الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠
الإِْنَاءِ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ تَعَبُّدًا فَلاَ يَدْخُل فِيهِ الْخِنْزِيرُ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلْمَالِكِيَّةِ: يُنْدَبُ الْغَسْل (١) .
ثَالِثًا: حُكْمُ شَعْرِهِ:
٧ - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى نَجَاسَةِ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ فَلاَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لأَِنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْعَيْنِ النَّجِسَةِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَوْ خُرِزَ خُفٌّ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ لَمْ يَطْهُرْ مَحَل الْخَرْزِ بِالْغَسْل أَوْ بِالتُّرَابِ لَكِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، فَيُصَلَّى فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالنَّوَافِل لِعُمُومِ الْبَلْوَى. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَجِبُ غَسْل مَا خُرِزَ بِهِ رَطْبًا وَيُبَاحُ اسْتِعْمَال مُنْخُلٍ مِنَ الشَّعْرِ النَّجِسِ فِي يَابِسٍ لِعَدَمِ تَعَدِّي نَجَاسَتِهِ، وَلاَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الرَّطْبِ لاِنْتِقَال النَّجَاسَةِ بِالرُّطُوبَةِ.
وَأَبَاحَ الْحَنَفِيَّةُ اسْتِعْمَال شَعْرِهِ لِلْخَرَّازِينَ لِلضَّرُورَةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى طَهَارَةِ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ فَإِذَا قُصَّ بِمِقَصٍّ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ وَإِنْ وَقَعَ الْقَصُّ بَعْدَ الْمَوْتِ، لأَِنَّ الشَّعْرَ مِمَّا لاَ تَحِلُّهُ الْحَيَاةُ، وَمَا لاَ تَحِلُّهُ الْحَيَاةُ لاَ يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ، إِلاَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ لِلشَّكِّ فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ. أَمَّا إِذَا نُتِفَ فَلاَ يَكُونُ طَاهِرًا (٢) .
_________
(١) الخرشي ١ / ١١٩، والشرح الصغير ١ / ٨٦.
(٢) بدائع الصنائع ١ / ٦٣، حاشية الدسوقي ١ / ٤٩، وأسنى المطالب ١ / ٢١، وكشاف القناع ١ / ٥٦.
رَابِعًا: حُكْمُ التَّدَاوِي بِأَجْزَائِهِ:
٨ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّدَاوِي بِالنَّجِسِ وَالْمُحَرَّمِ (فِي الْجُمْلَةِ) وَهُوَ شَامِلٌ لِلْخِنْزِيرِ.
وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ " تَدَاوِي " (١) .
خَامِسًا: تَحَوُّل عَيْنِ الْخِنْزِيرِ:
٩ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ نَجِسَ الْعَيْنِ يَطْهُرُ بِاسْتِحَالَتِهِ إِلَى عَيْنٍ أُخْرَى، فَإِذَا اسْتَحَالَتْ عَيْنُ الْخِنْزِيرِ إِلَى مِلْحٍ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ نَجِسَ الْعَيْنِ لاَ يَطْهُرُ بِالاِسْتِحَالَةِ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الْخَمْرَ وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (تَحَوُّلٌ ف ٣ - ٥) .
الاِعْتِبَارُ الثَّالِثُ: اعْتِبَارُ مَالِيَّةِ الْخِنْزِيرِ:
١٠ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْخِنْزِيرِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ. وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمَال هُوَ مَا يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا فِي غَيْرِ الضَّرُورَاتِ، وَالْخِنْزِيرُ لاَ يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ وَلِنَهْيِ الشَّارِعِ عَنْ بَيْعِهِ كَمَا يَأْتِي.
وَيَظْهَرُ أَثَرُ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْخِنْزِيرِ مَالًا فِي الآْتِي:
أَوَّلًا: عَدَمُ صِحَّةِ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ:
أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْخِنْزِيرِ
_________
(١) الموسوعة ١١ / ١١٨.
وَشِرَائِهِ، وَلِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَْصْنَامِ، فَقِيل: يَا رَسُول اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ، فَقَال: لاَ، هُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَل اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ (١) وَلأَِنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ - سَوَاءٌ أَكَانَ ثَمَنًا أَمْ مُثَمَّنًا - أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا وَأَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ شَرْعًا ".
وَالأَْصْل فِي حِل مَا يُبَاعُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ لأَِنَّ بَيْعَ غَيْرِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ شَرْعًا لاَ يَتَحَقَّقُ بِهِ الرِّضَا، فَيَكُونُ مِنْ أَكْل الْمَال بِالْبَاطِل، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ . (٢)
وَالْخِنْزِيرُ إِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ الْمَنَافِعِ إِلاَّ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ شَرْعًا، وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا.
وَفَصَّل الْحَنَفِيَّةُ فِي حُكْمِ بَيْعِ الْخِنْزِيرِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ بَاطِلٌ إِذَا بِيعَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَفَاسِدٌ
_________
(١) حديث: " إن الله تعالى ورسوله حرم بيع الخمر والميتة. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٤٢٤ -. ط السلفية)، ومسلم (٣ / ١٢٠٧ -. ط الحلبي) .
(٢) سورة النساء / ٢٩.
إِذَا بِيعَ بِعَيْنٍ، عَلَى قَوْلِهِمْ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَيْعِهِ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَبَيْنَ بَيْعِهِ بِعَيْنٍ، أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِإِهَانَةِ الْخِنْزِيرِ وَتَرْكِ إِعْزَازِهِ وَفِي شِرَائِهِ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ إِعْزَازٌ لَهُ، لأَِنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فِي الْعَقْدِ لِكَوْنِهَا وَسِيلَةً لِلتَّمَلُّكِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْخِنْزِيرُ، وَلِذَا كَانَ بَيْعُهُ بِهِمَا بَاطِلًا وَيَسْقُطُ التَّقَوُّمُ.
أَمَّا إِذَا بِيعَ بِعَيْنٍ كَالثِّيَابِ، فَقَدْ وُجِدَتْ حَقِيقَةُ الْبَيْعِ لأَِنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ، وَالْخِنْزِيرُ يُعْتَبَرُ مَالًا فِي بَعْضِ الأَْحْوَال كَمَا هُوَ عِنْدَ أَهْل الْكِتَابِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُعْتَبَرُ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَمَنًا وَمَبِيعًا. وَرُجِّحَ اعْتِبَارُ الثَّوْبِ مَبِيعًا تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْعُقَلاَءِ الَّذِي يَقْضِي بِأَنْ يَكُونَ الإِْعْزَازُ لِلثَّوْبِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ لاَ الْخِنْزِيرُ. فَتَكُونُ تَسْمِيَةُ الْخِنْزِيرِ فِي الْعَقْدِ مُعْتَبَرَةً فِي تَمَلُّكِ الثَّوْبِ لاَ فِي نَفْسِ الْخِنْزِيرِ، فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ لِفَسَادِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَتَجِبُ قِيمَةُ الثَّوْبِ دُونَ الْخِنْزِيرِ (١) .
إِقْرَارُ أَهْل الذِّمَّةِ عَلَى اقْتِنَاءِ الْخِنْزِيرِ:
١١ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَهْل الذِّمَّةِ يُقَرُّونَ
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٤ / ٣، البحر الرائق ٥ / ٢٧٠، ٢٧٧، ٢٧٩، فتح القدير ٥ / ١٨٦، ١٨٧، ١٨٨، والشرح الصغير ٣ / ٢٢، ٤ / ٧٢٤، مواهب الجليل ٤ / ٢٥٨، ٢٦٣، وروضة الطالبين ٣ / ٣٤٨، حاشية القليوبي وعميرة ٢ / ١٥٨، والمجموع ٩ / ٢٣٠، وكشاف القناع ٣ / ١٥٢.
عَلَى مَا عِنْدَهُمْ مِنْ خَنَازِيرَ إِلاَّ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ إِظْهَارِهَا، وَيُمْنَعُونَ مِنْ إِطْعَامِهَا مُسْلِمًا، فَإِذَا أَظْهَرُوهَا أُتْلِفَتْ وَلاَ ضَمَانَ.
وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ عَدَمَ تَمْكِينِهِمْ مِنْ إِظْهَارِهَا بِأَنْ يَكُونُوا بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا انْفَرَدُوا بِمَحَلَّةٍ مِنَ الْبَلَدِ، أَمَّا إِذَا انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ بِأَنْ لَمْ يُخَالِطْهُمْ مُسْلِمٌ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ. (١)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى إِجْبَارِ الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ عَلَى تَرْكِ أَكْل الْخِنْزِيرِ، لأَِنَّهُ مُنَفِّرٌ مِنْ كَمَال التَّمَتُّعِ، وَخَالَفَهُمْ فِي هَذَا الْمَالِكِيَّةُ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ عِنْدَهُمْ مَنْعُهَا مِنْهُ (٢) .
سَرِقَةُ الْخِنْزِيرِ أَوْ إِتْلاَفُهُ:
١٢ - (أ) اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ قَطْعَ وَلاَ ضَمَانَ عَلَى مَنْ سَرَقَ أَوْ أَتْلَفَ خِنْزِيرَ الْمُسْلِمِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ، وَلاَ مُتَقَوِّمٍ، لِعَدَمِ جَوَازِ تَمَلُّكِهِ وَبَيْعِهِ وَاقْتِنَائِهِ. (٣)
(ب) وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ خِنْزِيرَ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إِذَا سَرَقَهُ.
_________
(١) فتح القدير ٥ / ٣٠٠، ونهاية المحتاج ٨ / ٩٣، الشرقاوي على التحرير ٢ / ٤١٣، ٤١٤، والجمل ٥ / ٢٢٦، ٣ / ٤٨١، الزرقاني على خليل ٣ / ١٤٦، التاج والإكليل للمواق ٤٥ / ٣٨٥، كشاف القناع ٣ / ١٢٧.
(٢) الشرح الصغير ٢ / ٤٢٠، ونهاية المحتاج ٦ / ٢٨٧.
(٣) حاشية ابن عابدين ٣ / ١٩٣، البحر الرائق ٥ / ٥٥، نهاية المحتاج ٧ / ٤٢١، حاشية الدسوقي ٤ / ٣٣٦، الشرح الصغير ٤ / ٤٧٤، كشاف القناع ٦ / ١٣١.
وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ ﷺ: اتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ (١) وَهُمْ يَدِينُونَ بِمَالِيَّةِ الْخِنْزِيرِ وَهُوَ مِنْ أَنْفَسِ الأَْمْوَال عِنْدَهُمْ لأَِنَّهُ كَالشَّاةِ عِنْدَنَا. وَقَال ﷺ: إِذَا قَبِلُوهَا يَعْنِي الْجِزْيَةَ أَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ (٢) وَلِلْمُسْلِمِينَ التَّضْمِينُ بِإِتْلاَفِ مَا يَعْتَقِدُونَهُ مَالًا فَكَذَا يَكُونُ الذِّمِّيُّ، بِخِلاَفِ الْمُسْلِمِ لأَِنَّهُ لَيْسَ مَالًا فِي حَقِّهِ أَصْلًا. (٣)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا غَصَبَ مُسْلِمٌ لأَِهْل الذِّمَّةِ خِنْزِيرًا رُدَّ إِلَيْهِمْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ (٤) فَإِذَا أَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ كَسَائِرِ
_________
(١) حديث: " اتركوهم وما يدينون ". أورده صاحب فتح القدير (٨ / ٢٨٥ - نشر دار إحياء التراث العربي) ولم يعزه إلى أحد، ولم نهتد إليه في المصادر الحديثية الموجودة بين أيدينا.
(٢) حديث: " إذا قبلوها - يعني الجزية - فأعلمهم أنه لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ".، أورده الزيلعي في نصب الراية (٣ / ٥٥ -. ط المجلس العلمي)، وقال: لم أعرف الحديث الذي أشار إليه المصنف، وقال ابن حجر في الدراية (٢ / ١٦٢. ط الفجالة) " لم أجده هكذا ".
(٣) الاختيار ٣ / ٦٥، فتح القدير ٨ / ٢٨٥، ٢٨٦، والشرح الصغير ٤ / ٤٧٤.
(٤) حديث: " على اليد ما أخذت حتى تؤديه. . . " أخرجه أبو داود (٣ / ٨٢٢ - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث الحسن عن سمرة، وقال ابن حجر في التلخيص (٣ / ٥٣ -. ط شركة الطباعة الفنية): (الحسن مختلف في سماعه من سمرة) .
النَّجَاسَاتِ فَلَيْسَ لَهُ عِوَضٌ شَرْعِيٌّ، سَوَاءٌ أَظْهَرُوهُ أَوْ لَمْ يُظْهِرُوهُ. إِلاَّ أَنَّهُ يَأْثَمُ إِذَا أَتْلَفَهُ فِي حَال عَدَمِ إِظْهَارِهِمْ لَهُ (١) .
١٣ - الْخِنْزِيرُ الْبَحْرِيُّ: سُئِل مَالِكٌ عَنْهُ فَقَال أَنْتُمْ تُسَمُّونَهُ خِنْزِيرًا يَعْنِي أَنَّ الْعَرَبَ لاَ تُسَمِّيهِ بِذَلِكَ لأَِنَّهَا لاَ تَعْرِفُ فِي الْبَحْرِ خِنْزِيرًا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ الدُّلْفِينُ. قَال الرَّبِيعُ سُئِل الشَّافِعِيُّ ﵁ عَنْ خِنْزِيرِ الْمَاءِ فَقَال: يُؤْكَل وَرَوَى أَنَّهُ لَمَّا دَخَل الْعِرَاقَ قَال فِيهِ حَرَّمَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحَلَّهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَرَوَى هَذَا الْقَوْل عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ الأَْنْصَارِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ، وَامْتَنَعَ مَالِكٌ أَنْ يَقُول فِيهِ شَيْئًا وَأَبْقَاهُ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى جِهَةِ الْوَرَعِ وَحَكَى ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ ابْنِ خَيْرَانَ أَنَّ أَكَّارًا صَادَ لَهُ خِنْزِيرَ مَاءٍ وَحَمَلَهُ إِلَيْهِ فَأَكَلَهُ، وَقَال كَانَ طَعْمُهُ مُوَافِقًا لِطَعْمِ الْحُوتِ سَوَاءً، وَقَال ابْنُ وَهْبٍ سَأَلْتُ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَنْهُ فَقَال إِنْ سَمَّاهُ النَّاسُ خِنْزِيرًا لَمْ يُؤْكَل لأَِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ (٢) .
_________
(١) أسنى المطالب ٤ / ٢١٨، نهاية المحتاج ٥ / ١٦٥، ١٦٦، وكشاف القناع ٤ / ٧٨.
(٢) حياة الحيوان للدميري ١ / ٣٠٧.
خَنِقٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْخَنِقُ بِكَسْرِ النُّونِ وَالْخَنْقُ (بِسُكُونِهَا) مَصْدَرُ خَنَقَ يَخْنُقُ إِذَا عَصَرَ حَلْقَهُ حَتَّى يَمُوتَ، وَالتَّخْنِيقُ مَصْدَرُ خَنَّقَ وَمِنْهُ الْخِنَاقُ، وَالْخِنَاقُ الْحَبْل الَّذِي يُخْنَقُ بِهِ. (١)
وَيُسْتَعْمَل فِي الاِصْطِلاَحِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي نَفْسِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، بِأَيِّ وَسِيلَةٍ كَانَ الْخَنْقُ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَأَنْ جَعَل فِي عُنُقِهِ حَبْلًا ثُمَّ عَلَّقَهُ فِي شَيْءٍ عَنِ الأَْرْضِ، أَوْ خَنَقَهُ بِيَدَيْهِ أَوْ سَدَّ فَمَهُ وَأَنْفَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (٢) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
أَوَّلًا - فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ:
٢ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُذْبَحَ فَإِنَّهُ لاَ يَحِل بِالْخَنْقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ
_________
(١) المصباح المنير، ولسان العرب في المادة.
(٢) ابن عابدين ٥ / ٣٤٩، ومطالب أولي النهى ٦ / ٩، القرطبي ٦ / ٤٨.
وَمَا أُهِل لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ (١)
كَذَلِكَ يَحْرُمُ الأَْكْل مِنَ الصَّيْدِ الَّذِي مَاتَ بِالْخِنَاقِ بِحَبْلٍ مَنْصُوبٍ لَهُ، أَوِ الَّذِي خَنَقَهُ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ مِنْ غَيْرِ جَرْحٍ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ (٢)
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (صَيْدٌ، ذَبَائِحُ) .
ثَانِيًا - فِي الْقَتْل:
٣ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْقَتْل بِالْخَنْقِ قَتْل عَمْدٍ يُوجِبُ الْقَوَدَ، فَيُقْتَل بِهِ الْجَانِي قِصَاصًا، لأَِنَّ الْعَمْدَ قَصْدُ الْفِعْل الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْقَتْل بِمَا يُتْلِفُ غَالِبًا جَارِحًا أَوْ لاَ، كَمَا يَقُول الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهَذَا يَشْمَل التَّخْنِيقَ وَالتَّغْرِيقَ، كَمَا يَشْمَل الإِْلْقَاءَ مِنْ شَاهِقٍ، وَالْقَتْل بِمُثَقَّلٍ، وَلأَِنَّ قَصْدَ الْعُدْوَانِ يَكْفِي لِيَكُونَ الْقَتْل عَمْدًا مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، سَوَاءٌ أَقَصَدَ الْجَانِي قَتْل الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَمْ قَصَدَ مُجَرَّدَ ضَرْبِهِ وَتَعْذِيبِهِ فَمَاتَ. (٣)
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: لاَ قِصَاصَ فِي الْقَتْل بِالْخَنْقِ
_________
(١) سورة المائدة / ٣.
(٢) حاشية ابن عابدين ٥ / ١٨٦، وتفسير القرطبي ٦ / ٤٨، وأسنى المطالب ١ / ٥٥٥، والمغني ٨ / ٥٤٥.
(٣) ابن عابدين ٣ / ٢١٥، ٣٣٩، والاختيار ٥ / ٢٩، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ٤ / ٢٤٢، وحاشية الجمل ٥ / ٥، والمغني ٧ / ٦٤٠، ومغني المحتاج ٤ / ٦.
وَالتَّغْرِيقِ وَالْقَتْل بِالْمُثَقَّل، لأَِنَّهُ لَيْسَ عَمْدًا، بَل شِبْهَ عَمْدٍ، وَقَال: الْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِالْحَدِيدِ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالرُّمْحِ وَالْخِنْجَرِ وَالنُّشَّابَةِ وَالإِْبْرَةِ وَالإِْشْفَى. (١) وَنَحْوِهَا مِمَّا يُفَرِّقُ أَجْزَاءَ الْبَدَنِ. وَذَلِكَ لأَِنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لاَ يُوقَفُ عَلَيْهِ إِلاَّ بِدَلِيلِهِ مِنِ اسْتِعْمَال آلَةٍ مُعَدَّةٍ لِلْقَتْل، فَلاَ قَوَدَ فِي الْقَتْل بِالْخَنْقِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ضَرْبَهُ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ مُعَدَّةٍ لِلْقَتْل. (٢)
هَذَا إِذَا لَمْ يَتَكَرَّرِ الْقَتْل بِالْخَنْقِ، أَمَّا إِذَا اعْتَادَ الْخَنْقَ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ وَلَوْ مَرَّتَيْنِ قُتِل بِهِ بِلاَ خِلاَفٍ، إِلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَال: مَنْ خَنَقَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ قُتِل سِيَاسَةً (٣) لِسَعْيِهِ فِي الأَْرْضِ بِالْفَسَادِ (٤) .
٤ - هَذَا، وَإِذَا حُكِمَ فِي الْخَنْقِ بِالْقِصَاصِ فَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْجَانِيَ (الْخَانِقَ) لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ إِلاَّ بِالسَّيْفِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ قَوَدَ إِلاَّ بِالسَّيْفِ (٥) وَلأَِنَّ الْقَصْدَ
_________
(١) اِلإشفى مخرز الإسكافي.
(٢) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين ٥ / ٣٣٩، ٣٤٩، والاختيار ٥ / ٢٩.
(٣) السياسة في الأصل استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة. وفي باب الزجر والتأديب عرفها بعضهم بأنها تغليظ جناية لها حكم شرعي حسمًا لمادة الفساد، والظاهر أن السياسة والتعزير مترادفان.، (ابن عابدين ٣ / ١٤٧، ١٤٨) .
(٤) ابن عابدين ٣ / ٢١٥، ٥ / ٣٤٩.
(٥) حديث: " لا قود إلا بالسيف ". أخرجه ابن ماجه (٢ / ٨٨٩ -. ط الحلبي) من حديث النعمان بن بشير، ومن حديث أبي بكرة، وأورده ابن حجر في التلخيص (٤ / ١٩ - شركة الطباعة الفنية)، ونقل عن عبد الحق الأشبيلي أنه قال: " طرقه كلها ضعيفة " وعن البيهقي أنه قال: " لم يثبت له إسناد ".