الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ أَقَل مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ دُونَ تَحْدِيدٍ، مَا دَامَتْ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ. أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَْعْلَوْنَ﴾ . (١) وَيَرَى الإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ مُهَادَنَةُ الْمُشْرِكِينَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، اسْتِنَادًا إِلَى مَا يُرْوَى عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ. فَإِنْ هُودِنَ الْمُشْرِكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالْهُدْنَةُ مُنْتَقَضَةٌ؛ لأَِنَّ الأَْصْل فَرْضُ قِتَال الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ (٢) . وَالتَّفْصِيلاَتُ فِي مُصْطَلَحِ (هُدْنَةٌ) .
مُدَّةُ تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ (٣):
١٥ - مُدَّةُ تَعْرِيفِهَا ثَبَتَتْ بِالشَّرْعِ، وَالأَْصْل فِيهَا مَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ الْجُهَنِيِّ صَاحِبِ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: سُئِل رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ اللُّقَطَةِ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ فَقَال: اعْرَفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا (٤)، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً. فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ.
_________
(١) سورة محمد ﷺ / ٣٥
(٢) المغني مع الشرح ١٠ / ٥١٨، وشرح الروض ٤ / ٢٢٥، والفتاوى الهندية ٢ / ١٩٧، والدسوقي على الشرح الكبير٢ / ٢٠٦
(٣) اللقطة لغة: اسم المال الملقوط. واصطلاحا ما يوجد مطروحا على الأرض ما سوى الحيوان من الأموال لا حافظ له. والضالة الدابة تضل الطريق إلى مربطها، (الاختيار للموصلي ٢ / ٩٥ طبعة مطبعة الحلبي بالقاهرة ١٣٥٥ هـ ١٩٢٦ م، والشرح الكبير للدسوقي ٤ / ١١٧، وراجع الروض المربع بشرح زاد المستنقع لمنصور البهوتي، والمغني والشرح الكبير ٦ / ٣١٨) .
(٤) وكاءها: رباطها عفاصها: الإناء الذي يحفظ فيه الشيء.
وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الإِْبِل، فَقَال: مَالَكَ وَلَهَا؟ دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُل الشَّجَرَ، حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا. وَسَأَلَهُ عَنِ الشَّاةِ فَقَال: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأَِخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِلْفُقَهَاءِ فِي الزِّيَادَةِ عَنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ أَوِ النَّقْصِ مِنْهَا حَسَبَ أَهَمِّيَّةِ الْمَال أَقْوَالٌ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مُصْطَلَحِ (لُقَطَةٌ) .
مُدَّةُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ:
١٦ - رَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاجَهْ فِي السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: لاَ زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُول عَلَيْهِ الْحَوْل (١) وَقَدِ اعْتُبِرَ الْحَوْل فِي زَكَاةِ السَّوَائِمِ، وَالأَْثْمَانِ (الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَقِيَمِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ. وَأَمَّا الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ وَالْمَعْدِنُ فَإِنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَوْل (٢) .
مُدَّةُ تَأْجِيل الْعِنِّينِ (٣):
١٧ - إِذَا ثَبَتَتْ عُنَّةُ الزَّوْجِ ضَرَبَ الْقَاضِي لَهُ سَنَةً كَمَا فَعَل عُمَرُ ﵁، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
_________
(١) حديث: " لا زكاة في مال. . . " في الزوائد: إسناده ضعيف لضعف حارثة بن محمد، وهو ابن أبي الرجال والحديث رواه الترمذي ومن حديث ابن عمر مرفوعا وموقوفا. (سنن ابن ماجه ١ / ٥٧٠ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي) .
(٢) الاختيار شرح المختار للموصلي ١ / ٩٨، والمغني والشرح الكبير ٢ / ٤٩٦، ومغني المحتاج١ / ٣٧٨، ٣٩٤، ٣٩٧
(٣) راجع مصطلح " عنين ". والعنين هو العاجز عن الوطء في القبل خاصة، قيل سمي عنينا للين ذكره وانعطافه مأخوذ من عنان الدابة للينه. أما الرواية عن عمر فلها طرق، فمنها طريق عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأخرجه ابن أبي شيبة حدثنا هشيم عن محمد ب ورواه محمد بن الحسن عن أبي حنيفة: قال: حدثنا إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن عمر بن الخطاب. وأما حديث علي ﵁ فرواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بسنديهما، وحديث ابن مسعود رواه ابن أبي شيبة بسنده عنه يؤجل العنين سنة. وروى ابن أبي شيبة عن المغيرة بن شعبة أنه أجل العنين سنة. وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن والشعبي والنخعي وعطاء وسعيد بن المسيب ﵃ أنهم قالوا: يؤجل العنين سنة. (فتح القدير ٤ / ١٢٨)
وَغَيْرُهُمَا، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَقَال فِي النِّهَايَةِ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اتِّبَاعِ قَضَاءِ عُمَرَ ﵁ فِي قَاعِدَةِ الْبَابِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ مُضِيُّ الْفُصُول الأَْرْبَعَةِ؛ لأَِنَّ تَعَذُّرَ الْجِمَاعِ قَدْ يَكُونُ لِعَارِضِ حَرَارَةٍ فَتَزُول فِي الشِّتَاءِ. أَوْ بُرُودَةٍ فَتَزُول فِي الصَّيْفِ، أَوْ يُبُوسَةٍ فَتَزُول فِي الرَّبِيعِ، أَوْ رُطُوبَةٍ فَتَزُول فِي الْخَرِيفِ. فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ، وَلاَ إِصَابَةَ، عَلِمْنَا أَنَّهُ عَجْزٌ خِلْقِيٌّ (١) .
مُدَّةُ الإِْمْهَال فِي الإِْيلاَءِ (٢):
١٨ - إِذَا آلَى الرَّجُل مِنْ زَوْجَتِهِ أُمْهِل وُجُوبًا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ . (٣) فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الأَْرْبَعَةِ الأَْشْهُرِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ
_________
(١) مغني المحتاج ٣ / ٢٠٢ - ٢٠٦، والروض المربع ٢ / ٢٧٦
(٢) الإيلاء لغة: الحلف، واصطلاحا: هو حلف زوج يصح طلاقه ليمتنعن من وطئها مطلقا أو فوق أربعة أشهر. (مغني المحتاج ٣ / ٣٤٣. وفتح القدير ٤ / ٤٠، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ٢ / ٣٧٩، الطبعة الأولى، والروض المربع ٢ / ٣٠٩) .
(٣) سورة البقرة / ٢٢٦
وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَسَقَطَ الإِْيلاَءُ بِالإِْجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتِ الأَْرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ بِتَطْلِيقَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ مَسْعُودٍ، وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ أَنَّهُ إِذَا انْقَضَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الْفَيْئَةِ وَالتَّكْفِيرِ، وَبَيْنَ الطَّلاَقِ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْل عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ (١) .
مُدَّةُ الرَّضَاعِ (٢):
١٩ - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، أَنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ الَّتِي إِذَا وَقَعَ الرَّضَاعُ فِيهَا تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ سَنَتَانِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا﴾ (٣) وَمُدَّةُ الْحَمْل أَدْنَاهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَبَقِيَ لِلْفِصَال حَوْلاَنِ. وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
_________
(١) بداية المجتهد ٢ / ٩٩ ط. م الاستقامة.
(٢) راجع مصطلح " رضاع ". وهو في اللغة: مص اللبن من الثدي. وفي الشرع: مص الرضيع اللبن من ثدي آدمية في وقت مخصوص، وهذا الوقت هو مدة الرضاع المختلف في تقديرها، (فتح القدير ٣ / ٣٠٧، وأحكام القرآن للقرطبي ٣ / ١٦٢ وجاء في مواهب الجليل للحطاب ٤ / ١٧٨. " ولا يحرم رضاع إلا ما قارب الحولين كالشهر ولم يفصل كالشهر والشهرين ". وجاء في التاج والإكليل: " إن حصل في الحولين أو بزيادة شهربن، إلا أن يستغني ولو فيهما. المتيطي: الرضاع الذي يحرم ما كان منه في الحولين فقط. ورابع ال وراجع مغني المحتاج ٣ / ٤١٦، والروض المربع ٢ / ٣٢١
(٣) سورة الأحقاف / ١٥
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لاَ رَضَاعَ إِلاَّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ (١) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَظَاهِرٌ " أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الأَْحْكَامِ، وَقَال: لَمْ يُسْنِدْهُ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ إِلاَّ الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ " وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ ثَلاَثُونَ شَهْرًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا﴾ وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ ﷾ ذَكَرَ شَيْئَيْنِ وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةً، فَكَانَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهَا، كَالأَْجَل الْمَضْرُوبِ لِلدَّيْنَيْنِ عَلَى شَخْصَيْنِ، بِأَنْ قَال أَجَّلْتُ الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَى فُلاَنٍ، وَالدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَى فُلاَنٍ سَنَةً، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ السَّنَةَ بِكَمَالِهَا لِكُلٍّ، وَكَالأَْجَل الْمَضْرُوبِ لِلدَّيْنَيْنِ عَلَى شَخْصٍ، مِثْل أَنْ يَقُول: لِفُلاَنٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ إِلَى سَنَةٍ، فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الأَْجَل، فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ يَتِمُّ أَجَلُهُمَا جَمِيعًا، إِلاَّ أَنَّهُ قَامَ الْمُنَقِّصُ فِي أَحَدِهِمَا، يَعْنِي فِي مُدَّةِ الْحَمْل، وَهُوَ قَوْل عَائِشَةَ ﵂ (٢) الْوَلَدُ لاَ يَبْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِقَدْرِ فَلْكَةِ مِغْزَلٍ " وَفِي رِوَايَةٍ " وَلَوْ بِقَدْرِ ظِل مِغْزَلٍ وَمِثْلُهُ مِمَّا لاَ
_________
(١) حديث ابن عباس: " لا رضاع إلا ما كان في الحولين. . . ". رواه الدارقطني وابن عدي وصوبا أنه موقوف. وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وأخرجه ابن أبي شيبه موقوفا عن علي، وابن مسعود، وروى الدارقطني عن عمر " لا رضاع إلا في الحولين في الصغر ". (الدراية٢ / ٦٨)
(٢) الأثر عن عائشة: " الولد لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين. . . ". أخرجه الدارقطني ٣ / ٣٢٢، والبيهقي٧ / ٤٤٣ بلفظ: " ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل عود المغزل. . . . ". وانظر نصب الراية (٣ / ٢٦٥) . ولم نجد الرواية الأخرى، ولم نر من تكلم على إسناده.
يُقَال إِلاَّ سَمَاعًا؛ لأَِنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لاَ يَهْتَدِي إِلَيْهَا الْعَقْل. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ الْوَلَدُ لاَ يَبْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَتَبْقَى مُدَّةُ الْفِصَال عَلَى ظَاهِرِهَا (١) .
وَيَرَى زُفَرُ أَنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ ثَلاَثَةُ أَحْوَالٍ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ لاَ بُدَّ لِلصَّبِيِّ مِنْ مُدَّةٍ يَتَعَوَّدُ فِيهَا غِذَاءً آخَرَ غَيْرَ اللَّبَنِ، لِيَنْقَطِعَ الإِْنْبَاتُ بِاللَّبَنِ، وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ مُدَّةٍ يَتَعَوَّدُ فِيهَا الصَّبِيُّ تَغَيُّرَ الْغِذَاءِ، وَالْحَوْل حَسَنٌ لِلتَّحَوُّل مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، لاِشْتِمَالِهِ عَلَى الْفُصُول الأَْرْبَعَةِ، فَقُدِّرَ بِثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ.
أَجَل الْعِدَّةِ:
٢٠ - الْعِدَّةُ أَجَلٌ ضَرَبَهُ الشَّرْعُ لِلْمُطَلَّقَةِ أَوِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ مَنْ فُسِخَ نِكَاحُهَا. فَالْحَامِل فِي كُل مَا ذُكِرَ عِدَّتُهَا وَضْعُ الْحَمْل. وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا - مَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا - عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لاَ. وَالْمُطَلَّقَةُ الْمَدْخُول بِهَا غَيْرُ الْحَامِل وَالآْيِسَةُ وَالصَّغِيرَةُ ثَلاَثَةُ أَقْرَاءٍ، عَلَى الْخِلاَفِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْءِ أَهُوَ الطُّهْرُ أَمِ الْحَيْضُ، وَعِدَّةُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ وَالآْيِسَةُ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عِدَّةٌ) .
_________
(١) فتح القدير٣ / ٣٠٨، وقد أفاض الكمال بن الهمام في الرد على رأي أبي حنيفة وعلي رأي زفر، ورجح رأي الصاحبين والجمهور، وقال: إنه مختار الطحاوي.
مُدَّةُ خِيَارِ الشَّرْطِ: (١)
٢١ - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ جَوَازَ خِيَارِ الشَّرْطِ (٢) وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ أَوِ الْمُشْتَرِي، أَوْ لَهُمَا، ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا، وَالأَْصْل فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو الأَْنْصَارِيَّ ﵁ كَانَ يُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ، فَقَال لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُل: لاَ خِلاَبَةَ، وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ (٣) . وَيَرَى أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يَجُوزُ إِذَا سَمَّى مُدَّةً مَعْلُومَةً وَإِنْ طَالَتْ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ. وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ أَجَازَ الْبَيْعَ إِلَى شَهْرَيْنِ، وَأَنَّ الْخِيَارَ حَقٌّ يَعْتَمِدُ عَلَى الشَّرْطِ، فَرَجَعَ فِي تَقْدِيرِهِ إِلَى مُشْتَرِطِهِ، كَالأَْجَل، وَلِقَوْلِهِ ﷺ: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ (٤) . وَلأَِنَّ الْخِيَارَ إِنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إِلَى التَّرَوِّي لِيَنْدَفِعَ الْغَبْنُ، وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، كَالتَّأْجِيل فِي الثَّمَنِ، فَإِنَّ الأَْجَل شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إِلَى التَّأْخِيرِ، مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، ثُمَّ جَازَ
_________
(١) راجع مصطلح " خيار ".
(٢) فتح القدير٥ / ٤٩٨، ورد المحتار٤ / ٤٧، ومغني المحتاج ٢ / ٤٣، والمغني المطبوع مع الشرح الكبير٤ / ٦٥، ٦٦
(٣) رواه الشافعي والحاكم عن حبان (بفتح الحاء) . ورواه أيضا البيهقي وابن ماجه والبخاري في تاريخه الأوسط وابن أبي شيبة عن منقذ بن عمرو. وكون الواقعة لحبان أرجح لأن سندها إليه موصول وإلى منقذ منقطع. (فتح القدير٥ / ٤٩٨)
(٤) حديث: " المسلمون عند شروطهم. . . " تقدم تخريجه (إجارة ف٤٦)
أَيُّ مِقْدَارٍ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ (١) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ السِّلَعِ، فَإِنَّ الْقَصْدَ مَا تُخْتَبَرُ فِيهِ تِلْكَ السِّلْعَةُ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ السِّلَعِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَيَضْرِبُ مِنَ الأَْجَل أَقَل مَا يُمْكِنُ؛ تَقْلِيلًا لِلْغَرَرِ، كَشَهْرٍ فِي دَارٍ، وَكَثَلاَثٍ فِي دَابَّةٍ (٢) . وَإِذَا كَانَتِ الْمُدَّةُ الْمُشْتَرَطَةُ مَجْهُولَةً، كَمَا إِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ أَبَدًا، أَوْ مَتَى شَاءَ، أَوْ قَال أَحَدُهُمَا: وَلِيَ الْخِيَارُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّتَهُ، أَوْ شَرَطَاهُ إِلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ كَقُدُومِ زَيْدٍ، أَوْ نُزُول الْمَطَرِ، أَوْ مُشَاوَرَةِ إِنْسَانٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَمْ يَصِحَّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ وَمَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَهُمَا عَلَى خِيَارِهِمَا أَبَدًا أَوْ يَقْطَعَاهُ، أَوْ تَنْتَهِي مُدَّتُهُ إِنْ كَانَ مَشْرُوطًا إِلَى مُدَّةٍ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ شُبْرُمَةَ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ.
وَقَال مَالِكٌ: يَصِحُّ، وَيُضْرَبُ لَهُمَا مُدَّةٌ يُخْتَبَرُ الْمَبِيعُ فِي مِثْلِهَا فِي الْعَادَةِ، لأَِنَّ ذَلِكَ مُقَرَّرٌ فِي الْعَادَةِ "، وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ أَسْقَطَا الشَّرْطَ قَبْل مُضِيِّ الثَّلاَثِ، أَوْ حَذْفِ الزَّائِدِ عَلَيْهَا وَبَيَّنَا مُدَّتَهُ، صَحَّ؛ لأَِنَّهُمَا حَذَفَا الْمُفْسِدَ قَبْل اتِّصَالِهِ بِالْعَقْدِ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطَاهُ (٣) .
_________
(١) الشرح الكبير لابن قدامة المقدسي٤ / ٦٥ ط المنار.
(٢) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير٣ / ٩١، ومواهب الجليل للحطاب٤ / ٣١٠
(٣) الشرح الكبير المطبوع مع المغني٤ / ٦٦ ط المنار.
مُدَّةُ الْحَيْضِ:
٢٢ - أَقَل مُدَّةِ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَأَكْثَرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ وَرَدَ فِي الشَّرْعِ مُطْلَقًا دُونَ تَحْدِيدٍ، وَلاَ حَدَّ لَهُ فِي اللُّغَةِ وَلاَ فِي الشَّرِيعَةِ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، كَمَا فِي الْقَبْضِ وَالإِْحْرَازِ وَالتَّفَرُّقِ وَأَشْبَاهِهَا. وَقَدْ وُجِدَ حَيْضٌ مُعْتَادٌ يَوْمًا. قَال عَطَاءٌ: رَأَيْتُ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ تَحِيضُ يَوْمًا وَتَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ (١) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ أَقَل الْحَيْضِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَمَا نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ ﵊: أَقَل حَيْضِ الْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا زَادَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَوْمَانِ وَالأَْكْثَرُ مِنَ الثَّالِثِ، إِقَامَةً لِلأَْكْثَرِ مَقَامَ الْكُل، وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ (٢) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لاَ حَدَّ لأَِقَل الْحَيْضِ بِالزَّمَانِ، وَأَكْثَرُهُ لِمُبْتَدَأَةٍ غَيْرِ حَامِلٍ تَمَادَى بِهَا نِصْفُ شَهْرٍ، وَأَكْثَرُهُ لِمُعْتَادَةٍ غَيْرِ حَامِلٍ سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَلَوْ مَرَّةً ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ زِيَادَةً عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا أَيَّامًا لاَ وُقُوعًا (٣) . وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ مَوْطِنُهُ مُصْطَلَحُ (حَيْضٌ) .
_________
(١) مغني المحتاج١ / ١٠٨، والمغني والشرح الكبير١ / ٣٢٤، والروض المربع ١ / ٣٤
(٢) رواه الدارقطني عن أبي أمامة. وهناك عدة روايات لابن عدي في الكامل والدارقطني والعقيلي وابن الجوزي في العلل المتناهية يرتقي بها الحديث من الضعف إلى درجة الحسن. (فتح القدير١ / ١٤٣)
(٣) الخرشي ١ / ٢٠٥، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير١ / ١٣٢
مُدَّةُ الطُّهْرِ:
٢٣ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالثَّوْرِيُّ أَنَّ أَقَل الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أَقَل الْحَيْضِ ثَلاَثَةٌ، وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَأَقَل مَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا (١) مَنْقُولٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَدْ قِيل: أَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ؛ وَلأَِنَّهُ مُدَّةُ اللُّزُومِ، فَكَانَ كَمُدَّةِ الإِْقَامَةِ (٢) . وَاسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّهْرَ غَالِبًا لاَ يَخْلُو عَنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ، وَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ - عَلَى رَأْيِهِمْ - خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَقَل الطُّهْرِ كَذَلِكَ، وَلاَ حَدَّ لأَِكْثَرِ الطُّهْرِ بِالإِْجْمَاعِ، فَقَدْ لاَ تَحِيضُ الْمَرْأَةُ فِي عُمُرِهَا إِلاَّ مَرَّةً، وَقَدْ لاَ تَحِيضُ أَصْلًا.
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ أَقَل الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: " أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْهُ، وَقَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلاَثَ حِيَضٍ، طَهُرَتْ عِنْدَ كُل قُرْءٍ وَصَلَّتْ. فَقَال عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ: قُل فِيهَا. فَقَال شُرَيْحٌ: إِنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا، مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ وَأَمَانَتُهُ، فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ، وَإِلاَّ فَهِيَ كَاذِبَةٌ. فَقَال عَلِيٌّ: قالون " أَيْ جَيِّدٌ، بِالرُّومِيَّةِ. رَوَاهُ الإِْمَامُ أَحْمَدُ
_________
(١) حديث: " أقل الحيض ثلاث وأكثره عشر، وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يوما ". أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية وفيه أبو داود النخعي وهو رواه. وروى أوله ببعض اختلاف الطبراني والدارقطني وإسناده ضعيف، وروى نحوه ابن عدي بإسناد واه. (الدراية١ / ٨٤١، ومجمع الزوائد١ / ٢٨٠)
(٢) فتح القدير١ / ١٥٥