الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢ الصفحة 5

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢

وَالْحَنَابِلَةُ وَالأَْوْزَاعِيُّ لِصِحَّةِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُؤَجَّلًا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَلاَ يَصِحُّ السَّلَمُ الْحَال لِقَوْل النَّبِيِّ ﵊: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. (١) فَأَمَرَ بِالأَْجَل، وَأَمْرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ؛ وَلأَِنَّهُ أَمَرَ بِهَذِهِ الأُْمُورِ تَبْيِينًا لِشُرُوطِ السَّلَمِ، وَمَنْعًا مِنْهُ بِدُونِهَا، وَكَذَلِكَ لاَ يَصِحُّ إِذَا انْتَفَى الْكَيْل وَالْوَزْنُ، فَكَذَلِكَ الأَْجَل؛ وَلأَِنَّ السَّلَمَ إِنَّمَا جَازَ رُخْصَةً لِلرِّفْقِ، وَلاَ يَحْصُل الرِّفْقُ إِلاَّ بِالأَْجَل، فَإِذَا انْتَفَى الأَْجَل انْتَفَى الرِّفْقُ، فَلاَ يَصِحُّ، كَالْكِتَابَةِ؛ وَلأَِنَّ الْحُلُول يُخْرِجُهُ عَنِ اسْمِهِ وَمَعْنَاهُ (٢) .

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّلَمُ فِي الْحَال؛ لأَِنَّهُ عَقْدٌ يَصِحُّ مُؤَجَّلًا فَصَحَّ حَالًّا، كَبُيُوعِ الأَْعْيَانِ؛ وَلأَِنَّهُ إِذَا جَازَ مُؤَجَّلًا، فَحَالًّا أَجْوَزُ، وَمِنَ الْغَرَرِ أَبْعَدُ (٣) .

ج - مَال الْكِتَابَةِ:

٤٧ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ تَأْجِيل الْعِوَضِ الْمُكَاتَبِ بِهِ إِلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ: فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ، وَابْنُ رُشْدٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ وَالرُّويَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ

_________

(١) ونصه في صحيح مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قدم رسول الله ﷺ المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: " من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم ".

(٢) رد المحتار ٤ / ٢١٥، وكشاف القناع ٣ / ٢٩٩، والدسوقي ٣ / ٢٠٦، والمغني والشرح الكبير ٤ / ٣٢٨

(٣) مغني المحتاج ٢ / ١٠٥

ذَلِكَ، بَل تَصِحُّ بِمَالٍ مُؤَجَّلٍ وَبِمَالٍ حَالٍّ، وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ - عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ - وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنَّهَا لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِمَالٍ مُؤَجَّلٍ مُنَجَّمٍ تَيْسِيرًا عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي الْجُمْلَةِ (١) .

د - تَوْقِيتُ الْقَرْضِ:

٤٨ - سَبَقَ بَيَانُ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ تَأْجِيل بَدَل الْقَرْضِ وَعَدَمِهِ. أَمَّا عَقْدُ الْقَرْضِ فَهُوَ عَقْدٌ لاَ يَصْدُرُ إِلاَّ مُؤَقَّتًا، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ابْتِدَاءً، وَمُعَاوَضَةٍ انْتِهَاءً، أَوْ دَفْعِ مَالٍ إِرْفَاقًا لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَرُدُّ بَدَلَهُ. وَالاِنْتِفَاعُ بِهِ يَكُونُ بِمُضِيِّ فَتْرَةٍ يَنْتَفِعُ فِيهَا الْمُقْتَرِضُ بِمَال الْقَرْضِ، وَذَلِكَ بِاسْتِهْلاَكِ عَيْنِهِ؛ لأَِنَّهُ لَوْ كَانَ الاِنْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَانَ إِعَارَةً لاَ قَرْضًا، ثُمَّ يَرُدُّ مِثْلَهُ إِذَا كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتَهُ إِذَا كَانَ قِيَمِيًّا، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَلْزَمُ فِيهَا هَذَا الْعَقْدُ: فَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ عَقْدٌ لاَزِمٌ فِي حَقِّ الطَّرَفَيْنِ طَوَال الْمُدَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ اشْتِرَاطٌ فَلِلْمُدَّةِ الَّتِي اعْتِيدَ اقْتِرَاضُ مِثْلِهِ لَهَا، وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ عَقْدَ الْقَرْضِ عَقْدٌ لاَزِمٌ بِالْقَبْضِ فِي حَقِّ الْمُقْرِضِ، جَائِزٌ فِي حَقِّ الْمُقْتَرِضِ، وَيَثْبُتُ الْعِوَضُ عَنِ الْقَرْضِ فِي ذِمَّةِ الْمُقْتَرِضِ حَالًّا، وَإِنْ أَجَّلَهُ؛ لأَِنَّهُ عَقْدٌ مُنِعَ فِيهِ مِنَ التَّفَاضُل، فَمَنْعُ الأَْجَل فِيهِ، كَالصَّرْفِ، إِذِ الْحَال لاَ يَتَأَجَّل

_________

(١) تكملة فتح القدير ٨ / ٩٧، والدسوقي ٤ / ٣٤٦ وكشاف القناع ٤ / ٥٣٩، ومغني المحتاج ٤ / ٥١٨

بِالتَّأْجِيل، وَهُوَ عِدَةُ تَبَرُّعٍ لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ. قَال أَحْمَدُ: الْقَرْضُ حَالٌّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ، وَيَحْرُمُ الإِْلْزَامُ بِتَأْجِيل الْقَرْضِ؛ لأَِنَّهُ إِلْزَامٌ بِمَا لاَ يَلْزَمُ (١) .

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْقَرْضَ عَقْدُ إِرْفَاقٍ جَائِزٍ فِي حَقِّ الطَّرَفَيْنِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمِلْكَ فِي الْقَرْضِ غَيْرُ تَامٍّ؛ لأَِنَّهُ يَجُوزُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ (٢) .

أَجَل التَّوْقِيتِ

٤٩ - يُقْصَدُ بِأَجَل التَّوْقِيتِ: الزَّمَنُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى انْقِضَائِهِ زَوَال التَّصَرُّفِ، أَوِ انْتِهَاءُ الْحَقِّ الَّذِي اكْتُسِبَ خِلاَل هَذِهِ الْمُدَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَالْعُقُودُ وَالتَّصَرُّفَاتُ مِنْ حَيْثُ قَبُولُهَا لِلتَّوْقِيتِ تَنْقَسِمُ إِلَى:

أ - (عُقُودٍ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ مُمْتَدَّةً لأَِجَلٍ) (مُؤَقَّتَةٌ) .

ب - عُقُودٍ تَصِحُّ حَالَّةً وَمُؤَقَّتَةً. كَمَا أَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ مِنْهَا مَا لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَمِنْهَا مَا لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ، وَمِنْهَا مَا يَصِحُّ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ، وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ ذَلِكَ.

_________

(١) كشاف القناع ٣ / ٣١٢، ٣١٦، وبلغة السالك لأقرب المسالك للصاوي على الشرح الصغير٢ / ٩٢، ٩٤، والخرشي ٤ / ١٤٢.

(٢) رد المحتار على الدر المختار ٤ / ١٨١، ومغني المحتاج ٢ / ١٢٠

الْمَبْحَثُ الأَْوَّل عُقُودٌ لاَ تَصِحُّ إِلاَّ مُمْتَدَّةً لأَِجَلٍ (مُؤَقَّتَةٌ)

وَهَذَا الْقِسْمُ يَشْمَل عُقُودَ: الإِْجَارَةِ، وَالْكِتَابَةِ وَالْقِرَاضِ.

أ - عَقْدُ الإِْجَارَةِ:

٥٠ - إِنَّ الإِْجَارَةَ مُؤَقَّتَةٌ إِمَّا بِمُدَّةٍ، وَإِمَّا بِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ، وَالْعَمَل يَتِمُّ فِي زَمَنٍ عَادَةً، وَبِانْتِهَاءِ الْعَمَل يَنْتَهِي عَقْدُ الإِْجَارَةِ، فَهُوَ عَقْدٌ مُؤَقَّتٌ. وَمِثْل عَقْدِ الإِْجَارَةِ: الْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ (١) .

عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ:

٥١ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَكُونُ مُؤَقَّتَةً، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَا مُدَّةً وَقَعَ عَلَى أَوَّل ثَمَرٍ يَخْرُجُ، وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّهَا يَصِحُّ تَوْقِيتُهَا؛ لأَِنَّهُ لاَ ضَرَرَ فِي تَقْدِيرِ مُدَّتِهَا، وَلاَ يُشْتَرَطُ تَوْقِيتُهَا (٢) .

تَأْقِيتُ الْمُزَارَعَةِ:

٥٢ - الْمُزَارَعَةُ لاَ يُجِيزُهَا الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَيُجِيزُهَا الصَّاحِبَانِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى فِي الْمَذْهَبِ. كَمَا لاَ يُجِيزُهَا الشَّافِعِيَّةُ إِلاَّ إِذَا كَانَ بَيْنَ النَّخْل أَوِ الْعِنَبِ بَيَاضٌ (أَيْ أَرْضٌ لاَ زَرْعَ فِيهَا)

_________

(١) المغني والشرح الكبير ٦ / ٤، والأشباه والنظائر للسيوطى ص ٢٧٥ ولابن نجيم ص ٣٣٦، وفتح القدير ٨ / ٩

(٢) رد المحتار٥ / ٢٤٩، والشرح الصغير٢ / ٢٢٥، ٢٢٧، ومغني المحتاج ٢ / ٣٢٧، وكشاف القناع ٣ / ٥٣٨.

صَحَّتِ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهِ مَعَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى النَّخْل أَوِ الْعِنَبِ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ، وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ يَجُوزُ بِلاَ بَيَانِ مُدَّةٍ، وَتَقَعُ عَلَى أَوَّل زَرْعٍ يَخْرُجُ، وَيَرَى جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ (١) أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ ذِكْرَ مُدَّةٍ مُتَعَارَفَةٍ، فَتَفْسُدُ بِمَا لاَ يُتَمَكَّنُ فِيهَا مِنَ الْمُزَارَعَةِ، وَبِمَا لاَ يَعِيشُ إِلَيْهَا أَحَدُهُمَا غَالِبًا.

ب - عَقْدُ الْكِتَابَةِ:

٥٣ - هُوَ عَقْدٌ بَيْنَ السَّيِّدِ وَمَمْلُوكِهِ عَلَى مَالٍ يُوجِبُ تَحْرِيرَ يَدِ الْمَمْلُوكِ (أَيْ تَصَرُّفَهُ) فِي الْحَال وَرَقَبَتَهُ فِي الْمَآل وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ الإِْسْلاَمِ، إِذْ فِيهِ فَتْحُ بَابِ الْحُرِّيَّةِ لِلأَْرِقَّاءِ، وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ يُوجِبُ تَأْجِيل الْعِوَضِ الْمُكَاتَبِ بِهِ إِلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، فَإِذَا أَدَّاهُ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ، فَيَكُونُ هَذَا الْعَقْدُ مُؤَقَّتًا بِتَأْقِيتِ الْعِوَضِ فِيهِ (٢) . فَإِذَا وَفَّى بِمَا الْتَزَمَهُ انْتَهَى عَقْدُ الْكِتَابَةِ، وَعَتَقَ، وَإِنْ لَمْ يُوَفِّ أَوْ عَجَّزَ نَفْسَهُ، انْتَهَى عَقْدُ الْكِتَابَةِ وَعَادَ رَقِيقًا، عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ.

الْمَبْحَثُ الثَّانِي

عُقُودٌ تَصِحُّ مُطْلَقَةً وَمُقَيَّدَةً

تَأْقِيتُ عَقْدِ الْعَارِيَّةِ لأَِجَلٍ:

٥٤ - لَمَّا كَانَتْ حَقِيقَةُ الْعَارِيَّةِ أَنَّهَا إِبَاحَةُ نَفْعِ عَيْنٍ

_________

(١) الدسوقي ٣ / ٣٧٢، ورد المختار ٥ / ٢٣٩، وكشاف القناع ٣ / ٥٣٧، والروض المربع ٢ / ٢١٣، ومغني المحتاج ٢ / ٣٢٣، ٢ / ١٢٠ والخرشي ٤ / ٣٤٢، ومغني المحتاج ٢ / ٢٧٠، ٣٧٣، والمهذب١ / ٣٦٣

(٢) مغني المحتاج ٤ / ٥٢٨، والأشباه والنظائر للسيوطي ص ٢٧٦، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص ٣٣٦، وكشاف القناع ٤ / ٥٥٧، ورد المحتار على الدر المختار٥ / ٩٩، والدسوقي ٤ / ٣٥٣

يَحِل الاِنْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، لِيَرُدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا، لِذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفِ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ هَذِهِ الإِْبَاحَةَ مَوْقُوتَةٌ، غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ قَدْ يَكُونُ مُحَدَّدًا، وَتُسَمَّى عَارِيَّةً مُقَيَّدَةٌ - وَقَدْ لاَ يَكُونُ، وَتُسَمَّى الْعَارِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ، وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ فَلِكُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ، خِلاَفًا لِلْمَالِكِيَّةِ فِي الْمُقَيَّدَةِ، وَفِي الْمُطْلَقَةِ إِلَى مُدَّةٍ يُنْتَفَعُ فِيهَا بِمِثْلِهَا عَادَةً (١) .

تَأْقِيتُ الْوَكَالَةِ لأَِجَلٍ:

٥٥ - يَجُوزُ تَأْقِيتُ الْوَكَالَةِ بِأَجَلٍ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ، كَقَوْلِهِ: " وَكَّلْتُكَ شَهْرًا، فَإِذَا مَضَى الشَّهْرُ امْتَنَعَ الْوَكِيل عَنِ التَّصَرُّفِ " (٢) " وَلَوْ قَال: وَكَّلْتُكَ فِي شِرَاءِ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا صَحَّ بِلاَ خِلاَفٍ " (٣) لأَِنَّ الْوَكِيل لاَ يَمْلِكُ مِنَ التَّصَرُّفِ إِلاَّ مَا يَقْتَضِيهِ إِذْنُ الْمُوَكِّل، وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ، وَفِي الزَّمَنِ وَالْمَكَانِ الَّذِي حَدَّدَهُ (٤) .

وَالأَْصْل فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ، إِلاَّ إِذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ لِلْغَيْرِ؛ لأَِنَّهُ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، فَكَانَ لِكُل وَاحِدٍ

_________

(١) المغني المطبوع مع الشرح الكبير ٥ / ٣٦٤، ويراجع الاختيار ٢ / ٢٢٠ والخرشي ٤ / ٣٤٢، مغني المحتاج ٢ / ٢٧٠، ٣٧٣، والمهذب ١ / ٣٦٣.

(٢) مغني المحتاج٢ / ٢٢٣

(٣) المغني المطبوع مع الشرح الكبير ٥ / ٢١٠، والخرشي ٤ / ٢٨٩

(٤) المهذب١ / ٣٥ ص ٣٥٢

مِنْهُمَا إِبْطَالُهُ، كَالإِْذْنِ فِي أَكْل طَعَامِهِ (١) . وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ. وَلِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي هَذَا تَبَعًا لِلْعِوَضِ وَعَدَمِهِ، يُرْجَعُ فِيهِ وَفِي التَّفْصِيلاَتِ الأُْخْرَى إِلَى الْوَكَالَةِ (٢) .

تَوْقِيتُ الْمُضَارَبَةِ (الْقِرَاضُ):

٥٦ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ تَأْقِيتِ الْمُضَارَبَةِ: فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَوْقِيتُ الْمُضَارَبَةِ، مِثْل أَنْ يَقُول: ضَارَبْتُكَ عَلَى هَذِهِ الدَّرَاهِمِ سَنَةً، فَإِذَا انْقَضَتْ فَلاَ تَبِعْ وَلاَ تَشْتَرِ. فَإِذَا وَقَّتَ لَهَا وَقْتًا انْتَهَتْ بِمُضِيِّهِ؛ لأَِنَّ التَّوْقِيتَ مُقَيِّدٌ (٣)، وَهُوَ وَكِيلٌ، فَيَتَقَيَّدُ بِمَا وَقَّتَهُ، كَالتَّقْيِيدِ بِالنَّوْعِ وَالْمَكَانِ (٤) . وَلأَِنَّهُ تَصَرُّفٌ يَتَوَقَّتُ بِنَوْعٍ مِنَ الْمَتَاعِ، فَجَازَ تَوْقِيتُهُ فِي الزَّمَانِ، كَالْوَكَالَةِ؛ وَلأَِنَّ لِرَبِّ الْمَال مَنْعَهُ مِنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي كُل وَقْتٍ إِذَا رَضِيَ أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ عَرَضًا، فَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ فَقَدْ شَرَطَ مَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ قَال: إِذَا انْقَضَتِ السَّنَةُ فَلاَ تَشْتَرِ شَيْئًا (٥) . وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَوْقِيتُ

_________

(١) الشرح الكبير مع المغني ٥ / ٢١٣، والمهذب١ / ٣٥٦، وتكملة فتح القدير ٧ / ١٣٢

(٢) التاج والإكليل للمواق - هامش مواهب الجليل للحطاب الأولى ٥ / ١٨٦، ١٨٨ الطبعة الأولى.

(٣) رد المحتار على الدر المختار٤ / ٥٠٨ وقد نص فيه على أن المضاربة تقبل التقييد المفيد، ولو بعد العقد، ما لم يصر المال عرضا، لأنه حينئذ لا يملك عزله، فلا يملك تخصيصه. وقيدنا بالمفيد، لأن غير المفيد لا يعتبر أصلا، كنهيه عن بيع الحال، يعني - ثم باعه بالحال بسعر ما يباع بالمؤجل كما في العيني.

(٤) رد المحتار على الدر المختار٥ / ٦٩، والاختيار٢ / ٨٤

(٥) المغني ٥ / ٧٠

الْمُضَارَبَةِ (١) .

تَأْقِيتُ الْكَفَالَةِ بِأَجَلٍ:

٥٧ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ تَأْقِيتِ الْكَفَالَةِ، كَمَا لَوْ قَال: " أَنَا كَفِيلٌ بِزَيْدٍ إِلَى شَهْرٍ وَبَعْدَهُ أَنَا بَرِيءٌ ". فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ (عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ) وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَوْقِيتُهَا، وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ بِشُرُوطٍ تَفْصِيلُهَا فِي بَابِ الضَّمَانِ مِنْ كُتُبِهِمْ؛ لأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي التَّقَيُّدِ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ، وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَنَفِيَّةُ بَعْضَ صُوَرِ التَّوْقِيتِ. وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي صِحَّةِ التَّوْقِيتِ فِيهَا يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي الْكَفَالَةِ (٢) . وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ (عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ) أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَوْقِيتُ الْكَفَالَةِ (٣) .

تَأْقِيتُ الْوَقْفِ بِأَجَلٍ:

٥٨ - إِذَا صَدَرَ الْوَقْفُ مُؤَقَّتًا، وَذَلِكَ بِأَنْ عَلَّقَ فَسْخَهُ عَلَى مَجِيءِ زَمَنٍ مُعَيَّنٍ، كَمَا لَوْ قَال: " دَارِي وَقْفٌ إِلَى سَنَةٍ، أَوْ إِلَى أَنْ يَقْدُمَ الْحَاجُّ ". فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ؛ لأَِنَّ الْوَقْفَ مُقْتَضَاهُ التَّأْبِيدُ (٤) .

_________

(١) الخرشي ٤ / ٤٢٢، ومغني المحتاج٢ / ٣١٢

(٢) رد المحتار٤ / ٢٦٦، ومغني المحتاج ٢ / ٢٠٧، والمغني المطبوع مع الشرح الكبير ٥ / ٩٨، والدسوقي ٣ / ٣٣١، ٣٣٢

(٣) مغني المحتاج ٢ / ٢٠٧، والمهذب للشيرازي١ / ٣٤١ ط الحلبي.

(٤) رد المحتار على الدر المختار٣ / ٥٠٦، والفتاوى الهندية ٣ / ٣٠٤، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير٤ / ٧٩، ومغني المحتاج ٢ / ٣٨٣، وكشاف القناع ٤ / ٢٥٠

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ، أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ، فَيَصِحُّ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، ثُمَّ يَرْجِعُ مِلْكًا كَمَا كَانَ (١) .

تَأْقِيتُ الْبَيْعِ (٢):

٥٩ - لَمَّا كَانَ الْبَيْعُ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَال بِالْمَال بِالتَّرَاضِي، وَكَانَ حُكْمُهُ هُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ، وَلِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ لِلْحَال (٣) وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمِلْكُ يَثْبُتُ لَهُ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَإِنَّهُ لاَ يَحْتَمِل التَّأْقِيتَ (٤) جَاءَ فِي الأَْشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ لِلسُّيُوطِيِّ: " أَنَّ مِمَّا لاَ يَقْبَل التَّأْقِيتَ بِحَالٍ، وَمَتَى أُقِّتَ بَطَل، الْبَيْعُ بِأَنْوَاعِهِ (٥) . . . " وَذَلِكَ كَمَا قَال الْكَاسَانِيُّ: " لأَِنَّ عُقُودَ تَمْلِيكِ الأَْعْيَانِ لاَ تَصِحُّ مُؤَقَّتَةً (٦) ". وَقَدْ أَبْطَل الْفُقَهَاءُ كُل شَرْطٍ يُؤَدِّي إِلَى تَأْقِيتِ الْبَيْعِ، أَيْ إِلَى عَوْدَةِ الْمَبِيعِ إِلَى بَائِعِهِ الأَْوَّل، سَوَاءٌ كَانَ هَذَا التَّأْقِيتُ نَاتِجًا عَنِ الصِّيغَةِ، كَبِعْتُكَ هَذَا سَنَةً، أَوْ عَنْ شَرْطٍ يُؤَدِّي إِلَى تَوْقِيتِ الْبَيْعِ، كَبِعْتُكَ هَذَا بِشَرْطِ أَنْ تَرُدَّهُ لِي بَعْدَ مُدَّةِ كَذَا.

_________

(١) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير٤ / ٧٩، والمغني المطبوع مع الشرح الكبير ٦ / ٢٢١

(٢) انظر مصطلح (بيع) .

(٣) البدائع ٥ / ٢٣٣

(٤) مغني المحتاج٢ / ٣ وقد جاء فيه " عرف بعضهم البيع بأنه عقد معاوضة مالية يفيد ملك عين أو منفعة على التأييد، فدخل بيع حق الممر ونحوه، وخرجت الإجارة بقيد، فإنه ليست بيعا، ولهذا لا تنعقد بلفظه.

(٥) ص ٢٨٢

(٦) البدائع ٦ / ١١٨، والمغني مع الشرح الكبير٦ / ٢٥٦، ٣١٣

بُيُوعُ الآْجَال عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:

٦٠ - وَهِيَ بُيُوعٌ دَخَل فِيهَا الأَْجَل، وَاتَّحَدَتْ فِيهَا السِّلْعَةُ، وَاتَّحَدَ فِيهَا الْمُتَعَاقِدَانِ، وَقَدْ أَبْرَزَهَا فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ، وَبَيَّنُوا أَنَّ هَذِهِ الْبُيُوعَ ظَاهِرُهَا الْجَوَازُ، لَكِنَّهَا قَدْ تُؤَدِّي إِلَى مَمْنُوعٍ، وَذَلِكَ لأَِنَّهَا قَدْ تُؤَدِّي إِلَى بَيْعٍ وَسَلَفٍ، أَوْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَكِلاَهُمَا مَمْنُوعٌ، كَمَا وَضَعُوا ضَابِطًا لِمَا يُمْنَعُ مِنْ هَذِهِ الْبُيُوعِ. فَقَالُوا: يُمْنَعُ مِنْ هَذِهِ الْبُيُوعِ مَا اشْتَمَل عَلَى بَيْعٍ وَسَلَفٍ، وَمَا اشْتَمَل عَلَى سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً، أَوْ يُمْنَعُ مِنْهَا مَا كَثُرَ قَصْدُ النَّاسِ إِلَيْهِ لِلتَّوَصُّل إِلَى الرِّبَا الْمَمْنُوعِ، كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ، وَسَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ، وَلاَ يُمْنَعُ مَا قَل قَصْدُهُ، كَضَمَانٍ بِجُعْلٍ، أَيْ كَبَيْعٍ جَائِزٍ أَدَّى إِلَى ضَمَانٍ بِجُعْلٍ.

صُوَرُ بُيُوعِ الآْجَال:

٦١ - وَصُوَرُهَا كَمَا ذَكَرَهَا الْمَالِكِيَّةُ مُتَعَدِّدَةٌ، وَتَشْمَل الصُّوَرَ التَّالِيَةَ: إِذَا بَاعَ شَيْئًا لأَِجَلٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِجِنْسِ ثَمَنِهِ فَهَذَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ:

(١) نَقْدًا.

(٢) أَوْ لأَِجَلٍ أَقَل.

(٣) أَوْ لأَِجَلٍ أَكْثَرَ.

(٤) أَوْ لأَِجَلٍ مُسَاوٍ لِلأَْجَل الأَْوَّل.

وَكُل ذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ:

(١) بِمِثْل الثَّمَنِ الأَْوَّل.

(٢) أَوْ أَقَل مِنَ الثَّمَنِ الأَْوَّل.

(٣) أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الأَْوَّل.