الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٦
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْنْسُ:
٢ - الإِْنْسُ: جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَالْجَمْعُ أُنَاسٌ، وَالإِْنْسُ: الْبَشَرُ. الْوَاحِدُ إِنْسِيٌّ وَأَنَسِيٌّ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُمْ بَنُو آدَمَ. وَقَال فِي الْكُلِّيَّاتِ: " كُل مَا يُؤْنَسُ بِهِ فَهُوَ إِنْسٌ " (١) . وَالنِّسْبَةُ بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِْنْسِ التَّضَادُّ.
ب - الشَّيَاطِينُ:
٣ - الشَّيَاطِينُ جَمْعُ شَيْطَانٍ وَصِيغَتُهُ (فَيْعَال) مِنْ شَطَنَ إِذَا بَعُدَ أَيْ: بَعُدَ عَنِ الْخَيْرِ، أَوْ مِنَ الْحَبْل الطَّوِيل كَأَنَّهُ طَال فِي الشَّرِّ. وَهَذَا فِيمَنْ جَعَل النُّونَ أَصْلًا، وَقِيل: الشَّيْطَانُ فَعْلاَنٌ مِنْ شَاطَ يَشِيطُ إِذَا هَلَكَ وَاحْتَرَقَ، وَهَذَا فِيمَنْ جَعَل النُّونَ زَائِدَةً.
قَال الأَْزْهَرِيُّ: الأَْوَّل أَكْثَرُ.
وَهُوَ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ: الْعَصِيُّ الأَْبِيُّ الْمُمْتَلِئُ شَرًّا وَمَكْرًا، أَوِ الْمُتَمَادِي فِي الطُّغْيَانِ الْمُمْتَدِّ إِلَى الْعِصْيَانِ. وَكُل عَاتٍ مُتَمَرِّدٍ مِنَ الْجِنِّ وَالإِْنْسِ وَالدَّوَابِّ شَيْطَانٌ. (٢)
_________
(١) لسان العرب مادة: (أنس)، والكليات ١ / ٣١٦.
(٢) لسان العرب مادة: (شطن)، والكليات ٣ / ٥٥، ٨٢.
فَبَيْنَ الْجِنِّ وَالشَّيْطَانِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ.
٤ - وَيُدْعَى مُتَمَرِّدُ الشَّيَاطِينِ (عِفْرِيتًا) .
وَالْعِفْرِيتُ: الْخَبِيثُ الْمُنْكَرُ الدَّاهِيَةُ، وَيُسَمَّى الْجِنُّ عِفْرِيتًا إِذَا بَلَغَ الْغَايَةَ فِي الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي وَالْقُوَّةِ.
قَال أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْجِنُّ عِنْدَ أَهْل الْكَلاَمِ وَاللِّسَانِ مُنَزَّلُونَ عَلَى مَرَاتِبَ. فَإِذَا ذَكَرُوا الْجِنَّ خَالِصًا قَالُوا: جِنِّيٌّ. فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ مِمَّنْ يَسْكُنُ مَعَ النَّاسِ قَالُوا: عَامِرٌ، وَالْجَمْعُ عُمَّارٌ. فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْرِضُ لِلصِّبْيَانِ قَالُوا أَرْوَاحٌ، فَإِنْ خَبُثَ وَتَعَزَّمَ فَهُوَ شَيْطَانٌ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مَارِدٌ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَقَوِيَ أَمْرُهُ قَالُوا: عِفْرِيتٌ، وَالْجَمْعُ عَفَارِيتُ. (١)
وَكَبِيرُ الْجِنِّ: إِبْلِيسُ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ (٢) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
لِلْجِنِّ أَحْكَامٌ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، وَفِيمَا يَلِي بَيَانُهَا:
أَوَّلًا - الأَْحْكَامُ الْعَامَّةُ:
وُجُودُ الْجِنِّ:
٥ - ثَبَتَ وُجُودُ الْجِنِّ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَعَلَى ذَلِكَ
_________
(١) لسان العرب مادة: (عفر)، والكليات فصل الشين ٣ / ٥٥، وآكام المرجان ص ٨ ط دار الطباعة الحديثة.
(٢) سورة الكهف / ٥٠.
انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ، فَمُنْكِرُ وُجُودِهِمْ كَافِرٌ لإِنْكَارِهِ مَا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.
قُدْرَتُهُمْ عَلَى التَّشَكُّل فِي صُوَرٍ شَتَّى:
٦ - قَال بَدْرُ الدِّينِ الشِّبْلِيُّ: لِلْجِنِّ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّطَوُّرِ وَالتَّشَكُّل فِي صُوَرِ الإِْنْسِ وَالْبَهَائِمِ، فَيَتَصَوَّرُونَ فِي صُوَرِ الْحَيَّاتِ، وَالْعَقَارِبِ، وَفِي صُوَرِ الإِْبِل، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْخَيْل، وَالْبِغَال، وَالْحَمِيرِ، وَفِي صُوَرِ الطَّيْرِ، وَفِي صُوَرِ بَنِي آدَمَ، كَمَا أَتَى الشَّيْطَانُ قُرَيْشًا فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ لَمَّا أَرَادُوا الْخُرُوجَ إِلَى بَدْرٍ. (١) قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَال لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَال إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (٢) وَكَمَا رُوِيَ أَنَّهُ تَصَوَّرَ فِي صُورَةِ شَيْخٍ نَجْدِيٍّ لَمَّا اجْتَمَعُوا بِدَارِ النَّدْوَةِ لِلتَّشَاوُرِ فِي أَمْرِ الرَّسُول ﷺ هَل يَقْتُلُونَهُ، أَوْ يَحْبِسُونَهُ، أَوْ يُخْرِجُونَهُ، (٣) وَوَرَدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَرْفَعُهُ أَنَّ بِالْمَدِينَةِ نَفَرًا
_________
(١) حديث: " أتى الشيطان قريشا. . . " أخرجه ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (١ / ٦١٢ ط الحلبي) .
(٢) سورة الأنفال / ٤٨.
(٣) حديث: " تصور في صورة شيخ نجدي. . . " أخرجه ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (١ / ٤٨٠ - ٤٨١ ط الحلبي) .
مِنَ الْجِنِّ قَدْ أَسْلَمُوا فَمَنْ رَأَى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعَوَامِرِ فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلاَثًا فَإِنْ بَدَا لَهُ بَعْدُ فَلْيَقْتُلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ (١) .
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: تَشَكُّلُهُمْ ثَابِتٌ بِالأَْحَادِيثِ، وَالآْثَارِ، وَالْحِكَايَاتِ الْكَثِيرَةِ. وَأَنْكَرَ قَوْمٌ قُدْرَةَ الْجِنِّ عَلَى ذَلِكَ. وَقَال الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: لاَ قُدْرَةَ لِلشَّيَاطِينِ عَلَى تَغْيِيرِ خَلْقِهِمْ وَالاِنْتِقَال فِي الصُّوَرِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلِّمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى كَلِمَاتٍ وَضُرُوبًا مِنَ الأَْفْعَال إِذَا فَعَلَهُ وَتَكَلَّمَ بِهِ نَقَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ صُورَةٍ إِلَى صُورَةٍ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَال: إِنَّ أَحَدًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَغَيَّرَ عَنْ صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا وَلَكِنَّ لَهُمْ سَحَرَةً كَسَحَرَتِكُمْ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأْذَنُوا. (٢) هَذَا وَمِنْ خَصَائِصِ الْجِنِّ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ الإِْنْسَ وَلاَ يَرَاهُمُ الإِْنْسُ إِلاَّ نَادِرًا، قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ﴾ (٣) .
مَسْكَنُ الْجِنِّ وَمَأْكَلُهُمْ وَمَشْرَبُهُمْ:
٧ - غَالِبُ مَا يَسْكُنُ الْجِنُّ فِي مَوَاضِعِ الْمَعَاصِي
_________
(١) حديث: " إن بالمدينة نفرا من الجن قد أسلموا. . . " أخرجه مسلم (٤ / ١٧٥٧ - ط الحلبي) .
(٢) الفتاوى الحديثة ص ٤٨، وتحفة المحتاج ٧ / ٢٩٧، وحاشية ابن عابدين ٢ / ٢٥٩، ومقالات الإسلاميين ٢ / ١١١ - ١١٤ ط مكتبة النهضة المصرية، وآكام المرجان ص ١٨ وما بعدها.
(٣) سورة الأعراف / ٢٧.
وَالنَّجَاسَاتِ، كَالْحَمَّامَاتِ، وَالْحُشُوشِ، وَالْمَزَابِل، وَالْقَمَّامِينَ. فَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلاَءَ فَلْيَقُل اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ. وَالْمَحْضَرَةُ مَكَانُ حُضُورِ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ. (١) وَقَدْ جَاءَتِ الآْثَارُ بِالنَّهْيِ عَنِ الصَّلاَةِ فِي هَذِهِ الأَْمَاكِنِ.
٨ - وَمِنْ أَزْوَادِ الْجِنِّ الْعِظَامُ. فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْجِنَّ سَأَلُوا رَسُول اللَّهِ ﷺ الزَّادَ فَقَال: كُل عَظْمٍ يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا كَانَ لَحْمًا، وَكُل بَعْرَةٍ أَوْ رَوْثَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ (٢) . وَقَدْ نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنْ يُسْتَنْجَى بِالْعَظْمِ وَالرَّوْثِ وَقَال: إِنَّهُ زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ (٣) .
_________
(١) حديث: " إن هذه الحشوش محتضرة. . . " أخرجه أبو داود (١ / ١٧ - تحقيق عزت عبيد دعاس) والحاكم (١ / ١٨٧ - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
(٢) حديث: " فعن عبد الله بن مسعود أنه قال: ليلة الجن أي ليلة التقاء الرسول ﷺ الجن أنهم سألوا رسول الله ﷺ عن الزاد فقال: " كل عظم يذكر اسم الله يقع في أيديكم أوفر ما كان لحما، وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم " أخرجه الترمذي (
(٣) حديث: " نهى أن يستنجى بالعظم والروث " أخرجه مسلم (١ / ٢٢٤ - الحلبي) من حديث سلمان الفارسي. وانظر آكام المرجان ٢٣ وما بعدها، ٢٨ وما بعدها، حاشية الجمل ١ / ٩٧، الفتاوى الحديثية ٤٨، ٥٠، وحاشية الطحطاوي ص ٢٨.
تَكْلِيفُ الْجِنِّ وَدُخُولُهُمْ فِي عُمُومِ بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ:
٩ - اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ مُكَلَّفُونَ مُخَاطَبُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ (١) وقَوْله تَعَالَى: ﴿قُل أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ (٢) وقَوْله تَعَالَى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِْنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ. . .﴾ إِلَى قَوْله تَعَالَى ﴿فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ (٣) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآْيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى تَكْلِيفِهِمْ وَأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ مَنْهِيُّونَ. وَلِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَمِّ الشَّيَاطِينِ وَلَعْنِهِمْ، وَالتَّحَرُّزِ مِنْ غَوَائِلِهِمْ وَشَرِّهِمْ، وَذِكْرِ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَهَذِهِ لاَ تَكُونُ إِلاَّ لِمَنْ خَالَفَ الأَْمْرَ وَالنَّهْيَ، وَارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ، وَهَتَكَ الْمَحَارِمَ، مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ لاَ يَفْعَل ذَلِكَ، وَقُدْرَتِهِ عَلَى فِعْل خِلاَفِهِ.
قَال الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ: لاَ نَعْلَمُ خِلاَفًا بَيْنَ أَهْل النَّظَرِ فِي أَنَّ الْجِنَّ مُكَلَّفُونَ. وَحُكِيَ عَنِ الْحَشَوِيَّةِ أَنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَى أَفْعَالِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ.
١٠ - وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى دُخُول الْجِنِّ فِي عُمُومِ
_________
(١) سورة الذاريات / ٥٦.
(٢) سورة الجن / ١ - ٢.
(٣) سورة الرحمن / ٣٣ - ٣٤.
بِعْثَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَل مُحَمَّدًا ﷺ إِلَى الْجِنِّ وَالإِْنْسِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ قَبْلِي (١) وَحَدِيثِ كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى خَاصَّةِ قَوْمِهِ وَبُعِثْتُ أَنَا إِلَى الْجِنِّ وَالإِْنْسِ (٢)
قَال ابْنُ عَقِيلٍ: وَالْجِنُّ دَاخِلُونَ فِي مُسَمَّى النَّاسِ لُغَةً. (٣)
وَيَقُول الْفَيُّومِيُّ: يُطْلَقُ لَفْظُ النَّاسِ عَلَى الْجِنِّ وَالإِْنْسِ. قَال تَعَالَى: ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾ ثُمَّ فَسَّرَ النَّاسَ بِالْجِنِّ وَالإِْنْسِ فَقَال: ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ (٤) .
_________
(١) حديث: " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ١ / ٥٣٣ - ط السلفية) ومسلم (١ / ٣٧٠ ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
(٢) حديث: " كان النبي يبعث إلى خاصة قومه، وبعثت أنا إلى الجن والإنس ". أخرجه البيهقي (٢ / ٤٣٣ - ط دائرة المعارف العثمانية، واستنكره الذهبي في الميزان (٢ / ١١١ - ط الحلبي) .
(٣) الفتاوى الحديثية ٤٩، ٥١، وشرح روض الطالب ٣ / ١٠٤، والفصل في الملل لابن حزم ٥ / ١٢، وتفسير الرازي ٣٠ / ١٥٣ ط عبد الرحمن محمد، ومقالات الإسلاميين ٢ / ١١٣، والأشباه والنظائر لابن نجيم ٣٢٦، وآكام المرجان ٣٦ وما بعدها، والفروع لابن مفلح ١ / ٦٠٣، وكشاف القناع ١ / ٤٧٠.
(٤) سورة الناس / ٦، وانظر المصباح المنير مادة: (نوس) .
ثَوَابُ الْجِنِّ عَلَى أَعْمَالِهِمْ:
١١ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْجِنَّ يُثَابُونَ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُعَاقَبُونَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ (١) وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ (٢) وقَوْله تَعَالَى: ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ﴾ (٣)
وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَال: لاَ ثَوَابَ لَهُمْ إِلاَّ النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ لأَِنَّهُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ فِيهِمْ ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ (٤) وَالْمَغْفِرَةُ لاَ تَسْتَلْزِمُ الإِْثَابَةَ؛ لأَِنَّ الْمَغْفِرَةَ سَتْرٌ. وَرُوِيَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ. قَال: ثَوَابُ الْجِنِّ أَنْ يُجَارُوا مِنَ النَّارِ، ثُمَّ يُقَال لَهُمْ: كُونُوا تُرَابًا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَال: إِذَا دَخَل أَهْل الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْل النَّارِ النَّارَ قَال اللَّهُ تَعَالَى: لِمُؤْمِنِي الْجِنِّ وَسَائِرِ الأُْمَمِ: (٥) كُونُوا تُرَابًا، فَحِينَئِذٍ يَقُول الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا. (٦)
ثُمَّ إِنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كَافِرَ الْجِنِّ يُعَذَّبُ فِي الآْخِرَةِ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ
_________
(١) سورة الجن / ١٤ - ١٥.
(٢) سورة الأنعام / ١٣٢.
(٣) سورة الرحمن / ٥٦.
(٤) سورة الصف / ١٢.
(٥) يقصد ما عدا الإنس ومنه قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم. . . . .) الأنعام / ٣٨.
(٦) آكام المرجان ص ٥٥.
الْعَزِيزِ: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ (١) وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ (٢)
دُخُول الْجِنِّ فِي بَدَنِ الإِْنْسَانِ:
١٢ - قَال أَبُو الْحَسَنِ الأَْشْعَرِيُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْجِنِّ، هَل يَدْخُلُونَ فِي النَّاسِ؟ عَلَى مَقَالَتَيْنِ: فَقَال قَائِلُونَ: مُحَالٌ أَنْ يَدْخُل الْجِنُّ فِي النَّاسِ. وَقَال قَائِلُونَ: يَجُوزُ أَنْ يَدْخُل الْجِنُّ فِي النَّاسِ، وَلِحَدِيثِ: اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ فَإِنِّي رَسُول اللَّهِ ﷺ (٣) وَلأَِنَّ أَجْسَامَ الْجِنِّ أَجْسَامٌ رَقِيقَةٌ، فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ أَنْ يَدْخُلُوا فِي جَوْفِ الإِْنْسَانِ مِنْ خُرُوقِهِ، كَمَا يَدْخُل الْمَاءُ وَالطَّعَامُ فِي بَطْنِ الإِْنْسَانِ، وَهُوَ أَكْثَفُ مِنْ أَجْسَامِ الْجِنِّ، وَلاَ يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى اجْتِمَاعِ الْجَوَاهِرِ فِي حَيِّزٍ وَاحِدٍ؛ لأَِنَّهَا لاَ تَجْتَمِعُ إِلاَّ عَلَى طَرِيقِ الْمُجَاوَرَةِ لاَ عَلَى سَبِيل الْحُلُول، وَإِنَّمَا تَدْخُل أَجْسَامَنَا كَمَا يَدْخُل الْجِسْمُ الرَّقِيقُ فِي الْمَظْرُوفِ. (٤)
_________
(١) سورة الجن / ١٥.
(٢) سورة محمد / ١٢.
(٣) حديث: " اخرج عدو الله فإني رسول الله ﷺ ". أخرجه الحاكم (٢ / ٦١٧ - ط دائرة المعارف العثمانية) والبيهقي في دلائل النبوة (٦ / ٢٠ - ط دار الكتب العلمية) من حديث يعلى بن مرة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(٤) آكام المرجان ١٠٧ وما بعدها ط دار الطباعة الحديثة، مقالات الإسلاميين ٢ / ١٠٨ ط مكتبة النهضة المصرية، وكشاف القناع ١ / ٤٧٠، والفتاوى الحديثية ص ٥٢، ٥٣.
رِوَايَةُ الْجِنِّ لِلْحَدِيثِ:
١٣ - تَجُوزُ رِوَايَةُ الْجِنِّ عَنِ الإِْنْسِ مَا سَمِعُوهُ مِنْهُمْ، أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَسْمَعُونَ، سَوَاءٌ عَلِمَ الإِْنْسُ بِحُضُورِهِمْ أَمْ لاَ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُل أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ (١) الآْيَاتِ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا. . .﴾ (٢) فَإِذَا جَازَ أَنْ يُبَلِّغُوا الْقُرْآنَ جَازَ أَنْ يُبَلِّغُوا الْحَدِيثَ. وَكَذَا إِذَا أَجَازَ الشَّيْخُ مَنْ حَضَرَ أَوْ سَمِعَ دَخَلُوا فِي إِجَازَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، كَمَا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ مِنَ الإِْنْسِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ الإِْنْسِ عَنْهُمْ: فَقَال السُّيُوطِيُّ: الظَّاهِرُ مَنْعُهَا، لِعَدَمِ حُصُول الثِّقَةِ بِعَدَالَتِهِمْ. (٣)
الذَّبْحُ لِلْجِنِّ:
١٤ - مَا ذُبِحَ لِلْجِنِّ وَعَلَى اسْمِهِمْ فَلاَ يَحِل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ إِلَى قَوْلِهِ
_________
(١) سورة الجن / ١ وما بعدها.
(٢) سورة الأحقاف / ٢٩ وما بعدها.
(٣) الأشباه والنظائر للسيوطي ص ٢٨٣، والأشباه والنظائر لابن نجيم ٣٢٩، وآكام المرجان ص ٨٠، ٨١ ط دار الطباعة الحديثة، والفتاوى الحديثية ص ١٥ - ط مطبعة التقدم العلمية بمصر.