الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٦
﴿وَمَا أُهِّل لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ. . .﴾ (١) قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: قَال لِي وَهْبٌ: اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْخُلَفَاءِ عَيْنًا وَأَرَادَ إِجْرَاءَهَا وَذَبَحَ لِلْجِنِّ عَلَيْهَا لِئَلاَّ يُغَوِّرُوا مَاءَهَا فَأَطْعَمَ ذَلِكَ نَاسًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ شِهَابٍ، فَقَال: أَمَّا إِنَّهُ قَدْ ذَبَحَ مَا لَمْ يَحِل لَهُ، وَأَطْعَمَ النَّاسَ مَا لاَ يَحِل لَهُمْ. (٢) فَقَدْ نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَبَائِحِ الْجِنِّ (٣) .
الأَْذْكَارُ الَّتِي يُعْتَصَمُ بِهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ مَرَدَةِ الْجِنِّ وَيُسْتَدْفَعُ بِهَا شَرُّهُمْ:
١٥ - وَذَلِكَ فِي عَشَرَةِ حُرُوزٍ - كَمَا قَال صَاحِبُ الآْكَامِ -
أَحَدُهَا: الاِسْتِعَاذَةُ بِاللَّهِ مِنَ الْجِنِّ، قَال تَعَالَى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (٤)، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (٥) وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَجُلَيْنِ اسْتَبَّا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُ أَحَدِهِمَا فَقَال ﷺ: إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ
_________
(١) سورة المائدة / ٣.
(٢) آكام المرجان ٧٨ وما بعدها، والأشباه والنظائر لابن نجيم ٣٢٩، والفروع ١ / ٦٠٩، ٦١٠.
(٣) حديث: " نهى عن ذبائح الجن ". أخرجه البيهقي (٩ / ٣١٤ - ط دائرة المعارف العثمانية) عن الزهري به مرسلا، وإسناده ضعيف لإرساله.
(٤) سورة فصلت / ٣٦.
(٥) سورة الأعراف / ٢٠٠.
مَا يَجِدُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (١) .
الثَّانِي: قِرَاءَةُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ. فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجَانِّ وَعَيْنِ الإِْنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا (٢) .
الثَّالِثُ: قِرَاءَةُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ. فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: وَكَّلَنِي رَسُول اللَّهِ ﷺ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَل يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ. فَقَال: أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ. قُلْتُ: مَا هِيَ؟ قَال: إِذَا آوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ هَذِهِ الآْيَةَ: ﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ (٣) . . . حَتَّى خَتَمَ الآْيَةَ فَإِنَّهُ لَنْ يَزَال عَلَيْكَ حَافِظٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: مَا فَعَل أَسِيرُكَ اللَّيْلَةَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ عَلَّمَنِي شَيْئًا زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْفَعُنِي بِهِ. قَال: وَمَا هُوَ؟ قَال: أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ إِذَا آوَيْتُ إِلَى فِرَاشِي، زَعَمَ أَنَّهُ لاَ يَقْرَبُنِي حَتَّى أُصْبِحَ،
_________
(١) حديث: " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد " أخرجه البخاري (الفتح ١٠ / ٥١٨ - ط السلفية) ومسلم (٤ / ٢٠١٥ - ط الحلبي) عن سليمان بن صرد.
(٢) حديث: " كان يتعوذ من الجان وعين الإنسان ". أخرجه الترمذي (٤ / ٣٩٥ - ط الحلبي) وحسنه.
(٣) سورة البقرة / ٢٥٥.
وَلاَ يَزَال عَلَيَّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى حَافِظٌ. فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ الشَّيْطَانُ (١) .
الرَّابِعُ: قِرَاءَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ (٢) .
الْخَامِسُ: خَاتِمَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَْنْصَارِيِّ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَنْ قَرَأَ الآْيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ (٣) وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ أَنْزَل مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلاَ يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلاَثَ لَيَالٍ فَيَقَرُّ بِهَا شَيْطَانٌ (٤) .
_________
(١) حديث: " ما فعل أسيرك الليلة ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٤٨٧، ٦ / ٣٣٥ - ط السلفية) .
(٢) حديث: " لا تجعلوا بيوتكم مقابر. إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ". أخرجه مسلم (١ / ٥٣٩ - ط الحلبي) .
(٣) حديث: " من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٥٥ - ط السلفية) .
(٤) حديث: " إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض ". أخرجه الترمذي (٥ / ١٦٠ - ط الحلبي) والحاكم (٢ / ٢٦٠ - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
السَّادِسُ: أَوَّل سُورَةِ حم الْمُؤْمِنِ (غَافِرٍ) - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ (١)، مَعَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَنْ قَرَأَ حم الْمُؤْمِنِ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُمْسِيَ، وَمَنْ قَرَأَهُمَا حِينَ يُمْسِي حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُصْبِحَ (٢) .
السَّابِعُ: " لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ " مِائَةَ مَرَّةٍ. فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: مَنْ قَال لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عِدْل عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَل مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِل أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ (٣) .
الثَّامِنُ: كَثْرَةُ ذِكْرِ اللَّهِ ﷿، فَعَنِ
_________
(١) سورة غافر / ١ - ٢.
(٢) حديث: " من قرأ حم المؤمن ". أخرجه الترمذي (٥ / ١٥٨ - ط الحلبي) وقال: هذا حديث غريب، وقد تكلم بعض أهل العلم في عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة المليكي من قبل حفظه.
(٣) حديث: " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له. . ". أخرجه البخاري (الفتح ١١ / ٢٠١ - ط السلفية) ومسلم (٤ / ٢٠٧١ - ط الحلبي) .
الْحَارِثِ الأَْشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا ﵇ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَل بِهَا وَيَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا فَقَال عِيسَى: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِتَعْمَل بِهَا، وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، فَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ، وَإِمَّا أَنَا آمُرُهُمْ فَقَال يَحْيَى ﵇: أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ أُعَذَّبَ. فَجَمَعَ النَّاسَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَامْتَلأَ الْمَسْجِدُ وَقَعَدُوا عَلَى الشُّرَفِ. فَقَال: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَل بِهِنَّ وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ. أَوَّلُهُنَّ: أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَإِنَّ مَثَل مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ كَمِثْل رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ، فَقَال: هَذِهِ دَارِي وَهَذَا عَمَلِي فَاعْمَل وَأَدِّ إِلَيَّ فَكَانَ يَعْمَل وَيُؤَدِّي إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ، فَأَيُّكُمْ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ؟ وَأَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاَةِ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلاَ تَلْتَفِتُوا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْصِبُ وَجْهَهُ بِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلاَتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ فَإِنَّ مَثَل ذَلِكَ كَمِثْل رَجُلٍ فِي عِصَابَةٍ مَعَهُ صُرَّةٌ فِيهَا مِسْكٌ فَكُلُّهُمْ يُعْجَبُ أَوْ يُعْجِبُهُ رِيحُهَا، وَإِنَّ رِيحَ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ مَثَل ذَلِكَ
كَمِثْل رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَأَوْثَقُوا يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَقَال: أَنَا أَفْدِيهِ مِنْكُمْ بِالْقَلِيل وَالْكَثِيرِ فَفَدَى نَفْسَهُ مِنْهُمْ. وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى، فَإِنَّ مَثَل ذَلِكَ كَمَثَل رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ الْعَبْدُ لاَ يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلاَّ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. . . . (١) الْحَدِيثَ.
التَّاسِعُ الْوُضُوءُ: وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُتَحَرَّزُ بِهِ لاَ سِيَّمَا عِنْدَ ثَوَرَانِ قُوَّةِ الْغَضَبِ وَالشَّهْوَةِ فَإِنَّهَا نَارٌ تَغْلِي فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: أَلاَ وَإِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، أَمَا رَأَيْتُمْ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ، فَمَنْ أَحَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَلْصَقْ بِالأَْرْضِ (٢) وَقَال ﷺ: إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ (٣) .
_________
(١) حديث: " إن الله أمر يحيى بن زكريا. . . ". أخرجه الترمذي (٥ / ١٤٨ - ١٤٩ - ط الحلبي) من حديث الحارث الأشعري وقال: (حسن صحيح) .
(٢) حديث: " ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم. . . . " أخرجه الترمذي (٤ / ٤٨٤ - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري. وأعله المباركفوري بضعف أحد رواته في تحفة الأحوذي (٦ / ٤٣٢ - ط السلفية) .
(٣) حديث: " إن الغضب من الشيطان ". أخرجه أبو داود (٥ / ١٤١ - تحقيق عزت عبيد دعاس) وفي إسناده جهالة.
الْعَاشِرُ: إِمْسَاكُ فُضُول النَّظَرِ وَالْكَلاَمِ وَالطَّعَامِ وَمُخَالَطَةِ النَّاسِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يَتَسَلَّطُ عَلَى ابْنِ آدَمَ مِنْ هَذِهِ الأَْبْوَابِ الأَْرْبَعَةِ، (١) فَفِي مُسْنَدِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، مَنْ تَرَكَهَا مِنْ مَخَافَتِي أَبْدَلْتُهُ إِيمَانًا يَجِدُ لَهُ حَلاَوَةً فِي قَلْبِهِ (٢) .
وَزَادَ الإِْمَامُ النَّوَوِيُّ الأَْذَانَ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سُهَيْل بْنِ أَبِي صَالِحٍ أَنَّهُ قَال: أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى بَنِي حَارِثَةَ وَمَعِي غُلاَمٌ لَنَا أَوْ صَاحِبٌ لَنَا، فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ حَائِطٍ بِاسْمِهِ، وَأَشْرَفَ الَّذِي مَعِي عَلَى الْحَائِطِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأَِبِي، فَقَال: لَوْ شَعَرْتَ أَنَّكَ تَلْقَى هَذَا لَمْ أُرْسِلْكَ، وَلَكِنْ إِذَا سَمِعْتَ صَوْتًا فَنَادِ بِالصَّلاَةِ. فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاَةِ وَلَّى وَلَهُ حُصَاصٌ (٣) كَمَا أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْقُرْآنِ
_________
(١) آكام المرجان ٩٥ وما بعدها ط دار الطباعة الحديثة.
(٢) حديث: " النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من مخافتي أبدلته إيمانا يجد له حلاوته في قلبه ". ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٨ / ٦٣ - ط القدسي) وقال: رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن إسحاق الواسطي، وهو ضعيف.
(٣) حديث: " إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولى وله حصاص " أخرجه مسلم (١ / ٢٩١ - ط الحلبي) .
يَعْصِمُ مِنَ الشَّيَاطِينِ. (١) قَال تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآْخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا﴾ (٢) .
_________
(١) الأذكار للنووي ١١٤، ١١٥ ط مصطفى الحلبي.
(٢) سورة الإسراء / ٤٥.
جُنُونٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْجُنُونُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ جُنَّ الرَّجُل بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُول، فَهُوَ مَجْنُونٌ: أَيْ زَال عَقْلُهُ أَوْ فَسَدَ، أَوْ دَخَلَتْهُ الْجِنُّ، وَجَنَّ الشَّيْءَ عَلَيْهِ: سَتَرَهُ. (١)
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَقَدْ عَرَّفَهُ الْفُقَهَاءُ وَالأُْصُولِيُّونَ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْهَا:
أَنَّهُ اخْتِلاَل الْعَقْل بِحَيْثُ يَمْنَعُ جَرَيَانَ الأَْفْعَال وَالأَْقْوَال عَلَى نَهْجِهِ إِلاَّ نَادِرًا. (٢)
وَقِيل: الْجُنُونُ اخْتِلاَل الْقُوَّةِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَ الأَْشْيَاءِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ الْمُدْرِكَةِ لِلْعَوَاقِبِ بِأَنْ لاَ تَظْهَرَ آثَارُهَا، وَأَنْ تَتَعَطَّل أَفْعَالُهَا. (٣)
وَعَرَّفَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ بِأَنَّهُ: اخْتِلاَل الْقُوَّةِ الَّتِي بِهَا إِدْرَاكُ الْكُلِّيَّاتِ. (٤)
_________
(١) لسان العرب، والصحاح مادة: (جنن) .
(٢) التعريفات للجرجاني مادة (جنون) .
(٣) الفتاوى الأنقروية ١ / ١٥٩ ط بولاق، وكشاف اصطلاحات الفنون ١ / ٣٨٠ ط ١٣٨٢ هـ وابن عابدين ١ / ٤٢٦.
(٤) هامش الفتاوى الأنقروية نقلا عن البحر الرائق ١ / ٢٧٦.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الدَّهَشُ:
٢ - الدَّهَشُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ دَهِشَ، يُقَال دَهِشَ الرَّجُل أَيْ تَحَيَّرَ، أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ ذَهْلٍ أَوْ وَلَهٍ، وَدُهِشَ أَيْضًا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فَهُوَ مَدْهُوشٌ. (١) وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فَهُمْ يُطْلِقُونَهُ عَلَى الْمُتَحَيِّرِ وَعَلَى ذَاهِبِ الْعَقْل، وَقَدْ جَعَل الْحَنَفِيَّةُ الْمَدْهُوشَ الَّذِي ذَهَبَ عَقْلُهُ دَاخِلًا فِي الْمَجْنُونِ. (٢)
ب - الْعَتَهُ:
٣ - الْعَتَهُ فِي اللُّغَةِ: نُقْصَانُ الْعَقْل مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ أَوْ دَهَشٍ. (٣) وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالأُْصُولِيِّينَ آفَةٌ تُوجِبُ خَلَلًا فِي الْعَقْل فَيَصِيرُ صَاحِبُهُ مُخْتَلِطَ الْكَلاَمِ، فَيُشْبِهُ بَعْضُ كَلاَمِهِ كَلاَمَ الْعُقَلاَءِ، وَبَعْضُهُ كَلاَمَ الْمَجَانِينِ، وَكَذَا سَائِرُ أُمُورِهِ. (٤)
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُنُونِ وَالْعَتَهِ، أَنَّ الْمَعْتُوهَ قَلِيل الْفَهْمِ مُخْتَلِطُ الْكَلاَمِ، فَاسِدُ التَّدْبِيرِ، لَكِنْ لاَ يَضْرِبُ وَلاَ يَشْتُمُ بِخِلاَفِ الْمَجْنُونِ.
وَصَرَّحَ الأُْصُولِيُّونَ بِأَنَّ حُكْمَ الْمَعْتُوهِ حُكْمُ
_________
(١) القاموس ومختار الصحاح، والمصباح المنير مادة: (دهش) .
(٢) ابن عابدين ٢ / ٤٢٦، ٤٢٧ ط دار إحياء التراث العربي.
(٣) المصباح المنير في المادة.
(٤) كشف الأسرار ٤ / ٢٧٤، وابن عابدين ٢ / ٤٢٦، والمصباح المنير، ومختار الصحاح في المادة.