الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٢ الصفحة 7

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٢

التَّفْسِيرُ الثَّانِي بِمَعْنَى تَضْيِيقِ عَدَدِ أَيَّامِ الشَّهْرِ:

فَسَّرَ الْقَائِلُونَ بِهِ اقْدُرُوا لَهُ بِمَعْنَى ضَيِّقُوا لَهُ الْعَدَدَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ (١)، وَالتَّضْيِيقُ لَهُ أَنْ يَجْعَل شَعْبَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا (٢) . وَمِمَّنْ قَال بِهَذَا الرَّأْيِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يُجَوِّزُ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ إِنْ كَانَتِ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً (٣) .

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسِبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلاَثِينَ (٤) .

بَيَّنَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّ الْمَنْفِيَّ عَنْهُمُ الْكِتَابُ وَالْحِسَابُ هُمْ أَغْلَبُ أَهْل الإِْسْلاَمِ الَّذِينَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَ تَحْدِيثِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّبِيُّ نَفْسُهُ ﵊.

ثُمَّ قَال ابْنُ حَجَرٍ: " الْمُرَادُ بِالْحِسَابِ هُنَا حِسَابُ النُّجُومِ وَتَسْيِيرُهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ النَّزْرَ الْيَسِيرَ، فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِالصَّوْمِ

_________

(١) سورة الطلاق / ٧.

(٢) ابن قدامة، المغني ٣ / ٩٠، والنووي، المجموع شرح المهذب ٦ / ٢٧٠، وشرح مسلم ٣ / ٥٣.

(٣) النووي، المجموع شرح المهذب ٦ / ٢٧٠، وشرح مسلم ٣ / ٥٣

(٤) حديث: " إنا أمة أمية. . . " تقدم تخريجه (ف ٧) .

وَغَيْرِهِ بِالرُّؤْيَةِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ فِي مُعَانَاةِ حِسَابِ التَّسْيِيرِ، وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ، بَل ظَاهِرُ السِّيَاقِ يُشْعِرُ بِنَفْيِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْحِسَابِ أَصْلًا. وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ وَلَمْ يَقُل فَسَلُوا أَهْل الْحِسَابِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ كَوْنُ الْعَدَدِ عِنْدَ الإِْغْمَاءِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُكَلَّفُونَ فَيَرْتَفِعُ الاِخْتِلاَفُ وَالنِّزَاعُ عَنْهُمْ (١) ".

اخْتِلاَفُ الْمَطَالِعِ:

١٤ - اخْتِلاَفُ مَطَالِعِ الْهِلاَل أَمْرٌ وَاقِعٌ بَيْنَ الْبِلاَدِ الْبَعِيدَةِ كَاخْتِلاَفِ مَطَالِعِ الشَّمْسِ، لَكِنْ هَل يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي بَدْءِ صِيَامِ الْمُسْلِمِينَ وَتَوْقِيتِ عِيدَيِ الْفِطْرِ وَالأَْضْحَى وَسَائِرِ الشُّهُورِ فَتَخْتَلِفُ بَيْنَهُمْ بَدْءًا وَنِهَايَةً أَمْ لاَ يُعْتَبَرُ بِذَلِكَ، وَيَتَوَحَّدُ الْمُسْلِمُونَ فِي صَوْمِهِمْ وَفِي عِيدَيْهِمْ؟،

ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لاَ عِبْرَةَ بِاخْتِلاَفِ الْمَطَالِعِ، وَهُنَاكَ مَنْ قَال بِاعْتِبَارِهَا، وَخَاصَّةً بَيْنَ الأَْقْطَارِ الْبَعِيدَةِ، فَقَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: بِأَنَّهُ لِكُل بَلَدٍ رُؤْيَتُهُمْ، وَأَوْجَبُوا عَلَى الأَْمْصَارِ الْقَرِيبَةِ اتِّبَاعَ بَعْضِهَا بَعْضًا، وَأَلْزَمُوا أَهْل الْمِصْرِ الْقَرِيبِ فِي حَالَةِ اخْتِلاَفِهِمْ مَعَ مِصْرٍ قَرِيبٍ مِنْهُمْ بِصِيَامِهِمْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَصِيَامِ

_________

(١) فتح الباري ٤ / ١٢٧، ونفس المعنى للحديث فسره به العيني في عمدة القاري ١٠ / ٢٨٦ - ٢٨٧

الآْخَرِينَ ثَلاَثِينَ اعْتِمَادًا عَلَى الرُّؤْيَةِ أَوْ إِتْمَامَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ أَنْ يَقْضُوا الْيَوْمَ الَّذِي أَفْطَرُوهُ؛ لأَِنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ حَسَبَ مَا ثَبَتَ عِنْدَ الْمِصْرِ الآْخَرِ، وَالْمُعْتَمَدُ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لاَ اعْتِبَارَ بِاخْتِلاَفِ الْمَطَالِعِ فَإِذَا ثَبَتَ الْهِلاَل فِي مِصْرٍ لَزِمَ سَائِرَ النَّاسِ فَيُلْزَمُ أَهْل الْمَشْرِقِ بِرُؤْيَةِ أَهْل الْمَغْرِبِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ (١) .

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى جَمِيعِ أَقْطَارِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا رُئِيَ الْهِلاَل فِي أَحَدِهَا.

وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ هَذَا التَّعْمِيمَ فَاسْتَثْنَى الْبِلاَدَ الْبَعِيدَةَ كَثِيرًا كَالأَْنْدَلُسِ وَخُرَاسَانَ (٢) .

وَبَيَّنَ الْقَرَافِيُّ اخْتِلاَفَ مَطَالِعِ الْهِلاَل عِلْمِيًّا، وَذَكَرَ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِهِ مُكْتَفِيًا بِهِ عَنِ الْبَقِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي عِلْمِ الْهَيْئَةِ: وَهُوَ أَنَّ الْبِلاَدَ الْمَشْرِقِيَّةَ إِذَا كَانَ الْهِلاَل فِيهَا فِي الشُّعَاعِ وَبَقِيَتِ الشَّمْسُ تَتَحَرَّكُ مَعَ الْقَمَرِ إِلَى الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ فَمَا تَصِل الشَّمْسُ إِلَى أُفُقِ الْمَغْرِبِ إِلاَّ وَقَدْ خَرَجَ الْهِلاَل عَنِ الشُّعَاعِ فَيَرَاهُ أَهْل الْمَغْرِبِ وَلاَ يَرَاهُ أَهْل الْمَشْرِقِ. وَاسْتَنْتَجَ مِنْ هَذَا الْبَيَانِ وَمِنَ اتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعِهِمْ عَلَى اخْتِلاَفِ أَوْقَاتِ الصَّلاَةِ وَمُرَاعَاةِ ذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ بِحَيْثُ أَفْتَوْا بِأَنَّهُ إِذَا مَاتَ أَخَوَانِ عِنْدَ الزَّوَال أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالآْخَرُ بِالْمَغْرِبِ حُكِمَ بِأَسْبَقِيَّةِ مَوْتِ الْمَشْرِقِيِّ؛ لأَِنَّ

_________

(١) ابن عابدين: رسائل ابن عابدين ١ / ٢٢٨، ٢٢٩

(٢) القرافي، الفروق ٢ / ٢٠٣، والحطاب، مواهب الجليل ٢ / ٣٨٤.

زَوَال الْمَشْرِقِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى زَوَال الْمَغْرِبِ فَيَرِثُ الْمَغْرِبِيُّ الْمَشْرِقِيَّ، فَقَرَّرَ بَعْدَ إِثْبَاتِهِ اخْتِلاَفَ الْهِلاَل بِاخْتِلاَفِ الآْفَاقِ وُجُوبَ أَنْ يَكُونَ لِكُل قَوْمٍ رُؤْيَتُهُمْ فِي الأَْهِلَّةِ، كَمَا أَنَّ لِكُل قَوْمٍ أَوْقَاتَ صَلَوَاتِهِمْ، وَرَأَى أَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ عَلَى جَمِيعِ الأَْقَالِيمِ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَل بِقُطْرٍ مِنْهَا بَعِيدٌ عَنِ الْقَوَاعِدِ، وَالأَْدِلَّةُ لَمْ تَقْتَضِ ذَلِكَ (١) .

وَعَمِل الشَّافِعِيَّةُ بِاخْتِلاَفِ الْمَطَالِعِ فَقَالُوا: " إِنَّ لِكُل بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ وَإِنَّ رُؤْيَةَ الْهِلاَل بِبَلَدٍ لاَ يَثْبُتُ بِهَا حُكْمُهُ لِمَا بَعُدَ عَنْهُمْ ". كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ (٢) .

وَاسْتَدَلُّوا مَعَ مَنْ وَافَقَهُمْ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَعْمَل بِرُؤْيَةِ أَهْل الشَّامِ لِحَدِيثِ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْل بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، قَال: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتَهَل عَلَيَّ رَمَضَانُ، وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الْهِلاَل لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلاَل فَقَال: مَتَى رَأَيْتُمْ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ. فَقَال: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَال: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلاَ

_________

(١) القرافي، الفروق ٢ / ٢٠٤.

(٢) المجموع شرح المهذب ٥ / ٢٧٣ - ٢٧٥، وشرح مسلم ٥ / ٥٨ - ٥٩، والشوكاني نيل الأوطار ٤ / ٢٦٨ (دار الجيل) .

نَزَال نَصُومُ حَتَّى نُكْمِل ثَلاَثِينَ أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْتُ: أَوَلاَ تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ، فَقَال: لاَ. هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُول اللَّهِ ﷺ (١) .

وَقَدْ عَلَّل النَّوَوِيُّ هَذِهِ الْفَتْوَى مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لاَ يَثْبُتُ حُكْمُهَا فِي حَقِّ الْبَعِيدِ (٢) . وَقَال الْحَنَابِلَةُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ اخْتِلاَفِ الْمَطَالِعِ، وَأَلْزَمُوا جَمِيعَ الْبِلاَدِ بِالصَّوْمِ إِذَا رُئِيَ الْهِلاَل فِي بَلَدٍ (٣) .

وَاسْتَدَل الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ اخْتِلاَفِ الْمَطَالِعِ بِحَدِيثِ رَسُول اللَّهِ ﷺ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ (٤)، فَقَدْ أَوْجَبَ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّوْمَ بِمُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ تَقْيِيدِهَا بِمَكَانٍ، وَاعْتَبَرُوا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنَ اجْتِهَادِهِ، وَلَيْسَ نَقْلًا عَنِ الرَّسُول ﷺ.

أَثَرُ الْخَطَأِ فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَل:

١٥ - قَدْ يُنْتَجُ عَنْ تَوَاصُل الْغَيْمِ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ قَبْل رَمَضَانَ أَوْ شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ عَنْ عَدَمِ التَّحَرِّي فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَل خَطَأٌ فِي بِدَايَةِ رَمَضَانَ،

_________

(١) حديث أم الفضل أخرجه مسلم (٢ / ٧٦٥) - ط الحلبي.

(٢) شرح مسلم ٥ / ٥٨ - ٥٩

(٣) ابن قدامة، المغني ٣ / ٨٨ - ٨٩

(٤) حديث: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته " تقدم تخريجه (ف ١)

وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِفْطَارُ يَوْمٍ مِنْهُ، أَوْ خَطَأٌ فِي بِدَايَةِ شَوَّالٍ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِفْطَارُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ صِيَامُ يَوْمِ الْعِيدِ، أَوْ خَطَأٌ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وُقُوفٌ بِعَرَفَةَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، وَهَذَا أَخْطَرُهَا (١) .

وَقَدِ اسْتَنَدَ الْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الْوُقُوفِ فِي غَيْرِ يَوْمِهِ إِلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: شَهْرَانِ لاَ يَنْقُصَانِ: شَهْرَا عِيدٍ: رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ (٢) .

وَفَهِمُوا مِنْهُ أَنَّ الْخَطَأَ فِي الْوَقْفَةِ لاَ يَنْقُصُ أَجْرَهَا، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى لاَ يُفْسِدُهَا.

قَال الطِّيبِيُّ: ظَاهِرُ سِيَاقِ الْحَدِيثِ بَيَانُ اخْتِصَاصِ الشَّهْرَيْنِ بِمَزِيَّةٍ لَيْسَتْ فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الشُّهُورِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ثَوَابَ الطَّاعَةِ فِي غَيْرِهِمَا يَنْقُصُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ رَفْعُ الْحَرَجِ عَمَّا عَسَى أَنْ يَقَعَ فِيهِ خَطَأٌ فِي الْحُكْمِ لاِخْتِصَاصِهِمَا بِالْعِيدَيْنِ وَجَوَازِ احْتِمَال وُقُوعِ الْخَطَأِ فِيهِمَا. وَمِنْ ثَمَّ قَال: شَهْرَا عِيدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: شَهْرَانِ لاَ يَنْقُصَانِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ: رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ (٣) .

قَال ابْنُ بَطَّالٍ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْعَيْنِيُّ: " قَالَتْ طَائِفَةٌ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بِخَطَأٍ شَامِلٍ لِجَمِيعِ أَهْل الْمَوْقِفِ فِي يَوْمٍ قَبْل يَوْمِ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ أَنَّهُ يُجْزِئُ

_________

(١) الحطاب، مواهب الجليل ٢ / ٢٨٣

(٢) حديث: " شهران لا ينقصان: شهرا عيد: رمضان وذو الحجة " أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ١٢٤ - ط السلفية)، ومسلم (٢ / ٧٦٦ - ط الحلبي) من حديث أبي بكرة.

(٣) فتح الباري ٤ / ١٢٦.

عَنْهُ، وَهُوَ قَوْل عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُهُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ بِصِيَامِ مَنِ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الشُّهُورُ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَقَعَ صِيَامُهُ قَبْل رَمَضَانَ أَوْ بَعْدَهُ (١) ".

وَإِلَى نَفْسِ هَذَا الرَّأْيِ ذَهَبَ النَّوَوِيُّ فَقَال: " إِنَّ كُل مَا وَرَدَ فِي رَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ مِنَ الْفَضَائِل وَالأَْحْكَامِ حَاصِلٌ سَوَاءٌ كَانَ رَمَضَانُ ثَلاَثِينَ أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، سَوَاءٌ صَادَفَ الْوُقُوفُ الْيَوْمَ التَّاسِعَ أَوْ غَيْرَهُ بِشَرْطِ انْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ فِي ابْتِغَاءِ الْهِلاَل ".

وَقَال ابْنُ حَجَرٍ: " الْحَدِيثُ يُطَمْئِنُ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَوْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا اجْتِهَادًا (٢) ".

وَنَظَرًا إِلَى أَنَّ حُصُول النَّقْصِ فِي رَمَضَانَ وَاضِحٌ، وَفِي ذِي الْحِجَّةِ غَيْرُ وَاضِحٍ لِوُقُوعِ الْمَنَاسِكِ فِي أَوَّلِهِ فَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْعَيْنِيُّ بِقَوْلِهِ: " قَدْ تَكُونُ أَيَّامُ الْحَجِّ مِنَ الإِْغْمَاءِ وَالنُّقْصَانِ مِثْل مَا يَكُونُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ بِأَنْ يُغَمَّى هِلاَل ذِي الْقَعْدَةِ وَيَقَعُ فِيهِ الْغَلَطُ بِزِيَادَةِ يَوْمٍ أَوْ نُقْصَانِهِ فَيَقَعُ عَرَفَةُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ أَوِ الْعَاشِرِ مِنْهُ، فَمَعْنَاهُ أَنَّ أَجْرَ الْوَاقِفِينَ بِعَرَفَةَ فِي مِثْلِهِ لاَ يَنْقُصُ عَمَّا لاَ غَلَطَ فِيهِ ".

_________

(١) العيني، عمدة القاري ١٠ / ٢٨٥ - ٢٨٦

(٢) ابن حجر، فتح الباري ٤ / ١٢٦، والقسطلاني، إرشاد الساري ٣ / ٣٥٩.

وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمْ إِنْ أَخْطَئُوا وَوَقَفُوا بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ يَوْمَ النَّحْرِ يُجْزِيهِمْ، وَإِنْ قَدَّمُوا الْوُقُوفَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَعَادُوا الْوُقُوفَ مِنَ الْغَدِ وَلَمْ يُجْزِهِمْ (١) .

تَبْلِيغُ الرُّؤْيَةِ:

١٦ - إِذَا ثَبَتَ الْهِلاَل عِنْدَ الْجِهَةِ الْمُخْتَصَّةِ الْمَوْثُوقِ بِهَا وَجَبَ إِعْلاَمُ النَّاسِ لِلشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، أَوِ الإِْفْطَارِ وَصَلاَةِ عِيدِ الْفِطْرِ، أَوْ صَلاَةِ عِيدِ الأَْضْحَى وَذَبْحِ الأُْضْحِيَّةِ بِالْخَبَرِ كَمَا قَال الْقَرَافِيُّ: " ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ رِوَايَةٌ مَحْضَةٌ كَالأَْحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَشَهَادَةٌ مَحْضَةٌ كَإِخْبَارِ الشُّهُودِ عَنِ الْحُقُوقِ عَلَى الْمُعَيَّنِينَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَمُرَكَّبٌ مِنْ شَهَادَةٍ وَرِوَايَةٍ، وَلَهُ صُوَرٌ أَحَدُهَا الإِْخْبَارُ عَنْ رُؤْيَةِ هِلاَل رَمَضَانَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّوْمَ لاَ يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَل عَامٌّ عَلَى جَمِيعِ الْمِصْرِ أَوْ أَهْل الآْفَاقِ فَهُوَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ رِوَايَةٌ لِعَدَمِ الاِخْتِصَاصِ بِمُعَيَّنٍ وَلِعُمُومِ الْحُكْمِ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِهَذَا الْعَامِّ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ (٢) ".

وَإِذَا كَانَتِ الرُّؤْيَةُ فِي حَدِّ ذَاتِهَا تُشْبِهُ الشَّهَادَةَ وَالرِّوَايَةَ، فَإِنَّ الإِْعْلاَمَ بِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا لاَ خِلاَفَ فِي كَوْنِهِ رِوَايَةً، لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْتَمَدُ فِي نَقْلِهَا وَسَائِل

_________

(١) العيني، عمدة القاري ١٠ / ٢٨٥، والإجابة نفسها نقلها القسطلاني في إرشاد الساري ٣ / ٣٥٩، ونسبها إلى الكرماني.

(٢) الفروق ١ / ١٠.

نَقْل الْخَبَرِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِ بِهَا شُرُوطُ الرَّاوِي الْمَقْبُول الرِّوَايَةِ الْمُتَعَارَفُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَهِيَ: الْعَدَالَةُ وَالضَّبْطُ (١) .

وَقْتُ الإِْعْلاَمِ:

١٧ - إِنَّ وَقْتَ الإِْعْلاَمِ بِالنِّسْبَةِ لِرَمَضَانَ هُوَ مَا قَبْل فَجْرِ الْيَوْمِ الأَْوَّل مِنْهُ فَإِنْ حَصَل بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَ الإِْمْسَاكُ وَعَقْدُ نِيَّةِ الصِّيَامِ وَقَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ بَيَّتَ الصِّيَامَ عَلَى غَيْرِ جَزْمٍ بِدُخُول رَمَضَانَ (٢) . عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (صَوْمٌ) .

الأَْدْعِيَةُ الْمَأْثُورَةُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلاَل:

١٨ - وَرَدَتْ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَدْعِيَةٌ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلاَل مِنْهَا مَا جَاءَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلاَل قَال: اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِْيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِْسْلاَمِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ (٣) .

وَمِنْهَا رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ لِهَذَا الْمَتْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِذَا رَأَى الْهِلاَل، قَال:

_________

(١) الفروق ١ / ٣٨٥.

(٢) الحطاب: مواهب الجليل ٢ / ٣٩٢.

(٣) حديث: " كان إذا رأى الهلال قال: اللهم أهله علينا باليمن والإيمان. . . . " أخرجه الترمذي (٥ / ٥٠٤ - ط الحلبي) من حديث طلحة بن عبيد الله، وقال: " هذا حديث حسن غريب ".

اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأَْمْنِ وَالإِْيمَانِ، وَالسَّلاَمَةِ وَالإِْسْلاَمِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ (١) .

وَمِنْهَا مَا جَاءَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِذَا رَأَى الْهِلاَل قَال: اللَّهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، لاَ حَوْل وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذَا الشَّهْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْقَدَرِ، وَمِنْ سُوءِ الْحَشْرِ (٢) .

وَمِنْهَا عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلاَل قَال: هِلاَل خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلاَل خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلاَل خَيْرٍ وَرُشْدٍ، آمَنْتُ بِالَّذِي خَلَقَكَ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُول: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا (٣) .

هَذِهِ الأَْحَادِيثُ نَقَلَهَا أَيْضًا النَّوَوِيُّ فِي الأَْذْكَارِ، وَالْحَطَّابُ فِي مَوَاهِبِ الْجَلِيل، وَنَقَل

_________

(١) حديث ابن عمر: " كان إذا رأى الهلال قال: اللهم أهله بالأمن والإيمان. . . . " أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (١٢ / ٣٥٦ - ط الأوقاف العراقية)، وقال الهيثمي في المجمع (١٠ / ١٣٩ - ط القدسي): " فيه عثمان بن إبراهيم الحاطبي، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات ".

(٢) حديث عبادة بن الصامت: " كان إذا رأى الهلال قال:. . . . " أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (٥ / ٣٢٩ - ط الميمنية) وقال الهيثمي في المجمع (١٠ / ١٣٩ - ط القدسي): " رواه عبد الله والطبراني، وفيه راو لم يسم ".

(٣) حديث قتادة أنه بلغه: " أن النبي (كان إذا رأى الهلال. . . . " أخرجه أبو داود (٥ / ٣٢٦ - ٣٢٧ - تحقيق عزت عبيد دعاس)، وإسناده ضعيف لإرساله