الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢١ الصفحة 5

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢١

دَمٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الدَّمُ بِالتَّخْفِيفِ، هُوَ ذَلِكَ السَّائِل الأَْحْمَرُ الَّذِي يَجْرِي فِي عُرُوقِ الْحَيَوَانَاتِ، وَعَلَيْهِ تَقُومُ الْحَيَاةُ (١) .

وَاسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ عَبَّرُوا بِهِ عَنِ الْقِصَاصِ وَالْهَدْيِ فِي قَوْلِهِمْ: مُسْتَحِقُّ الدَّمِ (يَعْنِي وَلِيَّ الْقِصَاصِ) وَقَوْلُهُمْ: يَلْزَمُهُ دَمٌ. كَمَا أَطْلَقُوهُ عَلَى مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ فِي الْحَيْضِ، وَالاِسْتِحَاضَةِ، وَالنِّفَاسِ أَيْضًا (٢) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الصَّدِيدُ:

٢ - صَدِيدُ الْجُرْحِ: مَاؤُهُ الرَّقِيقُ الْمُخْتَلِطُ بِالدَّمِ. وَقِيل: هُوَ الْقَيْحُ الْمُخْتَلِطُ بِالدَّمِ، وَالصَّدِيدُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: مَعْنَاهُ: مَا يَسِيل مِنْ جُلُودِ أَهْل

_________

(١) متن اللغة، ولسان العرب المحيط مادة: " دمى ".

(٢) الاختيار ١ / ٣٠، ١٤٣، ١٥٨ وما بعدها، والقوانين الفقهية / ٤٤ و١٣٧، وروضة الطالبين ١ / ١٣٤، ١٧٤ وما بعدها، وكشاف القناع ١ / ١٩٦ وما بعدها و١ / ٢١٨.

النَّارِ مِنَ الدَّمِ وَالْقَيْحِ، كَمَا قَال أَبُو إِسْحَاقَ (١) فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ (٢)﴾ .

ب - الْقَيْحُ:

٣ - الْقَيْحُ: الْمِدَّةُ الْخَالِصَةُ لاَ يُخَالِطُهَا دَمٌ. وَقِيل: هُوَ الصَّدِيدُ الَّذِي كَأَنَّهُ الْمَاءُ، وَفِيهِ شُكْلَةُ دَمٍ (٣) .

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

٤ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الدَّمَ حَرَامٌ نَجَسٌ لاَ يُؤْكَل وَلاَ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَقَدْ حُمِل الْمُطْلَقُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي سُورَةِ الأَْنْعَامِ، فِي: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا (٤)﴾

وَاخْتَلَفُوا فِي يَسِيرِهِ عَلَى أَقْوَالٍ. كَمَا اخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِ الْيَسِيرِ (٥) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. وَرَ: مُصْطَلَحَ: (أَطْعِمَة) (وَوُضُوء) (وَنَجَاسَة) .

مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

٥ - تَتَعَلَّقُ بِالدَّمِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ بَحَثَهَا الْفُقَهَاءُ فِي مَوَاضِعِهَا:

_________

(١) لسان العرب المحيط والمغرب للمطرزي مادة: " صدد "، وتفسير القرطبي ٩ / ٣٥١ ط دار الكتب المصرية، وحاشية الدسوقي ١ / ٥٦.

(٢) سورة إبراهيم / ١٦.

(٣) حاشية الدسوقي ١ / ٥٦، ولسان العرب المحيط مادة: " قيح ".

(٤) سورة الأنعام / ١٤٥.

(٥) أحكام القرآن لابن العربي ١ / ٧٩.

فَمَسْأَلَةُ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِخُرُوجِ الدَّمِ تَطَرَّقَ إِلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَ الْحَدِيثِ عَنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ (١)، وَكَوْنُهُ نَجَسًا تَجِبُ إِزَالَتُهُ عَنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي وَثَوْبِهِ وَمَكَانِهِ بُحِثَ فِي بَابِ النَّجَاسَاتِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ إِزَالَةِ النَّجَاسَاتِ (٢) . وَفِي بَابِ الصَّلاَةِ عِنْدَ الْحَدِيثِ عَنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا (٣)، وَاعْتِبَارُهُ حَيْضًا أَوِ اسْتِحَاضَةً أَوْ نِفَاسًا، فُصِّل الْكَلاَمُ عَلَيْهِ فِي أَبْوَابِ الْحَيْضِ وَالاِسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ (٤) . وَكَوْنُهُ مِنْ مُفْسِدَاتِ الصَّوْمِ فِي بَابِ الصَّوْمِ عِنْدَ الْحَدِيثِ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ (٥) . وَانْظُرْ فِي الْمَوْسُوعَةِ الْمُصْطَلَحَاتِ الآْتِيَةَ: (حَدَث) (وَنَجَاسَة) (وَطَهَارَة) (وَحَيْض) (وَاسْتِحَاضَة) (وَنِفَاس) (وَحِجَامَة) .

وَكَوْنُهُ بِمَعْنَى الْهَدْيِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ قَدْ بُحِثَ فِي الْحَجِّ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ مَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ، وَوُجُوبِ الْهَدْيِ فِي التَّمَتُّعِ، وَالْقِرَانِ،

_________

(١) الاختيار ١ / ١٠.

(٢) الاختيار ١ / ٣١ - ٣٢، والقوانين الفقهية ٣٩ - ٤٠، وروضة الطالبين ١ / ١٦ وما بعدها و١ / ٢٧، ونيل المآرب ١ / ١٠١ - ١٠٢.

(٣) روضة الطالبين ١ / ٢٨٠ - ٢٨١، والمغني ٢ / ٧٨.

(٤) الاختيار ١ / ٢٦ - ٢٧، والقوانين الفقهية / ٤٤، وروضة الطالبين ١ / ١٣٤ وما بعدها، وكشاف القناع ١ / ١٩٦ وما بعدها، ونيل المآرب ١ / ١٠٤ وما بعدها.

(٥) نيل المآرب ١ / ٢٧٧.

وَالإِْحْصَارِ (١) وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِحْرَام) (وَإِحْصَار) (وَهَدْي) (وَقِرَان) .

وَكَوْنُهُ مِمَّا يَحْرُمُ أَكْلُهُ أَوْ يَحِل فِي الأَْطْعِمَةِ (٢) . كَمَا تَطَرَّقَ إِلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فِي الذَّكَاةِ (٣)، وَالْعَقِيقَةِ (٤)، وَالْقِصَاصِ (٥)، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

_________

(١) الاختيار ١ / ١٤٣، ١٥٨ وما بعدها، والقوانين الفقهية / ١٣٧، ونيل المآرب ١ / ٢٩١، ٢٩٨ وما بعدها.

(٢) البدائع ٥ / ٦١، وابن عابدين ٥ / ٤٧٧، والموسوعة الفقهية مصطلح: " أطعمة " ٥ / ٧٥ - ٧٧.

(٣) شرح المنهاج القويم / ١٤٦ - ط مصطفى الحلبي، ونيل المآرب ١ / ٤٠٧.

(٤) المنهاج القويم / ١٤٩، ونيل المآرب / ٣١٧.

(٥) التاج والإكليل على مواهب الجليل ٦ / ٢٣٠، والشرح الصغير ٤ / ٣٣٥.

دَنَانِيرُ

التَّعْرِيفُ:

١ - الدَّنَانِيرُ جَمْعُ دِينَارٍ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. وَالدِّينَارُ اسْمُ الْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ الْمَضْرُوبَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِالْمِثْقَال، وَيُرَادِفُ الدِّينَارَ الْمِثْقَال فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ، فَيَقُولُونَ: نِصَابُ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا، وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْفَتْحِ: أَنَّ الْمِثْقَال اسْمٌ لِلْمِقْدَارِ الْمُقَدَّرِ بِهِ، وَالدِّينَارُ اسْمٌ لِلْمُقَدَّرِ بِهِ بِقَيْدِ كَوْنِهِ ذَهَبًا (١) .

وَالدَّنَانِيرُ أَصْلًا مِنْ ضَرْبِ الأَْعَاجِمِ. وَكَانَ وَزْنُهُ عِشْرِينَ قِيرَاطًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَلاَذُرِيُّ وَابْنُ خَلْدُونٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ (٢) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الدَّرَاهِمُ:

٢ - الدَّرَاهِمُ جَمْعُ دِرْهَمٍ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ النَّقْدِ ضُرِبَ مِنَ الْفِضَّةِ. انْظُرْ: (دَرَاهِم) .

_________

(١) لسان العرب والمصباح المنير، وابن عابدين ٢ / ٢٨ - ٢٩، ونيل المآرب ١ / ٢٥٠، والمجموع ٥ / ٤٧٦ - ٤٧٧.

(٢) فتوح البلدان / ٤٥١، ومقدمة ابن خلدون / ١٨٣، والأحكام السلطانية للماوردي / ١٥٣.

ب - النَّقْدُ:

٣ - النَّقْدُ مَا ضُرِبَ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الدِّينَارِ.

ج - الْفُلُوسُ:

٤ - الْفُلُوسُ مَا ضُرِبَ مِنَ الْمَعَادِنِ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

د - سِكَّةٌ:

٥ - السِّكَّةُ مَا يُضْرَبُ بِهَا النَّقْدُ.

تَعَامُل الْعَرَبِ بِالدِّينَارِ وَمَوْقِفُ الإِْسْلاَمِ مِنْهُ:

٦ - ذَكَرَ الْبَلاَذُرِيُّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ أَنَّ دَنَانِيرَ هِرَقْل كَانَتْ تَرِدُ عَلَى أَهْل مَكَّةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانُوا لاَ يَتَبَايَعُونَ بِهَا إِلاَّ عَلَى أَنَّهَا تِبْرٌ، وَكَانَ الْمِثْقَال عِنْدَهُمْ مَعْرُوفَ الْوَزْنِ، وَزْنُهُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا إِلاَّ كَسْرًا، وَأَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَقَرَّ أَهْل مَكَّةَ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ (١) . وَأَقَرَّهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ (٢) .

وَنَقَل النَّوَوِيُّ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ أَنَّ

_________

(١) خبر: " إقرار الرسول ﷺ على وزن المثقال " أخرجه البلاذري في فتوح البلدان (ص ٤٥٢ - نشر دار الكتب العلمية)، وفي إسناده محمد بن عمر الأسلمي الواقدي، وهو متروك، كما في ترجمته من " الميزان ". للذهبي (٣ / ٦٦٣ - ط الحلبي) .

(٢) فتوح البلدان للبلاذري / ٤٥٢.

عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ لَمَّا أَرَادَ ضَرْبَ الدَّنَانِيرِ، سَأَل عَنْ أَوْزَانِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجْمَعُوا لَهُ عَلَى أَنَّ الْمِثْقَال اثْنَانِ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا إِلاَّ حَبَّةً بِالشَّامِيِّ فَضَرَبَهَا كَذَلِكَ (١) .

الدِّينَارُ الشَّرْعِيُّ:

٧ - الدِّينَارُ الَّذِي ضَرَبَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ هُوَ الدِّينَارُ الشَّرْعِيُّ؛ لِمُطَابَقَتِهِ لِلأَْوْزَانِ الْمَكِّيَّةِ الَّتِي أَقَرَّهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ وَالصَّحَابَةُ. وَوَزْنُهُ كَمَا ذَكَرَتِ الرِّوَايَاتُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا إِلاَّ حَبَّةً بِالشَّامِيِّ، وَهُوَ أَيْضًا بِزِنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ حَبَّةَ شَعِيرٍ مِنْ حَبَّاتِ الشَّعِيرِ الْمُتَوَسِّطَةِ الَّتِي لَمْ تُقَشَّرْ وَقَدْ قُطِعَ مِنْ طَرَفَيْهَا مَا امْتَدَّ (٢) .

وَقَال ابْنُ خَلْدُونٍ: الإِْجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ مُنْذُ صَدْرِ الإِْسْلاَمِ وَعَهْدِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ الدِّرْهَمَ الشَّرْعِيَّ: هُوَ الَّذِي تَزِنُ الْعَشَرَةُ مِنْهُ سَبْعَةَ مَثَاقِيل مِنَ الذَّهَبِ، وَهُوَ عَلَى هَذَا سَبْعَةُ أَعْشَارِ الدِّينَارِ، وَوَزْنُ الْمِثْقَال مِنَ الذَّهَبِ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً مِنَ الشَّعِيرِ (٣) .

وَبِهَذَا قَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) .

_________

(١) المقريزي في رسالته (النقود القديمة والإسلامية) هامش الأحكام السلطانية لأبي يعلى ١٧٥، ١٧٧، والمجموع للنووي ٥ / ٤٧٥.

(٢) فتوح البلدان / ٤٥٣.

(٣) مقدمة ابن خلدون / ١٨٤.

وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ فَهُوَ عِنْدَهُمْ مِائَةُ شَعِيرَةٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْشَأَ هَذَا الاِخْتِلاَفِ هُوَ فِي تَقْدِيرِ الْقِيرَاطِ. فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ وَزْنَ الْمِثْقَال عِشْرُونَ قِيرَاطًا، وَأَنَّ الْقِيرَاطَ خَمْسُ شَعِيرَاتٍ، فَالْمِثْقَال مِائَةُ شَعِيرَةٍ.

وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ أَنَّ الْمِثْقَال أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا، وَأَنَّ الْقِيرَاطَ ثَلاَثُ حَبَّاتٍ مِنْ مُتَوَسِّطِ الشَّعِيرِ، فَيَكُونُ وَزْنُ الْمِثْقَال اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ حَبَّةً.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْمِثْقَال اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ شَعِيرَةً مُعْتَدِلَةً لَمْ تُقَشَّرْ وَقُطِعَ مِنْ طَرَفَيْهَا مَا دَقَّ وَطَال، وَهُوَ لَمْ يَتَغَيَّرْ جَاهِلِيَّةً وَلاَ إِسْلاَمًا. ثُمَّ قَال وَقَدْ ذُكِرَتْ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ فِي تَحْدِيدِ الْقِيرَاطِ (١) .

تَقْدِيرُ الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ فِي الْعَصْرِ الْحَاضِرِ:

٨ - تَبَيَّنَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الدِّينَارَ الَّذِي ضَرَبَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ هُوَ الدِّينَارُ الشَّرْعِيُّ؛ لِمُطَابَقَتِهِ لأَِوْزَانِ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهِيَ الأَْوْزَانُ الَّتِي أَقَرَّهَا النَّبِيُّ ﷺ وَالصَّحَابَةُ، وَأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ

_________

(١) ابن عابدين ٢ / ٢٨ - ٣٠، والفواكه الدواني ١ / ٣٨٢، والشرح الصغير ١ / ٢١٧ ط الحلبي، والمجموع للنووي ٥ / ٤٦٤، ٤٧٥ - ٤٧٦، ومغني المحتاج ١ / ٣٨٩، وشرح منتهى الإرادات ١ / ٤٠٢.

رَأَوْا دِينَارَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَقَرُّوهُ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ، وَتَبَايَعُوا بِهِ.

إِلاَّ أَنَّ السِّكَكَ اخْتَلَفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، يَقُول ابْنُ خَلْدُونٍ: وَقَعَ اخْتِيَارُ أَهْل السِّكَّةِ فِي الدُّوَل عَلَى مُخَالَفَةِ الْمِقْدَارِ الشَّرْعِيِّ فِي الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَاخْتَلَفَتْ فِي كُل الأَْقْطَارِ وَالآْفَاقِ (١) .

لِذَلِكَ كَانَ السَّبِيل الْوَحِيدُ لِتَقْدِيرِ الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ هُوَ مَعْرِفَةُ الدِّينَارِ الَّذِي ضُرِبَ فِي عَهْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ.

وَقَدْ تَوَصَّل إِلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْبَاحِثِينَ، عَنْ طَرِيقِ الدَّنَانِيرِ الْمَحْفُوظَةِ فِي دُورِ الآْثَارِ الْغَرْبِيَّةِ وَثَبَتَ أَنَّ دِينَارَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يَزِنُ٤، ٢٥ (أَرْبَعَةَ جِرَامَاتٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ مِنَ الْمِائَةِ مِنَ الْجِرَامِ) مِنَ الذَّهَبِ (٢) . وَبِذَلِكَ يَكُونُ هَذَا الْوَزْنُ هُوَ الأَْسَاسَ فِي تَقْدِيرِ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ زَكَاةٍ وَدِيَاتٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

تَقْدِيرُ بَعْضِ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ بِالدِّينَارِ:

حَدَّدَ الإِْسْلاَمُ مَقَادِيرَ مُعَيَّنَةً بِالدِّينَارِ فِي بَعْضِ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ وَمِنْ ذَلِكَ:

أ - الزَّكَاةُ:

٩ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نِصَابَ الذَّهَبِ الَّذِي

_________

(١) مقدمة ابن خلدون / ١٨٤.

(٢) الخراج والنظم المالية للدكتور محمد ضياء الريس / ٣٥٢، وفقه الزكاة ١ / ٢٥٣.

يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا تَمَّتْ فَفِيهَا رُبْعُ الْعُشْرِ؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُل عِشْرِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا نِصْفَ دِينَارٍ وَمِنَ الأَْرْبَعِينَ دِينَارًا (١) . وَرَوَى سَعِيدٌ وَالأَْثْرَمُ عَنْ عَلِيٍّ: فِي كُل أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ وَفِي كُل عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ.

هَذَا مَعَ الاِخْتِلاَفِ هَل لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قِيمَتِهَا بِالدَّرَاهِمِ (٢) . وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ وَغَيْرُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (زَكَاة) .

ب - الدِّيَةُ:

١٠ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ إِنْ كَانَتْ مِنْ الذَّهَبِ فَإِنَّهَا تُقَدَّرُ بِأَلْفِ مِثْقَالٍ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَتَبَ إِلَى أَهْل الْيَمَنِ وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةً مِنَ الإِْبِل وَعَلَى أَهْل الذِّمَّةِ أَلْفُ دِينَارٍ (٣) .

_________

(١) حديث عمر وعائشة: " أن النبي ﷺ كان يأخذ من كل عشرين دينار. . . " أخرجه ابن ماجه (١ / ٥٧١ - ط الحلبي) . وضعف البوصيري إسناده. ولكن له شواهد يتقوى بها، أوردها ابن حجر في التلخيص (٢ / ١٧٥ - ١٧٦ - ط شركة الطباعة الفنية) .

(٢) المغني ٣ / ٦.

(٣) حديث عمرو بن حزم في كتابه: " أن رسول الله ﷺ كتب إلى أهل. . . " أخرجه النسائي (٨ / ٥٨ - ط المكتبة التجارية)، ثم ضعفه لضعف راو فيه، وورد من فعل عمر بن الخطاب. أخرجه أبو داود (٤ / ٦٧٩ - تحقيق عزت عبيد دعاس) وإسناده حسن.