الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٦ الصفحة 4

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٦

وَالثَّامِنُ: مُحَاذَاةُ الإِْمَامِ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ وَاحِدًا، وَأَمَّا إِذَا كَثُرَتِ الْمَوْتَى فَيَجْعَلُهُمْ صَفًّا وَيَقُومُ عِنْدَ أَفْضَلِهِمْ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الأَْقْرَبُ كَوْنُ الْمُحَاذَاةِ شَرْطًا.

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَجِبُ أَنْ يُسَامِتَ الإِْمَامُ الْمَيِّتَ فَإِنْ لَمْ يُسَامِتْهُ كُرِهَ، وَفِي تَعْلِيقِ الْغَايَةِ: لَعَلَّهُ مَا لَمْ يَفْحُشْ عُرْفًا، فَلاَ تَصِحُّ إِنْ فَحُشَ. (١)

٢٣ - وَقَدْ وَافَقَ الْحَنَابِلَةُ الْحَنَفِيَّةَ عَلَى اشْتِرَاطِ إِسْلاَمِ الْمَيِّتِ وَطَهَارَتِهِ، وَسَتْرِ عَوْرَتِهِ، وَحُضُورِهِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى الْمَيِّتِ، وَعَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمُصَلِّي مُكَلَّفًا، وَاجْتِنَابِهِ النَّجَاسَةَ، وَاسْتِقْبَالِهِ الْقِبْلَةَ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالنِّيَّةِ، مِنَ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى الْمُصَلِّي.

وَخَالَفُوهُمْ فِي اشْتِرَاطِ حُضُورِ الْجِنَازَةِ فَجَوَّزُوا الصَّلاَةَ عَلَى غَائِبٍ عَنْ بَلَدٍ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ، أَوْ فِي غَيْرِ قِبْلَتِهِ، وَعَلَى غَرِيقٍ وَأَسِيرٍ وَنَحْوِهِ، إِلَى شَهْرٍ بِالنِّيَّةِ، وَأَمَّا مَا اشْتَرَطُوهُ مِنْ حُضُورِهِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي، فَمَعْنَاهُ أَنْ لاَ تَكُونَ الْجِنَازَةُ مَحْمُولَةً، وَلاَ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ، كَحَائِطٍ قَبْل دَفْنٍ، وَلاَ فِي تَابُوتٍ مُغَطًّى.

وَوَافَقَ الشَّافِعِيَّةُ الْحَنَابِلَةَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ حُضُورِهِ، وَتَجْوِيزِ الصَّلاَةِ عَلَى الْغَائِبِ، وَوَافَقَتِ الْمَالِكِيَّةُ الْحَنَفِيَّةَ عَلَى اشْتِرَاطِ حُضُورِهِ، وَأَمَّا

_________

(١) القنية ١ / ٢١٤.

وَضْعُهُ أَمَامَ الْمُصَلِّي بِحَيْثُ يَكُونُ عِنْدَ مَنْكِبَيِ الْمَرْأَةِ وَوَسَطِ الرَّجُل فَمَنْدُوبٌ عِنْدَهُمْ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا، إِلاَّ أَنَّ مُحَاذَاةَ الإِْمَامِ بِجُزْءٍ مِنَ الْمَيِّتِ شَرْطٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَخَالَفَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ الْحَنَفِيَّةَ فِي اشْتِرَاطِ وَضْعِهِ عَلَى الأَْرْضِ، فَقَالُوا: تَجُوزُ الصَّلاَةُ عَلَى الْمَحْمُول عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ عَلَى أَيْدِي النَّاسِ، أَوْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ. وَانْفَرَدَ الْمَالِكِيَّةُ بِاشْتِرَاطِ الإِْمَامَةِ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَصَرَّحَ غَيْرُهُ بِصِحَّةِ صَلاَةِ الْمُنْفَرِدِ عَلَيْهِ، فَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ إِنْ صَلَّى عَلَيْهَا مُنْفَرِدًا أُعِيدَتْ نَدْبًا جَمَاعَةً.

وَالْوَاجِبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ التَّسْلِيمُ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ التَّسْلِيمُ مَرَّةً وَاحِدَةً رُكْنٌ، قَالُوا لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ فِي الصَّلاَةِ. (١)

وَوَرَدَ التَّسْلِيمُ مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى الْجِنَازَةِ عَنْ سِتَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ مَسْنُونَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. (٢)

_________

(١) حديث: " وتحليلها التسليم " أخرجه أبو داود (١ / ٤٩ ط عزت عبيد الدعاس) والترمذي (٢ / ٣ ط مصطفى الحلبي) وابن ماجه (١ / ٢٧٥ ط عيسى الحلبي) من حديث علي بن أبي طالب، وقال الترمذي حديث حسن.

(٢) غاية المنتهى ١ / ٢٤٣، وكشاف القناع ١ / ١١٦.

٢٤ - وَأَمَّا سُنَنُهَا فَتَفْصِيلُهَا كَمَا يَلِي:

الأُْولَى: قِيَامُ الإِْمَامِ بِحِذَاءِ صَدْرِ الْمَيِّتِ ذَكَرًا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْ أُنْثَى سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي حَوَاشِي الطَّحْطَاوِيِّ عَلَى الْمَرَاقِي مَا يَدُل عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ.

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَيْسَ لِصَلاَةِ الْجِنَازَةِ سُنَنٌ بَل لَهَا مُسْتَحَبَّاتٌ، مِنْهَا وُقُوفُ الإِْمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ حِذَاءَ وَسَطِ الرَّجُل، وَمَنْكِبَيْ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى.

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُمَا يَقُومَانِ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُل، وَعِنْدَ عَجُزِ الْمَرْأَةِ أَوِ الْخُنْثَى، وَقَال الْحَنَابِلَةُ: عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُل، وَوَسَطِ الأُْنْثَى، وَسُنَّ ذَلِكَ مِنْ خُنْثَى.

الثَّانِيَةُ: الثَّنَاءُ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الأُْولَى سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَلاَّل مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ اسْتِفْتَاحَ مِنْهُ وَلَكِنِ النَّقْل وَالْعَادَةُ أَنَّهُمْ يَسْتَفْتِحُونَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الاِفْتِتَاحِ.

وَقَال فِي " سَكْبِ الأَْنْهُرِ " الأَْوْلَى تَرْكُ: " وَجَل ثَنَاؤُكَ " إِلاَّ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ، وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: مُقْتَضَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حُصُول السُّنَّةِ بِأَيِّ صِيغَةٍ مِنْ صِيَغِ الْحَمْدِ.

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ ثَنَاءَ فِي التَّكْبِيرَةِ الأُْولَى، وَلَكِنِ ابْتِدَاءُ الدُّعَاءِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلاَةِ عَلَى

النَّبِيِّ ﷺ مَنْدُوبٌ، أَيْ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَال الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا: لاَ يَسْتَفْتِحُ.

وَجَاءَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ بِقَصْدِ الثَّنَاءِ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، وَقَال عَلِيٌّ الْقَارِي: يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ خُرُوجًا مِنَ الْخِلاَفِ (١) .

الثَّالِثَةُ: وَمِنَ السُّنَنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ صَل عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ إِلَى آخِرِهِ؛ لأَِنَّ تَقْدِيمَ الصَّلاَةِ عَلَى الدُّعَاءِ وَتَقْدِيمَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمَا سُنَّةٌ، قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ الدُّعَاءِ أَيْضًا، لِقَوْلِهِ ﵊: اجْعَلُونِي فِي أَوَّل الدُّعَاءِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ. (٢)

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ مَنْدُوبَةٌ عَقِبَ كُل تَكْبِيرَةٍ قَبْل الشُّرُوعِ فِي الدُّعَاءِ، بِأَنْ يَقُول: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ وَأَحْيَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ صَل عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آل إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، كَمَا يَدْعُو كَمَا

_________

(١) مراقي الفلاح ص ٣٤٠ وابن عابدين ١ / ٦١٠، ٦١٥، غاية المنتهى ١ / ٢٤١، والشرح الصغير ٢ / ٢٢٣.

(٢) حديث: " اجعلوني في أول الدعاء وأوسطه وآخره " أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد عن جابر وضعفه. (كنز العمال ١ / ٥٠٩ ط مكتبة التراث الإسلامي) .

سَيَأْتِي (١)، وَهِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ رُكْنٌ كَمَا مَرَّ.

٢٥ - الرَّابِعَةُ: وَمِنَ السُّنَنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ دُعَاءُ الْمُصَلِّي لِلْمَيِّتِ وَلِنَفْسِهِ (وَإِذَا دَعَا لِنَفْسِهِ قَدَّمَ نَفْسَهُ عَلَى الْمَيِّتِ لأَِنَّ مِنْ سُنَّةِ الدُّعَاءِ أَنْ يَبْدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ) وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّالِثَةِ، وَلاَ يَتَعَيَّنُ لِلدُّعَاءِ شَيْءٌ سِوَى كَوْنِهِ بِأُمُورِ الآْخِرَةِ، وَلَكِنْ إِنْ دَعَا بِالْمَأْثُورِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَهُوَ أَحْسَنُ وَأَبْلَغُ لِرَجَاءِ قَبُولِهِ.

فَمِنَ الْمَأْثُورِ مَا حَفِظَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى جِنَازَةٍ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَْبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ. (٢)

وَفِي الأَْصْل رِوَايَاتٌ أُخَرُ، مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ:

_________

(١) راجع لجميع ما في هذا الفصل الشرح الصغير في فقه المالكية، وشرح البهجة، والأم ومختصر المزني في فقه الشافعية، وغاية المنتهى والمقنع ونيل المآرب في فقه الحنابلة.

(٢) حديث: " اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله. . . " أخرجه مسلم (٢ / ٦٦٢ - ٦٦٣ ط عيسى الحلبي) من حديث عوف بن مالك.

﴿اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا. (١)

(وَزَادَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلاَّ النَّسَائِيُّ) اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِْسْلاَمِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِْيمَانِ (٢) . وَفِي رِوَايَةٍ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُ. (٣)

فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ صَغِيرًا فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُول: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا، وَاجْعَلْهُ لَنَا أَجْرًا وَذُخْرًا، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا وَمُشَفَّعًا مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ كَمَا هُوَ فِي مُتُونِ الْمَذْهَبِ، أَوْ بَعْدَ

_________

(١) حديث: " اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وذكرنا وأنثانا، وصغيرنا وكبيرنا ". أخرجه ابن ماجه (١ / ٤٨٠ ط عيسى الحلبي) والبيهقي (٤ / ٤١ ط دار المعرفة) وأبو داود (٣ / ٥٣٩ ط عزت عبيد الدعاس) والترمذي (٣ / ٣٣٤ - ٣٣٥ ط مصطفى الحلبي) من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

(٢) حديث: " اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام. . . " أخرجه الترمذي (٣ / ٣٣٥ ط مصطفى الحلبي) وابن ماجه (١ / ٤٨٠ ط عيسى الحلبي) قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٣ / ٣٣ ط دار الكتاب العربي) .

(٣) حديث: " اللهم من كان محسنا فزد في إحسانه. . . " أخرجه مالك في الموطأ (ص ١٨٢ - ١٨٣ ط دار الآفاق) موقوفا على أبي هريرة بإسناد صحيح وله شاهد مرفوع عند أبي يعلى. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٣ / ٣٣ ط دار الكتاب العربي) .

الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي حَوَاشِي الطَّحْطَاوِيِّ عَلَى الْمَرَاقِي وَغَيْرِهَا.

وَقَال الشَّوْكَانِيُّ: إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ طِفْلًا اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُول: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا سَلَفًا وَفَرَطًا وَأَجْرًا. (١)

وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لاَ يُحْسِنُ يَأْتِي بِأَيِّ دُعَاءٍ شَاءَ، وَقَال فِي الدُّرِّ: لاَ يَسْتَغْفِرُ فِيهَا لِصَبِيٍّ، وَمَجْنُونٍ، وَمَعْتُوهٍ؛ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ، وَلاَ يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُ: " وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا " لأَِنَّ الْمَقْصُودَ الاِسْتِيعَابُ.

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوِ اسْتَمَرَّ مَجْنُونًا قَال: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْهِ - إِلَخْ وَظَاهِرُهُ الاِقْتِصَارُ عَلَيْهِ.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ يَكُونُ بَدَل الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ لِلْبَالِغِينَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا، فَكَأَنَّ أَقْوَال الأَْرْبَعَةِ اتَّفَقَتْ فِي الدُّعَاءِ لِلصَّغِيرِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ. (٢)

الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ:

٢٦ - الدُّعَاءُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ رُكْنٌ، وَلَكِنْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَدْعُو عَقِبَ كُل تَكْبِيرَةٍ حَتَّى

_________

(١) حديث: " اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا " أخرجه البيهقي (٤ / ٩ - ١٠ ط دار المعرفة) موقوفا على أبي هريرة.

(٢) المصادر السابقة والطحطاوي على مراقي الفلاح ٣٤١، وابن عابدين ١ / ٦١٢، والهندية ١ / ١٦١.

الرَّابِعَةِ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ عِنْدَهُمْ لاَ يَجِبُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَقَل الدُّعَاءِ أَنْ يَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَأَحْسَنُهُ أَنْ يَدْعُوَ بِدُعَاءِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ أَنْ يَقُول: بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُ.

وَيَقُول فِي الْمَرْأَةِ: اللَّهُمَّ إِنَّهَا أَمَتُكَ وَبِنْتُ عَبْدِكَ وَبِنْتُ أَمَتِكَ، وَيَسْتَمِرُّ فِي الدُّعَاءِ الْمُتَقَدِّمِ بِصِيغَةِ التَّأْنِيثِ، وَيَقُول فِي الطِّفْل الذَّكَرِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ أَنْتَ خَلَقْتَهُ وَرَزَقْتَهُ، وَأَنْتَ أَمَتَّهُ وَأَنْتَ تُحْيِيهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لِوَالِدَيْهِ سَلَفًا وَذُخْرًا، وَفَرَطًا وَأَجْرًا، وَثَقِّل بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا، وَلاَ تَفْتِنَّا وَإِيَّاهُمَا بَعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ الْمُؤْمِنِينَ فِي كَفَالَةِ إِبْرَاهِيمَ وَيَزِيدُ فِي الْكَبِيرِ: وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَعَافِهِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ جَهَنَّمَ.

فَإِنْ كَانَ يُصَلِّي عَلَى ذَكَرٍ وَأُنْثَى مَعًا يُغَلِّبُ الذَّكَرَ عَلَى الأُْنْثَى فَيَقُول: إِنَّهُمَا عَبْدَاكَ وَابْنَا عَبْدَيْكَ وَابْنَا أَمَتَيْكَ. . . إِلَخْ.

وَكَذَا إِذَا كَانَ يُصَلِّي عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، فَإِنَّهُ يُغَلِّبُ الذُّكُورَ عَلَى الإِْنَاثِ فَيَقُول: اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ عَبِيدُكَ وَأَبْنَاءُ عَبِيدِكَ. . . إِلَخْ. فَإِنْ

كَانَ يُصَلِّي عَلَى نِسَاءٍ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنَّهُنَّ إِمَاؤُكَ، وَبَنَاتُ عَبِيدِكَ، وَبَنَاتُ إِمَائِكَ كُنَّ يَشْهَدْنَ. . إِلَخْ. وَيَزِيدُ عَلَى الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ فِي حَقِّ كُل مَيِّتٍ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَِسْلاَفِنَا، وَأَفْرَاطِنَا، وَمَنْ سَبَقَنَا بِالإِْيمَانِ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِْيمَانِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِْسْلاَمِ، وَاغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ. (١)

وَالْفَرْضُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَدْنَى دُعَاءٍ لِلْمَيِّتِ كَمَا تَقَدَّمَ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ. (٢)

وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّالِثَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلًا عَلَى طَلَبِ الْخَيْرِ لِلْمَيِّتِ الْحَاضِرِ، فَلَوْ دَعَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِغَيْرِ دُعَاءٍ لَهُ لاَ يَكْفِي، إِلاَّ إِذَا كَانَ صَبِيًّا، فَإِنَّهُ يَكْفِي كَمَا يَكْفِي الدُّعَاءُ لِوَالِدَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ بِهِ أَمْرًا أُخْرَوِيًّا كَطَلَبِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، وَلاَ يَتَقَيَّدُ

_________

(١) الفقه على المذاهب الأربعة ١ / ٤٠٣، والشرح الصغير ١ / ٢٢٥، ٢٢٦، وقد عد فيه الدعاء من الأركان وكذا النية والتكبيرات والتسليمة الواحدة والقيام لها

(٢) حديث: " إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء " أخرجه أبو داود (٣ / ٥٣٨ ط عزت عبيد الدعاس) وابن ماجه (١ / ٤٨٠ ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة حسنه السيوطي (فيض القدير ١ / ٣٩٣ ط المكتبة التجارية) ووافقه المناوي. قال ابن حجر: فيه محمد بن إسحاق وقد عنعن لكن أخرجه ابن حبان (٥ / ٣١ ط دار الكتب العلمية) من طريقين آخرين مصرحا بالسماع أ. هـ من تلخيص الحبير ٢ / ١٢٢ ط شركة الطباعة الفنية.

الْمُصَلِّي فِي الدُّعَاءِ بِصِيغَةٍ خَاصَّةٍ، وَالأَْفْضَل أَنْ يَدْعُوَ بِالدُّعَاءِ الْمَشْهُورِ الَّذِي انْتَخَبَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ مَجْمُوعِ أَحَادِيثَ وَهُوَ: اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدَيْكَ، خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا وَسِعَتِهَا، وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ فِيهَا إِلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لاَقِيهِ، كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ إِنَّهُ نَزَل بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ، وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إِلَى رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إِلَيْكَ شُفَعَاءَ لَهُ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِكَ رِضَاكَ وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَجَافِ الأَْرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِكَ الأَْمْنَ مِنْ عَذَابِكَ حَتَّى تَبْعَثَهُ آمِنًا إِلَى جَنَّتِكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. (١)

٢٧ - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُول قَبْلَهُ: الدُّعَاءَ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِْسْلاَمِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِْيمَانِ، اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ. (٢)

_________

(١) حديث: " اللهم هذا عبدك وابن عبديك خرج من روح الدنيا. . . " لم نعثر عليه في المصادر الحديثية التي بين أيدينا.

(٢) حديث: " اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا. . . " سبق تخريجه (ف ٢٥) .