الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٤ الصفحة 3

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٤

لاَ يَجِبُ كَالْمُتَيَمِّمِ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلاَةِ (١) .

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ فَصَّلُوا فِي الْمَوْضُوعِ وَقَالُوا: إِنْ أَيْسَر بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَقَبْل إِكْمَال الْيَوْمِ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِلْهَدْيِ، وَإِنْ أَيْسَر بَعْدَ إِتْمَامِ الْيَوْمِ وَقَبْل إِكْمَال الثَّالِثِ يُسْتَحَبُّ لَهُ الرُّجُوعُ، وَإِنْ أَيْسَر بَعْدَ الثَّالِثِ يَجُوزُ لَهُ التَّمَادِي عَلَى الصَّوْمِ وَالرُّجُوعُ (٢) .

تِمْثَالٌ

اُنْظُرْ: تَصْوِيرٌ

_________

(١) البناية على الهداية ٣ / ٦٢٥.

(٢) الفواكه الدواني ١ / ٤٣٣.

تَمْرٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - التَّمْرُ: هُوَ الْيَابِسُ مِنْ ثَمَرِ النَّخْل يُتْرَكُ عَلَى النَّخْل بَعْدَ إرْطَابِهِ حَتَّى يَجِفَّ أَوْ يُقَارِبَ الْجَفَافَ، ثُمَّ يُقْطَعُ وَيُتْرَكُ فِي الشَّمْسِ حَتَّى يَيْبَسَ. وَجَمْعُهُ تُمُورٌ وَتُمْرَانٌ، وَيُرَادُ بِهِ الأَْنْوَاعُ (١) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الرُّطَبُ:

٢ - هُوَ ثَمَرُ النَّخْل إِذَا أَدْرَكَ وَنَضِجَ قَبْل أَنْ يَتَتَمَّرَ (٢) .

ب - الْبُسْرُ:

٣ - هُوَ ثَمَرُ النَّخْل إِذَا أَخَذَ فِي الطُّول وَالتَّلَوُّنِ إِلَى الْحُمْرَةِ أَوِ الصُّفْرَةِ (٣) .

ج - الْبَلَحُ:

٤ - هُوَ ثَمَرُ النَّخْل مَا دَامَ أَخْضَر قَرِيبًا إِلَى

_________

(١) المصباح المنير، ومختار الصحيح، والمغرب للمطرزي مادة: " تمر ".

(٢) المصباح المنير والمغرب للمطرزي مادة: " رطب ".

(٣) المصباح المنير مادة: " يسر ".

الاِسْتِدَارَةِ، إِلَى أَنْ يَغْلُظَ النَّوَى، وَأَهْل الْبَصْرَةِ يُسَمُّونَهُ الْخِلاَل. قَال ابْنُ الأَْثِيرِ فِي بَيَانِ تَسَلْسُل ثَمَرِ النَّخْل: إِنَّ أَوَّلَهُ طَلْعٌ، ثُمَّ خِلاَلٌ، ثُمَّ بَلَحٌ، ثُمَّ بُسْرٌ، ثُمَّ رُطَبٌ، ثُمَّ تَمْرٌ (١) .

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

٥ - يُفَرِّقُ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالرُّطَبِ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ وَالْبَلَحِ فِي بَعْضِ الأَْحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ: كَاشْتِرَاطِ وَصْفِ التَّمْرِ بِالْجَدِيدِ وَالْعَتِيقِ لِصِحَّةِ السَّلَمِ، وَعَدَمِ اشْتِرَاطِ وَصْفِ الرُّطَبِ بِهِمَا (٢) . وَتَفْضِيل تَقْدِيمِ الرُّطَبِ عَلَى التَّمْرِ فِي الإِْفْطَارِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (٣) .

فَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ اسْتِحْبَابَ الإِْفْطَارِ عَلَى التَّمْرِ، وَيَكُونُ تَرْتِيبُهُ فِي الأَْفْضَلِيَّةِ بَعْدَ الرُّطَبِ وَقَبْل الْمَاءِ (٤) . لِحَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْل أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ

_________

(١) المصباح المنير، ولسان العرب مادة " بلح ".

(٢) روضة الطالبين ٤ / ٢٣، والمغني ٤ / ٣١١، ٣١٢.

(٣) حاشية الجمل على شرح المنهج ٢ / ٣٢٨، والقليوبي ٢ / ٦١، وكشاف القناع ٢ / ٣٣٢، ٣٣٣.

(٤) حاشية الجمل على شرح المنهج ٢ / ٣٢٨، والقليوبي ٢ / ٦١، وروضة الطالبين ٢ / ٣٦٨، وكشاف القناع ٢ / ٣٣٣، ونيل المآرب ١ / ٢٧٥.

مِنْ مَاءٍ (١) وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُسْتَحَبُّ الإِْفْطَارُ عَلَى شَيْءٍ حُلْوٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ تَمْرًا أَمْ غَيْرَهُ (٢) .

وَفِي الْحَلِفِ كَمَا إِذَا حَلَفَ لاَ يَأْكُل هَذَا الرُّطَبَ فَصَارَ تَمْرًا فَأَكَلَهُ، أَوْ حَلَفَ لاَ يَأْكُل مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَصَارَ رُطَبًا فَأَكَلَهُ، أَوْ كَمَا إِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لاَ يَأْكُل تَمْرًا، فَأَكَل بُسْرًا، أَوْ بَلَحًا، أَوْ رُطَبًا. فَفِي كُلٍّ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مَوَاطِنِهِ (٣)، وَمُصْطَلَحَاتِ: (سَلَمٌ)، (صَوْمٌ)، (أَيْمَانٌ) .

وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ عِنْدَ الأَْئِمَّةِ الثَّلاَثَةِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَبِهِ قَال سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ، وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ ذَلِكَ. وَاسْتَثْنَى الأَْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ بَيْعَ الْعَرَايَا، فَأَجَازُوهُ بِشُرُوطِهِ. وَلِتَفْصِيل ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى مَوَاطِنِهِ (٤) . وَإِلَى مُصْطَلَحَاتِ (بَيْعٌ)، (رِبًا) .، (عَرَايَا) .

٦ - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّمْرَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَاخْتَلَفُوا فِي نِصَابِهِ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ

_________

(١) حديث " كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي. . . ". / ٥٠ أخرجه أبو داود (٢ / ٧٦٤ تحقيق عزت عبيد دعاس)، والترمذي (٣ / ٧٩ ط الحلبي) وحسنة.

(٢) عمدة القاري ٥ / ٢٩٠.

(٣) فتح القدير ٤ / ٣٩٦، ٣٩٧، والقوانين الفقهية لابن جزي ص ١٦٨، وروضة الطالبين ١١ / ٤٣، ٤٤، والمغني ٨ / ٨٠٠ وما بعدها، وشرح المحلي وحاشية القليوبي ٤ / ٢٨٣.

(٤) فتح القدير ٦ / ١٤٧، ١٤٨، وابن عابدين ٤ / ١٨٥، والقوانين الفقهية لابن جزي ص ٢٥٨، وروضة الطالبين ٣ / ٣٧٧، والمغني ٤ / ١٦.

وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَسَائِرُ أَهْل الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ النِّصَابَ مُعْتَبَرٌ فِي التَّمْرِ كَغَيْرِهِ مِنَ الثِّمَارِ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَقَال مُجَاهِدٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قَلِيل ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ (١) . وَفِي الْكَلاَمِ عَنْ بَاقِي مَسَائِل زَكَاةِ التَّمْرِ تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَى مَوْطِنِهِ وَإِلَى مُصْطَلَحِ " زَكَاةٌ ".

٧ - وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّمْرَ يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ وَمِقْدَارُهَا مِنْهُ صَاعٌ، وَفِي فَضْل التَّمْرِ عَلَى غَيْرِهِ فِي إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ خِلاَفٌ يُنْظَرُ فِي بَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ (٢) .

مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

تَعَرَّضَ الْفُقَهَاءُ لِلْكَلاَمِ عَلَى التَّمْرِ فِي الْبَيْعِ، وَالرِّبَا، وَالسَّلَمِ، وَالْيَمِينِ، وَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مَوَاطِنِهِ (٣) وَإِلَى مُصْطَلَحَاتِ: (بَيْعٌ)، (سَلَمٌ)، (يَمِينٌ) .

_________

(١) فتح القدير ٢ / ١٨٦، ١٨٧، والقواني الفقهية لابن جزي ص١١٠، وروضة الطالبين ٢ / ٢٣١، ٢٣٣، والمغني ٢ / ٦٩١، ٦٩٢، ٦٩٥.

(٢) فتح القدير ٢ / ٢٢٥، والقوانين الفقهية لابن جزي ص١١٧، وروضة الطالبين ٢ / ٣٠٣، ونيل المآرب ١ / ٢٥٧.

(٣) فتح القدير ٤ / ٣٩٦، ٣٩٧، ٥ / ٤٧٠ و٦ / ١٤٧، ١٤٨، ٢٠٥ وابن عابدين ٤ / ١١٠، والقوانين الفقهية لابن جزي ص ٢٥٩، وروضة الطالبين ٣ / ٥٦٠، ٥٦١، ٣٧٧، ٤ / ٢٣، ١١ / ٤٣، ٤٤، والمغني ٤ / ١٣، ٣١١، ٣١٢ و٨ / ٨٠٠ وما بعدها.

تَمْرِيضٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - التَّمْرِيضُ لُغَةً: مَصْدَرُ مَرَّضَ، وَهُوَ أَنْ يَقُومَ عَلَى الْمَرِيضِ وَيَلِيَهُ فِي مَرَضِهِ (١) .

وَقِيل: التَّمْرِيضُ: حُسْنُ الْقِيَامِ عَلَى الْمَرِيضِ، وَمِنْهُ قَوْل عَائِشَة ﵂: لَمَّا ثَقُل النَّبِيُّ ﷺ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ (٢) .

وَتَمْرِيضُ الأُْمُورِ: تَوْهِينُهَا، وَأَنْ لاَ تَحْكُمَهَا (٣) .

وَالتَّمْرِيضُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ: تَضْعِيفُ الرَّاوِي أَوْ تَضْعِيفُ الْحَدِيثِ.

وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِكَلِمَةِ التَّمْرِيضِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

التَّطْبِيبُ وَالْمُدَاوَاةُ:

٢ - مَعْنَى التَّطْبِيبِ أَوِ الْمُدَاوَاةِ عِلاَجُ الْمَرَضِ (٤) .

_________

(١) المغرب للمطرزي، ولسان العرب المحيط، مادة: " مرض ".

(٢) فتح الباري ١ / ٣٠٢، وعمدة القاري ٦ / ٦١٩.

(٣) لسان العرب المحيط، ومتن اللغة، مادة: " مرض ".

(٤) الصحاح في اللغة والعلوم، ولسان العرب، والمصباح المنير، ومختار الصحاح مادة: " طيب ".

وَبَيْنَ التَّمْرِيضِ وَكُلٍّ مِنَ التَّطْبِيبِ وَالْمُدَاوَاةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ، يَجْتَمِعَانِ فِي مِثْل إِجْرَاءِ الْعَمَلِيَّةِ الْجِرَاحِيَّةِ لِلْمَرِيضِ مَعَ الْقِيَامِ عَلَى رِعَايَتِهِ أَثْنَاءَ ذَلِكَ. وَيَنْفَرِدُ التَّطْبِيبُ بِوَصْفِ الْعِلاَجِ بِدُونِ الْقِيَامِ عَلَى الرِّعَايَةِ، وَيَنْفَرِدُ التَّمْرِيضُ بِحُسْنِ الْقِيَامِ عَلَى شُؤُونِ الْمَرِيضِ دُونَ مُحَاوَلَةِ عِلاَجِهِ.

حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:

٣ - صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّ التَّمْرِيضَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَيَقُومُ بِهِ الْقَرِيبُ، ثُمَّ الصَّاحِبُ، ثُمَّ الْجَارُ، ثُمَّ سَائِرُ النَّاسِ (١) .

الرُّخَصُ الْمُتَّصِلَةُ بِالتَّمْرِيضِ:

أ - التَّخَلُّفُ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ:

٤ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى سُقُوطِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ، وَجَوَازِ التَّخَلُّفِ عَنِ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ يَقُومُ بِالتَّمْرِيضِ لِقَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ.

قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا " اسْتَصْرَخَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى فَأَتَاهُ بِالْعَقِيقِ وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ.

وَنُقِل هَذَا عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَالأَْوْزَاعِيِّ أَيْضًا (٢) .

_________

(١) القوانين الفقهية ص٤٣٨، وروضة الطالبين ٢ / ٣٥، ٣٦.

(٢) ابن عابدين ١ / ٣٧٤، ٥٤٧، والقوانين الفقهية ص٧٣، ٨٤، والحطاب ٢ / ٨٢، ٨٣، وروضة الطالبين ١ / ٣٤٥، ٢ / ٣٥، والمغني ١ / ٦٣٣، ٢ / ٣٤٠.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي التَّفَاصِيل: فَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْمُمَرِّضَ - وَهُوَ مِنْ يَقُومُ بِشُؤُونِ الْمَرِيضِ - يُعْذَرُ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْجُمُعَةِ إِنْ بَقِيَ الْمَرِيضُ ضَائِعًا بِخُرُوجِهِ فِي الأَْصَحِّ، أَوْ حَصَل لَهُ بِغَيْبَةِ الْمُمَرِّضِ إِلَى الْجَمَاعَةِ الْمَشَقَّةُ وَالْوَحْشَةُ (١) .

وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ جَوَازَ التَّخَلُّفِ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ: بِكَوْنِ التَّمْرِيضِ لِقَرِيبٍ، وَأَنْ لاَ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ بِهِ سِوَاهُ. وَخِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ

كَالزَّوْجَةِ، وَالْبِنْتِ، أَوْ أَحَدِ الأَْبَوَيْنِ (٢) .

وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ فَصَّلُوا الْكَلاَمَ فِي جَوَازِ التَّخَلُّفِ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ بِالتَّمْرِيضِ فَقَالُوا: إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمَرِيضِ مَنْ يَتَعَهَّدُهُ وَيَقُومُ بِأَمْرِهِ أَوْ لاَ: فَإِنْ كَانَ الْمُمَرِّضُ قَرِيبًا وَالْمَرِيضُ مُشْرِفٌ عَلَى الْمَوْتِ، أَوْ غَيْرُ مُشْرِفٍ لَكِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهِ، فَيُرَخَّصُ لِلْمُمَرِّضِ التَّخَلُّفُ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَيَحْضُرُ عِنْدَهُ، وَإِلاَّ فَلاَ رُخْصَةَ لَهُ فِي التَّخَلُّفِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَمِثْل الْقَرِيبِ عِنْدَهُمُ الزَّوْجَةُ وَكُل مَنْ لَهُ مُصَاهَرَةٌ، وَالصَّدِيقُ. وَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ أَجْنَبِيًّا - وَلَهُ مَنْ يَتَعَهَّدُهُ - فَلاَ رُخْصَةَ لِلْمُمَرِّضِ فِي التَّخَلُّفِ بِحَالٍ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ.

أَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرِيضِ مُتَعَهِّدٌ، أَوْ كَانَ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْرُغْ لِخِدْمَتِهِ، لاِشْتِغَالِهِ بِشِرَاءِ الأَْدْوِيَةِ، فَقَال

_________

(١) ابن عابدين ١ / ٣٧٤، ٥٤٧.

(٢) القوانين الفقهية ص٧٣، ٨٤، والحطاب ٢ / ١٨٢، ١٨٣.

إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ الْهَلاَكَ لَوْ غَابَ عَنْهُ فَهُوَ عُذْرٌ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالأَْجْنَبِيِّ؛ لأَِنَّ إِنْقَاذَ الْمُسْلِمِ مِنَ الْهَلاَكِ فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَإِنْ كَانَ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ لاَ يَبْلُغُ مَبْلَغَ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ: الأَْصَحُّ أَنَّهُ عُذْرٌ أَيْضًا، وَالثَّانِي: لاَ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ عُذْرٌ فِي الْقَرِيبِ دُونَ الأَْجْنَبِيِّ (١) .

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَقْرَبُ قَوْلُهُمْ مِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ؛ لأَِنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ التَّمْرِيضَ عُذْرًا فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ إِذَا كَانَ الْمَرِيضُ قَرِيبًا أَوْ رَفِيقًا، وَكَانَ الْمُمَرِّضُ لَوْ تَشَاغَل بِالْجُمُعَةِ أَوِ الْجَمَاعَةِ لَمَاتَ الْمَرِيضُ لِعَدَمِ وُجُودِ مَنْ يَقُومُ بِشَأْنِهِ (٢) .

ب - النَّظَرُ إِلَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ إِذَا كَانَ عَوْرَةً:

٥ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ النَّظَرَ إِلَى عَوْرَةِ الْغَيْرِ حَرَامٌ مَا عَدَا نَظَرِ الزَّوْجَيْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلآْخَرِ، فَلاَ يَحِل لِمَنْ عَدَا هَؤُلاَءِ النَّظَرُ إِلَى عَوْرَةِ الآْخَرِ مَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ ضَرُورَةٌ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ كَنَظَرِ الطَّبِيبِ الْمُعَالِجِ، وَمَنْ يَلِي خِدْمَةَ مَرِيضٍ أَوْ مَرِيضَةٍ فِي وُضُوءٍ أَوِ اسْتِنْجَاءٍ وَغَيْرِهِمَا، وَكَقَابِلَةٍ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُمُ النَّظَرُ إِلَى مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنَ الْعَوْرَةِ، وَعِنْدَ الْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَيْهِ، كَضَرُورَةِ التَّدَاوِي وَالتَّمْرِيضِ وَغَيْرِهِمَا، إِذْ الضَّرُورَاتُ

_________

(١) روضة الطالبين ١ / ٣٤٥، ٢ / ٣٥، ٣٦.

(٢) المغني ١ / ٦٣٣، ٢ / ٣٤٠، وكشاف القناع ١ / ٤٩٦.

تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ (١)، وَتَنْزِل الْحَاجَةُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ.

ثُمَّ النَّظَرُ مُقَيَّدٌ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ؛ لأَِنَّ مَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا (٢) .

وَفِي النَّظَرِ إِلَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ إِذَا كَانَ فِي الْفَرْجِ وَإِلَى مَوْضِعِ الاِحْتِقَانِ، وَجَوَازِ اللَّمْسِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحِ: (تَطْبِيبٌ) .

أَوْلَوِيَّةُ الأُْمِّ بِتَمْرِيضِ أَوْلاَدِهَا وَالْعَكْسُ:

٦ - لَوْ مَرِضَ الْوَلَدُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَالأُْمُّ أَوْلَى بِتَمْرِيضِهِ؛ لأَِنَّهَا أَشْفَقُ وَأَهْدَى إِلَيْهِ وَأَصْبَرُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهَا، ثُمَّ إِنْ كَانَا مُفْتَرِقَيْنِ وَرَضِيَ الأَْبُ بِأَنْ تُمَرِّضُ الأُْمُّ الْوَلَدَ فِي بَيْتِهِ فَذَاكَ، وَإِلاَّ فَيُنْقَل الْوَلَدُ إِلَى بَيْتِ الأُْمِّ. وَيَجِبُ الاِحْتِرَازُ عَنِ الْخَلْوَةِ فِي حَالَةِ بَيْنُونَةِ الْمَرْأَةِ إِذَا كَانَتْ تُمَرِّضُهُ فِي بَيْتِ الأَْبِ، وَإِنْ مَرِضَتِ الأُْمُّ لَزِمَ الأَْبَ تَمْكِينُ ابْنَتِهَا مِنْ تَمْرِيضِهَا إِنْ أَحْسَنَتْ ذَلِكَ، بِخِلاَفِ ابْنِهَا لاَ يَلْزَمُهُ تَمْكِينُهُ، وَإِنْ أَحْسَنَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَعَيَّنَ (٣) .

_________

(١) ابن عابدين ١ / ٢٧٢، ٥ / ٢٣٧، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص٩٥، والحطاب ١ / ٤٩٩، ٥٠٠، والمنثور للزركشي ٢ / ٢٤، والأشباه والنظائر للسيوطي ص٧٧، والمغني ٦ / ٥٥٨، وكشاف القناع ٥ / ١٣.

(٢) ابن عابدين ٥ / ٢٣٧، وكشاف القناع ٥ / ١٣، وعمدة القاري ٦ / ٦١٩، ٦٢٠.

(٣) نهاية المحتاج ٧ / ٢٣٣، وروضة الطالبين ٩ / ١٠٤، والقليوبي ٤ / ٩١، والمغني ٩ / ١٤٥.