الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠
الْخُنْثَى يَجِبُ فِيهِ حَدُّ الْقَذْفِ، فَإِذَا رَمَاهُ شَخْصٌ بِالزِّنَى بِفَرْجِهِ الذَّكَرِ، أَوْ فِي فَرْجِهِ الَّذِي لِلنِّسَاءِ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ إِذَا زَنَى بِأَحَدِهِمَا لاَ حَدَّ عَلَيْهِ. (١)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُحَدُّ قَاذِفُ الْخُنْثَى، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ رَجُلًا فَهُوَ كَالْمَجْبُوبِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَهِيَ كَالرَّتْقَاءِ، وَلاَ يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا، لأَِنَّ الْحَدَّ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ عَنْهُمَا، وَلَكِنْ فِي ذَلِكَ التَّعْزِيرُ (٢) .
خِتَانُهُ:
٢٥ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ خِتَانِ الْخُنْثَى عَلَى أَقْوَالٍ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْخُنْثَى الصَّغِيرَ الَّذِي لاَ يُشْتَهَى يَجُوزُ أَنْ يَخْتِنَهُ الرَّجُل أَوِ الْمَرْأَةُ. (٣)
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَال بَعْضُ فُقَهَائِهِمْ: لاَ يُوجَدُ نَصٌّ فِي ذَلِكَ، وَيَرَى ابْنُ نَاجِي كَمَا نَقَلَهُ الْخَطَّابُ: أَنَّ الْخُنْثَى لاَ يُخْتَتَنُ تَطْبِيقًا لِقَاعِدَةِ: تَغْلِيبِ الْحَظْرِ عَلَى الإِْبَاحَةِ. وَمَسَائِلُهُ تَدُل عَلَى ذَلِكَ. (٤)
_________
(١) الشرح الصغير ٤ / ٤٦٣، والخطاب ٦ / ٤٣٣، والكافي ٣ / ٢١٦، وروضة الطالبين ٨ / ٣١١، ٣١٧.
(٢) البدائع ٧ / ٣٢٩، والأشباه والنظائر لابن نجيم / ٣٨٣. ط دار الفكر.
(٣) الاختيار ٣ / ٣٩، والبدائع ٧ / ٣٢٨، وفتح القدير ٨ / ٥٠٦، و٥٠٧. ط دار صادر.
(٤) الحطاب ٣ / ٢٥٩.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْخُنْثَى لاَ يُخْتَنُ فِي صِغَرِهِ، فَإِذَا بَلَغَ فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَشْهُورُ يَجِبُ خِتَانُ فَرْجَيْهِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الأَْصَحُّ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأَِنَّ الْجَرْحَ لاَ يَجُوزُ بِالشَّكِّ، فَعَلَى الأَْوَّل، إِنْ أَحْسَنَ الْخِتَانَ، خَتَنَ نَفْسَهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَوَلاَّهُ الرِّجَال وَالنِّسَاءُ لِلضَّرُورَةِ. (١)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَخْتِنُ فَرْجَيِ الْخُنْثَى احْتِيَاطًا (٢) .
لُبْسُهُ الْفِضَّةَ وَالْحَرِيرَ:
٢٦ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْخُنْثَى فِي الْجُمْلَةِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْخُنْثَى يُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالْحُلِيِّ، لأَِنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَال دُونَ النِّسَاءِ وَحَالُهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ بَعْدُ، فَيُؤْخَذُ بِالاِحْتِيَاطِ، فَإِنَّ اجْتِنَابَ الْحَرَامِ فَرْضٌ، وَالإِْقْدَامَ عَلَى الْمُبَاحِ مُبَاحٌ، فَيُكْرَهُ حَذَرًا عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ (٣) .
_________
(١) شرح المنهج على حاشية الجمل ٥ / ١٧٤، وأسنى المطالب ٤ / ١٦٤، ١٦٥، روضة الطالبين ١٠ / ١٨١، والأشباه والنظائر للسيوطي / ٢٤٤.
(٢) كشاف القناع ١ / ٨٠.
(٣) الأشباه والنظائر لابن نجيم / ٣٨٢،. ط دار الفكر، والاختيار ٣ / ٣٩، والعناية على هامش فتح القدير ٨ / ٥٠٧، والبدائع ٧ / ٣٢٩، وابن عابدين ٥ / ٤٦٥، والأشباه والنظائر للسيوطي / ٢٤٢، وروضة الطالبين ٢ / ٦٦، ٦٧، وكشاف القناع ١ / ٢٨١، ٢ / ٢٣٨.
غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ:
٢٧ - إِذَا مَاتَ الْخُنْثَى فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي غُسْلِهِ عَلَى أَقْوَالٍ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْخُنْثَى إِنْ مَاتَ لَمْ يُغَسِّلْهُ رَجُلٌ وَلاَ امْرَأَةٌ، لأَِنَّ غَسْل الرَّجُل الْمَرْأَةَ، وَعَكْسَهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الشَّرْعِ، فَإِنَّ النَّظَرَ إِلَى الْعَوْرَةِ حَرَامٌ، وَالْحُرْمَةُ لَمْ تَزُل بِالْمَوْتِ فَيُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ، لِتَعَذُّرِ الْغُسْل، وَيُيَمِّمُهُ بِخِرْقَةٍ إِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، وَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ امْرَأَةً، وَبِغَيْرِ خِرْقَةٍ إِنْ يَمَّمَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ. (١)
وَفَصَّل الشَّافِعِيَّةُ الْقَوْل فِيهِ: فَقَالُوا: إِذَا مَاتَ الْخُنْثَى وَلَيْسَ هُنَاكَ مَحْرَمٌ لَهُ مِنَ الرِّجَال أَوِ النِّسَاءِ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ حَدًّا يُشْتَهَى مِثْلُهُ جَازَ لِلرِّجَال وَالنِّسَاءِ غَسْلُهُ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُيَمَّمُ وَيُدْفَنُ. وَالثَّانِي: يُغَسَّل، وَفِيمَنْ يَغْسِلُهُ أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا وَبِهِ قَال أَبُو زَيْدٍ: يَجُوزُ لِلرِّجَال وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا غَسْلُهُ لِلضَّرُورَةِ وَاسْتِصْحَابًا بِحُكْمِ الصِّغَرِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ فِي حَقِّ الرِّجَال كَالْمَرْأَةِ، وَفِي حَقِّ النِّسَاءِ كَالرَّجُل أَخْذًا بِالأَْحْوَطِ (٢) .
_________
(١) فتح القدير ٨ / ٥٠٦، ٥٠٩. ط دار صادر، والبدائع ٧ / ٣٢٨، وابن عابدين ٥ / ٤٦٦.
(٢) أسنى المطالب ١ / ٣٠٣، وروضة الطالبين ٢ / ١٠٥، ونهاية المحتاج ٢ / ٤٥١، والأشباه والنظائر للسيوطي / ٢٤٥.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْخُنْثَى إِذَا كَانَ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ يُيَمَّمُ بِحَائِلٍ مِنْ خِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا، وَالرَّجُل أَوْلَى بِتَيْمِيمِ الْخُنْثَى مِنَ الْمَرْأَةِ. (١)
٢٨ - وَيُكَفَّنُ الْخُنْثَى كَمَا تُكَفَّنُ الْجَارِيَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ أُقِيمَتِ السُّنَّةُ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ زَادُوا عَلَى الثَّلاَثِ، وَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ. فَإِنَّ لِلرَّجُل أَنْ يَلْبَسَ فِي حَيَاتِهِ أَزْيَدَ عَلَى الثَّلاَثَةِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ أُنْثَى كَانَ فِي الاِقْتِصَارِ عَلَى الثَّلاَثَةِ تَرْكُ السُّنَّةِ.
وَإِذَا صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَعَلَى رَجُلٍ، وَعَلَى امْرَأَةٍ، وُضِعَ الْخُنْثَى بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ اعْتِبَارًا بِحَال الْحَيَاةِ، لأَِنَّهُ يَقُومُ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَال وَالنِّسَاءِ فِي الصَّلاَةِ.
وَلَوْ دُفِنَ مَعَ رَجُلٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ عُذْرٍ جُعِل الْخُنْثَى خَلْفَ الرَّجُل، لاِحْتِمَال أَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَيُجْعَل بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ صَعِيدٍ فَيَصِيرُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ قَبْرَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ امْرَأَةٍ قُدِّمَ الْخُنْثَى، لاِحْتِمَال أَنَّهُ رَجُلٌ.
وَتُسْتَحَبُّ تَسْجِيَةُ قَبْرِهِ عِنْدَ دَفْنِهِ، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ أُنْثَى أُقِيمَ الْوَاجِبُ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَالتَّسْجِيَةُ لاَ تَضُرُّهُ (٢) .
_________
(١) كشاف القناع ١ / ٩١.
(٢) فتح القدير ٨ / ٥٠٨، ٥٠٩، والأشباه والنظائر لابن نجيم / ٣٨٢،. ط دار الفكر، وابن عابدين ٥ / ٤٦٦، والبدائع ٧ / ٣٢٨، وكشاف القناع ٢ / ١٠٦، ١٠٨.
إِرْثُهُ:
٢٩ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْخُنْثَى يَرِثُ نِصْفَ مِيرَاثِ ذَكَرٍ، وَنِصْفَ مِيرَاثِ أُنْثَى عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَهَذَا قَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَهْل الْمَدِينَةِ، وَمَكَّةَ، وَالثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
وَوَرَّثَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَقَل النَّصِيبَيْنِ احْتِيَاطًا، وَيُعْطِيهِ الشَّافِعِيَّةُ الْيَقِينَ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي حَتَّى يَتَبَيَّنَ الأَْمْرُ أَوْ يَصْطَلِحُوا، وَلَوْ مَاتَ الْخُنْثَى قَبْل اتِّضَاحِهِ لَمْ يَبْقَ إِلاَّ الصُّلْحُ فِي الْقَدْرِ الْمَوْقُوفِ (الْمَحْجُوزِ)، وَبِهِ قَال أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَابْنُ جَرِيرٍ (١) .
وَفِي كَيْفِيَّةِ إِرْثِهِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحِ " إِرْثٌ "
_________
(١) الاختيار ٥ / ١١٥، وفتح القدير ٨ / ٥٠٩، وابن عابدين ٥ / ٤٦٦، ومواهب الجليل ٦ / ٤٢٦، ٤٢٧، ونهاية المحتاج ٦ / ٣١، ٣٢،. ط مصطفى البابي الحلبي، والقليوبي ٣ / ١٥٠، والمغني ٦ / ٢٥٤، ونيل المآرب ٢ / ٩٣.
خِنْزِيرٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْخِنْزِيرُ حَيَوَانٌ خَبِيثٌ. قَال الدَّمِيرِيُّ. الْخِنْزِيرُ يَشْتَرِكُ بَيْنَ الْبَهِيمِيَّةِ وَالسَّبُعِيَّةِ، فَالَّذِي فِيهِ مِنَ السَّبُعِ النَّابُ وَأَكْل الْجِيَفِ، وَالَّذِي فِيهِ مِنَ الْبَهِيمِيَّةِ الظِّلْفُ وَأَكْل الْعُشْبِ وَالْعَلَفِ.
أَحْكَامُ الْخِنْزِيرِ:
٢ - تَدُورُ أَحْكَامُ الْخِنْزِيرِ عَلَى اعْتِبَارَاتٍ:
الأَْوَّل: تَحْرِيمُ لَحْمِهِ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ.
الثَّانِي: اعْتِبَارُ نَجَاسَةِ عَيْنِهِ.
وَالثَّالِثُ: اعْتِبَارُ مَالِيَّتِهِ. وَتَرَتَّبَ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الاِعْتِبَارَاتِ أَوْ عَلَى جَمِيعِهَا جُمْلَةٌ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
٣ - أَمَّا الاِعْتِبَارُ الأَْوَّل فَقَدْ أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى حُرْمَةِ أَكْل لَحْمِ الْخِنْزِيرِ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ. لِقَوْلِهِ ﷾: ﴿قُل لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِل
لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ . (١)
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى تَقْدِيمِ أَكْل الْكَلْبِ عَلَى الْخِنْزِيرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ لِقَوْل بَعْضِ الْفُقَهَاءِ بِعَدَمِ تَحْرِيمِ أَكْل الْكَلْبِ.
كَمَا يُقَدَّمُ شَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَكُلْيَتُهُ وَكَبِدُهُ عَلَى لَحْمِهِ، لأَِنَّ اللَّحْمَ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَلاَ خِلاَفَ فِيهِ. وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِ مَيْتَةِ غَيْرِ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْخِنْزِيرِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا، لأَِنَّ الْخِنْزِيرَ حَرَامٌ لِذَاتِهِ، وَحُرْمَةَ الْمَيْتَةِ عَارِضَةٌ. (٢)
٤ - وَأَمَّا الاِعْتِبَارُ الثَّانِي: وَهُوَ اعْتِبَارُ نَجَاسَةِ عَيْنِهِ:
فَقَدِ اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى نَجَاسَةِ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ، وَكَذَلِكَ نَجَاسَةُ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَمَا يَنْفَصِل عَنْهُ كَعَرَقِهِ وَلُعَابِهِ وَمَنِيِّهِ (٣) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُل لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِل لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ
_________
(١) سورة الأنعام / ١٤٥.
(٢) حاشية ابن عابدين ٥ / ١٩٦، حاشية الدسوقي ٢ / ١١٦، ١١٧، مطالب أولي النهى ٦ / ٣٢١، المجموع ٩ / ٢، و٣٩.
(٣) فتح القدير ١ / ٨٢، بدائع الصنائع ١ / ٦٣، شرح العناية على الهداية ١ / ٨٢ بهامش فتح القدير، ونهاية المحتاج ١ / ١٩، وكشاف القناع ١ / ١٨١.
رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (١) . وَالضَّمِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ رَاجِعٌ إِلَى الْخِنْزِيرِ فَيَدُل عَلَى تَحْرِيمِ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ وَجَمِيعِ أَجْزَائِهِ.
وَذَلِكَ لأَِنَّ الضَّمِيرَ إِذَا صَلَحَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمُضَافِ وَهُوَ " اللَّحْمُ " وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ وَهُوَ " الْخِنْزِيرُ " جَازَ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِمَا.
وَعَوْدُهُ إِلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَوْلَى فِي هَذَا الْمَقَامِ لأَِنَّهُ مَقَامُ تَحْرِيمٍ، لأَِنَّهُ لَوْ عَادَ إِلَى الْمُضَافِ وَهُوَ اللَّحْمُ لَمْ يَحْرُمْ غَيْرُهُ، وَإِنْ عَادَ إِلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ حَرُمَ اللَّحْمُ وَجَمِيعُ أَجْزَاءُ الْخِنْزِيرِ.
فَغَيْرُ اللَّحْمِ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَحْرُمَ وَأَنْ لاَ يَحْرُمَ فَيَحْرُمُ احْتِيَاطًا وَذَلِكَ بِإِرْجَاعِ الضَّمِيرِ إِلَيْهِ طَالَمَا أَنَّهُ صَالِحٌ لِذَلِكَ، وَيُقَوِّي إِرْجَاعَ الضَّمِيرِ إِلَى " الْخِنْزِيرِ " أَنَّ تَحْرِيمَ لَحْمِهِ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْخِنْزِيرَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلتَّذْكِيَةِ فَيَنْجَسُ لَحْمُهُ بِالْمَوْتِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى طَهَارَةِ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ حَال الْحَيَاةِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الأَْصْل فِي كُل حَيٍّ الطَّهَارَةُ، وَالنَّجَاسَةُ عَارِضَةٌ، فَطَهَارَةُ عَيْنِهِ بِسَبَبِ الْحَيَاةِ، وَكَذَلِكَ طَهَارَةُ عَرَقِهِ وَلُعَابِهِ وَدَمْعِهِ وَمُخَاطِهِ (٢) .
وَمِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحُكْمِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ::
_________
(١) سورة الأنعام / ١٤٥.
(٢) الشرح الصغير ١ / ٤٣.
أَوَّلًا: دِبَاغُ جِلْدِ الْخِنْزِيرِ:
٥ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَطْهُرُ جِلْدُ الْخِنْزِيرِ بِالدِّبَاغِ وَلاَ يَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ لأَِنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، وَالدِّبَاغُ كَالْحَيَاةِ، فَكَمَا أَنَّ الْحَيَاةَ لاَ تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْهُ، فَكَذَا الدِّبَاغُ. وَوَجَّهَ الْمَالِكِيَّةُ قَوْلَهُمْ بِعَدَمِ طَهَارَةِ جِلْدِ الْخِنْزِيرِ بِالدِّبَاغِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلتَّذْكِيَةِ إِجْمَاعًا فَلاَ تَعْمَل فِيهِ فَكَانَ مَيْتَةً فَلاَ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَلاَ يَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ.
وَيَتَّفِقُ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ مِنْ أَيِّ حَيَوَانٍ لاَ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَلَكِنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ الاِنْتِفَاعَ بِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ فِي غَيْرِ الْمَائِعَاتِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي الْمَائِعَاتِ كَذَلِكَ مَعَ الْيَابِسَاتِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ الْخِنْزِيرَ فَلاَ تَتَنَاوَلُهُ الرُّخْصَةُ. (&# x٦٦١ ;)
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ.
وَيُقَابِل الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَا شَهَرَهُ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ الْفَرَسِ مِنْ أَنَّ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ كَجِلْدِ غَيْرِهِ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْيَابِسَاتِ وَالْمَاءِ إِذَا دُبِغَ سَوَاءٌ ذُكِّيَ أَمْ لاَ.
ثَانِيًا: سُؤْرُ الْخِنْزِيرِ:
٦ - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
_________
(١) حاشية ابن عابدين ١ / ١٣٦، ١٣٧، فتح القدير ١ / ٨١، بدائع الصنائع ١ / ٧٤، حاشية الدسوقي ١ / ٥٤، ٥٥، مواهب الجليل ١ / ١٠١، المجموع ١ / ٢١٧، كشاف القناع ١ / ٥٤، ٥٥، المغني ١ / ٦٦.
نَجَاسَةِ سُؤْرِ الْخِنْزِيرِ لِكَوْنِهِ نَجِسَ الْعَيْنِ، وَكَذَا لُعَابُهُ لأَِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ عَنْهُ.
وَيَكُونُ تَطْهِيرُ الإِْنَاءِ إِذَا وَلَغَ فِيهِ بِأَنْ يُغْسَل سَبْعًا إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁: إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَفِي رِوَايَةٍ: فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَفِي أُخْرَى: طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ.
(١) قَالُوا: فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْكَلْبِ فَالْخِنْزِيرُ أَوْلَى لأَِنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْكَلْبِ وَتَحْرِيمُهُ أَشَدُّ، لأَِنَّ الْخِنْزِيرَ لاَ يُقْتَنَى بِحَالٍ، وَلأَِنَّهُ مَنْدُوبٌ إِلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَلأَِنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ (٢) فَثَبَتَ وُجُوبُ غَسْل مَا وَلَغَ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَكُونُ تَطْهِيرُ الإِْنَاءِ إِذَا وَلَغَ فِيهِ خِنْزِيرٌ بِأَنْ يُغْسَل ثَلاَثًا. (٣)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ نَجَاسَةِ سُؤْرِ الْخِنْزِيرِ وَذَلِكَ لِطَهَارَةِ لُعَابِهِ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ ثَبَتَ غَسْل
_________
(١) حديث: " إذا شرب الكلب في أناء أحدكم فليغسله سبع مرات ". أخرجه مسلم (١ / ٢٣٤ -. ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(٢) سورة الأنعام / ١٤٥.
(٣) فتح القدير ١ / ٧٥، ٧٦، البحر الرائق ١ / ١٣٤، مراقي الفلاح ص٥، والمجموع ١ / ١٧٣، نهاية المحتاج ١ / ٢٣٦، وكشاف القناع ١ / ١٨٢.