الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٢
إِثْرَهَا قَوْلًا لِلدَّمِيرِيِّ نَصَّ فِيهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْمُلْكِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلاَل لِلأَْثَرِ الْوَارِدِ فِيهَا، وَلأَِنَّهَا الْمُنَجِّيَةُ الْوَاقِيَةُ (١) .
_________
(١) الأذكار ص ١٧١، ومواهب الجليل ٢ / ٣٨٢، ٣٨٣
رَائِحَةٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الرَّائِحَةُ وَالرِّيحُ فِي اللُّغَةِ: النَّسِيمُ طَيِّبًا كَانَ أَوْ نَتِنًا. يُقَال: وَجَدْتُ رَائِحَةَ الشَّيْءِ وَرِيحَهُ. وَالرَّائِحَةُ عَرَضٌ يُدْرَكُ بِحَاسَّةِ الشَّمِّ. وَقِيل: لاَ يُطْلَقُ اسْمُ الرِّيحِ إِلاَّ عَلَى الطَّيِّبِ (١)، جَاءَ فِي الأَْثَرِ: أَنَّهُ ﷺ أَمَرَ بِالإِْثْمِدِ الْمُرَوَّحِ أَيِ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ النَّوْمِ (٢) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
تَرِدُ كَلِمَةُ " رَائِحَةٌ " فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فِي أَبْوَابٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَبِاخْتِلاَفِ الأَْبْوَابِ تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا.
أ - الرَّائِحَةُ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ:
٢ - الأَْصْل فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَإِزَالَةِ الْخَبَثِ أَنْ
_________
(١) لسان العرب، تاج العروس، المغرب، المصباح المنير.
(٢) حديث: " أمر بالإثمد المروح عند النوم " أخرجه أبو داود (٢ / ٧٧٦ - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث معبد بن هوذة، ثم قال: " قال لي ابن معين: هو حديث منكر ".
يَكُونَ بِالْمَاءِ قَال تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ (١) .
وَاشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ بَقَاءَ أَوْصَافِهِ الأَْصْلِيَّةِ وَهِيَ: اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالرَّائِحَةُ. فَإِنْ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، كَرَائِحَتِهِ، بِشَيْءٍ خَالَطَهُ بِحَيْثُ لاَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ عُرْفًا، بَل يُضَافُ إِلَيْهِ قَيْدٌ لاَزِمٌ، كَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يَسْلُبُ عَنْهُ الطَّهُورِيَّةَ، فَيُصْبِحُ الْمَاءُ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهِّرٍ إِنْ كَانَ الْمُخَالِطُ الْمُغَيِّرُ طَاهِرًا، فَلاَ يَرْفَعُ حَدَثًا وَلاَ يُزِيل خَبَثًا وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا بِذَاتِهِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ مَاءً مُطْلَقًا (٢) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ عَنِ الْمَاءِ تَغَيُّرُ أَوْصَافِهِ إِنْ لَمْ يَزُل عَنْهُ طَبْعُ الْمَاءِ. وَطَبْعُ الْمَاءِ: كَوْنُهُ سَيَّالًا مُرَطِّبًا مُسَكِّنًا لِلْعَطَشِ (٣) .
أَمَّا إِذَا حَصَل التَّغَيُّرُ بِمُجَاوِرٍ لِلْمَاءِ لَمْ يُخَالِطْهُ فَإِنَّهُ لاَ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ عَنْهُ؛ لأَِنَّهُ مُجَرَّدُ تَرَوُّحٍ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي: (مِيَاهٌ) .
ب - رَائِحَةُ الطِّيبِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ:
٣ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُحْظَرُ عَلَى الْمُحْرِمِ اسْتِعْمَال مَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَيُقْصَدُ بِهِ رَائِحَتُهُ كَالْمِسْكِ وَالْعُودِ وَنَحْوِهِمَا، أَمَّا مَا لاَ تُقْصَدُ
_________
(١) سورة الفرقان / ٤٨.
(٢) أسنى المطالب ١ / ٧ - ٨، كشاف القناع ١ / ٣٢، الزرقاني ١ / ١١، الشرقاوي على التحرير ١ / ٣٢ - ٣٤
(٣) الاختيار ١ / ١٤.
رَائِحَتُهُ، كَالتُّفَّاحِ وَالأُْتْرُجِّ فَلاَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ اسْتِعْمَالُهُ، وَإِنْ كَانَتْ رَائِحَتُهُ طَيِّبَةً. وَانْظُرْ (إِحْرَامٌ) .
ج - الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ وَالرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ فِي الْمَسَاجِدِ:
٤ - يُسْتَحَبُّ تَطْيِيبُ الْمَسَاجِدِ، وَيُصَانُ الْمَسْجِدُ عَنِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ مِنْ ثُومٍ أَوْ بَصَلٍ وَنَحْوِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ، كَمَا يُكْرَهُ لِمَنْ أَكَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ دُخُول الْمَسَاجِدِ وَيُرَخَّصُ لَهُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَمِثْلُهُ مَنْ لَهُ صُنَانٌ أَوْ بَخَرٌ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ إِخْرَاجِ مَنْ بِهِ ذَلِكَ إِزَالَةً لِلأَْذَى (١)؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ أَخْرَجَ أَذًى مِنَ الْمَسْجِدِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ (٢)، وَقَال ﵊: مَنْ أَكَل ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا - أَوْ قَال: فَلْيَعْتَزِل مَسْجِدَنَا (٣) .
_________
(١) كشاف القناع ٢ / ٣٦٥، وأسنى المطالب ١ / ٢١٥، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٠٣، ومواهب الجليل ٦ / ١٣.
(٢) حديث: " من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتًا في الجنة " أخرجه ابن ماجه ١ / ٢٥٠ - ط الحلبي من حديث أبي سعيد الخدري، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (١ / ١٦٣ - ط دار الجنان): " هذا إسناد ضعيف، ومسلم - هو ابن يسار - لم يسمع من أبي سعيد، ومحمد - يعني ابن صالح المدني - فيه لين ".
(٣) حديث: " من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا - أو قال: فليعتزل مسجدنا " أخرجه البخاري (الفتح ٢ / ٢٣٩ - ط السلفية)، ومسلم (١ / ٣٩٤ - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله
وَقَال: مَنْ أَكَل مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ يَعْنِي الثُّومَ فَلاَ يَقْرَبْنَا فِي الْمَسْجِدِ وَفِي رِوَايَةٍ: فَلاَ يَقْرَبْ مُصَلاَّنَا (١) .
وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِخْرَاجُ الرِّيحِ فِي الْمَسْجِدِ بِجَامِعِ الإِْيذَاءِ بِالرَّائِحَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ (٢)، لِخَبَرِ: إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ (٣) .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِجَوَازِ ذَلِكَ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْمَسْجِدَ يُنَزَّهُ عَنِ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ (٤) . وَانْظُرْ: (مَسَاجِدُ) .
د - التَّلَفُ بِسَبَبِ الرَّائِحَةِ:
٥ - إِذَا اتَّخَذَ مِنْ دَارِهِ - بَيْنَ الدُّورِ الْمَسْكُونَةِ - مَعْمَلًا لَهُ رَائِحَةٌ مُؤْذِيَةٌ، فَشَمَّهُ أَطْفَالٌ أَوْ غَيْرُهُمْ فَمَاتُوا بِذَلِكَ ضَمِنَ صَاحِبُ الدَّارِ، لِمُخَالَفَتِهِ الْعَادَةَ. وَإِنْ قَلَى أَوْ شَوَى فِي دَارِهِ مَا يُسَبِّبُ إِجْهَاضَ الْحَامِل إِنْ لَمْ تَأْكُل مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ إِلَيْهَا مَا يَدْفَعُ عَنْهَا الإِْجْهَاضَ بِعِوَضٍ إِنْ
_________
(١) حديث: " من أكل من هذه الشجرة الخبيثة (يعني الثوم) فلا يقربنا في المسجد ". وفي رواية: " فلا يقرب مصلانا ". أخرجه مسلم (١ / ٣٩٥ - ط الحلبي) وأبو عوانة (١ / ٤١٢ - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث أبي سعيد الخدري، والرواية الأخرى لأبي عوانة.
(٢) المصادر السابقة، وكشاف القناع ١ / ٤٩٧.
(٣) حديث: " إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم " أخرجه مسلم (١ / ٣٩٥ - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
(٤) مواهب الجليل ٦ / ١٣.
كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى الْعِوَضِ، وَإِلاَّ فَبِلاَ عِوَضٍ، وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ مِنْهُ، فَإِنْ قَصَّرَ ضَمِنَ دِيَةَ الْجَنِينِ (١) . وَالتَّفْصِيل فِي بَابِ الدِّيَاتِ، وَمُصْطَلَحِ: (إِجْهَاضٌ، ف ٩) .
هـ - ثُبُوتُ حَدِّ الشُّرْبِ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ:
٦ - لاَ يَثْبُتُ حَدُّ الشُّرْبِ بِوُجُودِ رَائِحَةِ الْخَمْرِ فِي فَمِ الشَّارِبِ فِي قَوْل أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ، مِنْهُمْ: الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ. وَقَالُوا: يُحْتَمَل أَنَّهُ تَمَضْمَضَ بِالْخَمْرِ أَوْ حَسِبَهَا مَاءً فَلَمَّا صَارَتْ فِي فَمِهِ مَجَّهَا، وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا، أَوْ شَرِبَ شَرَابَ التُّفَّاحِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْهُ كَرَائِحَةِ الْخَمْرِ، وَبِوُجُودِ الاِحْتِمَال لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ؛ لأَِنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ (٢) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَثْبُتُ حَدُّ الشُّرْبِ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ جَلَدَ رَجُلًا وَجَدَ مِنْهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ؛ وَلأَِنَّ الرَّائِحَةَ تَدُل عَلَى شُرْبِهِ لِلْخَمْرِ، فَأُجْرِيَ مَجْرَى الإِْقْرَارِ (٣) .
وَالتَّفْصِيل فِي: (سُكْرٌ) .
_________
(١) نهاية المحتاج ٥ / ٣٣٧، وحاشية عميرة على المحلي ٣ / ٩٠، وشرح الزرقاني ٨ / ٣٢.
(٢) ابن عابدين ٣ / ١٦٤، وأسنى المطالب ٤ / ١٥٩، والمغني ٨ / ٣١٧.
(٣) شرح الزرقاني ٨ / ١١٣، ومواهب الجليل ٦ / ٣١٧، والمغني لابن قدامة ٨ / ٣٠٩
و- تَغَيُّرُ رَائِحَةِ لَحْمِ الْجَلاَّلَةِ أَوْ لَبَنِهَا:
٧ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَكْل لَحْمِ الْجَلاَّلَةِ وَشُرْبُ لَبَنِهَا إِذَا تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُمَا بِالنَّجَاسَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ بِالتَّحْرِيمِ. وَانْظُرْ: (أَطْعِمَةٌ، جَلاَّلَةٌ) .
ز - مَنْعُ الزَّوْجَةِ مِنْ أَكْل مَا يَتَأَذَّى الزَّوْجُ مِنْ رَائِحَتِهِ:
٨ - لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ تَنَاوُل مَا يَتَأَذَّى مِنْ رَائِحَتِهِ كَالثُّومِ، وَالْبَصَل وَنَحْوِهِمَا.
كَمَا لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى إِزَالَةِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ مِنْ بَدَنِهَا، وَثَوْبِهَا؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ كَمَال الاِسْتِمْتَاعِ (١) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (نِكَاحٌ) .
_________
(١) روضة الطالبين ٧ / ١٣٧، وقليوبي ٣ / ٢٥٢، والمغني ٧ / ٢٩ - ٣٠
رَابِغٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - رَابِغٌ: وَادٍ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ قُرْبَ الْبَحْرِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ مِنَ الْجُحْفَةِ (١) .
وَأَصْل هَذَا الْمُصْطَلَحِ اللُّغَوِيِّ: رَبَغَ الْقَوْمُ فِي النَّعِيمِ: أَقَامُوا. . . وَالرَّبْغُ: التُّرَابُ، وَالرَّابِغُ: مَنْ يُقِيمُ عَلَى أَمْرٍ مُمْكِنٍ لَهُ.
وَالْجُحْفَةُ مِيقَاتُ الإِْحْرَامِ لأَِهْل الشَّامِ وَتُرْكِيَّةَ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ، وَتَقَعُ قُرْبَ السَّاحِل وَسَطَ الطَّرِيقِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
وَقَدِ انْدَثَرَتِ الْجُحْفَةُ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ وَأَصْبَحَتْ لاَ تَكَادُ تُعْرَفُ، وَأَصْبَحَ حُجَّاجُ هَذِهِ الْبِلاَدِ يُحْرِمُونَ مِنْ رَابِغٍ احْتِيَاطًا، وَتَقَعُ قَبْل الْجُحْفَةِ بِقَلِيلٍ؛ لِلْقَادِمِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَتَبْعُدُ عَنْ مَكَّةَ (٢٢٠) كِيلُو مِتْرًا.
انْظُرْ: (إِحْرَامٌ: ف ٤٠) .
_________
(١) انظر القاموس ولسان العرب ومراصد الإطلاع ومعجم البلدان ٣ / ١١، والشرقاوي على التحرير ١ / ٥٠٥، والحطاب ٣ / ٣٠، وابن عابدين ٢ / ١٥٣، وكشاف القناع ٢ / ٤٠٠.
رَاتِبٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الرَّاتِبُ: لُغَةً مِنْ رَتَبَ الشَّيْءُ رُتُوبًا إِذَا ثَبَتَ وَاسْتَقَرَّ، فَالرَّاتِبُ هُوَ الثَّابِتُ، وَعَيْشٌ رَاتِبٌ: أَيْ ثَابِتٌ دَائِمٌ. قَال ابْنُ جِنِّي: يُقَال: مَا زِلْتُ عَلَى هَذَا رَاتِبًا أَيْ مُقِيمًا (١) .
وَلاَ يَخْرُجُ مَعْنَاهُ الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ (٢) .
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
٢ - وَرَدَ مُصْطَلَحُ الرَّاتِبِ فِي عِدَّةِ أَبْوَابٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ مِنْهَا:
أ - السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ مِنَ الصَّلَوَاتِ:
٣ - وَهِيَ السُّنَنُ التَّابِعَةُ لِلْفَرَائِضِ، وَوَقْتُهَا وَقْتُ الْمَكْتُوبَاتِ الَّتِي تَتْبَعُهَا.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَقَادِيرِهَا.
_________
(١) لسان العرب، المصباح المنير مادة: (رتب) .
(٢) يرد (الراتب) عند الفقهاء المعاصرين كثيرًا في مباحث الوقف والإجارة ويراد به ما رتب للشخص من أجر أو غلة بصفة دائمة.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الرَّوَاتِبَ الْمُؤَكَّدَةَ عَشْرُ رَكَعَاتٍ، رَكْعَتَانِ قَبْل الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْل الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ؛ لِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ قَال: حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْل الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْل الصُّبْحِ، وَكَانَتْ سَاعَةً لاَ يُدْخَل عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِيهَا، حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ ﵂ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَطَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ (١) .
وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ مَرْجُوحَةٌ عِنْدَ الْمَذَاهِبِ تَذْكُرُ أَرْبَعًا بَعْدَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعًا قَبْل الْعَصْرِ، وَاثْنَتَيْنِ قَبْل الْمَغْرِبِ، وَسِتًّا بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَأَنْ لاَ رَاتِبَةَ بَعْدَ الْعِشَاءِ بِلاَ حَدٍّ (٢) .
وَالتَّفَاصِيل فِي: (السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مِقْدَارَهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً: رَكْعَتَانِ قَبْل صَلاَةِ الْفَجْرِ، وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْل صَلاَةِ الظُّهْرِ - لاَ يُسَلِّمُ إِلاَّ فِي آخِرِهِنَّ - وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ صَلاَةِ
_________
(١) حديث ابن عمر: " حفظت من النبي ﷺ عشر ركعات. . . . . " أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٥٨ - ط السلفية) .
(٢) الشرح الصغير ١ / ٤٠٢، وجواهر الإكليل ١ / ٧٣، ومغني المحتاج ١ / ٢٢٠، والمغني لابن قدامة ٢ / ١٢٥، المجموع ٤ / ٢٢١.