الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٦
وَيُنْدَبُ أَنْ يَقُول: بَيْنَ الدُّعَاءَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَْبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَتِهِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُلاَحِظَ الْمُصَلِّي فِي دُعَائِهِ التَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ، وَالتَّثْنِيَةَ وَالْجَمْعَ، بِمَا يُنَاسِبُ حَال الْمَيِّتِ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يُذَكِّرَ مُطْلَقًا بِقَصْدِ الشَّخْصِ، وَأَنْ يُؤَنِّثَ مُطْلَقًا بِقَصْدِ الْجِنَازَةِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَقُول فِي الدُّعَاءِ عَلَى الصَّغِيرِ بَدَل الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَرَطًا لأَِبَوَيْهِ، وَسَلَفًا، وَذُخْرًا وَعِظَةً، وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا، وَثَقِّل بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَفْرِغِ الصَّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا، وَلاَ تَفْتِنْهُمَا بَعْدَهُ، وَلاَ تَحْرِمْهُمَا أَجْرَهُ. (١)
وَيَتَأَدَّى الرُّكْنُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِأَدْنَى دُعَاءٍ لِلْمَيِّتِ يَخُصُّهُ بِهِ نَحْوَ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ.
وَمَحَل الدُّعَاءِ عِنْدَهُمْ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّالِثَةِ وَيَجُوزُ عَقِبَ الرَّابِعَةِ، وَلاَ يَصِحُّ عَقِبَ سِوَاهُمَا.
وَالْمَسْنُونُ الدُّعَاءُ بِمَا وَرَدَ، وَمِنْهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، إِنَّكَ تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا وَمَثْوَانَا، وَأَنْتَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ مَنْ
_________
(١) شرح البهجة الوردية ٢ / ١١١.
أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِْسْلاَمِ وَالسُّنَّةِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَيْهِمَا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَْبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ، وَهَذَا الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ الْكَبِيرِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إِلاَّ أَنَّهُ يُؤَنِّثُ الضَّمَائِرَ فِي الأُْنْثَى.
وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ صَغِيرًا أَوْ بَلَغَ مَجْنُونًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى جُنُونِهِ حَتَّى مَاتَ قَال فِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْهِ، وَفَرَطًا وَأَجْرًا، وَشَفِيعًا مُجَابًا، اللَّهُمَّ ثَقِّل بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا، وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ الْمُؤْمِنِينَ، وَاجْعَلْهُ فِي كَفَالَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَقِهِ بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ الْجَحِيمِ، يُقَال ذَلِكَ فِي الذَّكَرِ وَالأُْنْثَى إِلاَّ أَنَّهُ يُؤَنَّثُ فِي الْمُؤَنَّثِ. (١)
٢٨ - وَلَيْسَ لِصَلاَةِ الْجِنَازَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ سُنَنٌ بَل لَهَا مُسْتَحَبَّاتٌ، وَهِيَ الإِْسْرَارُ بِهَا، وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّكْبِيرَةِ الأُْولَى فَقَطْ، حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ أُذُنَيْهِ، وَابْتِدَاءُ الدُّعَاءِ بِحَمْدِ اللَّهِ، وَالصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَوُقُوفُ الإِْمَامِ عِنْدَ وَسَطِ الرَّجُل،
_________
(١) الغرر البهية في شرح البهجة الوردية ٢ / ١١١، وغاية المنتهى ١ / ٢٤١، ٢٤٢.
وَعِنْدَ مَنْكِبَيِ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَقِفُ خَلْفَ الإِْمَامِ كَمَا يَقِفُ فِي غَيْرِهَا مِنَ الصَّلاَةِ، وَجَهْرُ الإِْمَامِ بِالسَّلاَمِ وَالتَّكْبِيرِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ مَنْ خَلْفَهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُسِرُّ فِيهَا. (١)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: سُنَّتُهَا التَّعَوُّذُ قَبْل الْفَاتِحَةِ، وَالتَّأْمِينُ، وَالإِْسْرَارُ بِالْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَسَائِرِ الأَْقْوَال فِيهَا وَلَوْ فُعِلَتْ لَيْلًا، عَدَا التَّكْبِيرِ وَالسَّلاَمِ فَيَجْهَرُ بِهَا، وَفِعْل الصَّلاَةِ فِي جَمَاعَةٍ، وَأَنْ يَكُونُوا ثَلاَثَةَ صُفُوفٍ فَأَكْثَر إِذَا أَمْكَنَ، وَأَقَل الصَّفِّ اثْنَانِ وَلَوْ بِالإِْمَامِ، وَلاَ تُكْرَهُ مُسَاوَاةُ الْمَأْمُومِ لِلإِْمَامِ فِي الْوُقُوفِ، حِينَئِذٍ وَاخْتِيَارُ أَكْمَل صِيَغِ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي سُنَنِ الصَّلاَةِ، وَالصَّلاَةُ عَلَى الآْل دُونَ السَّلاَمِ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى النَّبِيِّ ﵊، وَالتَّحْمِيدُ قَبْل الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَالدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْدَ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَالدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ، وَأَنْ يَقُول بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ قَبْل السَّلاَمِ: اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُ. ثُمَّ يَقْرَأُ ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ (٢) وَأَنْ يَقِفَ الإِْمَامُ أَوِ الْمُنْفَرِدُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُل، وَعِنْدَ عَجُزِ الأُْنْثَى أَوِ الْخُنْثَى، وَأَنْ يَرْفَعَ
_________
(١) الشرح الصغير ١ / ٢٢٣.
(٢) سورة غافر / ٧.
يَدَيْهِ عِنْدَ كُل تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ يَضَعَهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ، وَأَنْ لاَ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ حَتَّى يُتِمَّ الْمَسْبُوقُ صَلاَتَهُ، وَإِنْ تَكَرَّرَ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ مِنْ أَشْخَاصٍ مُتَغَايِرِينَ، أَمَّا إِعَادَتُهَا مِمَّنْ أَقَامُوهَا أَوَّلًا فَمَكْرُوهَةٌ.
وَمِنَ السُّنَنِ تَرْكُ دُعَاءِ الاِفْتِتَاحِ، وَتَرْكُ السُّورَةِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ قَبْل أَنْ يُكَفَّنَ (١) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: سُنَنُهَا فِعْلُهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَأَنْ لاَ يَنْقُصَ عَدَدُ كُل صَفٍّ عَنْ ثَلاَثَةٍ إِنْ كَثُرَ الْمُصَلُّونَ، وَإِنْ كَانُوا سِتَّةً جَعَلَهُمُ الإِْمَامُ صَفَّيْنِ، وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً جَعَل كُل اثْنَيْنِ صَفًّا، وَلاَ تَصِحُّ صَلاَةُ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ كَغَيْرِهَا مِنَ الصَّلاَةِ، وَأَنْ يَقِفَ الإِْمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُل وَوَسَطِ الأُْنْثَى، وَأَنْ يُسِرَّ بِالْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ فِيهَا (٢) وَقَدْ ذَكَرُوا التَّعَوُّذَ وَالتَّسْمِيَةَ قَبْل قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَلَمْ يُطَّلَعْ عَلَى تَصْرِيحٍ لَهُمْ بِسُنِّيَّتِهَا.
٢٩ - وَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ سَبْعَةً قَامُوا ثَلاَثَةَ صُفُوفٍ يَتَقَدَّمُ وَاحِدٌ وَيَقُومُ خَلْفَهُ ثَلاَثَةٌ، وَخَلْفَهُمُ اثْنَانِ، وَخَلْفَهُمَا وَاحِدٌ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُسَنُّ أَنْ لاَ تَنْقُصَ الصُّفُوفُ عَنْ ثَلاَثَةٍ، وَلاَ يَنْقُصُ عَدَدُ كُل صَفٍّ عَنْ ثَلاَثَةٍ إِنْ كَثُرَ الْمُصَلُّونَ، وَإِنْ كَانُوا سِتَّةً جَعَلَهُمُ الإِْمَامُ صَفَّيْنِ، وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً جَعَل كُل اثْنَيْنِ صَفًّا،
_________
(١) شرح البهجة الوردية ٢ / ١١٠ - ١١٤.
(٢) غاية المنتهى ١ / ٢٤٠.
وَلاَ تَصِحُّ صَلاَةُ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مِنْ سُنَنِهَا أَنْ يَكُونَ ثَلاَثَةَ صُفُوفٍ إِذَا أَمْكَنَ، وَأَقَل الصَّفِّ اثْنَانِ وَلَوْ بِالإِْمَامِ، وَلاَ تُكْرَهُ مُسَاوَاةُ الْمَأْمُومِ لِلإِْمَامِ فِي الْوُقُوفِ حِينَئِذٍ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ مَرْفُوعًا: مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ صُفُوفٍ فَقَدْ أَوْجَبَ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِلاَّ غُفِرَ لَهُ وَقَدْ كَانَ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ يَصُفُّ مَنْ يَحْضُرُ الصَّلاَةَ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلاَثَةَ صُفُوفٍ سَوَاءٌ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا (١) .
صِفَةُ صَلاَةِ الْجِنَازَةِ:
٣٠ - مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الإِْمَامَ يَقُومُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ بِحِذَاءِ الصَّدْرِ مِنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَوَاقِفِ الإِْمَامِ مِنَ الْمَيِّتِ لِلصَّلاَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَفَ فِي غَيْرِهِ جَازَ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَال: يَقُومُ بِحِذَاءِ الْوَسَطِ مِنَ الرَّجُل، وَبِحِذَاءِ الصَّدْرِ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
_________
(١) الهندية، والمغني ٢ / ٤٨٢ ط الرياض، وغاية المنتهى ١ / ٢٤٠، وفتح الباري ٣ / ١٢١. وحديث: " من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب " أخرجه أبو داود (٣ / ٥١٤ - ٥١٥ ط عزت عبيد الدعاس) والترمذي (٣ / ٣٣٨ ط مصطفى الحلبي) وابن ماجه (١ / ٤٧٨ ط عيسى الحلبي) من حديث مالك بن هبيرة. واللفظ للترمذي، وقال: حديث حسن.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُنْدَبُ أَنْ يَقِفَ الإِْمَامُ وَسْطَ الذَّكَرِ وَحَذْوَ مَنْكِبَيْ غَيْرِهِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الإِْمَامَ يَقُومُ نَدْبًا عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُل، وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَنَسًا صَلَّى عَلَى رَجُلٍ فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَعَلَى امْرَأَةٍ فَقَامَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا، فَقَال لَهُ الْعَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ: هَكَذَا كَانَتْ صَلاَةُ رَسُول اللَّهِ ﷺ عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا وَعَلَى الرَّجُل عِنْدَ رَأْسِهِ؟ قَال: نَعَمْ (١) قَالُوا: لأَِنَّهُ أَبْلَغُ فِي صِيَانَةِ الْمَرْأَةِ عَنِ الْبَاقِينَ. فَإِنْ وَقَفَ مِنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ فِي أَيِّ مَكَانٍ جَازَ وَخَالَفَ السُّنَّةَ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَقُومُ عِنْدَ صَدْرِ رَجُلٍ، وَقِيل عِنْدَ رَأْسِهِ، وَوَسَطِ امْرَأَةٍ، وَبَيْنَ الصَّدْرِ وَالْوَسَطِ مِنَ الْخُنْثَى، لِحَدِيثِ أَنَسٍ وَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ فَقَامَ وَسَطَ السَّرِيرِ (٢) .
٣١ - وَيَنْوِي الإِْمَامُ وَالْمَأْمُومُونَ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَمَنْ خَلْفَهُ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَبِهِ قَال الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ. وَعَلَيْهِ الْعَمَل عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ كَمَا
_________
(١) حديث: " هكذا كانت صلاة رسول الله ﷺ على المرأة " أخرجه أبو داود (٣ / ٥٣٣ - ٥٣٤ ط عزت عبيد الدعاس) والترمذي (٣ / ٣٤٣ ط مصطفى الحلبي) وابن ماجه (١ / ٤٧٩ ط عيسى الحلبي) من حديث أنس، وقال الترمذي: (حديث حسن) .
(٢) الهندية ١ / ١٦١، وغاية المنتهى ١ / ٣٤٣، والدسوقي ١ / ٤١٤، والمجموع ٥ / ٢٢٤، ومغني المحتاج ١ / ٣٤١، والقليوبي ١ / ٣٣١، وكشاف القناع ٢ / ١١٢.
قَال التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ - وَلَوْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهَا لَمْ تَجُزْ صَلاَتُهُ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ كَبَّرَ الإِْمَامُ خَمْسًا لَمْ يُتْبَعْ؛ لأَِنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَلَكِنْ يُنْتَظَرُ سَلاَمُهُ فِي الْمُخْتَارِ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ عَلَى الأَْصَحِّ، وَفِي رِوَايَةٍ يُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ إِذَا كَبَّرَ إِمَامُهُ التَّكْبِيرَةَ الزَّائِدَةَ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ كَبَّرَ الإِْمَامُ خَمْسًا لَمْ يُتَابِعْهُ الْمَأْمُومُ فِي الْخَامِسَةِ، بَل يُسَلِّمُ أَوْ يَنْتَظِرُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ وَهَذَا هُوَ الأَْصَحُّ، وَخِلاَفُ الأَْصَحِّ أَنَّهُ لَوْ تَابَعَهُ لَمْ يَضُرَّ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: الأَْوْلَى أَنْ لاَ يُزَادَ عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ وَيُتَابِعُ إِمَامَهُ فِيمَا زَادَ إِلَى سَبْعٍ فَقَطْ، وَيَحْرُمُ سَلاَمٌ قَبْلَهُ، إِنْ جَاوَزَ سَبْعًا.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: فَإِذَا كَبَّرَ الأُْولَى مَعَ رَفْعِ يَدَيْهِ أَثْنَى عَلَى اللَّهِ كَمَا مَرَّ. (١)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِذَا كَبَّرَ الأُْولَى تَعَوَّذَ وَسَمَّى وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: لَيْسَ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ قِرَاءَةٌ.
وَإِذَا كَبَّرَ الثَّانِيَةَ يَأْتِي بِالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهِيَ الصَّلاَةُ الإِْبْرَاهِيمِيَّةُ الَّتِي يَأْتِي بِهَا فِي الْقَعْدَةِ الأَْخِيرَةِ مِنْ ذَوَاتِ الرُّكُوعِ، وَإِذَا كَبَّرَ الثَّالِثَةَ يَدْعُو لِلْمَيِّتِ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ يُكَبِّرُ الرَّابِعَةَ وَلاَ دُعَاءَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ
_________
(١) المصادر السابقة.
الْحَنَفِيَّةِ وَمَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، وَقِيل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَقُول: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً. . .﴾ إِلَخْ (١) وَقِيل: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ إِلَخْ (٢)، وَقِيل: يُخَيَّرُ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالدُّعَاءِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ يَدْعُو بَعْدَ الرَّابِعَةِ أَيْضًا - ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً أَوْ تَسْلِيمَتَيْنِ عَلَى الْخِلاَفِ الْمُتَقَدِّمِ. وَيَنْوِي التَّسْلِيمَ عَلَى الْمَيِّتِ مَعَ الْقَوْمِ كَمَا فِي الدُّرِّ وَمَرَاقِي الْفَلاَحِ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ: لاَ يَنْوِي التَّسْلِيمَ عَلَى الْمَيِّتِ.
وَلاَ يَجْهَرُ بِمَا يَقْرَأُ عَقِبَ كُل تَكْبِيرَةٍ سَوَاءٌ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا لَيْلًا كَانَتِ الصَّلاَةُ أَوْ نَهَارًا.
وَهَل يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّسْلِيمِ؟ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّهُ لاَ يَرْفَعُ؛ لأَِنَّهُ لِلإِْعْلاَمِ وَلاَ حَاجَةَ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ التَّسْلِيمَ مَشْرُوعٌ عَقِبَ التَّكْبِيرِ بِلاَ فَصْلٍ، لَكِنِ الْعَمَل عَلَى خِلاَفِهِ، وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: يَجْهَرُ بِتَسْلِيمٍ وَاحِدٍ.
وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ سَلَّمَ حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ، قَال مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَيُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ وَيُسْمِعُ مَنْ يَلِيهُ وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ: إِنَّهُ لاَ يَجْهَرُ كُل الْجَهْرِ وَلاَ يُسِرُّ كُل الإِْسْرَارِ.
_________
(١) سورة البقرة / ٢٠١.
(٢) سورة آل عمران / ٨.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجْهَرُ الإِْمَامُ بِالتَّسْلِيمِ بِقَدْرِ التَّسْمِيعِ، وَيُنْدَبُ لِغَيْرِ الإِْمَامِ إِسْرَارُهَا. (١)
وَقَال النَّوَوِيُّ: قَال جُمْهُورُهُمْ: يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً. وَاخْتَلَفُوا هَل يَجْهَرُ الإِْمَامُ بِالتَّسْلِيمِ؟ فَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولاَنِ: يَجْهَرُ، وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَال مَالِكٌ فِي السَّلاَمِ عَلَى الْجَنَائِزِ: يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَكَذَلِكَ مَنْ خَلْفَ الإِْمَامِ وَهُوَ دُونَ سَلاَمِ الإِْمَامِ، تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً لِلإِْمَامِ وَغَيْرِهِ - وَفِي رِوَايَةٍ يُسَلِّمُ الإِْمَامُ وَاحِدَةً قَدْرَ مَا يُسْمِعُ مَنْ يَلِيهِ، وَيُسَلِّمُ مَنْ وَرَاءَهُ وَاحِدَةً فِي أَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ أَسْمَعُوا مَنْ يَلِيهِمْ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا، وَقَالَتِ الْحَنَابِلَةُ: يُسَلِّمُ بِلاَ تَشَهُّدٍ وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ، وَيَجُوزُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَيَجُوزُ ثَانِيَةٌ.
وَلاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي غَيْرِ التَّكْبِيرَةِ الأُْولَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخَ اخْتَارُوا الرَّفْعَ فِي كُل تَكْبِيرَةٍ.
وَبِهِ قَال مَالِكٌ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ لاَ تُرْفَعُ الأَْيْدِي فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ إِلاَّ فِي أَوَّل تَكْبِيرَةٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَاتِ الأَْرْبَعِ.
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٦١١، ومغني المحتاج ١ / ٣٤١، وكشاف القناع ٢ / ١١٢، والطحطاوي على المراقي ٢٤٢، وشرح مسلم ١ / ٣٠٩، والشرح الصغير ١ / ٥٥٦.
وَالرَّاجِحُ فِي مَذْهَبِهِمُ الأَْوَّل - وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الثَّوْرِيُّ، وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: نُدِبَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ عِنْدَ التَّكْبِيرَةِ الأُْولَى فَقَطْ، وَفِي غَيْرِ الأُْولَى خِلاَفُ الأَْوْلَى.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُسَنُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ فِي كُل تَكْبِيرَةٍ. (١)
مَا يَفْعَل الْمَسْبُوقُ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ:
٣٢ - إِذَا جَاءَ رَجُلٌ وَقَدْ كَبَّرَ الإِْمَامُ التَّكْبِيرَةَ الأُْولَى وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا انْتَظَرَهُ حَتَّى إِذَا كَبَّرَ الثَّانِيَةَ كَبَّرَ مَعَهُ، فَإِذَا فَرَغَ الإِْمَامُ كَبَّرَ الْمَسْبُوقُ التَّكْبِيرَةَ الَّتِي فَاتَتْهُ قَبْل أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ، وَهَذَا قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ﵄ (وَقَال أَبُو يُوسُفَ يُكَبِّرُ حِينَ يَحْضُرُ) وَكَذَا إِنْ جَاءَ وَقَدْ كَبَّرَ الإِْمَامُ تَكْبِيرَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِرِ الْمَسْبُوقُ وَكَبَّرَ قَبْل تَكْبِيرِ الإِْمَامِ الثَّانِيَةَ أَوِ الثَّالِثَةَ أَوِ الرَّابِعَةَ لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُ، وَلَكِنْ لاَ يُعْتَدُّ بِتَكْبِيرَتِهِ هَذِهِ، وَإِنْ جَاءَ وَقَدْ كَبَّرَ الإِْمَامُ أَرْبَعًا وَلَمْ يُسَلِّمْ لاَ يَدْخُل مَعَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ يَدْخُل، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلاَثًا قَبْل أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ مُتَتَابِعًا لاَ دُعَاءَ فِيهَا (وَهُوَ قَوْل
_________
(١) الهندية ١ / ١٦١، وشرح مسلم ١ / ٣٠٩، والمدونة ١ / ١٦٠، ١٧٠، وغاية المنتهى ١ / ٢٤١، ٢٤٢، نيل الأوطار ٤ / ٥٣، والشرح الصغير ١ / ٢٢٤، والتنبيه ص ٣٧، ومغني المحتاج ١ / ٣٤٢، والمغني ٢ / ٤٩٠ ط الرياض، شرح مسلم ٧ / ١٤، المطبعة المصرية.