالٍ ثُمَّ مَاتَ عَلَى الرِّقِّ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ؛ لأَِنَّهُ لاَ مَال لَهُ بَل مَا بِيَدِهِ لِسَيِّدِهِ.

أَمَّا إِنْ أُعْتِقَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُغَيِّرْ وَصِيَّتَهُ فَإِنَّهَا تَكُونُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ صَحِيحَةً لأَِنَّ قَوْلَهُ صَحِيحٌ وَأَهْلِيَّتَهُ تَامَّةٌ؛ وَلأَِنَّ الْوَصِيَّةَ يَصِحُّ صُدُورُهَا مِمَّنْ لاَ مَال لَهُ، كَمَا لَوْ وَصَّى، الْفَقِيرُ الَّذِي لاَ مَال لَهُ ثُمَّ اسْتَغْنَى.

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ: تَكُونُ بَاطِلَةً أَيْضًا وَلَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ فِيهِ (٢) .

ب - الْوَصِيَّةُ لِلرَّقِيقِ:

١٠٦ - إِنْ أَوْصَى السَّيِّدُ بِعِتْقِ عَبْدِهِ صَحَّتِ

_________

(١) كشاف القناع ٥ / ٩١، والزرقاني ٤ / ٢٥٩.

(٢) المغني ٦ / ١٠٣، وكشاف القناع ٤ / ٣٣٦، والزرقاني ٨ / ١٧٥، والعناية شرح الهداية بهامش فتح القدير ٨ / ٤٣٤، وروضة الطالبين ٦ / ٩٨، والقليوبي على شرح المنهاج ٣ / ١٥٧.

الْوَصِيَّةُ إِجْمَاعًا، بِشَرْطِهَا، وَيَكُونُ تَدْبِيرًا (ر: تَدْبِير) وَإِنْ أَوْصَى السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ مَالِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِذَلِكَ صَحِيحَةٌ، وَتُصْرَفُ جَمِيعُهَا إِلَى عِتْقِ الْعَبْدِ، فَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنَ الْوَصِيَّةِ عَتَقَ وَاسْتَحَقَّ بَاقِيَهَا بَعْدَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْوَصِيَّةِ. ثُمَّ قَال الْحَنَفِيَّةُ: يُسْتَسْعَى بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ عَلَى الرِّقِّ.

وَوَجْهُ الصِّحَّةِ: أَنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ يَتَنَاوَل الْعَبْدَ لأَِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الثُّلُثِ الشَّائِعِ. وَالْوَصِيَّةُ لَهُ بِنَفْسِهِ تَصِحُّ وَيَعْتِقُ، وَمَا فَضَل يَسْتَحِقُّهُ لأَِنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا فَيَمْلِكُ بِالْوَصِيَّةِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَال: أَعْتِقُوا عَبْدِي مِنْ ثُلُثِي وَأَعْطُوهُ مَا فَضَل مِنْهُ.

وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ رَقَبَتِهِ وَمِنْ سَائِرِ التَّرِكَةِ.

وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِمُعَيَّنٍ كَثَوْبٍ أَوْ دَارٍ، أَوْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ؛ لأَِنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ، فَمَا وَصَّى لَهُ بِهِ يَكُونُ مِلْكًا لَهُمْ، فَكَأَنَّهُ أَوْصَى لِلْوَرَثَةِ بِمَا يَرِثُونَهُ.

وَقَال مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: تَصِحُّ.

وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: الْوَصِيَّةُ لِلرَّقِيقِ بَاطِلَةٌ بِكُل حَالٍ إِلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِعِتْقِهِ.

أَمَّا إِنْ أَوْصَى بِمَالٍ لِعَبْدِ غَيْرِهِ فَيَصِحُّ اتِّفَاقًا.

ثُمَّ إِنْ عَتَقَ فَالْمَال لَهُ. وَإِنْ بَقِيَ عَلَى الرِّقِّ فَلِلسَّيِّدِ. وَلاَ يُشْتَرَطُ إِذْنُ السَّيِّدِ فِي الْقَبُول عِنْدَ الْجُمْهُورِ لأَِنَّهُ كَسْبٌ، كَالاِحْتِطَابِ. وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ خِلاَفِ الأَْصَحِّ: يَفْتَقِرُ إِلَى إِذْنِ سَيِّدِهِ، كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (١) .

ج - الإِْيصَاءُ إِلَى الرَّقِيقِ:

١٠٧ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الإِْيصَاءِ إِلَى الرَّقِيقِ: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى صِحَّةِ الإِْيصَاءِ إِلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ عَبْدَهُ أَمْ عَبْدَ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ تَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُ فِي الْحَيَاةِ فَصَحَّ أَنْ يُوصِيَ إِلَيْهِ كَالْحُرِّ. ثُمَّ قَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِعَبْدِ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ فِي الْقَبُول فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.

وَقَال الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إِلَى الرَّقِيقِ بِحَالٍ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَكُونُ وَلِيًّا عَلَى ابْنِهِ بِالنَّسَبِ فَلاَ يَكُونُ وَصِيًّا عَلَى أَوْلاَدِ غَيْرِهِ؛ وَلأَِنَّ فِي الإِْيصَاءِ إِلَيْهِ عَلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي إِثْبَاتَ الْوِلاَيَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَهُوَ قَلْبٌ لِلْمَشْرُوعِ.

وَقَال الأَْوْزَاعِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ:

_________

(١) المغني ٦ / ١٠٩، ١١٠، وروضة الطالبين ٦ / ١٠١، ١٠٣ والعناية وحاشية سعدي جلبي على الهداية بهامش تكملة فتح القدير ٨ / ٥١، والزرقاني ٨ / ١٨٣.

يَصِحُّ الإِْيصَاءُ إِلَى عَبْدِ نَفْسِهِ وَلاَ يَصِحُّ إِلَى عَبْدِ غَيْرِهِ (١) .

وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ الإِْيصَاءُ إِلَى الرَّقِيقِ عَلَى أَوْلاَدِ الْمُوصِي إِنْ كَانُوا صِغَارًا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ رَشِيدٌ. فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّ لِلْكَبِيرِ بَيْعَهُ أَوْ بَيْعَ نَصِيبِهِ مِنْهُ فَيَعْجِزُ عَنِ الْقِيَامِ بِالْوِصَايَةِ. أَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ كَبِيرٌ فَتَصِحُّ؛ لأَِنَّهُ يَكُونُ مُكَلَّفًا مُسْتَبِدًّا بِالتَّصَرُّفِ، وَلَيْسَ لأَِحَدٍ عَلَيْهِ وِلاَيَةٌ، فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مَالِكِينَ لَهُ لَكِنْ لَمَّا أَقَامَهُ أَبُوهُمْ مَقَامَ نَفْسِهِ صَارَ مُسْتَبِدًّا بِالتَّصَرُّفِ مِثْلَهُ بِلاَ وِلاَيَةٍ لَهُمْ عَلَيْهِ.

وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا: لاَ يَصِحُّ الإِْيصَاءُ إِلَى عَبْدِ الْغَيْرِ أَصْلًا، فَلَوْ أَوْصَى إِلَيْهِ ثُمَّ أُعْتِقَ لَمْ يُخْرِجْهُ الْقَاضِي عَنِ الْوِصَايَةِ. أَمَّا إِنْ لَمْ يُعْتِقْ فَيُخْرِجُهُ وَيُبَدِّلُهُ بِغَيْرِهِ.

إِرْثُ الرَّقِيقِ:

١٠٧ م - الرِّقُّ أَحَدُ مَوَانِعِ الإِْرْثِ، فَالرَّقِيقُ لاَ يَرِثُ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ، لأَِنَّهُ مَمْلُوكٌ يُورَثُ عَنْ مَالِكِهِ فَلاَ يَرِثُ، وَذَلِكَ بِالإِْجْمَاعِ إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَطَاوُوسٍ أَنَّهُ يَرِثُ، وَيَكُونُ مَا يَرِثُهُ لِسَيِّدِهِ كَسَائِرِ كَسْبِهِ، وَالْمَمْلُوكُ لاَ يُورَثُ لأَِنَّهُ

_________

(١) المغني ٦ / ١٣٨، والزرقاني ٨ / ٢٠٠، وشرح المنهاج وحاشية القليوبي ٣ / ١٧٧، وروضة الطالبين ٦ / ٣١١، وابن عابدين ٥ / ٤٨٨.

لاَ مَال لَهُ، وَعَلَى الْقَوْل بِأَنَّهُ يَمْلِكُ مِلْكًا ضَعِيفًا فَإِنَّ مَالَهُ يَئُول لِسَيِّدِهِ اتِّفَاقًا (١) .

الرَّقِيقُ وَالتَّبَرُّعَاتُ:

١٠٨ - تَجُوزُ الْهِبَةُ مِنَ الرَّقِيقِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، لأَِنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ، فَإِنْ أَذِنَهُ فِي الْهِبَةِ انْفَكَّ حَجْرُهُ فِيهَا. فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ لَمْ يَجُزْ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّقِيقِ أَنْ يَضْمَنَ أَحَدًا بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَوْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، لأَِنَّهُ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ إِيجَابَ مَالِكٍ فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إِذْنٍ كَالنِّكَاحِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ فِي احْتِمَالٍ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُهُ؛ لأَِنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ، وَلاَ ضَرَرَ فِيهِ عَلَى السَّيِّدِ، وَيُتَّبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ.

فَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ أَنْ يَضْمَنَ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ مِنَ الْمَال الَّذِي بِيَدِهِ صَحَّ (٢) .

قَبُول الرَّقِيقِ لِلتَّبَرُّعَاتِ:

١٠٩ - لِلرَّقِيقِ أَنْ يَقْبَل التَّبَرُّعَاتِ مِنْ هِبَةٍ أَوْ

_________

(١) المغني ٦ / ٢٦٦، وروضة الطالبين ٦ / ٣٠، والقليوبي ٣ / ١٤٨.

(٢) كشاف القناع ٤ / ٣٠٣، المغني ٤ / ٥٤٢، وروضة الطالبين ٤ / ٢٤٢.

هَدِيَّةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ وَلَوْ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ، لأَِنَّهُ تَحْصِيل مَنْفَعَةٍ كَالاِحْتِشَاشِ وَالاِصْطِيَادِ، وَتَكُونُ لِسَيِّدِهِ لاَ لَهُ.

وَلَوْ أَبَى الْعَبْدُ قَبُول الْهِبَةِ فَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَجْبُرَهُ عَلَى قَبُولِهَا (١) .

الْحَجْرُ عَلَى الرَّقِيقِ:

١١٠ - الرَّقِيقُ فِي الأَْصْل مَحْجُورٌ عَلَيْهِ شَرْعًا لِحَظِّ سَيِّدِهِ. فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ بِعَيْنِ الْمَال، أَوْ يَتَّجِرَ أَوْ يَسْتَأْجِرَ أَوْ يُؤَجِّرَ، وَلَوْ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَإِنْ فَعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ دُونَ إِذْنٍ كَانَ تَصَرُّفُهُ بَاطِلًا أَوْ مَوْقُوفًا، عَلَى الْخِلاَفِ فِي تَصَرُّفِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ. وَقِيل: يَصِحُّ الشِّرَاءُ لأَِنَّ الثَّمَنَ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ.

وَإِذَا لَزِمَ الرَّقِيقَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِغَيْرِ رِضَا سَيِّدِهِ، كَأَنِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ أَوِ اقْتَرَضَ، فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، إِلَى أَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ يَتَّبِعُهُ الْغَرِيمُ بِهِ إِذَا عَتَقَ وَأَيْسَرَ، كَالْحُرِّ، وَكَالأَْمَةِ إِذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِرَقَبَتِهِ كَأَرْشِ جِنَايَتِهِ، فَإِنْ شَاءَ سَيِّدُهُ فَدَاهُ، وَلاَ يَلْزَمُهُ

_________

(١) الزرقاني ٣ / ٢١٨، وكشاف القناع ٤ / ٣٠٣.

فِدَاؤُهُ بِمَا يَزِيدُ عَنْ قِيمَتِهِ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهُ لِلدَّائِنِ عِوَضَ دَيْنِهِ (١) .

الرَّقِيقُ الْمَأْذُونُ:

١١١ - يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْذَنَ لِرَقِيقِهِ فِي التَّصَرُّفِ وَالْمُتَاجَرَةِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: بِغَيْرِ خِلاَفٍ نَعْلَمُهُ؛ لأَِنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ كَانَ لِحَقِّ سَيِّدِهِ، فَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِإِذْنِهِ (٢) .

ثُمَّ قَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الإِْذْنَ يَتَحَدَّدُ بِقَدْرِ مَا أَذِنَ السَّيِّدُ، وَيَنْفَكُّ عَنْهُ حَجْرُهُ بِقَدْرِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ، وَيَسْتَمِرُّ الْحَجْرُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ، فَإِنْ دَفَعَ إِلَيْهِ مَالًا يَتَّجِرُ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَيَتَّجِرَ فِيهِ، إِنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ فِي ذِمَّتِهِ جَازَ. وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ نَوْعًا مِنَ الْمَال يَتَّجِرُ فِيهِ جَازَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الاِتِّجَارُ فِي غَيْرِهِ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ، وَلاَ أَنْ يُؤَجِّرَ مَال التِّجَارَةِ كَدَوَابِّهَا، وَلاَ أَنْ يَتَوَكَّل لإِنْسَانٍ؛ لأَِنَّ الإِْذْنَ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ. وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَتَصَرَّفُ الرَّقِيقُ الْمَأْذُونُ بِالْوَكَالَةِ وَالنِّيَابَةِ عَنْ سَيِّدِهِ.

وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ مَال التِّجَارَةِ - وَلَوْ يَسِيرًا - مَا لَمْ يَعْلَمْ بِرِضَا سَيِّدِهِ

_________

(١) المغني ٤ / ٢٤٧ - ٢٤٩ و٥ / ٧٧، والمنهاج وشرح المحلي بحاشية القليوبي ٢ / ٢٤٢، والزرقاني ٥ / ٣٠٢.

(٢) المغني ٥ / ٧٧.

بِذَلِكَ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ فِي هَذَا مِثْل قَوْل الْحَنَفِيَّةِ كَمَا يَأْتِي.

قَال الْجُمْهُورُ: وَلاَ بُدَّ مِنَ الإِْذْنِ بِالْقَوْل، فَلَوْ رَأَى السَّيِّدُ عَبْدَهُ يَتَّجِرُ فَلَمْ يَنْهَهُ لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ مَأْذُونًا (١) .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الرَّقِيقَ الْمَأْذُونَ يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ فِي مَا هُوَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ.

قَالُوا: وَالإِْذْنُ هُنَا إِنَّمَا هُوَ إِسْقَاطٌ لِلْحَقِّ، وَلَيْسَ تَوْكِيلًا أَوْ إِنَابَةً، ثُمَّ يَتَصَرَّفُ الرَّقِيقُ لِنَفْسِهِ بِمُقْتَضَى أَهْلِيَّتِهِ، فَلاَ يَتَوَقَّتُ بِوَقْتٍ وَلاَ يَتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ، فَلَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا صَارَ مَأْذُونًا مُطْلَقًا حَتَّى يُعِيدَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لأَِنَّ الإِْسْقَاطَ لاَ يَتَوَقَّتُ. وَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ عَمَّ إِذْنُهُ الأَْنْوَاعَ كُلَّهَا وَلَوْ نَهَاهُ عَنْهَا صَرِيحًا، كَأَنْ قَال: اشْتَرِ الْبَزَّ وَلاَ تَشْتَرِ غَيْرَهُ، فَتَصِحُّ مِنْهُ كُل تِجَارَةٍ.

قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَيَثْبُتُ الإِْذْنُ لِلْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ دَلاَلَةً، فَلَوْ رَأَى السَّيِّدُ عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي مَا أَرَادَ فَسَكَتَ السَّيِّدُ صَارَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ مَأْذُونًا، إِلاَّ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا قُصِدَ بِهِ مِنَ الإِْذْنِ الاِسْتِخْدَامُ، كَأَنْ يَطْلُبَ مِنْ عَبْدِهِ شِرَاءَ شَيْءٍ لِحَاجَتِهِ، فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ إِذْنًا فِي التِّجَارَةِ، وَبَيْنَ مَا قُصِدَ بِهِ فَكُّ الْحَجْرِ.

قَالُوا: وَلِلْمَأْذُونِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ، وَيُوَكِّل

_________

(١) المغني٤ / ٢٤٩ و٥ / ٧٧، ٧٨، وابن عابدين ٥ / ٩٩، وشرح المنهاج بحاشية القليوبي ٢ / ٢٤٢ وما بعدها.

بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَيَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ، وَيُعِيرَ الثَّوْبَ وَالدَّابَّةَ؛ لأَِنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ، وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ قِصَاصٍ وَجَبَ عَلَى عَبْدِهِ، وَتُقْبَل الشَّهَادَةُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ مَوْلاَهُ. وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الأَْرْضَ إِجَارَةً أَوْ مُسَاقَاةً أَوْ مُزَارَعَةً، وَيُشَارِكَ عِنَانًا لاَ مُفَاوَضَةً، وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ وَيُؤَجِّرَ، وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ وَيُقِرَّ بِنَحْوِ وَدِيعَةٍ أَوْ غَصْبٍ، وَيُهْدِي طَعَامًا يَسِيرًا بِمَا لاَ يُعَدُّ سَرَفًا، وَأَنْ يُضِيفَ الضِّيَافَةَ الْيَسِيرَةَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ وَلَوْ عَلَى مَالٍ، وَلاَ أَنْ يُقْرِضَ أَوْ يَهَبَ وَلَوْ بِعِوَضٍ، وَلاَ يَكْفُل بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَلاَ يُصَالِحَ عَنْ قِصَاصٍ وَجَبَ عَلَيْهِ (١) . وَفِي الْهِدَايَةِ: لاَ بَأْسَ بِقَبُول هَدِيَّةِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ بِخِلاَفِ هَدِيَّتِهِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ، اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ بُطْلاَنُهُ لأَِنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَبِل هَدِيَّةَ سَلْمَانَ ﵁ حِينَ كَانَ عَبْدًا (٢)، وَقَبِل هَدِيَّةَ بَرِيرَةَ ﵂ (٣) . وَأَجَابَ بَعْضُ

_________

(١) الدر المختار وابن عابدين ٥ / ٩٩ - ١٠٤.

(٢) حديث: " أن النبي ﷺ قبل هدية سلمان ﵁ " أخرجه أحمد (٥ / ٤٤٣ - ط الميمنية) من حديث سلمان، وقال الهيثمي في المجمع (٩ / ٣٣٦ - ط القدسي): " رجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع ".

(٣) حديث: " قبوله هدية بريرة ". أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٤١٠ - ط السلفية) من حديث عائشة.