الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠
مِنَ الْقَوَدِ إِتْلاَفُ جُمْلَتِهِ وَقَدْ أَمْكَنَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ فَلاَ يَجُوزُ تَعْذِيبُهُ. (١)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لِلْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْقَاتِل يُقْتَل بِمِثْل مَا قَتَل إِلاَّ فِي حَالاَتٍ خَاصَّةٍ تُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ (قِصَاصٌ)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ (٢) وَعَلَى ذَلِكَ فَيُخْنَقُ الْخَانِقُ حَتَّى يَمُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، إِلاَّ إِذَا اخْتَارَ مُسْتَحِقُّ الْقَوَدِ السَّيْفَ فَيُمَكَّنُ مِنْهُ، لأَِنَّهُ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهِ غَالِبًا، وَلأَِنَّهُ الأَْصْل فِي الْقِصَاصِ. (٣) وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (جِنَايَةٌ، وَقِصَاصٌ) .
ثَالِثًا - فِي الأَْيْمَانِ:
٥ - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لاَ يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَخَنَقَهَا أَوْ مَدَّ شَعْرَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ، لأَِنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ فَيَدْخُل فِيهِ الْخَنْقُ. (٤)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَيْسَ وَضْعُ السَّوْطِ عَلَيْهِ
_________
(١) ابن عابدين ٥ / ٣٤٦، ومطالب أولي النهى ٦ / ٥٢.
(٢) سورة النحل / ١٢٦.
(٣) جواهر الإكليل ٢ / ٢٦٥، والقليوبي ٤ / ١٢٤.
(٤) الاختيار للموصلي ٤ / ٧٢، والمغني لابن قدامة ٨ / ٧٢٦.
وَالْعَضُّ، وَالْخَنْقُ، أَوْ نَتْفُ الشَّعْرِ ضَرْبًا، لاِنْتِفَاءِ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ عُرْفًا، فَلاَ يَحْنَثُ إِنْ عَضَّهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهَا (١) .
(ر: أَيْمَانٌ) .
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ حُكْمَ الْخَنْقِ فِي مَبَاحِثِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ، وَفِي الْجِنَايَاتِ وَالْقِصَاصِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ، وَفِي بَابِ الْيَمِينِ.
_________
(١) المهذب ٢ / ١٣٧، ١٣٨، ونهاية المحتاج ٨ / ١٩٩.
خَوَارِجُ
انْظُرْ: فِرَقٌ
خَوْفٌ
انْظُرْ: صَلاَةُ الْخَوْفِ
خِيَارٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْخِيَارُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنَ (الاِخْتِيَارِ) وَهُوَ الاِصْطِفَاءُ وَالاِنْتِقَاءُ، وَالْفِعْل مِنْهُمَا (اخْتَارَ) . وَقَوْل الْقَائِل: أَنْتَ بِالْخِيَارِ، مَعْنَاهُ: اخْتَرْ مَا شِئْتَ. وَخَيَّرَهُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَعْنَاهُ: فَوَّضَ إِلَيْهِ اخْتِيَارَ أَحَدِهِمَا. (١)
وَالْخِيَارُ فِي الاِصْطِلاَحِ لَهُ تَعَارِيفُ كَثِيرَةٌ إِلاَّ أَنَّهَا فِي الْغَالِبِ تَنَاوَلَتْ هَذَا اللَّفْظَ مَقْرُونًا بِلَفْظٍ آخَرَ لأَِنْوَاعِ الْخِيَارَاتِ دُونَ أَنْ يُقْصَدَ بِالتَّعْرِيفِ (الْخِيَارُ) عُمُومًا، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِخْلاَصُ تَعْرِيفٍ لِلْخِيَارِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مِنْ خِلاَل تَعَارِيفِ أَنْوَاعِ الْخِيَارِ بِأَنْ يُقَال: هُوَ حَقُّ الْعَاقِدِ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ أَوْ إِمْضَائِهِ، لِظُهُورِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ أَوْ بِمُقْتَضَى اتِّفَاقٍ عَقَدِيٍّ.
_________
(١) مقاييس اللغة لابن فارس مادة: " خير " (وموقعها في ترتيبه الخاص ص٢ / ٢٣٢)، وأساس البلاغة للزمخشري، والنهاية لابن الأثير، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي، والمصباح المنير، والقاموس، وتاج العروس، ولسان العرب، ومعجم متن اللغة، والمعجم الوسيط (كلهن مادة خير)، والكليات لأبي البقاء ص٢١٤.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - عَدَمُ اللُّزُومِ:
٢ - اللُّزُومُ: مَعْنَاهُ عَدَمُ إِمْكَانِ رُجُوعِ الْعَاقِدِ عَنِ الْعَقْدِ بِإِرَادَتِهِ الْمُنْفَرِدَةِ، وَيُسَمَّى الْعَقْدُ الَّذِي هَذَا شَأْنُهُ (الْعَقْدَ اللاَّزِمَ) بِمَعْنَى أَنَّ الْعَاقِدَ لاَ يَحِقُّ لَهُ فَسْخُ الْعَقْدِ إِلاَّ بِرِضَا الْعَاقِدِ الآْخَرِ، فَكَمَا لاَ يُعْقَدُ الْعَقْدُ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي لاَ يُفْسَخُ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي (وَذَلِكَ بِالإِْقَالَةِ) وَمِنْ هَذَا يَتَّضِحُ تَعْرِيفُ عَدَمِ اللُّزُومِ فَهُوَ: إِمْكَانُ رُجُوعِ الْعَاقِدِ عَنِ الْعَقْدِ وَنَقْضِهِ بِإِرَادَتِهِ الْمُنْفَرِدَةِ دُونَ الْحَاجَةِ إِلَى التَّرَاضِي عَلَى ذَلِكَ النَّقْضِ.
فَهَذَا اللُّزُومُ قَدْ يَتَخَلَّفُ فِي بَعْضِ الْعُقُودِ فَيَسْتَطِيعُ كُلٌّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَحَلَّل مِنْ رَابِطَةِ الْعَقْدِ وَيَفْسَخَهُ بِمُجَرَّدِ إِرَادَتِهِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا الآْخَرِ. وَتَخَلُّفُ اللُّزُومِ هُنَا مَبْعَثُهُ أَنَّ طَبِيعَةَ الْعَقْدِ وَغَايَتَهُ تَقْتَضِي عَدَمَ اللُّزُومِ، وَالْعَقْدُ عِنْدَئِذٍ (عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ) إِذْ يَكُونُ عَدَمُ اللُّزُومِ صِفَةً مَلْحُوظَةً فِي نَوْعِ الْعَقْدِ.
وَمِنَ السَّهْل تَبَيُّنُ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَبَيْنَ طَبِيعَةِ عَدَمِ اللُّزُومِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، فَالتَّخْيِيرُ حَالَةٌ طَارِئَةٌ عَلَى الْعَقْدِ حَيْثُ إِنَّ الأَْصْل فِي الْعَقْدِ اللُّزُومُ، فَالْعَقْدُ الْمُقْتَرِنُ بِخِيَارٍ هُوَ قَيْدٌ أَوِ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَبْدَأِ، ثُمَّ هُوَ فِي جَمِيعِ الْخِيَارَاتِ لَيْسَ مِمَّا تَقْتَضِيهِ طَبِيعَةُ الْعُقُودِ، بَل هُوَ مِمَّا اعْتُبِرَ قَيْدًا عَلَى تِلْكَ الطَّبِيعَةِ لأَِصَالَةِ
اللُّزُومِ. أَمَّا فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ بِأَنْوَاعِهَا فَإِنَّهُ جُزْءٌ مِنْ طَبِيعَتِهَا تَقْتَضِيهِ غَايَاتُهَا وَلاَ يَنْفَصِل عَنْهَا إِلاَّ لِسَبَبٍ خَاصٍّ فِيمَا لُزُومُهُ لَيْسَ أَصْلًا.
وَالْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ تَحْتَمِل الْفَسْخَ فَقَطْ أَمَّا الإِْجَازَةُ فَلاَ مَجَال لَهَا، لأَِنَّ الإِْقْدَامَ عَلَى الْعَقْدِ وَالاِسْتِمْرَارَ فِيهِ يُغْنِي عَنْهَا، فِي حِينِ أَنَّ الْخِيَارَاتِ تَحْتَمِل الأَْمْرَيْنِ.
وَهُنَاكَ فَارِقٌ آخَرُ بَيْنَ الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ وَبَيْنَ الْخِيَارَاتِ يَقُومُ عَلَى مُلاَحَظَةِ نَتِيجَةِ (الْفَسْخِ) الَّذِي هُوَ أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ، فَحُكْمُ الْفَسْخِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ مُخْتَلِفٌ عَنْهُ فِي الْخِيَارَاتِ، حَيْثُ يَكُونُ فِي الصُّورَةِ الأُْولَى مُقْتَصِرًا (لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ رَجْعِيٌّ) لاَ يَمَسُّ التَّصَرُّفَاتِ السَّابِقَةَ. أَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ (الْخِيَارَاتُ) فَالْفَسْخُ مُسْتَنَدٌ (لَهُ انْعِطَافٌ وَتَأْثِيرٌ رَجْعِيٌّ) يَنْسَحِبُ فِيهِ الاِنْفِسَاخُ عَلَى الْمَاضِي فَيَجْعَل الْعَقْدَ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ مِنْ أَصْلِهِ.
ب - الْفَسْخُ لِلْفَسَادِ:
٣ - الْعَقْدُ الْفَاسِدُ. يُشْبِهُ الْخِيَارَ فِي فِكْرَةِ عَدَمِ اللُّزُومِ وَفِي احْتِمَالِهِ الْفَسْخَ، يَقُول الْكَاسَانِيُّ: " حُكْمُ الْبَيْعِ نَوْعَانِ، نَوْعٌ يَرْتَفِعُ بِالْفَسْخِ، وَهُوَ الَّذِي يَقُومُ بِرَفْعِهِ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ حُكْمُ كُل بَيْعٍ لاَزِمٍ كَالْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ الأَْرْبَعَةِ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ " (١) كَمَا أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ أَثَرُهُ فَلاَ
_________
(١) البدائع ٥ / ٣٠٦، ونحوه في ٥ / ٣٠٠ - ٣٠١.
يَثْبُتُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ، لَكِنَّهُ مُفْتَرِقٌ عَنْ حَالَةِ التَّخْيِيرِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَقْدِ، فَالْفَاسِدُ مِنْ بَابِ الصِّحَّةِ، أَمَّا التَّخْيِيرُ فَهُوَ مِنْ بَابِ اللُّزُومِ، ثُمَّ لِهَذَا أَثَرُهُ فِي افْتِرَاقِ الأَْحْكَامِ، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْخِيَارَ (عَدَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ) يَسْقُطُ بِصَرِيحِ الإِْسْقَاطِ، أَمَّا حَقُّ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَلاَ يَبْطُل بِصَرِيحِ الإِْبْطَال وَالإِْسْقَاطِ.
وَهُنَاكَ بَعْضُ الْعِبَارَاتِ الْفِقْهِيَّةِ تُوَضِّحُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْخِيَارِ وَالْفَسْخِ مِنْهَا تَصْرِيحُ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْخِيَارَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لأَِحَدٍ مُعَيَّنٍ (١) . وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْفَسْخَ لِلْفَسَادِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الشَّرْعِ.
ج - الْفَسْخُ لِلتَّوَقُّفِ:
٤ - التَّفْرِقَةُ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّوَقُّفِ تَكُونُ فِي الْمَنْشَأِ وَالأَْحْكَامِ وَالاِنْتِهَاءِ. (٢)
فَالْخِيَارُ يَنْشَأُ لِتَعَيُّبِ الإِْرَادَةِ (وَذَلِكَ فِي الْخِيَارِ الْحُكْمِيِّ غَالِبًا) أَوْ لاِتِّجَاهِ إِرَادَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِمَنْعِ لُزُومِ الْعَقْدِ (وَذَلِكَ فِي الْخِيَارَاتِ الإِْرَادِيَّةِ) وَكِلاَهُمَا مَرْحَلَةٌ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَصُلُوحِهِ لِسَرَيَانِ آثَارِهِ (النَّفَاذُ) . أَمَّا الْمَوْقُوفُ فَهُوَ يَنْشَأُ لِنَقْصِ الأَْهْلِيَّةِ فِي الْعَاقِدِ، أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ. فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَجَالٌ مُغَايِرٌ لِلآْخَرِ، لَيْسَ مُغَايَرَةَ
_________
(١) اللباب للقفصي ص١٣ - ١٣٧.
(٢) البحر الرائق لابن نجيم ٦ / ٧٠.
اخْتِلاَفٍ فِي السَّبَبِ فَقَطْ، بَل مَعَ التَّدَاعِي وَالتَّجَانُسِ بَيْنَ أَسْبَابِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَمُنَافَرَتِهَا مَا لِلآْخَرِ.
أَمَّا مِنْ حَيْثُ الطَّبِيعَةُ وَالأَْحْكَامُ فَإِنَّ الْعَقْدَ الْمَوْقُوفَ تَكُونُ آثَارُهُ مُعَلَّقَةً بِسَبَبِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ مِنْ نَفَاذِهَا، وَهَذَا بِالرَّغْمِ مِنِ انْعِقَادِهِ وَصِحَّتِهِ لأَِنَّ ذَلِكَ الْمَانِعَ مَنَعَ تَمَامَ الْعِلَّةِ.
أَمَّا الْخِيَارُ فَإِنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ قَدْ نَفَذَ وَتَرَتَّبَتْ آثَارُهُ وَلَكِنِ امْتَنَعَ ثُبُوتُهَا بِسَبَبِ الْخِيَارِ، فَأَحْيَانًا يَمْتَنِعُ ابْتِدَاءُ الْحُكْمِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ، وَذَلِكَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، وَأَحْيَانًا يَمْتَنِعُ تَمَامُ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَأَحْيَانًا يَمْتَنِعُ لُزُومُ الْعَقْدِ بَعْدَ أَنْ سَرَتْ آثَارُهُ، كَخِيَارِ الْعَيْبِ (١) .
وَفِي الاِنْقِضَاءِ نَجِدُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ لَمَّا كَانَ غَيْرَ تَامِّ الْعِلَّةِ لَمْ تَتِمَّ الصَّفْقَةُ، فَيَكْفِي فِي نَقْضِهِ مَحْضُ إِرَادَةِ مَنْ لَهُ النَّقْضُ، وَهُوَ لِهَذَا الضَّعْفِ فِيهِ لاَ يَرِدُ فِيهِ إِسْقَاطُ الْخِيَارِ، وَلاَ يَنْتَقِل بِالْمِيرَاثِ، بَل يَبْطُل الْعَقْدُ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ حَقُّ إِجَازَتِهِ، فِي حِينِ يَجُوزُ إِسْقَاطُ الْخِيَارِ - فِي الْجُمْلَةِ - وَيَنْتَقِل بِالْمِيرَاثِ وَخَاصَّةً مَا كَانَ مِنْهُ مُتَّصِلًا بِالْعَيْنِ عَلَى اخْتِلاَفٍ فِي الْمَذَاهِبِ، وَيَنْقَضِي الْخِيَارُ بِإِرَادَةِ مَنْ هُوَ لَهُ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى التَّرَاضِي أَوِ التَّقَاضِي إِلاَّ حَيْثُ تَتِمُّ الصَّفْقَةُ بِحُصُول الْقَبْضِ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ.
_________
(١) فتح القدير ٥ / ١١٠.
د - الْفَسْخُ فِي الإِْقَالَةِ:
٥ - تُشْبِهُ الإِْقَالَةُ الْخِيَارَ مِنْ حَيْثُ تَأْدِيَتُهُمَا - فِي حَالٍ مَا - إِلَى فَسْخِ الْعَقْدِ، وَتُشْبِهُهُ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمَا لاَ يَدْخُلاَنِ إِلاَّ عُقُودَ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ اللاَّزِمَةِ الْقَابِلَةِ لِلْفَسْخِ.
وَلَكِنَّ الإِْقَالَةَ تُخَالِفُ الْخِيَارَ فِي أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ يُمْكِنُهُ فَسْخُ الْعَقْدِ بِمَحْضِ إِرَادَتِهِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا صَاحِبِهِ، بِخِلاَفِ الإِْقَالَةِ فَلاَ بُدَّ مِنِ الْتِقَاءِ الإِْرَادَتَيْنِ عَلَى فَسْخِ الْعَقْدِ. كَمَا أَنَّ هُنَاكَ فَرْقًا آخَرَ هُوَ أَنَّ الْخِيَارَ يَجْعَل الْعَقْدَ غَيْرَ لاَزِمٍ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ لَهُ. وَأَمَّا الإِْقَالَةُ فَلاَ تَكُونُ إِلاَّ حَيْثُ يَكُونُ الْعَقْدُ لاَزِمًا لِلطَّرَفَيْنِ (١) .
تَقْسِيمَاتُ الْخِيَارِ
أَوَّلًا - التَّقْسِيمُ بِحَسَبِ طَبِيعَةِ الْخِيَارِ:
٦ - يَنْقَسِمُ الْخِيَارُ بِحَسَبِ طَبِيعَتِهِ إِلَى حُكْمِيٍّ وَإِرَادِيٍّ.
فَالْحُكْمِيُّ مَا ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ حُكْمِ الشَّارِعِ فَيَنْشَأُ الْخِيَارُ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ وَتَحَقُّقِ الشَّرَائِطِ الْمَطْلُوبَةِ، فَهَذِهِ الْخِيَارَاتُ لاَ تَتَوَقَّفُ عَلَى اتِّفَاقٍ أَوِ اشْتِرَاطٍ لِقِيَامِهَا، بَل تَنْشَأُ لِمُجَرَّدِ وُقُوعِ سَبَبِهَا الَّذِي رُبِطَ قِيَامُهَا بِهِ.
وَمِثَالُهُ: خِيَارُ الْعَيْبِ.
_________
(١) در الصكوك: ص٢٦٨.
أَمَّا الإِْرَادِيُّ فَهُوَ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْ إِرَادَةِ الْعَاقِدِ. (١)
وَالْخِيَارَاتُ الْحُكْمِيَّةُ تَسْتَغْرِقُ مُعْظَمَ الْخِيَارَاتِ، بَل هِيَ كُلُّهَا مَا عَدَا الْخِيَارَاتِ الإِْرَادِيَّةَ الثَّلاَثَةَ: خِيَارَ الشَّرْطِ، خِيَارَ النَّقْدِ، خِيَارَ التَّعْيِينِ.
فَمَا وَرَاءَ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ فَإِنَّهُ حُكْمِيُّ الْمَنْشَأِ أَثْبَتَهُ الشَّارِعُ رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ الْعَاقِدِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ دُونَ أَنْ يَسْعَى الإِْنْسَانُ لِلْحُصُول عَلَيْهِ.
ثَانِيًا - التَّقْسِيمُ بِحَسَبِ غَايَةِ الْخِيَارِ:
٧ - يَقُومُ هَذَا التَّقْسِيمُ لِلْخِيَارَاتِ عَلَى النَّظَرِ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْغَايَةُ، هَل هِيَ التَّرَوِّي وَجَلْبُ الْمَصْلَحَةِ لِلْعَاقِدِ، أَوْ تَكْمِلَةُ النَّقْصِ وَدَرْءُ الضَّرَرِ عَنْهُ؟ .
يَقُول الْغَزَالِيُّ: يَنْقَسِمُ الْخِيَارُ إِلَى خِيَارِ التَّرَوِّي. وَإِلَى خِيَارِ النَّقِيصَةِ.
وَخِيَارُ التَّرَوِّي: مَا لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى فَوَاتِ وَصْفٍ، وَلَهُ سَبَبَانِ. أَحَدُهُمَا: الْمَجْلِسُ. وَالثَّانِي: الشَّرْطُ.
وَأَمَّا خِيَارُ النَّقِيصَةِ، وَهُوَ: مَا يَثْبُتُ بِفَوَاتِ أَمْرٍ مَظْنُونٍ نَشَأَ الظَّنُّ فِيهِ مِنِ الْتِزَامٍ شَرْعِيٍّ، أَوْ قَضَاءٍ عُرْفِيٍّ، أَوْ تَغْرِيرٍ فِعْلِيٍّ (٢) . ثُمَّ فَرَّعَ الْغَزَالِيُّ مِنْ خِيَارِ النَّقِيصَةِ عِدَّةَ خِيَارَاتٍ.
_________
(١) البدائع ٥ / ٢٩٢ - ٢٩٧.
(٢) الوجيز ١ / ١٤١ - ١٤٢.