الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٣
مِنْ بَيْتِ الْمَال عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَتَدْرِيسِ عِلْمٍ نَافِعٍ مِنْ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَنَحْوِهِمَا؛ لأَِنَّ هَذَا الرِّزْقَ لَيْسَ أُجْرَةً مِنْ كُل وَجْهٍ بَل هُوَ كَالأُْجْرَةِ (١) .
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الاِسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ: فَيَرَى مُتَقَدِّمُو الْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - عَدَمَ صِحَّةِ الاِسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، كَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ (٢) . لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ﵁ قَال: عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْل الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ، فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا. قَال: قُلْتُ: قَوْسٌ، وَلَيْسَ بِمَالٍ. قَال: قُلْتُ: أَتَقَلَّدُهَا فِي سَبِيل اللَّهِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، رَجُلٌ أَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ، وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيل اللَّهِ، قَال: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا (٣) .
وَحَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ﵁، أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَهْدَى لَهُ خَمِيصَةً
_________
(١) ابن عابدين ٣ / ٢٨٢، ومطالب أولي النهى ٣ / ٦٤١، والمغني لابن قدامة ٦ / ٤١٧، وقليوبي ٤ / ٢٩٦، الموسوعة الفقهية ٨ / ٢٥٢.
(٢) بدائع الصنائع ٤ / ١٩١، والإنصاف ٦ / ٤٥، ٤٦.
(٣) حديث: " إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها " أخرجه أبو داود (٣ / ٧٠٢ تحقيق عزت عبيد دعاس)، والحاكم (٢ / ٤١ ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
أَوْ ثَوْبًا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَال: إِنَّكَ لَوْ لَبِسْتَهَا لأَلْبَسَكَ اللَّهُ مَكَانَهَا ثَوْبًا مِنْ نَارٍ (١) وَلأَِنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِعَمَلٍ مَفْرُوضٍ، فَلاَ يَجُوزُ، كَالاِسْتِئْجَارِ لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ، وَلأَِنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ الاِسْتِيفَاءِ فِي حَقِّ الأَْجِيرِ، لِتَعَلُّقِهِ بِالْمُتَعَلِّمِ، فَأَشْبَهَ الاِسْتِئْجَارَ لِحَمْل خَشَبَةٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِهَا بِنَفْسِهِ، وَلأَِنَّ الاِسْتِئْجَارَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ سَبَبٌ لِتَنْفِيرِ النَّاسِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ، لأَِنَّ ثِقَل الأَْجْرِ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ اللَّهُ جَل شَأْنُهُ فِي قَوْلِهِ ﷿: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ﴾ (٢) فَيُؤَدِّي إِلَى الرَّغْبَةِ عَنْ هَذِهِ الطَّاعَةِ، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ (٣) .
وَذَهَبَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى عِنْدَهُمْ - وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَهُوَ الْقَوْل الآْخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - يُؤْخَذُ مِمَّا نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ - إِلَى جَوَازِ الاِسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ، لِخَبَرِ: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ (٤) وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ
_________
(١) حديث: " إنك لو لبستها لألبسك الله مكانها. . . " ذكره الفقيه مصطفى السيوطي في مطالب أولي النهى (٣ / ٦٣٨ ط المكتب الإسلامي) وعزاه إلى الأثرم في سننه.
(٢) سورة الطور / ٤٠.
(٣) مطالب أولي النهى ٣ / ٦٣٧، ٦٣٨، وبدائع الصنائع ٤ / ١٩١، والفتاوى الهندية ٤ / ٤٤٨.
(٤) حديث: " إن أحق ما أخذتم عليه. . " أخرجه البخاري (الفتح) ١٠ / ١٩٩ ط السلفية) .
أَنَّهُ قَال: كُل مَنْ سَأَلْتُ مِنْ أَهْل الْمَدِينَةِ لاَ يَرَى بِتَعْلِيمِ الْغِلْمَانِ بِالأَْجْرِ بَأْسًا.
وَلأَِنَّ الْحُفَّاظَ وَالْمُعَلِّمِينَ - نَظَرًا لِعَدَمِ وُجُودِ عَطِيَّاتٍ لَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَال - رُبَّمَا اشْتَغَلُوا بِمَعَاشِهِمْ، فَلاَ يَتَفَرَّغُونَ لِلتَّعْلِيمِ حِسْبَةً، إِذْ حَاجَتُهُمْ تَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يُفْتَحْ لَهُمْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالأَْجْرِ لَذَهَبَ الْعِلْمُ وَقَل حُفَّاظُ الْقُرْآنِ.
قَال أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: التَّعْلِيمُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَتَوَكَّل لِهَؤُلاَءِ السَّلاَطِينِ، وَمِنْ أَنْ يَتَوَكَّل لِرَجُلٍ مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ فِي ضَيْعَةٍ، وَمِنْ أَنْ يَسْتَدِينَ وَيَتَّجِرَ، لَعَلَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ فَيَلْقَى اللَّهَ بِأَمَانَاتِ النَّاسِ (١) . وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: جَوَازُ الاِسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، أَمَّا الإِْجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ، كَالنَّحْوِ وَالأُْصُول وَالْفَرَائِضِ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُمْ. وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ جَوَازِ الإِْجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَكَرَاهَتِهَا عَلَى تَعْلِيمِ غَيْرِهِ: بِأَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ حَقٌّ لاَ شَكَّ فِيهِ، بِخِلاَفِ مَا عَدَاهُ مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ بِالاِجْتِهَادِ، فَإِنَّ فِيهِ الْحَقَّ وَالْبَاطِل. وَأَيْضًا فَإِنَّ تَعْلِيمَ الْفِقْهِ بِأُجْرَةٍ لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَل بِخِلاَفِ الْقُرْآنِ، كَمَا أَنَّ أَخْذَ
_________
(١) مطالب أولي النهى ٣ / ٦٣٨، والحطاب ٥ / ٤١٨، والمدونة ٤ / ٤١٩ نشر دار صادر بيروت، والزيلعي ٥ / ١٢٤، ١٢٥، والفتاوى الهندية ٤ / ٤٤٨، ابن عابدين ٥ / ٣٤، ٣٥.
الأُْجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِهِ يُؤَدِّي إِلَى تَقْلِيل طَالِبِهِ (١) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - عَلَى الأَْصَحِّ - إِلَى جَوَازِ الاِسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ بِشَرْطِ تَعْيِينِ السُّورَةِ وَالآْيَاتِ الَّتِي يَعْلَمُهَا، فَإِنْ أَخَل بِأَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ. وَقِيل: لاَ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. أَمَّا الاِسْتِئْجَارُ لِتَدْرِيسِ الْعِلْمِ فَقَالُوا: بِعَدَمِ جَوَازِهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الاِسْتِئْجَارُ لِتَعْلِيمِ مَسْأَلَةٍ أَوْ مَسَائِل مَضْبُوطَةٍ، فَيَجُوزُ (٢) .
وَقَدْ فَصَّل الْفُقَهَاءُ الْقَوْل فِي شُرُوطِ الاِسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ، عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ الاِسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَاتِ، يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي أَبْوَابِ (الإِْجَارَةِ) مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ
الاِسْتِئْجَارُ عَلَى تَعْلِيمِ الْحِرَفِ وَالْعُلُومِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ:
١٦ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ الاِسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْحِرَفِ وَالصِّنَاعَاتِ الْمُبَاحَةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الْمَصَالِحُ الدُّنْيَوِيَّةُ، كَخِيَاطَةٍ وَحِدَادَةٍ وَبِنَاءٍ وَزَرْعٍ وَنَسِيجٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (٣) .
_________
(١) الفواكه الدواني ٢ / ١٦٤.
(٢) روضة الطالبين ٥ / ١٩٠، ومغني المحتاج ٢ / ٣٤٤، والأنوار لأعمال الأبرار ١ / ٥٩٦.
(٣) البزازية بهامش الهندية ٥ / ٣٨، والفتاوى الهندية ٤ / ٤٤٨، والمدونة ٤ / ٤٢٠ نشر دار صادر بيروت والأنوار لأعمال الأبرار ١ / ٥٩٦، وانظر مطالب أولي النهى ٢ / ٤٩٨.
وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ صِحَّةَ الإِْجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْعُلُومِ سِوَى الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ الْبَحْتَةِ، كَاللُّغَةِ وَالآْدَابِ، لأَِنَّهَا تَارَةً تَقَعُ قُرْبَةً وَتَارَةً تَقَعُ غَيْرَ قُرْبَةٍ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنَ الاِسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ لِفِعْلِهِ، كَغَرْسِ الأَْشْجَارِ وَبِنَاءِ الْبُيُوتِ، لِكَوْنِ فَاعِلِهَا لاَ يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْل الْقُرْبَةِ (١) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ الإِْجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ مِثْل هَذِهِ الْعُلُومِ (٢) .
وَلِلتَّفْصِيل فِي شُرُوطِ الاِسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْحِرَفِ وَالْعُلُومِ (ر: مُصْطَلَحَ إِجَارَةٍ ف ١٥١ ج ١)
تَعْلِيمُ عُلُومٍ مُحَرَّمَةٍ:
١٧ - لاَ يَجُوزُ تَعْلِيمُ عُلُومٍ مُحَرَّمَةٍ، كَالْكِهَانَةِ وَالتَّنْجِيمِ وَالضَّرْبِ بِالرَّمْل وَبِالشَّعِيرِ وَبِالْحِمَّصِ، وَالشَّعْبَذَةِ، وَعُلُومِ طَبَائِعَ وَسِحْرٍ وَطَلْسَمَاتٍ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ مَعْنَاهَا وَتَلْبِيسَاتٍ. فَتَعْلِيمُ كُل ذَلِكَ مُحَرَّمٌ وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهَا حَرَامٌ بِنَصِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي النَّهْيِ عَنْ " حُلْوَانِ الْكَاهِنِ " وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ (٣) .
_________
(١) كشاف القناع ٤ / ١٣، ومطالب أولي النهى ٣ / ٦٤٣، والفتاوى الهندية ٤ / ٤٤٨.
(٢) الفواكه الدواني ٢ / ١٦٤.
(٣) مطالب أولي النهى ٢ / ٤٩٩، وحاشية الشبراملسي مع نهاية المحتاج ٧ / ٣٨٠، وروضة الطالبين ١٠ / ٢٢٥، وأسنى المطالب ٤ / ١٨٢، وابن عابدين ١ / ٣٠ - ٣١.
هَذَا، وَلَيْسَ مِنَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ تَعْلِيمُ وَتَعَلُّمُ عِلْمِ النُّجُومِ لِيُسْتَدَل بِهِ عَلَى مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ وَالْقِبْلَةِ وَاخْتِلاَفِ الْمَطَالِعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (١) . وَلِلتَّفْصِيل (ر: عِلْمٌ) .
تَعْلِيمُ الْجَوَارِحِ:
١٨ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِحِل مَا قَتَلَتْهُ الْجَوَارِحُ مِنَ الصَّيْدِ: كَوْنُ الْجَارِحِ مُعَلَّمًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ (٢) حَيْثُ إِنَّ النَّصَّ يَنْطِقُ بِاشْتِرَاطِ التَّعْلِيمِ، وَقَوْلُهُ ﵊: إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُل مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، وَإِنْ قَتَلْنَ، إِلاَّ أَنْ يَأْكُل الْكَلْبُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كَلْبٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلاَ تَأْكُل (٣) . وَلأَِنَّ الْجَارِحَ إِنَّمَا يَصِيرُ آلَةً بِالتَّعْلِيمِ، لِيَكُونَ عَامِلًا لِلصَّائِدِ بِمَا يُرِيدُ مِنَ الصَّيْدِ، فَيَسْتَرْسِل بِإِرْسَالِهِ، وَيُمْسِكُ الصَّيْدَ عَلَى صَاحِبِهِ، لاَ لِنَفْسِهِ (٤) .
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٣٠، ومطالب أولي النهى ٢ / ٤٤٩، وانظر الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي ص ٤٧.
(٢) سورة المائدة / ٤.
(٣) حديث: " إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٦٠٩ ط - السلفية) .
(٤) روضة الطالبين ٣ / ٢٤٦، والمجموع ٩ / ٩٣ نشر المكتبة السلفية، والبناية شرح الهداية ٩ / ٥٧٣، ٥٧٨، وتبيين الحقائق ٦ / ٥١، المغني لابن قدامة ٨ / ٥٤٢، والإنصاف ١٠ / ٤٢٧، وبداية المجتهد ١ / ٤٥٧ ط دار المعرفة، والدسوقي ٢ / ١٠٣، المنتقى ٣ / ١٢٣، وصحيح مسلم بشرح النووي ١٣ / ٧٤ ط المطبعة المصرية.
وَلِلتَّفْصِيل فِي صِفَةِ الْجَارِحِ الَّذِي يَصِحُّ أَنْ يُصَادَ بِهِ وَشُرُوطِ تَعْلِيمِهِ وَضَبْطِ تَعْلِيمِهِ يُنْظَرُ: مُصْطَلَحُ: (صَيْدٌ)
تَعَمُّدٌ
انْظُرْ: عَمْدٌ
تَعَمُّمٌ
انْظُرْ: عِمَامَةٌ
تَعْمِيرٌ
انْظُرْ: عِمَارَةٌ
تَعْمِيمٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - التَّعْمِيمُ لُغَةً: جَعْل الشَّيْءِ عَامًّا أَيْ شَامِلًا، يُقَال: عَمَّ الْمَطَرُ الأَْرْضَ: إِذَا شَمِلَهَا. وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنَ الاِسْتِعْمَال اللُّغَوِيِّ (١) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
التَّعْمِيمُ يَكُونُ فِي أُمُورٍ مِنْهَا:
أ - الْوُضُوءُ:
٢ - الْقَاعِدَةُ أَنَّ كُل عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْجِسْمِ يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ يَجِبُ تَعْمِيمُهُ بِالْمَاءِ، إِلاَّ فِي حَالَةِ التَّعَذُّرِ وَالضَّرُورَةِ
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ - مَا عَدَا الزُّهْرِيَّ - عَلَى أَنَّ الأُْذُنَيْنِ لَيْسَتَا مِنَ الْوَجْهِ، فَلاَ يَجِبُ غَسْلُهُمَا بِالْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ.
وَخَالَفَ الْحَنَابِلَةُ الأَْئِمَّةَ الثَّلاَثَةَ فِي دَاخِل الْفَمِ وَالأَْنْفِ، وَقَالُوا: إِنَّهُمَا مِنَ الْوَجْهِ، فَيُفْتَرَضُ غَسْلُهُمَا أَيْ: بِالْمَضْمَضَةِ لِلْفَمِ وَالاِسْتِنْشَاقِ
_________
(١) محيط المحيط مادة: " عمم "، وكشاف القناع ١ / ١٧٨، ومغني المحتاج ١ / ٧٣.
لِلأَْنْفِ. وَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَ الأَْئِمَّةِ الثَّلاَثَةِ: غَسْل ظَاهِرِ الأَْنْفِ.
٣ - وَاتَّفَقَ الأَْئِمَّةُ الأَْرْبَعَةُ عَلَى وُجُوبِ تَعْمِيمِ الْيَدَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ بِالْمَاءِ، وَقَالُوا: إِذَا لَصِقَ بِالْيَدَيْنِ، أَوْ بِأَصْل الظُّفُرِ طِينٌ أَوْ عَجِينٌ، يَجِبُ إِزَالَتُهُ وَإِيصَال الْمَاءِ إِلَى أَصْل الظُّفُرِ، وَإِلاَّ بَطَل وُضُوءُهُ. وَيَجِبُ غَسْل تَكَامِيشِ (تَجَاعِيدِ) الأَْنَامِل لِيَعُمَّهَا الْمَاءُ، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ الْحَنَفِيَّةِ يَرَى ضَرُورَةَ غَسْل الأَْوْسَاخِ اللاَّصِقَةِ بِبَاطِنِ الظُّفُرِ الطَّوِيل، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل بَطَل وُضُوءُهُ. وَاغْتَفَرُوا لِلْخَبَّازِ الَّذِي تَطُول أَظْفَارُهُ، فَيَبْقَى تَحْتَهَا شَيْءٌ مِنَ الْعَجِينِ لِضَرُورَةِ الْمِهْنَةِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ وَسَخَ الأَْظْفَارِ يُعْفَى عَنْهُ إِلاَّ إِذَا تَفَاحَشَ وَكَثُرَ، فَيَجِبُ إِزَالَتُهُ لِيَصِل الْمَاءُ إِلَى مَا تَحْتَ الظُّفُرِ. أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا: إِنَّ الأَْوْسَاخَ الَّتِي تَحْتَ الأَْظْفَارِ إِنْ مَنَعَتْ مِنْ وُصُول الْمَاءِ إِلَى الْجِلْدِ الْمُحَاذِي لَهَا مِنَ الأُْصْبُعِ، فَإِنَّ إِزَالَتَهَا وَاجِبَةٌ لِيَعُمَّ الْمَاءُ الْجِلْدَ، وَلَكِنْ يُعْفَى عَنِ الْعُمَّال الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي الطِّينِ وَنَحْوِهِ، بِشَرْطِ أَلاَّ يَكُونَ كَثِيرًا يُلَوِّثُ رَأْسَ الأُْصْبُعِ (١) .
_________
(١) حاشية ابن عابدين ١ / ٩٥ - ٩٨ الطبعة الثانية للحلبي بمصر، وشرح فتح القدير ١ / ٩ وما بعدها، وبدائع الصنائع ٣ / ٧ - الطبعة الأولى، وشرح منح الجليل ١ / ٤٥ وما بعدها، وحاشية الدسوقي ١ / ٨٥ وما بعدها، وشرح الزرقاني ١ / ٥٥ - ٦٠، ونهاية المحتاج ١ / ١٤٠، ١٥١ - ١٦١، وحاشية الجمل على شرح المنهج ١ / ١٠٩ - ١١٤، - وشرح روض الطالب ١ / ٣١ - ٣٣، والمغني لابن قدامة ١ / ١٢٣ وما بعدها ط. الرياض، وكشاف القناع ١ / ١٥٢، ما بعدها ط. الرياض.
ب - الْغُسْل:
٤ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَعْمِيمَ الْجَسَدِ كُلِّهِ بِالْمَاءِ فَرْضٌ فِي الْغُسْل؛ لأَِنَّ مِنْ أَرْكَانِ الْغُسْل: تَعْمِيمَ الْجَسَدِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي دَاخِل الْفَمِ وَالأَْنْفِ، فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ مِنَ الْبَدَنِ، فَالْمَضْمَضَةُ وَالاِسْتِنْشَاقُ فَرْضٌ عِنْدَهُمَا فِي الْغُسْل، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْفَرْضَ هُوَ غَسْل الظَّاهِرِ فَقَطْ، فَلاَ تَجِبُ الْمَضْمَضَةُ وَالاِسْتِنْشَاقُ فِي الْغُسْل. وَيَجِبُ تَعْمِيمُ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ وَإِيصَال الْمَاءِ إِلَى مَنَابِتِ شَعْرِهِ وَإِنْ كَثُفَ. وَيَجِبُ نَقْضُ ضَفَائِرَ لاَ يَصِل الْمَاءُ إِلَى بَاطِنِهَا إِلاَّ بِالنَّقْضِ.
وَقَال بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: يُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ غَسْل الرَّأْسِ فِي الْغُسْل الْعَرُوسُ إِذَا كَانَ شَعْرُهَا مُزَيَّنًا، فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهَا غَسْلُهُ، بَل يَكْفِيهَا الْمَسْحُ، قَالُوا: لِمَا فِي الْغُسْل مِنْ إِضَاعَةِ الْمَال. كَمَا يَجِبُ غَسْل مَا ظَهَرَ مِنْ صِمَاخَيِ الأُْذُنَيْنِ، وَمَا يَبْدُو مِنْ شُقُوقِ الْبَدَنِ الَّتِي لاَ غَوْرَ لَهَا. وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَرُورَةِ إِيصَال الْمَاءِ إِلَى مَا يُمْكِنُ إِيصَالُهُ إِلَيْهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ، وَلَوْ كَانَتْ غَائِرَةً، كَعُمْقِ السُّرَّةِ وَمَحَل الْعَمَلِيَّاتِ الْجِرَاحِيَّةِ الَّتِي لَهَا أَثَرٌ غَائِرٌ. وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ اعْتَبَرُوا شُعَبَ الأُْذُنِ يَدْخُل فِيهِ الْقُرْطُ مِنَ الْبَاطِنِ، لاَ مِنَ الظَّاهِرِ،