الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٤ الصفحة 2

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٤

الشَّرْطُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: إِنَّ هَذَا الشَّرْطَ لِمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، أَمَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلاَ يَحِل مِنْ إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ إِلَى أَنْ يُحْرِمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَوْ قَبْلَهُ لِلْحَجِّ كَمَا يُحْرِمُ أَهْل مَكَّةَ، فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ حَل مِنَ الإِْحْرَامَيْنِ (١) .

و أَنْ لاَ يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ:

١١ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ لاَ يَجِبُ عَلَى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلاَ تَمَتُّعَ لَهُمْ، إِذْ قَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ (٢) .

وَلأَِنَّ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِيقَاتُهُمْ مَكَّةُ فَلاَ يَحْصُل لَهُمُ التَّرَفُّهُ بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ؛ وَلأَِنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ تَكُونُ عُمْرَتُهُ مِيقَاتِيَّةً وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّةً وَلاَ كَذَلِكَ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (٣) .

_________

(١) الاختيار ١ / ١٥٨، ١٥٩، وابن عابدين ٢ / ١٩٤، ١٩٥، وجواهر الإكليل ١ / ١٧٣، والفواكه الدواني ١ / ٤٣٤، ومغني المحتاج ١ / ٥١٤، والمغني ٣ / ٤٧٢، وكشاف القناع ٢ / ٤١٣.

(٢) سورة البقرة / ١٩٦.

(٣) الاختيار ١ / ١٥٩، والبناية ٣٠ / ٦٥٧، والفواكه الدواني ١ / ٤٣٥، والمغني لابن قدامة ٣ / ٤٧٢، ٤٧٣، ومغني المحتاج ١ / ٥١٥

الْمُرَادُ بِحَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

١٢ - صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَهْل الْحَرَمِ وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ، (وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ) دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ.

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الْمُرَادُ بِحَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَهْل مَكَّةَ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ مِنْ أَهْل دَاخِل الْمَوَاقِيتِ.

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: هُمْ مُقِيمُو مَكَّةَ وَمُقِيمُو ذِي طُوًى (١) .

وَالْعِبْرَةُ بِالتَّوَطُّنِ، فَلَوِ اسْتَوْطَنَ الْمَكِّيُّ الْمَدِينَةَ مَثَلًا فَهُوَ آفَاقِيٌّ، وَبِالْعَكْسِ مَكِّيٌّ. فَإِنْ كَانَ لِلْمُتَمَتِّعِ مَسْكَنَانِ أَحَدُهُمَا بَعِيدٌ، وَالآْخَرُ قَرِيبٌ اُعْتُبِرَ فِي كَوْنِهِ مِنَ الْحَاضِرِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ كَثْرَةُ إِقَامَتِهِ بِأَحَدِهِمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ (٢) . فَإِنِ اسْتَوَتْ إِقَامَتُهُ بِهِمَا فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَاعْتُبِرَ الأَْهْل وَالْمَال عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِاعْتِبَارِ الأَْكْثَرِيَّةِ (٣) .

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ كَانَ لِلْمُتَمَتِّعِ أَهْلاَنِ أَهْلٌ

_________

(١) ابن عابدين ٢ / ١٩٧، وجواهر الإكليل ١ / ١٧٢، والفواكه الدواني والمهذب ١ / ٢٠٨، والقليوبي ٢ / ١٢٨، والمغني لابن قدامة ٣ / ٤٧٣.

(٢) ابن عابدين ٢ / ١٩٥، ومغني المحتاج ١ / ٥١٦، والمغني لابن قدامة ٣ / ٤٧٣.

(٣) كشاف القناع ٢ / ٤١٣، ومغني المحتاج ١ / ٥١٦، والمغني لابن قدامة ٣ / ٤٧٣.

بِمَكَّةَ وَأَهْلٌ بِغَيْرِهَا، فَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ الْهَدْيِ وَلَوْ غَلَبَتْ إِقَامَتُهُ فِي أَحَدِهِمَا (١) .

هَذَا وَإِذَا دَخَل الآْفَاقِيُّ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا الإِْقَامَةَ بِهَا بَعْدَ تَمَتُّعِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ اتِّفَاقًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ (٢) .

ز - عَدَمُ إِفْسَادِ الْعُمْرَةِ أَوِ الْحَجِّ:

١٣ - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ - أَنَّ مِنْ شُرُوطِ التَّمَتُّعِ عَدَمَ إِفْسَادِ الْعُمْرَةِ أَوِ الْحَجِّ، فَإِذَا أَفْسَدَهَا لاَ يُعْتَبَرُ مُتَمَتِّعًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَحْصُل لَهُ التَّرَفُّهُ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ.

وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إِذَا أَفْسَدَ الْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ نُسُكَيْهِمَا لَمْ يَسْقُطِ الدَّمُ عَنْهُمَا، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَبِهِ قَال مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ؛ لأَِنَّهُ مَا وَجَبَ فِي النُّسُكِ الصَّحِيحِ وَجَبَ فِي الْفَاسِدِ.

هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الدَّمِ أَنْ يَنْوِيَ التَّمَتُّعَ فِي ابْتِدَاءِ الْعُمْرَةِ أَوْ أَثْنَائِهَا، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الآْخَرُونَ (٣) .

١٤ - وَلاَ يُعْتَبَرُ وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ وَحَجَّ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ عَكْسَهُ

_________

(١) الفواكه الدواني ١ / ٤٣٥، وجواهر الإكليل ١ / ١٧٢.

(٢) المراجع السابقة، وانظر ابن عابدين ٢ / ١٩٥، ١٩٧، والمهذب ١ / ٢٠٨، والمغني ٣ / ٤٧٣.

(٣) ابن عابدين ٢ / ١٩٤، والمهذب ١ / ٢٠٨، ومغني المحتاج ١ / ٥١٦، وكشاف القناع ٣ / ٤١٣، والمغني ٣ / ٤٧٤، ٤٨٦

أَوْ فَعَل ذَلِكَ عَنِ اثْنَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ لِظَاهِرِ الآْيَةِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: فِي شَرْطِ كَوْنِهِمَا عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ تَرَدُّدٌ، أَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَخَلِيلٌ فِي مَنَاسِكِهِ، وَقَال ابْنُ الْحَاجِبِ: الأَْشْهَرُ اشْتِرَاطُهُ (١) .

هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ مُعْتَبَرَةٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ لاَ لِكَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا، وَلِهَذَا يَصِحُّ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ مِنَ الْمَكِّيِّ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ. وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهَا تُشْتَرَطُ لِكَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا، فَلَوْ فَاتَ شَرْطٌ لاَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا (٢) .

سَوْقُ الْهَدْيِ هَل يَمْنَعُ التَّحَلُّل؟

١٥ - قَال مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: الْمُتَمَتِّعُ إِذَا فَرَغَ مِنْ أَعْمَال الْعُمْرَةِ يَتَحَلَّل، سَاقَ الْهَدْيَ أَمْ لَمْ يَسُقْ (٣) .

وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ لِلْمُتَمَتِّعِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَسُوقَ الْهَدْيَ - وَهُوَ أَفْضَل - وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِذَا دَخَل مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى لِلْعُمْرَةِ وَلاَ يَتَحَلَّل، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا يُحْرِمُ أَهْل مَكَّةَ. لِقَوْلِهِ ﷺ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي

_________

(١) ابن عابدين ٢ / ١٩٤، ١٩٥، ومغني المحتاج ١ / ٥١٦، وجواهر الإكليل ١ / ١٧٣، وكشاف القناع ٢ / ٤١٣، ٤١٤.

(٢) مغني المحتاج ١ / ٥١٦، والمغني لابن قدامة ٤٧٤.

(٣) الدسوقي ٨ / ٨٧، والقرطبي ٢ / ٤٧٦، ومغني المحتاج ١ / ٥١٦.

مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً وَتَحَلَّلْتُ مِنْهَا (١) وَهَذَا يَنْفِي التَّحَلُّل عِنْدَ سَوْقِ الْهَدْيِ فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ حَل مِنَ الإِْحْرَامَيْنِ وَذَبَحَ دَمَ التَّمَتُّعِ. وَعَدَمُ التَّحَلُّل لِمَنْ يَسُوقُ الْهَدْيَ هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ (٢) . لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لاَ يَحِل مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ (٣) ".

وُجُوبُ الْهَدْيِ فِي التَّمَتُّعِ:

١٦ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْهَدْيُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَذَلِكَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ

قَال تَعَالَى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ (٤):

وَالْهَدْيُ الْوَاجِبُ شَاةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ بَعِيرٌ أَوْ سُبُعُ الْبَقَرَةِ أَوِ الْبَعِيرِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَقَال مَالِكٌ هُوَ بَدَنَةٌ وَلاَ يَصِحُّ سُبُعُ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ.

_________

(١) حديث: " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقطت الهدي ولجعلتها عمرة وتحللت منها ". أخرجه مسلم (٢ / ٨٨٩ ط عيسى الحلبي) .

(٢) البناية على الهداية ٣ / ٦٤٥، والاختيار ١ / ١٥٩، والمغني لابن قدامة ٣ / ٣٩٠، ٣٩١.

(٣) حديث: " من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء منه حتى يقضي حجه ". أخرجه البخاري (٣ / ٤٣٣ ط السلفية) . ومسلم (٢ / ٩٠١ ط عيسى الحلبي) .

(٤) سورة البقرة / ١٩٦.

وَوَقْتُ وُجُوبِهِ إِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُمْ وَقْتُ وُجُوبِهِ الْوَقْتُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِيهِ نَحْرُهُ (١) . وَوَقْتُ ذَبْحِهِ وَإِخْرَاجِهِ يَوْمُ النَّحْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ بَعْدَ أَعْمَال الْعُمْرَةِ وَلَوْ قَبْل الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِنْ قَدَّمَ الْمُتَمَتِّعُ الْهَدْيَ قَبْل الْعَشْرِ طَافَ وَسَعَى وَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَإِنْ قَدَّمَ فِي الْعَشْرِ لَمْ يَنْحَرْ إِلاَّ يَوْمَ النَّحْرِ (٢) .

وَلِلتَّفْصِيل اُنْظُرْ مُصْطَلَحَ: (هَدْيٌ) .

بَدَل الْهَدْيِ:

١٧ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إِذَا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ بِأَنْ فَقَدَهُ أَوْ ثَمَنَهُ أَوْ وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، يَنْتَقِل إِلَى صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾ (٣) .

وَتُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ فِي مَوْضِعِهِ، فَمَتَى عَدِمَهُ فِي

_________

(١) فتح القدير ٢ / ٤١٧، وجواهر الإكليل ١ / ١٧٣، والحطاب ٢ / ٦٠، ٦٣، ومغني المحتاج ١ / ٥١٥ - ٥١٦، والمغني لابن قدامة ٣ / ٤٦٩، ٤٧٥.

(٢) المراجع السابقة.

(٣) سورة البقرة / ١٩٦.

مَوْضِعِهِ جَازَ لَهُ الاِنْتِقَال إِلَى الصِّيَامِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْهَدْيِ فِي بَلَدِهِ (١) .

هَذَا وَلاَ يَلْزَمُ التَّتَابُعُ فِي الصِّيَامِ بَدَل الْهَدْيِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا. وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ الثَّلاَثَةِ، وَكَذَا السَّبْعَةُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمُ الشَّافِعِيَّةُ (٢) .

وَقْتُ الصِّيَامِ وَمَكَانُهُ:

أَوَّلًا - صِيَامُ الأَْيَّامِ الثَّلاَثَةِ:

١٨ - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ لِصِيَامِ الثَّلاَثَةِ هُوَ أَنْ يَصُومَهَا مَا بَيْنَ إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَكُونُ آخِرُ أَيَّامِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَعَلَى ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَقْدِيمُ الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْل يَوْمِ التَّرْوِيَةِ لِيُكْمِل الثَّلاَثَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ؛ لأَِنَّ الصَّوْمَ بَدَل الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إِلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الأَْصْل.

وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الثَّلاَثَةُ قَبْل يَوْمِ عَرَفَةَ؛ لأَِنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ (٣) .

_________

(١) البناية على الهداية ٣ / ٦٣٥، ٦٣٦، والفواكه الدواني ١ / ٤٣٣، ومغني المحتاج ١ / ٥١٦، والمغني ٣ / ٤٧٦.

(٢) المراجع السابقة، وانظر مغني المحتاج ١ / ٥١٧، والمغني ٣ / ٤٧٨، وجواهر الإكليل ١ / ٢٠٠ - ٢٠١.

(٣) البناية على الهداية ٣ / ٦٢٣، والفواكه الدواني ١ / ٤٣٣، ومغني المحتاج ١ / ٥١٦، ٥١٧ والمغني لابن قدامة ٣ / ٤٧٦، ٤٧٧.

وَلاَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الثَّلاَثَةِ أَوْ يَوْمٍ مِنْهَا عَلَى الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل زُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ﴾ (١) وَلأَِنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلاَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهَا كَسَائِرِ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ؛ وَلأَِنَّ مَا قَبْلَهُ لاَ يَجُوزُ فِيهِ الدَّمُ فَلَمْ يَجُزْ بَدَلُهُ (٢) .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الثَّلاَثَةِ عَلَى الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ بَعْدَ الإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ إِذَا حَل مِنَ الْعُمْرَةِ. وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنَّ إِحْرَامَ الْعُمْرَةِ أَحَدُ إِحْرَامَيِ التَّمَتُّعِ فَجَازَ الصَّوْمُ بَعْدَهُ كَإِحْرَامِ الْحَجِّ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: ﴿فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ﴾ (٣) فَالْمُرَادُ بِهِ وَقْتُهُ أَوْ أَشْهُرُ الْحَجِّ؛ لأَِنَّ نَفْسَ الْحَجِّ - وَهِيَ أَفْعَالٌ مَعْلُومَةٌ - لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِفِعْلٍ آخَرَ وَهُوَ الصَّوْمُ.

وَأَمَّا تَقْدِيمُ الصَّوْمِ عَلَى إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَلاَ يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ وُجُودِ السَّبَبِ (٤) . وَإِنْ فَاتَهُ الصَّوْمُ حَتَّى أَتَى يَوْمُ النَّحْرِ صَامَ أَيَّامَ مِنًى عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - وَقَال

_________

(١) سورة البقرة / ١٩٦.

(٢) المراجع السابقة.

(٣) سورة البقرة / ١٩٦.

(٤) البناية على الهداية ٣ / ٦٢١، ٦٢٢، والفواكه الدواني ١ / ٤٣٣، والمغني لابن قدامة ٣ / ٤٧٧، وانظر المراجع السابقة.

الشَّافِعِيَّةُ: وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَصُومُهَا بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لأَِنَّهُ صَوْمٌ مُؤَقَّتٌ فَيُقْضَى، وَالأَْظْهَرُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ بِقَدْرِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ) وَمُدَّةُ إِمْكَانِ السَّيْرِ إِلَى أَهْلِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ (١) .

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يُجْزِئُهُ إِلاَّ الدَّمُ، لِنَهْيِ النَّبِيِّ ﷺ عَنِ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الأَْيَّامِ؛ وَلأَِنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنِ الْهَدْيِ وَلاَ نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ؛ وَلأَِنَّ الإِْبْدَال ثَبَتَ شَرْعًا عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ؛ لأَِنَّهُ لاَ مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الدَّمِ وَالصَّوْمِ فَلاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِإِثْبَاتِ الشَّارِعِ، وَالنَّصُّ خَصَّهُ بِوَقْتِ الْحَجِّ، فَإِذَا فَاتَ وَقْتُهُ فَاتَ هُوَ أَيْضًا فَيَظْهَرُ حُكْمُ الأَْصْل وَهُوَ الدَّمُ عَلَى مَا كَانَ (٢)

ثَانِيًا - صِيَامُ الأَْيَّامِ السَّبْعَةِ:

١٩ - يَصُومُ الْمُتَمَتِّعُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إِذَا رَجَعَ مِنَ الْحَجِّ لِيُكْمِل الْعَشَرَةَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ (٣)، وَالأَْفْضَل أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى أَهْلِهِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ

_________

(١) الفواكه الدواني ١ / ٤٣٣، ومغني المحتاج ١ / ٥١٧، والمغني ٣ / ٤٧٨، ٤٧٩.

(٢) البناية شرح الهداية ٣ / ٦٢٣، ٦٢٤.

(٣) سورة البقرة / ١٩٦.

أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ (١)

وَيَجُوزُ صِيَامُهَا بِمَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْحَجِّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، إِذِ الْمُرَادُ مِنَ الرُّجُوعِ الْفَرَاغُ مِنَ الْحَجِّ؛ لأَِنَّهُ سَبَبُ الرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِهِ، فَكَانَ الأَْدَاءُ بَعْدَ السَّبَبِ (٢) .

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ: لاَ يَجُوزُ صِيَامُهَا إِلاَّ بَعْدَ الرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ (٣)، فَلاَ يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي مَكَّةَ إِلاَّ إِذَا أَرَادَ الإِْقَامَةَ بِهَا (٤) .

ثَالِثًا - الْقُدْرَةُ عَلَى الْهَدْيِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصِّيَامِ:

٢٠ - مَنْ دَخَل فِي الصِّيَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنَ الصَّوْمِ إِلَى الْهَدْيِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (٥) .

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ صَوْمِ يَوْمَيْنِ بَطَل صَوْمُهُ، وَيَجِبُ الْهَدْيُ، وَبَعْدَ التَّحَلُّل

_________

(١) حديث: " فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ". أخرجه البخاري (٣ / ٥٣٩ ط السلفية)، ومسلم (٢ / ٨٠١ ط عيسى الحلبي) .

(٢) البناية على الهداية ٣ / ٦٢٢، ٦٢٣، والفواكه الدواني ١ / ٤٣٣، والمغني لابن قدامة ٣ / ٤٧٧.

(٣) سورة البقرة / ١٩٦.

(٤) مغني المحتاج ١ / ٥١٧.

(٥) مغني المحتاج ١ / ٥١٨، والمغني لابن قدامة ٣ / ٤٨٠، ٤٨١.