الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٦ الصفحة 6

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٦

أَبِي يُوسُفَ) وَلَوْ رُفِعَتْ بِالأَْيْدِي وَلَمْ تُوضَعْ عَلَى الأَْكْتَافِ ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لاَ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ إِنْ كَانَتْ إِلَى الأَْرْضِ أَقْرَبُ يُكَبِّرُ وَإِلاَّ فَلاَ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّل عَلَيْهِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلاَلِيَّةِ.

هَذَا إِذَا كَانَ غَائِبًا ثُمَّ حَضَرَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ حَاضِرًا مَعَ الإِْمَامِ فَتَغَافَل وَلَمْ يُكَبِّرْ مَعَ الإِْمَامِ أَوْ تَشَاغَل بِالنِّيَّةِ فَأَخَّرَ التَّكْبِيرَ، فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ وَلاَ يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَةَ الإِْمَامِ الثَّانِيَةَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لأَِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُسْتَعِدًّا جُعِل كَالْمُشَارِكِ (١) .

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا جَاءَ وَالإِْمَامُ مُشْتَغِلٌ بِالدُّعَاءِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُكَبِّرَ حَتَّى إِذَا كَبَّرَ الإِْمَامُ كَبَّرَ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِرْ وَكَبَّرَ صَحَّتْ صَلاَتُهُ وَلَكِنْ لاَ تُحْتَسَبُ تَكْبِيرَتُهُ هَذِهِ، سَوَاءٌ انْتَظَرَ أَوْ لَمْ يَنْتَظِرْ، وَإِذَا سَلَّمَ الإِْمَامُ قَضَى الْمَأْمُومُ مَا فَاتَهُ مِنَ التَّكْبِيرِ سَوَاءٌ رُفِعَتِ الْجِنَازَةُ فَوْرًا أَوْ بَقِيَتْ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا بَقِيَتِ الْجِنَازَةُ دَعَا عَقِبَ كُل تَكْبِيرَةٍ يَقْضِيهَا، وَإِنْ رُفِعَتْ فَوْرًا وَالَى التَّكْبِيرَ وَلاَ يَدْعُو لِئَلاَّ يَكُونَ مُصَلِّيًا عَلَى غَائِبٍ، وَالصَّلاَةُ عَلَى الْغَائِبِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ عِنْدَهُمْ، أَمَّا إِذَا كَانَ الإِْمَامُ وَمَنْ مَعَهُ قَدْ فَرَغُوا مِنَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ فَلاَ يَدْخُل الْمَسْبُوقُ مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأَِنَّهُ فِي حُكْمِ التَّشَهُّدِ، فَلَوْ دَخَل مَعَهُ يَكُونُ مُكَرِّرًا الصَّلاَةَ

_________

(١) الهندية ١ / ١٦٢، وابن عابدين مع الدر ١ / ٦١٣، ٦١٤.

عَلَى الْمَيِّتِ وَتَكْرَارُهَا مَكْرُوهٌ عِنْدَهُمْ. (١)

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا جَاءَ الْمَأْمُومُ وَقَدْ فَرَغَ الإِْمَامُ مِنَ التَّكْبِيرَةِ الأُْولَى أَوْ غَيْرِهَا، وَاشْتَغَل بِمَا بَعْدَهَا مِنْ قِرَاءَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنَّهُ يَدْخُل مَعَهُ وَلاَ يَنْتَظِرُ الإِْمَامَ حَتَّى يُكَبِّرَ التَّكْبِيرَةَ التَّالِيَةَ، إِلاَّ أَنَّهُ يَسِيرُ فِي صَلاَتِهِ عَلَى نَظْمِ الصَّلاَةِ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا، فَبَعْدَ أَنْ يُكَبِّرَ التَّكْبِيرَةَ الأُْولَى يَقْرَأُ مِنَ الْفَاتِحَةِ مَا يُمْكِنُهُ قِرَاءَتُهُ قَبْل تَكْبِيرِ الإِْمَامِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْبَاقِي، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا، فَإِذَا فَرَغَ الإِْمَامُ أَتَمَّ الْمَأْمُومُ صَلاَتَهُ عَلَى النَّظْمِ الْمَذْكُورِ، وَيَأْتِي بِالأَْذْكَارِ فِي مَوَاضِعِهَا، سَوَاءٌ بَقِيَتِ الْجِنَازَةُ أَوْ رُفِعَتْ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنَ الْفَاتِحَةِ إِنْ كَبَّرَ إِمَامُهُ عَقِبَ تَكْبِيرِ الْمَسْبُوقِ لِلإِْحْرَامِ كَبَّرَ مَعَهُ وَتَحَمَّل الإِْمَامُ عَنْهُ كُل الْفَاتِحَةِ.

وَفِي التَّنْبِيهِ: مَنْ سَبَقَهُ الإِْمَامُ بِبَعْضِ التَّكْبِيرَاتِ دَخَل فِي الصَّلاَةِ وَأَتَى بِمَا أَدْرَكَ، فَإِذَا سَلَّمَ الإِْمَامُ كَبَّرَ مَا بَقِيَ مُتَوَالِيًا. (٢)

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: مَنْ سُبِقَ بِبَعْضِ الصَّلاَةِ كَبَّرَ وَدَخَل مَعَ الإِْمَامِ حَيْثُ أَدْرَكَهُ وَلَوْ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ نَدْبًا كَالصَّلاَةِ، أَوْ كَانَ إِدْرَاكُهُ لَهُ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ قَبْل السَّلاَمِ، فَيُكَبِّرُ لِلإِْحْرَامِ مَعَهُ وَيَقْضِي ثَلاَثَ تَكْبِيرَاتٍ اسْتِحْبَابًا، وَيَقْضِي

_________

(١) الشرح الصغير ١ / ٢٢٤.

(٢) التنبيه ص ٣٨.

مَسْبُوقٌ مَا فَاتَهُ قَبْل دُخُولِهِ مَعَ الإِْمَامِ عَلَى صِفَتِهِ؛ لأَِنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الأَْدَاءَ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَيَكُونُ قَضَاؤُهُ بَعْدَ سَلاَمِ الإِْمَامِ كَالْمَسْبُوقِ فِي الصَّلاَةِ.

قَال الْبُهُوتِيُّ: قُلْتْ: لَكِنْ إِنْ حَصَل لَهُ عُذْرٌ يُبِيحُ تَرْكَ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ صَحَّ أَنْ يَنْفَرِدَ وَيُتِمَّ لِنَفْسِهِ قَبْل سَلاَمِهِ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ فِي الدُّعَاءِ تَابَعَهُ فِيهِ، فَإِذَا سَلَّمَ الإِْمَامُ كَبَّرَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ بَعْدَ التَّعَوُّذِ وَالْبَسْمَلَةِ، ثُمَّ كَبَّرَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَلَّمَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَقْضِيَّ أَوَّل صَلاَتِهِ، فَيَأْتِي فِيهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا (١)

وَإِنَّمَا يَظْهَرُ إِذَا كَانَ الدُّعَاءُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ أَوْ بَعْدَ الثَّالِثَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا لِنَوْمٍ أَوْ سَهْوٍ وَنَحْوِهِ. وَإِلاَّ لَزِمَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ، وَتَرْكُهَا أَفْضَل. فَإِنْ كَانَ أَدْرَكَهُ فِي الدُّعَاءِ وَكَبَّرَ الأَْخِيرَةَ مَعَهُ فَإِذَا سَلَّمَ الإِْمَامُ كَبَّرَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَصَلَّى عَلَيْهِ ﷺ ثُمَّ سَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ؛ لأَِنَّ الأَْرْبَعَ تَمَّتْ. (٢)

وَإِنْ كَبَّرَ مَعَ الإِْمَامِ التَّكْبِيرَةَ الأُْولَى وَلَمْ يُكَبِّرِ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ يُكَبِّرُهُمَا، ثُمَّ يُكَبِّرُ مَعَ الإِْمَامِ الرَّابِعَةَ.

_________

(١) حديث: " وما فاتكم فأتموا. . . " أخرجه مسلم (١ / ٤٢٠ - ٤٢١ ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة.

(٢) غاية المنتهى ١ / ٢٤٣ - ٢٤٤، وكشاف القناع ٢ / ١٢٠.

تَرْكُ بَعْضِ التَّكْبِيرَاتِ:

٣٣ - وَلَوْ سَلَّمَ الإِْمَامُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ نَاسِيًا كَبَّرَ الرَّابِعَةَ وَيُسَلِّمُ. (١)

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ تَرَكَ غَيْرُ مَسْبُوقٍ تَكْبِيرَةً عَمْدًا بَطَلَتْ، وَإِنْ تَرَكَ سَهْوًا فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا كَبَّرَهَا مَا لَمْ يَطُل الْفَصْل (أَيْ بَعْدَ السَّلاَمِ)، وَإِنْ كَانَ إِمَامًا نَبَّهَهُ الْمَأْمُومُونَ فَيُكَبِّرُهَا مَا لَمْ يَطُل الْفَصْل، وَصَحَّتْ صَلاَةُ الْجَمِيعِ، فَإِنْ طَال أَوْ وُجِدَ مُنَافٍ اسْتَأْنَفَ، وَصَحَّتْ صَلاَةُ الْمَأْمُومِينَ إِنْ نَوَوُا الْمُفَارَقَةَ.

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: تَبْطُل صَلاَةُ الْجَمِيعِ إِنْ كَانَ النَّقْصُ قَصْدًا مِنَ الإِْمَامِ، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا تَدَارَكَهُ الإِْمَامُ وَالْمَأْمُومُ كَالصَّلاَةِ، وَلاَ سُجُودَ لِلسَّهْوِ هُنَا.

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَانَ النَّقْصُ مِنَ الإِْمَامِ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلاَةُ الْجَمِيعِ، وَإِنْ سَهْوًا سَبَّحَ لَهُ الْمَأْمُومُونَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ قُرْبٍ وَكَمَّل التَّكْبِيرَ كَمَّلُوهُ مَعَهُ وَصَحَّتْ صَلاَةُ الْجَمِيعِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ أَوْ لَمْ يَتَنَبَّهْ إِلاَّ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ كَمَّلُوا هُمْ، وَصَحَّتْ صَلاَتُهُمْ وَبَطَلَتْ صَلاَتُهُ. (٢)

الصَّلاَةُ عَلَى جَنَائِزَ مُجْتَمِعَةٍ:

٣٤ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ

_________

(١) ابن عابدين ١ / ٦١٣.

(٢) غاية المنتهى ١ / ٢٤٢، وشرح البهجة ٢ / ١١٣، والدسوقي على الشرح الكبير ١ / ٤١١.

يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ مُجْتَمِعِينَ أَوْ فُرَادَى ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: فَالإِْمَامُ إِنْ شَاءَ صَلَّى عَلَى كُل وَاحِدَةٍ عَلَى حِدَةٍ، وَإِنْ شَاءَ صَلَّى عَلَى الْكُل دَفْعَةً وَاحِدَةً بِالنِّيَّةِ عَلَى الْجَمِيعِ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالْبَدَائِعِ، وَفِي الدُّرِّ: إِفْرَادُ الصَّلاَةِ عَلَى كُل وَاحِدَةٍ أَوْلَى مِنَ الْجَمْعِ (لأَِنَّ الْجَمْعَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ) فَإِذَا أَفْرَدَ يُصَلِّي عَلَى أَفْضَلِهِمْ أَوَّلًا، ثُمَّ عَلَى الَّذِي يَلِيهِ فِي الْفَضْل إِنْ لَمْ يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ، وَإِلاَّ يُصَلِّي عَلَى الأَْسْبَقِ أَوَّلًا وَلَوْ كَانَ مَفْضُولًا.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الإِْفْرَادَ أَفْضَل مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَِنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَرْجَى لِلْقَبُول.

وَقَال الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْل صَاحِبِ التَّنْبِيهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ فَجَمْعُهُمْ فِي الصَّلاَةِ عَلَيْهِمْ أَفْضَل مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُنْفَرِدًا، وَذَلِكَ لأَِجْل الْمُحَافَظَةِ عَلَى الإِْسْرَاعِ وَالتَّخْفِيفِ. (١)

ثُمَّ قَال الْحَنَفِيَّةُ إِنْ صَلَّى عَلَيْهِمْ دَفْعَةً فَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُمْ صَفًّا وَاحِدًا عَرْضًا، وَإِنْ شَاءَ وَضَعَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ لِيَقُومَ بِحِذَاءِ الْكُل، هَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الأُْصُول أَنَّ الثَّانِيَ أَوْلَى؛ لأَِنَّ السُّنَّةَ هِيَ قِيَامُ الإِْمَامِ

_________

(١) كشاف القناع ٢ / ١١٢، والمجموع للنووي ٥ / ٢٢٥، ٢٢٦، والزرقاني على الموطأ ٢ / ٦٤.

بِحِذَاءِ الْمَيِّتِ، وَهُوَ يَحْصُل فِي الثَّانِي دُونَ الأَْوَّل، فَإِذَا صَفَّهُمْ صَفًّا وَاحِدًا عَرْضًا قَامَ عِنْدَ أَفْضَلِهِمْ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي الْفَضْل، وَإِنْ تَسَاوَوْا قَامَ عِنْدَ أَسَنِّهِمْ، (أَكْبَرِهِمْ سِنًّا) .

وَقَال مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا إِنْ جُعِل بَعْضُهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ، أَوْ جُعِلُوا صَفًّا وَاحِدًا، وَيَقُومُ الإِْمَامُ وَسْطَ ذَلِكَ وَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ. وَإِنْ كَانُوا غِلْمَانًا ذُكُورًا أَوْ نِسَاءً جُعِل الْغِلْمَانُ مِمَّا يَلِي الإِْمَامَ وَالنِّسَاءُ مِنْ خَلْفِهِمْ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، وَإِنْ كُنَّ نِسَاءً صُنِعَ بِهِنَّ كَمَا يُصْنَعُ بِالرِّجَال كُل ذَلِكَ وَاسِعٌ بَعْضُهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ صَفًّا وَاحِدًا.

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ - فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ - وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْجَنَائِزَ تُوضَعُ أَمَامَ الإِْمَامِ بَعْضَهَا خَلْفَ بَعْضٍ، وَالْقَوْل الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهَا تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ الإِْمَامِ صَفًّا وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ فَيَقِفُ هُوَ فِي مُحَاذَاةِ الآْخِرِ مِنْهُمْ، فَإِنْ كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً يَتَعَيَّنُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْقَوْل الأَْوَّل. (١)

وَإِنْ وُضِعُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَفْضَلُهُمْ مِمَّا يَلِي الإِْمَامَ، كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُوضَعُ أَفْضَلُهُمْ وَأَسَنُّهُمْ مِمَّا يَلِي الإِْمَامَ، وَقَال أَبُو يُوسُفَ: الأَْحْسَنُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ أَهْل الْفَضْل مِمَّا يَلِي الإِْمَامَ.

ثُمَّ إِنْ وُضِعَ رَأْسُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحِذَاءِ رَأْسِ صَاحِبِهِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ وُضِعَ شِبْهَ الدَّرَجِ كَمَا

_________

(١) المجموع ٥ / ٢٢٦، وغاية المنتهى ١ / ٢٤١، والأم ١ / ٢٤٤، وشرح البهجة ١ / ١٠٨.

قَال ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الثَّانِي عِنْدَ مَنْكِبِ الأَْوَّل فَحَسَنٌ أَيْضًا، كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (١) .

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُوضَعُ بَعْضُهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ لِيُحَاذِيَ الإِْمَامُ الْجَمْعَ.

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحِذَاءِ رَأْسِ صَاحِبِهِ إِنْ كَانُوا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ نَوْعٍ سَوَّى بَيْنَ رُءُوسِ كُل نَوْعٍ وَيَجْعَل وَسَطَ الْمَرْأَةِ حِذَاءَ صَدْرِ الرَّجُل. (٢)

وَتَرْتِيبُهُمْ فِي الْوَضْعِ عِنْدَ اخْتِلاَفِ النَّوْعِ لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، فَتُوضَعُ الرِّجَال مِمَّا يَلِي الإِْمَامَ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ الْخَنَاثَى، ثُمَّ النِّسَاءُ، ثُمَّ الْمُرَاهِقَاتُ. وَلَوْ كَانَ الْكُل رِجَالًا يُوضَعُ أَفْضَلُهُمْ وَأَسَنُّهُمْ مِمَّا يَلِي الإِْمَامَ. (٣)

وَهَذَا إِنْ جِيءَ بِهِمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَإِنْ جِيءَ بِهِمْ مُتَعَاقِبِينَ وَكَانُوا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ يُقَدَّمُ الأَْسْبَقُ.

وَقَال مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إِنْ افْتَتَحَ الْمُصَلِّي الصَّلاَةَ عَلَى جِنَازَةٍ فَكَبَّرَ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى وُضِعَتْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ

_________

(١) البدائع ١ / ٣١٦، وابن عابدين ١ / ٦١٥، والهندية ١ / ١٦٢.

(٢) كشاف القناع ٢ / ١١٢، والمجموع ٥ / ٢٢٦، ومغني المحتاج ١ / ٣٤٨.

(٣) الهندية ١ / ١٦٢، والمراجع السابقة في المذاهب.

الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا؛ لأَِنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ يَنْوِي بِهَا غَيْرَ هَذِهِ الْجِنَازَةِ الْمُؤَخَّرَةِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ الْمُؤَخَّرَةِ. (١)

وَإِذَا كَبَّرَ الإِْمَامُ عَلَى جِنَازَةٍ فَجِيءَ بِأُخْرَى مَضَى عَلَى صَلاَتِهِ عَلَى الأُْولَى، فَإِذَا فَرَغَ اسْتَأْنَفَ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمَّا وَضَعُوا الثَّانِيَةَ كَبَّرَ الأُْخْرَى يَنْوِيهِمَا فَهِيَ لِلأُْولَى أَيْضًا، وَلاَ يَكُونُ لِلثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَبَّرَ الثَّانِيَةَ يَنْوِي الثَّانِيَةَ وَحْدَهَا فَهِيَ لِلثَّانِيَةِ وَقَدْ خَرَجَ مِنَ الأُْولَى، فَإِذَا فَرَغَ أَعَادَ الصَّلاَةَ عَلَى الأُْولَى وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ. (٢)

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَوْ كَبَّرَ فَجِيءَ بِأُخْرَى كَبَّرَ ثَانِيَةً وَنَوَاهُمَا، فَإِنْ جِيءَ بِثَالِثَةٍ كَبَّرَ ثَالِثَةً وَنَوَى الْجَنَائِزَ الثَّلاَثَ، فَإِنْ جِيءَ بِرَابِعَةٍ كَبَّرَ رَابِعَةً وَنَوَى الْكُل، فَيَصِيرُ مُكَبِّرًا عَلَى الأُْولَى أَرْبَعًا وَعَلَى الثَّانِيَةِ ثَلاَثًا، وَعَلَى الثَّالِثَةِ اثْنَتَيْنِ، وَعَلَى الرَّابِعَةِ وَاحِدَةً، فَيَأْتِي بِثَلاَثِ تَكْبِيرَاتٍ أُخَرَ، فَيُتِمُّ التَّكْبِيرَاتِ سَبْعًا، يَقْرَأُ فِي خَامِسَةٍ وَيُصَلِّي (عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بِسَادِسَةٍ، وَيَدْعُو بِسَابِعَةٍ، فَيَصِيرُ مُكَبِّرًا عَلَى الأُْولَى سَبْعًا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ سِتًّا، وَعَلَى الثَّالِثَةِ خَمْسًا، وَعَلَى الرَّابِعَةِ أَرْبَعًا.

فَإِنْ جِيءَ بِخَامِسَةٍ لَمْ يَنْوِهَا بَل يُصَلِّي عَلَيْهَا

_________

(١) الأم ١ / ٢٤٤، والشرح الصغير ١ / ٢٢٨، والمدونة ١ / ١٦٤.

(٢) الهندية ١ / ١٦٢، والبدائع ١ / ٣١٤، ٣١٦.

بَعْدَ سَلاَمِهِ، وَكَذَا لَوْ جِيءَ بِثَانِيَةٍ عَقِبَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ السَّبْعِ أَرْبَعٌ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ. (١)

٣٥ - وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى النِّسَاءُ جَمَاعَةً عَلَى جِنَازَةٍ قَامَتِ الَّتِي تَؤُمُّ وَسْطَهُنَّ كَمَا فِي الصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ الْمَعْهُودَةِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لاَ تُصَلِّي النِّسَاءُ جَمَاعَةً، بَل يُصَلِّينَ فُرَادَى فِي آنٍ وَاحِدٍ؛ لأَِنَّهُنَّ لَوْ صَلَّيْنَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ لَزِمَ تَكْرَارُ الصَّلاَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُمْ. (٢)

الْحَدَثُ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ:

٣٦ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الإِْمَامُ عَلَى غَيْرِ الطَّهَارَةِ تُعَادُ الصَّلاَةُ، وَإِنْ كَانَ الإِْمَامُ عَلَى طَهَارَةٍ وَالْقَوْمُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ صَحَّتْ صَلاَةُ الإِْمَامِ وَلاَ تُعَادُ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ. وَقَال الشَّافِعِيُّ: لَوْ صَلَّى الإِْمَامُ غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ وَمَنْ خَلْفَهُ مُتَوَضِّئُونَ أَجْزَأَتْ صَلاَتُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ مُتَوَضِّئِينَ أَعَادُوا، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ ثَلاَثَةٌ فَصَاعِدًا مُتَوَضِّئُونَ أَجْزَأَتْ.

وَقَال مَالِكٌ: إِذَا أَحْدَثَ إِمَامُ الْجِنَازَةِ يَأْخُذُ

_________

(١) غاية المنتهى وقد تصرفنا في العبارة بإيضاحها ١ / ٢٤٣، ٢٤٤.

(٢) البدائع ١ / ٣١٤، والأم ١ / ٢٤٤، والشرح الصغير ١ / ٤٤٥.

بِيَدِ رَجُلٍ فَيُقَدِّمُهُ فَيُكَبِّرُ مَا بَقِيَ عَلَى هَذَا الَّذِي قَدَّمَهُ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَصَلَّى مَا أَدْرَكَ وَقَضَى مَا فَاتَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ذَلِكَ (١) .

وَلَوْ أَحْدَثَ الإِْمَامُ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ فَقَدَّمَ غَيْرَهُ جَازَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِذَا عَادَ بَعْدَ التَّوَضُّؤِ بَنَى عَلَى صَلاَتِهِ وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَقَال الشَّافِعِيُّ: إِنْ أَحْدَثَ الإِْمَامُ انْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ وَكَبَّرَ مَنْ خَلْفَهُ مَا بَقِيَ مِنَ التَّكْبِيرِ فُرَادَى لاَ يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ. (٢)

الصَّلاَةُ عَلَى الْقَبْرِ:

٣٧ - لَوْ دُفِنَ الْمَيِّتُ قَبْل الصَّلاَةِ أَوْ قَبْل الْغُسْل فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ تَمَزَّقَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ. (٣)

وَقَال مَالِكٌ: لاَ يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ، وَفِي مُقَدِّمَاتِ ابْنِ رُشْدٍ إِنْ دُفِنَ قَبْل أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ أُخْرِجَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ فَاتَ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ، وَقِيل: إِنَّهُ إِنْ فَاتَ لَمْ يُصَل عَلَيْهِ لِئَلاَّ يَكُونَ ذَرِيعَةً لِلصَّلاَةِ عَلَى الْقُبُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ.

_________

(١) الهندية ١ / ١٦٢، والبدائع ١ / ٣١٦، والأم ١ / ١٤٤، والمدونة ١ / ١٧١.

(٢) المراجع السابقة.

(٣) الشرح الصغير ١ / ٤٤٥، وغاية المنتهى ١ / ٢٤٠، والبدائع ١ / ٣١٤.