الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢
بِإِسْنَادِهِ (١) . وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ إِلاَّ تَوْقِيفًا، وَلأَِنَّهُ قَوْل صَحَابِيٍّ انْتَشَرَ، وَلَمْ يُعْلَمْ خِلاَفُهُ.
سِنُّ الإِْيَاسِ (٢):
٢٤ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْدِيرِ سِنِّ الإِْيَاسِ اخْتِلاَفًا كَبِيرًا:
فَيَرَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لاَ تَقْدِيرَ لِسِنِّ الإِْيَاسِ، وَإِيَاسُ الْمَرْأَةِ عَلَى هَذَا أَنْ تَبْلُغَ مِنَ السِّنِّ مَا لاَ يَحِيضُ فِيهِ مِثْلُهَا. فَإِذَا بَلَغَتْ هَذَا الْمَبْلَغَ، وَانْقَطَعَ الدَّمُ، حُكِمَ بِإِيَاسِهَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِمِثْلِهَا فِيمَا ذُكِرَ الْمُمَاثَلَةُ فِي تَرْكِيبِ الْبَدَنِ، وَالسِّمَنِ، وَالْهُزَال، وَهُوَ رَأْيٌ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ.
وَيَرَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ تَقْدِيرَهُ بِخَمْسِينَ سَنَةً، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ. وَقَال إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: لاَ يَكُونُ حَيْضٌ بَعْدَ الْخَمْسِينَ، وَيَكُونُ حُكْمُهَا فِيمَا تَرَاهُ مِنَ الدَّمِ حُكْمَ الْمُسْتَحَاضَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ: إِذَا بَلَغَتِ الْمَرْأَةُ خَمْسِينَ سَنَةً خَرَجَتْ مِنْ حَدِّ الْحَيْضِ (٣) " وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: " لَنْ تَرَى الْمَرْأَةُ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا
_________
(١) ذكره ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير١ / ٣٢٦، ٣٢٧، وأخرجه في المحلى ١٠ / ٢٧٢، والبيهقي ٧ / ٤١٨، والدارمي١ / ٢١٣
(٢) راجع مصطلح (إياس) واليأس لغة القنوط. وفي الإصلاح الشرعي هو السن الذي إذا وصلت إليه المرأة انقطع طمثها، ولا أمل في عودته إليها.
(٣) قول عائشة: " إذا بلغت خمسين سنة خرجت من حد الحيض " لم يوجد في: المعجم الفهرس - تلخيص الحبير - الدراية - نصب الراية.
بَعْدَ الْخَمْسِينَ (١) .
وَيَرَى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، أَنَّهَا لاَ تَيْأَسُ مِنَ الْمَحِيضِ يَقِينًا إِلَى سِتِّينَ سَنَةً. وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ - عَلَى أَشْهَرِ الأَْقْوَال - أَنَّ سِنَّ الإِْيَاسِ اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً. وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِي سِنِّ السَّبْعِينَ، وَمِثْلُهُ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَنَّهَا بَعْدَ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ مَشْكُوكٌ فِي يَأْسِهَا، فَيَرْجِعُ فِيمَا تَرَاهُ إِلَى النِّسَاءِ لِمَعْرِفَةِ هَل هُوَ حَيْضٌ، أَوْ لَيْسَ بِحَيْضٍ، أَمَّا مَنْ بَلَغَتْ سِنَّ السَّبْعِينَ فَلاَ يُسْأَل عَنْهَا (٢) .
مُدَّةُ النِّفَاسِ:
٢٥ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ لأَِقَل النِّفَاسِ، فَأَيُّ وَقْتٍ رَأَتِ الْمَرْأَةُ الطُّهْرَ اغْتَسَلَتْ، وَهِيَ طَاهِرٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَكْثَرِهِ: فَيَرَى جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا. قَال أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: أَجْمَعَ (٣) أَهْل الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَمَنْ بَعْدَهُمْ
_________
(١) قول عائشة: " لن ترى المرأة في بطنها ولدا بعد الخمسين ". الأثر عن عائشة لم نجده في مظانه من كتب الحديث.
(٢) فتح القدير ٤ / ١٤٥، ومواهب الجليل للحطاب ٤ / ١٤٤ - ١٤٦، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير٢ / ٤٢٠، ومغني المحتاج للشربيني ٣ / ٣٨٧، ٣٨٨، والمغني المطبوع مع الشرح الكبير ٩ / ٩٢.
(٣) تعقب ابن حزم هذا الإجماع فذكر أن الشعبي وعطاء وقتادة ومالك وسفيان والثوري والشافعي كلهم خالفوا ذلك.
عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلاَةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، إِلاَّ أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْل ذَلِكَ، فَتَغْتَسِل وَتُصَلِّيَ. وَقَال أَبُو عُبَيْدٍ: وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ ﵃، وَبِهِ قَال الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى أَبُو سَهْلٍ كَثِيرُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُسَّةَ الأَْزْدِيَّةِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَتِ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً.
وَرَوَى الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنْ مُسَّةَ الأَْزْدِيَّةِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ ﷺ: كَمْ تَجْلِسُ الْمَرْأَةُ إِذَا وَلَدَتْ؟ قَال: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، إِلاَّ أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْل ذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلأَِنَّهُ قَوْل مَنْ سَمَّيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي عَصْرِهِمْ فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَقَدْ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ إِجْمَاعًا، وَنَحْوَهُ حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ أَكْثَرَهُ سِتُّونَ يَوْمًا، وَحَكَى ابْنُ عُقَيْلٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَةً مِثْل قَوْلِهِمَا، لأَِنَّهُ رُوِيَ عَنِ الأَْوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَال: عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَرَى النِّفَاسَ شَهْرَيْنِ، وَرُوِيَ مِثْل ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ وَجَدَهُ، وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْوُجُودِ، وَقَال
الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ غَالِبَهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا (١) .
سِنُّ الْبُلُوغِ:
٢٦ - لَقَدْ جَعَل الشَّارِعُ الْبُلُوغَ أَمَارَةً عَلَى تَكَامُل الْعَقْل؛ لأَِنَّ الاِطِّلاَعَ عَلَى تَكَامُل الْعَقْل مُتَعَذِّرٌ، فَأُقِيمَ الْبُلُوغُ مَقَامَهُ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سِنِّ الْبُلُوغِ: فَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (٢) وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَبِرَأْيِهِمَا يُفْتَى فِي الْمَذْهَبِ، وَالأَْوْزَاعِيُّ، أَنَّ الْبُلُوغَ بِالسِّنِّ يَكُونُ بِتَمَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَمَرِيَّةً لِلذَّكَرِ وَالأُْنْثَى (تَحْدِيدِيَّةٌ كَمَا صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ)، لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ. عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي، وَرَآنِي بَلَغْتُ. رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (٣) قَال الشَّافِعِيُّ: رَدَّ النَّبِيُّ ﷺ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، لأَِنَّهُ لَمْ يَرَهُمْ بَلَغُوا، ثُمَّ عُرِضُوا عَلَيْهِ وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَأَجَازَهُمْ، مِنْهُمْ
_________
(١) فتح القدير ١ / ١٦٥، والخرشي ١ / ٢١٠، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير١ / ١٣٦، ومغني المحتاج١ / ١١٩، والمغني والشرح الكبير١ / ٣٦٣
(٢) حاشيه البرماوي ٢٤٩، والمغني والشرح الكبير ٤ / ٥١٤
(٣) غزوة أحد كانت في شوال سنة ثلاث من الهجرة، والخندق كانت في جمادى سنة خمس من الهجرة، وقد فسر قوله ﵁ وأنا ابن أربع عشرة سنة - أي طعنت فيها - وبقوله وأنا ابن خمس عشرة سنة أي استكملتها. ويراجع سبل السلام ٣ / ٣٨ مطبعة الاستقامة سنة ١٣٥٧ هـ
زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَابْنُ عُمَرَ (١) . وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِذَا اسْتَكْمَل الْمَوْلُودُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً كُتِبَ مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ الْحُدُودُ (٢) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْبُلُوغَ يَكُونُ بِتَمَامِ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيل بِالدُّخُول فِيهَا، أَوِ الْحُلُمِ أَيِ الإِْنْزَال، لِقَوْلِهِ ﷺ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ (٣) . . .، أَوِ الْحَيْضِ لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ يَقْبَل اللَّهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ (٤)، أَوِ الْحَبَل لِلأُْنْثَى، أَوِ الإِْنْبَاتِ الْخَشِنِ لِلْعَانَةِ (٥) . وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَطَّابُ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ فِي الْمَذْهَبِ، فَفِي رِوَايَةٍ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَقِيل سَبْعَةَ عَشَرَ،
_________
(١) مغني المحتاج ٢ / ١٦٦
(٢) حديث أنس: " إذا استكمل المولود. . . " كذا في المغني ورواه البيهقي في الخلافيات من طريق عبد العزيز بن صهيب عنه بسند ضعيف وبلفظ: (وأقيمت عليه الحدود) . ورواه الدارقطني بإسناده فلعله في الأفراد أو غيرها فانه ليس في السنن مذكورا، وذكره البيهقي في السنن الكبرى عن قتادة عن أنس بلا إسناد. وقال: إنه ضعيف. (تلخيص الحبير لابن حجر ٣ / ٤٢، وكنز العمال أيضا ٥ / ٣٠٤ مع اختلاف في اللفظ) .
(٣) حديث " رفع القلم عن ثلاث. . . " تقدم تخريجه (إحداد ف ١٣)
(٤) حديث: " لا يقبل الله صلاة حائض. . . " رواه أحمد وأصحاب السنن غير النسائي، وابن خزيمة والحاكم من حديث عائشة، وأعله الدارقطني بالوقف وقال إن وقفه أشبه. وأعله الحاكم بالإرسال. ورواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أبي قتادة بلفظ: " لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها، ولا من جارية بلغت المحيض حتى تختمر ". (تلخيص الحبير لابن حجر١ / ٢٧٩)
(٥) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير٣ / ٢٩٣
وَزَادَ بَعْضُ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَتِسْعَةَ عَشَرَ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ خَمْسَةَ عَشَرَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (١) .
وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ بُلُوغَ الْغُلاَمِ بِالسِّنِّ هُوَ بُلُوغُهُ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً، وَالْجَارِيَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ ﵁: ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَهِيَ أَقَل مَا قِيل فِيهِ، فَأُخِذَ بِهِ احْتِيَاطًا. هَذَا أَشُدُّ الصَّبِيِّ، وَالأُْنْثَى أَسْرَعُ بُلُوغًا مِنَ الْغُلاَمِ فَنَقَصْنَاهَا سَنَةً (٢)، وَيُرْجَعُ فِي تَفْصِيل الأَْحْكَامِ إِلَى مُصْطَلَحَيِ (احْتِلاَمٌ) (وَبُلُوغٌ) .
مُدَّةُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ (٣):
٢٧ - يَرَى الْجُمْهُورُ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ مُدَّةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيمِ، وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا لِلْمُسَافِرِ، وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالثَّوْرِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ (٤) . قَال ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَثَبَتَ التَّوْقِيتُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَالْمُغِيرَةِ، وَأَبِي زَيْدٍ الأَْنْصَارِيِّ. هَؤُلاَءِ مِنَ
_________
(١) مواهب الجليل٥ / ٥٩
(٢) رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ٥ / ١٣٢، والاختيار شرح المختار للموصلي١ / ٢٦٦
(٣) راجع مصطلح " المسح " - " المسح على الخف "
(٤) فتح القدير ١ / ١٣٠، والاختيار للموصلي ١ / ٢٢، ومغني المحتاج١ / ٦٣، وحاشية الباجوري١ / ٤٨، والمغني والشرح الكبير١ / ٢٩٣، والروض المربع١ / ٢٢، وبداية المجتهد ١ / ٢٠، ونيل الأوطار١ / ١٨١ ط المطبعة العثمانية سنة ١٣٥٧ هـ
الصَّحَابَةِ، وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ شُرَيْحٌ الْقَاضِي، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَال أَبُو عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: وَأَكْثَرُ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ.
وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثَ وَآثَارٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا مَا رَوَى صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ، قَال: أَمَرَنَا - يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِذَا نَحْنُ أَدْخَلْنَاهُمَا عَلَى طُهْرٍ ثَلاَثَةً إِذَا سَافَرْنَا، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً إِذَا أَقَمْنَا، وَلاَ نَخْلَعَهُمَا مِنْ غَائِطٍ وَلاَ بَوْلٍ وَلاَ نَوْمٍ، وَلاَ نَخْلَعَهُمَا إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ. وَقَال الْخَطَّابِيُّ: هُوَ صَحِيحُ الإِْسْنَادِ، وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَْشْجَعِيِّ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَال: هُوَ أَجْوَدُ حَدِيثٍ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لأَِنَّهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهِيَ آخِرُ غَزَاةٍ غَزَاهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ آخِرُ فِعْلِهِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ (١) أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ، وَأَنَّ لاَبِسَ الْخُفَّيْنِ وَهُوَ طَاهِرٌ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا مَا بَدَا لَهُ، وَالْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، مَا لَمْ يَنْزِعْهُمَا، أَوْ تُصِبْهُ جَنَابَةٌ. إِلاَّ أَنَّهُ يُنْدَبُ نَزْعُهُ كُل يَوْمِ جُمُعَةٍ، وَيُسْتَحَبُّ كُل أُسْبُوعٍ أَيْضًا، وَقَدِ اسْتَدَل لِهَذَا الرَّأْيِ بِمَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ أَنَّهُ قَال لِرَسُول اللَّهِ ﷺ: أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَال:
_________
(١) مواهب الجليل للحطاب١ / ٣١٨ - ٣٢٤، والخرشي ١ / ١٧٦ - ١٨٣ الطبعة الأولى، وحاشية الشرح الكبير للدسوقي ١ / ١١٠
نَعَمْ قَال: يَوْمًا، قَال: وَيَوْمَيْنِ؟ قَال: وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ؟ قَال: نَعَمْ وَمَا شِئْتَ. وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا، قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: نَعَمْ، وَمَا بَدَا لَكَ (١) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. كَمَا أَنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ وَالْجَبِيرَةِ، فَكَمَا أَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا لاَ يَتَوَقَّتُ، فَكَذَلِكَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ (٢) .
مُدَّةُ السَّفَرِ:
٢٨ - السَّفَرُ لُغَةً قَطْعُ الْمَسَافَةِ، وَلَيْسَ كُل سَفَرٍ تَتَغَيَّرُ بِهِ الأَْحْكَامُ، مِنْ جَوَازِ الإِْفْطَارِ، وَقَصْرِ الصَّلاَةِ الرُّبَاعِيَّةِ، وَمَسْحِ الْخُفِّ، وَإِنَّمَا سَفَرٌ خَاصٌّ، حَدَّدَهُ الْفُقَهَاءُ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا التَّحْدِيدِ:
فَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ طَوِيل السَّفَرِ هُوَ الْمُجِيزُ لِقَصْرِ الصَّلاَةِ، وَقَالُوا: إِنَّ السَّفَرَ الطَّوِيل هُوَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ فَأَكْثَرُ بَرًّا أَوْ بَحْرًا.
وَقَدِ اسْتَدَل أَصْحَابُ هَذَا الرَّأْيِ بِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَمَا فَوْقَهَا. وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ، وَأَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، قَال الْخَطَّابِيُّ: وَمِثْل هَذَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ عَنْ تَوْقِيفٍ (٣) .
_________
(١) قال أبو داود: وقد اختلف في إسناده وليس بالقوى، وقال البخاري نحوه، وقال الإمام أحمد: رجاله لا يعرفون. وأخرجه الدارقطني قال: هذا إسناده لا يثبت. . (راجع نيل الأوطار ١ / ١٨٢)
(٢) إلا أنه قياس في مقابلة النصوص الصحيحة.
(٣) مغني المحتاج١ / ٢٦٦ ط الحلبي، والمغني مع الشرح الكبير٢ / ٩١، وفتح القدير٢ / ٤
وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مَا يَدُل عَلَى جَوَازِ الْقَصْرِ فِي أَقَل مِنْ يَوْمٍ. فَقَال الأَْوْزَاعِيُّ: كَانَ أَنَسٌ يَقْصُرُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَمْسَةِ فَرَاسِخَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ قَصْرِهِ بِالْكُوفَةِ حَتَّى أَتَى النَّخِيلَةَ فَصَلَّى بِهَا كُلًّا مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ يَوْمِهِ، فَقَال: أَرَدْتُ أَنْ أُعَلِّمَكُمْ سُنَّتَكُمْ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ السَّفَرَ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الأَْحْكَامُ أَنْ يَقْصِدَ الإِْنْسَانُ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، بِسَيْرِ الإِْبِل، وَمَشْيِ الأَْقْدَامِ، لِقَوْلِهِ ﵇: يَمْسَحُ الْمُقِيمُ كَمَال يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَالْمُسَافِرُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا (١) عَمَّ الْجِنْسَ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عُمُومُ التَّقْدِيرِ؛ وَلأَِنَّ الثَّلاَثَةَ الأَْيَّامَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَهَا تَوْقِيفٌ وَلاَ اتِّفَاقٌ. وَقَدَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ ﵀ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الثَّالِثِ. وَالسَّيْرُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْوَسَطُ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْجَبَل مَا يَلِيقُ بِهِ، وَفِي الْبَحْرِ اعْتِدَال الرِّيَاحِ. فَيَنْظُرُ كَمْ يَسِيرُ فِي مِثْلِهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَيُجْعَل أَصْلًا (٢) ".
الْفَصْل الثَّانِي
الأَْجَل الْقَضَائِيُّ
٢٩ - الْمُرَادُ بِالأَْجَل الْقَضَائِيِّ: الأَْجَل الَّذِي يَضْرِبُهُ الْقَاضِي لِحُضُورِ الْخُصُومِ، أَوْ إِحْضَارِ الْبَيِّنَةِ، أَوْ
_________
(١) حديث: " يمسح المقيم كمال يوم وليلة. . . " لم نجده بهذا اللفظ، وهو بلفظ: " للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة في المسح على الخفين " عند أحمد ومسلم والنسائي وغيرهم عن علي مرفوعا. (كنز العمال ٩ / ٤٠٤)
(٢) الاختيار شرح المختار للموصلي ١ / ٧٨ ط الحلبي.
وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مَا يَدُل عَلَى جَوَازِ الْقَصْرِ فِي أَقَل مِنْ يَوْمٍ. فَقَال الأَْوْزَاعِيُّ: كَانَ أَنَسٌ يَقْصُرُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَمْسَةِ فَرَاسِخَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ قَصْرِهِ بِالْكُوفَةِ حَتَّى أَتَى النَّخِيلَةَ فَصَلَّى بِهَا كُلًّا مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ يَوْمِهِ، فَقَال: أَرَدْتُ أَنْ أُعَلِّمَكُمْ سُنَّتَكُمْ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ السَّفَرَ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الأَْحْكَامُ أَنْ يَقْصِدَ الإِْنْسَانُ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، بِسَيْرِ الإِْبِل، وَمَشْيِ الأَْقْدَامِ، لِقَوْلِهِ ﵇: يَمْسَحُ الْمُقِيمُ كَمَال يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَالْمُسَافِرُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا (١) عَمَّ الْجِنْسَ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عُمُومُ التَّقْدِيرِ؛ وَلأَِنَّ الثَّلاَثَةَ الأَْيَّامَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَهَا تَوْقِيفٌ وَلاَ اتِّفَاقٌ. وَقَدَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ ﵀ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الثَّالِثِ. وَالسَّيْرُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْوَسَطُ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْجَبَل مَا يَلِيقُ بِهِ، وَفِي الْبَحْرِ اعْتِدَال الرِّيَاحِ. فَيَنْظُرُ كَمْ يَسِيرُ فِي مِثْلِهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَيُجْعَل أَصْلًا (٢) ".
الْفَصْل الثَّانِي
الأَْجَل الْقَضَائِيُّ
٢٩ - الْمُرَادُ بِالأَْجَل الْقَضَائِيِّ: الأَْجَل الَّذِي يَضْرِبُهُ الْقَاضِي لِحُضُورِ الْخُصُومِ، أَوْ إِحْضَارِ الْبَيِّنَةِ، أَوْ
_________
(١) حديث: " يمسح المقيم كمال يوم وليلة. . . " لم نجده بهذا اللفظ، وهو بلفظ: " للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة في المسح على الخفين " عند أحمد ومسلم والنسائي وغيرهم عن علي مرفوعا. (كنز العمال ٩ / ٤٠٤)
(٢) الاختيار شرح المختار للموصلي ١ / ٧٨ ط الحلبي.