الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠ الصفحة 5

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠

وُقُوفُهُ فِي الصَّفِّ فِي صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ:

١٢ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ رِجَالٌ، وَصِبْيَانٌ، وَخَنَاثَى، وَنِسَاءٌ، فِي صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ، تَقَدَّمَ الرِّجَال، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ الْخَنَاثَى، ثُمَّ النِّسَاءُ، وَلَوْ كَانَ مَعَ الإِْمَامِ خُنْثَى وَحْدَهُ، فَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الإِْمَامَ يَقِفُهُ عَنْ يَمِينِهِ، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ رَجُلًا، فَقَدْ وَقَفَ فِي مَوْقِفِهِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً لَمْ تَبْطُل صَلاَتُهَا بِوُقُوفِهَا مَعَ الإِْمَامِ، كَمَا لاَ تَبْطُل بِوُقُوفِهَا مَعَ الرِّجَال.

وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مُحَاذَاتَهُ لِلرَّجُل مُفْسِدَةٌ لِلصَّلاَةِ (١) .

إِمَامَتُهُ:

١٣ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْخُنْثَى لاَ تَصِحُّ إِمَامَتُهُ لِرَجُلٍ وَلاَ لِمِثْلِهِ، لاِحْتِمَال أُنُوثَتِهِ، وَذُكُورَةِ الْمُقْتَدِي، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَتَصِحُّ إِمَامَةُ الْخُنْثَى لَهُنَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ بِدُونِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَإِمَامَتُهَا بِالنِّسَاءِ صَحِيحَةٌ.

وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهَا: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ

_________

(١) ابن عابدين ١ / ٣٨٤، ٣٨٥، ومواهب الجليل ٦ / ٤٣٣، والأشباه والنظائر للسيوطي ص٢٤٥، وكشاف القناع ١ / ٤٨٨، ٤٨٩، والمغني ١ / ٢١٨، ٢١٩، ٢ / ١٩٩.

وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مَا عَدَا ابْنَ عَقِيلٍ إِلَى أَنَّ الْخُنْثَى إِذَا أَمَّ النِّسَاءَ قَامَ أَمَامَهُنَّ لاَ وَسَطَهُنَّ، لاِحْتِمَال كَوْنِهِ رَجُلًا، فَيُؤَدِّي وُقُوفُهُ وَسَطَهُنَّ إِلَى مُحَاذَاةِ الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ.

ثُمَّ يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْخُنْثَى لَوْ صَلَّى وَسَطَهُنَّ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ بِمُحَاذَاتِهِنَّ عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ، وَتَفْسُدُ صَلاَتُهُنَّ عَلَى هَذَا الأَْسَاسِ، وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ التَّقَدُّمَ عَلَيْهِنَّ مُسْتَحَبٌّ، وَمُخَالَفَتُهُ لاَ تُبْطِل الصَّلاَةَ.

وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ: يَقُومُ وَسَطَهُنَّ وَلاَ يَتَقَدَّمُهُنَّ.

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ لاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّرَاوِيحِ وَغَيْرِهَا.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ تَصِحُّ فِي التَّرَاوِيحِ إِذَا كَانَ الْخُنْثَى قَارِئًا وَالرِّجَال أُمِّيُّونَ وَيَقِفُونَ خَلْفَهُ.

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلاَ يَتَأَتَّى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، لأَِنَّ الذُّكُورَةَ شَرْطٌ عِنْدَهُمْ فِي صِحَّةِ الإِْمَامَةِ، فَلاَ تَجُوزُ إِمَامَةُ الْخُنْثَى وَلَوْ لِمِثْلِهِ فِي نَفْلٍ، وَلَمْ يُوجَدْ رَجُلٌ يُؤْتَمُّ بِهِ.

وَلأَِبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْخُنْثَى لاَ تَصِحُّ صَلاَتُهُ فِي جَمَاعَةٍ، لأَِنَّهُ إِنْ قَامَ مَعَ الرِّجَال احْتَمَل أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَإِنْ قَامَ مَعَ النِّسَاءِ أَوْ وَحْدَهُ، أَوِ ائْتَمَّ بِامْرَأَةٍ احْتَمَل أَنْ يَكُونَ رَجُلًا، وَإِنْ أَمَّ الرِّجَال احْتَمَل أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَإِنْ أَمَّ النِّسَاءَ فَقَامَ وَسَطَهُنَّ احْتَمَل أَنَّهُ رَجُلٌ، إِنْ قَامَ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ احْتَمَل أَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَيُحْتَمَل

أَنْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَفِي صُورَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنْ يَقُومَ فِي صَفِّ الرِّجَال مَأْمُومًا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا قَامَتْ فِي صَفِّ الرِّجَال لَمْ تَبْطُل صَلاَتُهَا وَلاَ صَلاَةُ مَنْ يَلِيهَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (١) .

حَجُّهُ وَإِحْرَامُهُ:

١٤ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْخُنْثَى كَالأُْنْثَى فِي شُرُوطِ وُجُوبِ الْحَجِّ، وَفِي لُبْسِ الْمَخِيطِ، وَالْقُرْبِ مِنَ الْبَيْتِ، وَالرَّمَل فِي الطَّوَافِ، وَالاِضْطِبَاعِ، وَالرَّمَل بَيْنَ الْمِيلَيْنِ فِي السَّعْيِ، وَالْوُقُوفِ، وَالتَّقْدِيمِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ، وَلاَ يَحُجُّ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ لاَ مَعَ جَمَاعَةِ رِجَالٍ فَقَطْ، وَلاَ مَعَ نِسَاءٍ فَقَطْ، إِلاَّ أَنْ يَكُونُوا مِنْ مَحَارِمِهِ.

وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْخُنْثَى إِذَا أَحْرَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ اجْتِنَابُ الْمَخِيطِ، فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ إِنْ غَطَّى رَأْسَهُ، لاِحْتِمَال كَوْنِهِ امْرَأَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ غَطَّى وَجْهَهُ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ لِلْمَخِيطِ، لاِحْتِمَال كَوْنِهِ رَجُلًا، فَإِنْ غَطَّى وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ مَعًا فَدَى، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ غَطَّى وَجْهَهُ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ غَطَّى رَأْسَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ غَطَّى وَجْهَهُ وَلَبِسَ الْمَخِيطَ،

_________

(١) ابن عابدين ١ / ٣٨٠، والقوانين الفقهية / ٦٨، والتاج والإكليل على هامش مواهب الجليل ٢ / ٩٢، والدسوقي ١ / ٣٢٦، وجواهر الإكليل ١ / ٧٨. ط مكة، والقليوبي ١ / ٢٣١، وروضة الطالبين ١ / ٣٥١، والأشباه والنظائر للسيوطي / ٢٤٣، والمغني ١ / ٤٧٩، ٢ / ١٩٩، ٢٠٠، كشاف القناع ١ / ٤٧٩.

لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ أُنْثَى فَلِتَغْطِيَةِ وَجْهِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَلِلُبْسِهِ الْمَخِيطَ.

وَقَال أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ عِلْمَ لِي فِي لِبَاسِهِ، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ ذَكَرًا يُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْمَخِيطِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُ (١) . وَيُنْظَرُ: " حَجٌّ ".

النَّظَرُ وَالْخَلْوَةُ:

١٥ - صَرَّحَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ الْخُنْثَى لاَ يَخْلُو بِهِ غَيْرُ مَحْرَمٍ مِنْ رَجُلٍ وَلاَ امْرَأَةٍ، وَلاَ يُسَافِرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ مِنَ الرِّجَال احْتِيَاطًا، وَتَوَقِّيًا عَنِ احْتِمَال الْحَرَامِ، وَكَذَلِكَ لاَ يَتَكَشَّفُ الْخُنْثَى الْمُرَاهِقُ لِلنِّسَاءِ، لاِحْتِمَال كَوْنِهِ رَجُلًا، وَلاَ لِلرِّجَال لاِحْتِمَال كَوْنِهِ امْرَأَةً، وَالْمُرَادُ بِالاِنْكِشَافِ هُوَ أَنْ يَكُونَ فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ، لاَ إِبْدَاءَ مَوْضِعِ الْعَوْرَةِ، لأَِنَّ ذَلِكَ لاَ يَحِل لِغَيْرِ الأُْنْثَى أَيْضًا.

وَقَال الْقَفَّال مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: بِالْجَوَازِ اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الصِّغَرِ، وَبِهِ قَطَعَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ (٢) .

_________

(١) فتح القدير ٨ / ٥٠٦. ط دار صادر، والأشباه والنظائر لابن نجيم / ٣٨٤،. ط دار الفكر بدمشق، والخطاب ٦ / ٤٣٣، والأشباه والنظائر للسيوطي / ٢٤٣، وأسنى المطالب ١ / ٥٠٧، وحاشية الجمل ٢ / ٥٠٦، وكشاف القناع ٢ / ٤٢١، ٤٢٨، والمغني ٣ / ٣٣١.

(٢) الاختيار ٣ / ٣٩، وفتح القدير ٨ / ٥٠٧، ٥٠٨، والأشباه والنظائر لابن نجيم / ٣٨٣، وابن عابدين ٥ / ٤٦٥، وأسنى المطالب ٣ / ١١٤، ٤ / ١٦٩، وروضة الطالبين ٧ / ٢٩، والأشباه والنظائر للسيوطي / ٢٤٤. ط دار الهلال، وكشاف القناع ٥ / ١٥.

نِكَاحُهُ:

١٦ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْخُنْثَى إِنْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ رَجُلًا فَوَصَل إِلَيْهِ جَازَ، وَكَذَلِكَ إِنْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً فَوَصَل إِلَيْهَا، وَإِلاَّ أُجِّل كَالْعِنِّينِ (١) .

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ النِّكَاحُ فِي حَقِّهِ مِنَ الْجِهَتَيْنِ، أَيْ لاَ يَنْكِحُ وَلاَ يُنْكَحُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّافِعِيِّ يَنْكِحُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، ثُمَّ لاَ يُنْقَل عَمَّا اخْتَارَهُ، قَال الْعُقْبَانِيُّ: وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ: إِذَا اخْتَارَ وَاحِدًا، وَفَعَلَهُ، أَمَّا مُجَرَّدُ الاِخْتِيَارِ دُونَ فِعْلٍ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِنِ اخْتِيَارِ الطَّرَفِ الآْخَرِ. (٢)

وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي نِكَاحِهِ: فَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ: أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ رَجُلٌ، وَأَنَّهُ يَمِيل طَبْعُهُ إِلَى نِكَاحِ النِّسَاءِ، فَلَهُ نِكَاحُهُنَّ، إِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ يَمِيل طَبْعُهَا إِلَى الرِّجَال زُوِّجَ رَجُلًا، لأَِنَّهُ مَعْنًى لاَ يُتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلاَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ إِيجَابُ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ، فَيُقْبَل قَوْلُهُ فِيهِ، كَمَا يُقْبَل قَوْل الْمَرْأَةِ فِي حَيْضَتِهَا وَعِدَّتِهَا، وَقَدْ يَعْرِفُ نَفْسَهُ بِمَيْل طَبْعِهِ إِلَى أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ وَشَهْوَتِهِ لَهُ.

_________

(١) الأشباه والنظائر لابن نجيم / ٣٨٢، ٣٨٣، ط دار الفكر.

(٢) مواهب الجليل ٦ / ٤٣٢. ط دار الفكر، والقليوبي ٣ / ٢٤٤، ونهاية المحتاج ٦ / ٣١١، والأشباه والنظائر للسيوطي / ٢٤٥.

وَقَال أَبُو بَكْرٍ: لاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ حَتَّى يَبِينَ أَمْرُهُ. وَأَوْرَدَهُ نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُ مَا يُبِيحُ لَهُ النِّكَاحَ، فَلَمْ يُبَحْ لَهُ كَمَا لَوِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ أُخْتُهُ بِنِسْوَةٍ، وَلأَِنَّهُ قَدِ اشْتَبَهَ الْمُبَاحُ بِالْمَحْظُورِ فِي حَقِّهِ فَحَرُمَ. (١)

وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي " نِكَاحٌ "

رَضَاعُهُ:

١٧ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَجُمْهُورُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إِنْ ثَابَ (اجْتَمَعَ) لِخُنْثَى لَبَنٌ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ التَّحْرِيمُ، لأَِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ امْرَأَةً، فَلاَ يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ مَعَ الشَّكِّ. (٢)

وَأَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ فِي لَبَنِ الْخُنْثَى، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا قَال بَعْضُ فُقَهَائِهِمْ: إِنَّهُ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ قِيَاسًا عَلَى مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، فَتَيَقُّنُ حُصُول لَبَنِهِ بِجَوْفِ رَضِيعٍ كَتَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ، وَالشَّكُّ فِي كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى كَالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ. (٣)

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَابْنُ حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُوقَفُ الأَْمْرُ حَتَّى يَنْكَشِفَ أَمْرُ الْخُنْثَى، فَإِنْ بَانَ أُنْثَى حَرُمَ، وَإِلاَّ فَلاَ، وَلَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ مَنِ ارْتَضَعَ بِلَبَنِهِ (٤) .

_________

(١) المغني ٦ / ٦٧٧، و٦٧٨، وكشاف القناع ٥ / ٩٠.

(٢) ابن عابدين ٢ / ٤١٠، وكشاف القناع ٥ / ٤٤٥، والمغني ٧ / ٥٤٥.

(٣) حاشية الزرقاني ٤ / ٢٣٩.

(٤) حاشية الجمل ٤ / ٤٧٥، وروضة الطالبين ٩ / ٣، والمغني ٧ / ٥٤٥.

إِقْرَارُ الْخُنْثَى:

١٨ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يُقَلِّل مِيرَاثَهُ أَوْ دِيَتَهُ قُبِل مِنْهُ، وَإِنِ ادَّعَى مَا يَزِيدُ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَل لأَِنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ فَلاَ يُقْبَل قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ عِبَادَاتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَل قَوْلُهُ فِيهِ، لأَِنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ يُقْبَل قَوْلُهُ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ عَنْهُ (١) .

شَهَادَةُ الْخُنْثَى وَقَضَاؤُهُ:

١٩ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْخُنْثَى كَالأُْنْثَى فِي الشَّهَادَةِ، فَتُقْبَل شَهَادَتُهُ مَعَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ، وَيُعَدُّ فِي شَهَادَتِهِ امْرَأَةً. قَال ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: وَيُحْكَمُ فِيهِ بِالأَْحْوَطِ، وَسُلُوكُ الأَْحْوَطِ فِي شَهَادَتِهِ أَنْ لاَ تُقْبَل إِلاَّ فِي الأَْمْوَال وَيُعَدُّ فِي شَهَادَتِهِ امْرَأَةً. (٢)

وَأَمَّا قَضَاؤُهُ، فَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ تَوْلِيَةُ الْخُنْثَى، وَلاَ يَنْفُذُ، لأَِنَّهُ لاَ يُعْلَمُ كَوْنُهُ ذَكَرًا. (٣)

_________

(١) فتح القدير ٨ / ٥٠٨. ط دار صادر، والأشباه والنظائر لابن نجيم / ٣٢٢. ط مكتبة الهلال، والمغني ٦ / ٧٧، ٦٧٨، و٤ / ٤٦١، ٤٦٢.

(٢) ابن عابدين ٤ / ٣٧٧، ٣٥٦، والحطاب ٦ / ٤٣٢، وروضة الطالبين ١١ / ٢٥٥، والأشباه والنظائر للسيوطي / ٢٤٣.

(٣) الشرح الصغير ٤ / ١٨٧، وروضة الطالبين ١١ / ٩٥، والأشباه والنظائر للسيوطي / ٢٤٣، والكافي ٣ / ٤٣٣،. ط المكتب الإسلامي بدمشق.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْخُنْثَى كَالأُْنْثَى يَصِحُّ قَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ بِالأَْوْلَى، وَيَنْبَغِي أَنْ لاَ يَصِحَّ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِشُبْهَةِ الأُْنُوثَةِ (١) .

الاِقْتِصَاصُ لِلْخُنْثَى، وَالاِقْتِصَاصُ مِنْهُ:

٢٠ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُقْتَل كُل وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ بِالْخُنْثَى، وَيُقْتَل بِهِمَا، لأَِنَّهُ لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ.

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الأَْطْرَافِ سَوَاءٌ قَطَعَهَا رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ عَلَى قَاطِعِ يَدِ الْخُنْثَى وَلَوْ عَمْدًا، وَلَوْ كَانَ الْقَاطِعُ امْرَأَةً، وَلاَ تُقْطَعُ يَدُهُ إِذَا قَطَعَ يَدَ غَيْرِهِ عَمْدًا لاِحْتِمَال عَدَمِ التَّكَافُؤِ (٢) .

وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ

دِيَةُ الْخُنْثَى:

٢١ - إِنْ كَانَ الْمَقْتُول خُنْثَى فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ

_________

(١) ابن عابدين ٤ / ٣٥٦.

(٢) الأشباه والنظائر لابن نجيم / ٣٨٣. ط دار الفكر، وابن عابدين ٥ / ٣٦٨، ٣٦٩، ومواهب الجليل ٦ / ٤٣٣، وروضة الطالبين ٩ / ١٥٦، ١٥٩، والمغني ٧ / ٦٧٩، ٦٨٠، ٧١٥.

وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ فِيهِ نِصْفَ دِيَةِ ذَكَرٍ وَنِصْفَ دِيَةِ أُنْثَى، لأَِنَّهُ يَحْتَمِل الذُّكُورَةَ وَالأُْنُوثَةَ احْتِمَالًا وَاحِدًا، وَقَدْ يُئِسَ مِنِ احْتِمَال انْكِشَافِ حَالِهِ، فَيَجِبُ التَّوَسُّطُ بَيْنَهُمَا، وَالْعَمَل بِكِلاَ الاِحْتِمَالَيْنِ (١) .

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْوَاجِبَ دِيَةُ أُنْثَى، لأَِنَّهُ الْيَقِينُ، فَلاَ يَجِبُ الزَّائِدُ بِالشَّكِّ (٢) .

وَأَمَّا دِيَةُ جِرَاحِهِ وَأَطْرَافِهِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا نِصْفُ ذَلِكَ مِنَ الرَّجُل.

وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَدَى الْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ: إِنَّهُ يُسَاوِي الرَّجُل فِي الأَْطْرَافِ إِلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ، فَإِذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَارَتْ عَلَى النِّصْفِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَعَلَى ثَلاَثَةِ أَرْبَاعِ دِيَةِ الذَّكَرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الدِّيَاتِ (٣) .

وُجُوبُ الْعَقْل (الدِّيَةِ) عَلَى الْخُنْثَى:

٢٢ - صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، بِأَنَّهُ لاَ تَدْخُل الْخُنْثَى فِي الْعَاقِلَةِ، لاِحْتِمَال أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، ثُمَّ إِنْ بَانَ

_________

(١) مواهب الجليل ٦ / ٤٣٣، والمغني، ٨ / ٦٢، ٦٣.

(٢) روضة الطالبين ٩ / ١٥٩، ٢٥٧، والأشباه والنظائر للسيوطي / ٢٤٣، والمغني ٨ / ٦٢.

(٣) ابن عابدين ٥ / ٣٦٨، ٣٦٩، والقوانين الفقهية / ٣٤٥، وروضة الطالبين ٩ / ٢٥٧، والمغني ٨ / ٥٢، ٦٣.

ذَكَرًا، فَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَغْرَمَ حِصَّتَهُ الَّتِي أَدَّاهَا غَيْرُهُ (١) .

دُخُولُهُ فِي الْقَسَامَةِ:

٢٣ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْخُنْثَى لاَ يَدْخُل فِي الْقَسَامَةِ، لأَِنَّهُ لاَ يَدْخُل فِي الْعَاقِلَةِ، وَلاَ يَثْبُتُ الْقَتْل بِشَهَادَتِهِ أَشْبَهَ الْمَرْأَةَ. وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْقَتْل الْخَطَأِ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْخُنْثَى يُقْسِمُ، لأَِنَّ سَبَبَ الْقَسَامَةِ وُجِدَ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا لِلدَّمِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقِ الْمَانِعُ مِنْ يَمِينِهِ.

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يَحْلِفُ الْخُنْثَى الأَْكْثَرَ، وَيَأْخُذُ الأَْقَل لِلشَّكِّ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِلَى الْبَيَانِ أَوِ الصُّلْحِ، وَلاَ تُعَادُ الْقِسْمَةُ بَعْدَ الْبَيَانِ فَيُعْطَى الْبَاقِي لِمَنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَهُ بِلاَ يَمِينٍ (٢) .

حَدُّ قَاذِفِهِ:

٢٤ - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلاَمِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ مَنْ قَذَفَ الْخُنْثَى بِفِعْلٍ يُحَدُّ بِهِ

_________

(١) الاختيار ٥ / ٦١، وابن عابدين ٥ / ٤١٠، ٤١٣، التاج والإكليل على هامش مواهب الجليل ٦ / ٢٦٧، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٧١، وروضة الطالبين ٩ / ٣٥٥، والقليوبي ٤ / ١٥٧، وحاشية الجمل ٥ / ٦٢، والأشباه والنظائر للسيوطي / ٢٤٣، وكشاف القناع ٦ / ٦٠.

(٢) الاختيار ٣ / ٤٠، والحطاب ٦ / ٢٧٣، والقليوبي ٤ / ١٦٦، والمغني ٨ / ٨١.