الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٣
يُلْقِي إِلَيْهِ مَا لاَ يَبْلُغُهُ عَقْلُهُ، فَيُنَفِّرُهُ أَوْ يَخْبِطُ عَلَيْهِ عَقْلَهُ، اقْتِدَاءً فِي ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ ﷺ (١) حَيْثُ قَال: أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ (٢) .
- وَأَنْ يُحَرِّضَهُمْ عَلَى الاِشْتِغَال فِي كُل وَقْتٍ، وَيُطَالِبَهُمْ فِي أَوْقَاتٍ بِإِعَادَةِ مَحْفُوظَاتِهِمْ، وَيَسْأَلَهُمْ عَمَّا ذَكَرَ لَهُمْ مِنَ الْمُهِمَّاتِ.
- وَأَنْ يُقَدِّمَ فِي تَعْلِيمِهِمْ إِذَا ازْدَحَمُوا الأَْسْبَقَ فَالأَْسْبَقَ (٣) .
- وَأَنْ يَكُونَ عَامِلًا بِعِلْمِهِ فَلاَ يُكَذِّبُ قَوْلَهُ فِعْلُهُ، لأَِنَّ الْعِلْمَ يُدْرَكُ بِالْبَصَائِرِ وَالْعَمَل يُدْرَكُ بِالأَْبْصَارِ، وَأَرْبَابُ الأَْبْصَارِ أَكْثَرُ (٤) .
ب - آدَابُ الْمُتَعَلِّمِ:
١٠ - يَنْبَغِي أَنْ يُطَهِّرَ قَلْبَهُ مِنَ الأَْدْنَاسِ لِيَصْلُحَ لِقَبُول الْعِلْمِ وَحِفْظِهِ وَاسْتِثْمَارِهِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا
_________
(١) إحياء علوم الدين ١ / ٥٧، والآداب الشرعية ٢ / ١٦٤.
(٢) حديث: " أنزلوا الناس منازلهم " أخرجه أبو داود (٥ / ١٧٣ تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث عائشة ﵂. وقال أبو داود: ميمون - يعني ابن أبي شبيب الراوي عن عائشة - لم يدرك عائشة ﵂.
(٣) المجموع ١ / ٦١.
(٤) إحياء علوم الدين ١ / ٥٨، وانظر جامع بيان العلم وفضله للقرطبي ١ / ١٢٥ وما بعدها.
فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ (١)
وَقَالُوا: تَطْبِيبُ الْقَلْبِ لِلْعِلْمِ كَتَطْبِيبِ الأَْرْضِ لِلزِّرَاعَةِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ الْعَلاَئِقَ الشَّاغِلَةَ عَنْ كَمَال الاِجْتِهَادِ فِي التَّحْصِيل، وَيَرْضَى بِمَا يَتَيَسَّرُ مِنَ الْقُوتِ، وَيَصْبِرُ إِنْ ضَاقَ بِهِ الْعَيْشُ (٢) .
وَيَنْبَغِي لِلْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَتَوَاضَعَ لِمُعَلِّمِهِ وَيَنْظُرَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الاِحْتِرَامِ، وَيَرَى كَمَال أَهْلِيَّتِهِ " وَرُجْحَانَهُ عَلَى أَكْثَرِ طَبَقَتِهِ، فَذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى انْتِفَاعِهِ بِهِ وَرُسُوخِ مَا سَمِعَهُ مِنْهُ فِي ذِهْنِهِ.
- وَلْيَحْذَرِ الْمُتَعَلِّمُ الْبَسْطَ عَلَى مَنْ يُعَلِّمُهُ وَإِنْ آنَسَهُ، وَالإِْدْلاَل عَلَيْهِ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ صُحْبَتُهُ، وَلاَ يُظْهِرُ لَهُ الاِسْتِكْفَاءَ مِنْهُ وَالاِسْتِغْنَاءَ عَنْهُ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ كُفْرًا لِنِعْمَتِهِ وَاسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِ.
- وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ تَبْعَثَهُ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ لِلْمُعَلِّمِ عَلَى قَبُول الشُّبْهَةِ مِنْهُ، وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَنِّتَ مُعَلِّمَهُ بِالسُّؤَال، وَلاَ يَدْعُوهُ تَرْكُ الإِْعْنَاتِ لِلْمُعَلِّمِ إِلَى التَّقْلِيدِ فِيمَا أَخَذَ عَنْهُ. وَلَيْسَتْ كَثْرَةُ
_________
(١) حديث: " إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله. . " أخرجه البخاري (الفتح ١ / ١٢٦ ط السلفية)، ومسلم (٣ / ١٢٢٠ ط الحلبي) من حديث النعمان بن بشير ﵄
(٢) المجموع للنووي ١ / ٦٤، والمدخل لابن الحاج ٢ / ١٢٤ ط الحلبي.
السُّؤَال فِيمَا الْتَبَسَ إِعْنَاتًا، وَلاَ قَبُول مَا صَحَّ فِي النَّفْسِ تَقْلِيدًا (١) .
إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُلِحُّ فِي السُّؤَال إِلْحَاحًا مُضْجِرًا، وَيَغْتَنِمُ سُؤَالَهُ عِنْدَ طِيبِ نَفْسِهِ وَفَرَاغِهِ، وَيَتَلَطَّفُ فِي سُؤَالِهِ وَيُحْسِنُ خِطَابَهُ (٢) .
- وَلْيَأْخُذِ الْمُتَعَلِّمُ حَظَّهُ مِمَّنْ وَجَدَ طَلَبَتَهُ عِنْدَهُ مِنْ نَبِيهٍ وَخَامِلٍ، وَلاَ يَطْلُبُ الصِّيتَ وَحُسْنَ الذِّكْرِ بِاتِّبَاعِ أَهْل الْمَنَازِل مِنَ الْعُلَمَاءِ، إِذَا كَانَ النَّفْعُ بِغَيْرِهِمْ أَعَمَّ، إِلاَّ أَنْ يَسْتَوِيَ النَّفْعَانِ فَيَكُونُ الأَْخْذُ عَمَّنِ اشْتَهَرَ ذِكْرُهُ وَارْتَفَعَ قَدْرُهُ أَوْلَى، لأَِنَّ الاِنْتِسَابَ إِلَيْهِ أَجْمَل وَالأَْخْذَ عَنْهُ أَشْهَرُ (٣) .
- وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا عَلَى التَّعَلُّمِ مُوَاظِبًا عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ، لَيْلًا وَنَهَارًا حَضَرًا وَسَفَرًا، وَلاَ يُذْهِبُ مِنْ أَوْقَاتِهِ شَيْئًا فِي غَيْرِ الْعِلْمِ إِلاَّ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ لأَِكْلٍ وَنَوْمٍ قَدْرًا - لاَ بُدَّ مِنْهُ - وَنَحْوِهِمَا مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ.
- وَمِنْ آدَابِ الْمُتَعَلِّمِ: الْحِلْمُ وَالأَْنَاةُ، وَأَنْ تَكُونَ هِمَّتُهُ عَالِيَةً، فَلاَ يَرْضَى بِالْيَسِيرِ مَعَ إِمْكَانِ
_________
(١) المجموع ١ / ٣٦ ط المنيرية، وإحياء علوم الدين ١ / ٥٠، وكتاب أدب الدنيا والدين للماوردي ص ٣٢ - ٣٤، وكتاب تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم لابن جامعة ص ٨٦ ط حيد أباد ١٣٥٣ هـ.
(٢) المجموع ١ / ٣٧.
(٣) كتاب أدب الدنيا والدين ص ٣٤.
كَثِيرٍ، وَأَنْ لاَ يُسَوِّفَ فِي اشْتِغَالِهِ وَلاَ يُؤَخِّرَ تَحْصِيل فَائِدَةٍ، وَإِنْ قَلَّتْ: إِذَا تَمَكَّنَ مِنْهَا، وَإِنْ أَمَل حُصُولَهَا بَعْدَ سَاعَةٍ، لأَِنَّ لِلتَّأْخِيرِ آفَاتٍ، وَلأَِنَّ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي يَحْصُل غَيْرُهَا (١) .
تَعْلِيمُ الصِّغَارِ:
١١ - عَلَى الآْبَاءِ وَالأُْمَّهَاتِ وَسَائِرِ الأَْوْلِيَاءِ تَعْلِيمُ الصِّغَارِ مَا يَلْزَمُهُمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَيُعَلَّمُ الصَّغِيرُ مَا تَصِحُّ بِهِ عَقِيدَتُهُ مِنْ إِيمَانٍ بِاَللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ، وَمَا تَصِحُّ بِهِ عِبَادَتُهُ، وَيُعَرِّفُهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِصَلاَتِهِ وَصِيَامِهِ وَطَهَارَتِهِ وَنَحْوِهَا، وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ (٢) . وَيُعَرِّفُهُ تَحْرِيمَ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْمُسْكِرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَشَبَهِهَا، كَمَا يُعَلَّمُ أَنَّهُ بِالْبُلُوغِ يَدْخُل فِي التَّكْلِيفِ، وَيُعَرَّفُ مَا يَبْلُغُ بِهِ.
وَقِيل هَذَا التَّعْلِيمُ مُسْتَحَبٌّ، وَنَقَل الرَّافِعِيُّ عَنِ الأَْئِمَّةِ وُجُوبَهُ عَلَى الآْبَاءِ وَالأُْمَّهَاتِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ (٣) .
_________
(١) المجموع ١ / ٣٧، ٣٨.
(٢) حديث: " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، وأضربوهم عليها وهم. . ". أخرجه أبو داود (١ / ٣٣٤ - تحقيق عزت عبيد دعاس) وحسنه النووي في الرياض (ص١٤٨ - ط المكتب الإسلامي) .
(٣) الفواكه الدواني ٢ / ١٦٤، والمجموع ١ / ٥٠.
وَدَلِيل وُجُوبِ تَعْلِيمِ الصَّغِيرِ: قَوْل اللَّهِ ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ (١) قَال عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ﵁ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةَ: مَعْنَاهُ عَلِّمُوهُمْ مَا يَنْجُونَ بِهِ مِنَ النَّارِ " وَهَذَا ظَاهِرٌ (٢) " وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ (٣) قَال الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّ الصَّبِيَّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ، وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ سَاذَجَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ كُل نَقْشٍ وَصُورَةٍ، وَهُوَ قَابِلٌ لِكُل نَقْشٍ، وَقَابِلٌ لِكُل مَا يُمَال بِهِ إِلَيْهِ، فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، يُشَارِكُهُ فِي ثَوَابِهِ أَبَوَاهُ وَكُل مُعَلِّمٍ لَهُ وَمُؤَدِّبٍ، وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِل شَقِيَ وَهَلَكَ، وَكَانَ الْوِزْرُ فِي رَقَبَةِ الْقَيِّمِ بِهِ وَالْوَلِيِّ عَلَيْهِ. وَمَهْمَا كَانَ الأَْبُ يَصُونُ وَلَدَهُ مِنْ نَارِ الدُّنْيَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَصُونَهُ مِنْ نَارِ الآْخِرَةِ، وَهُوَ أَوْلَى، وَصِيَانَتُهُ بِأَنْ يُؤَدِّبَهُ وَيَهْدِيَهُ وَيُعَلِّمَهُ مَحَاسِنَ الأَْخْلاَقِ، وَيَحْفَظَهُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَلاَ يُعَوِّدَهُ التَّنَعُّمَ، وَلاَ يُحَبِّبَ إِلَيْهِ
_________
(١) سورة التحريم / ٦.
(٢) المجموع ١ / ٥٠، ٣ / ١١، والفواكه الدواني ٢ / ١٦٤، والدر المختار ٣ / ١٨٩.
(٣) حديث: " كلكم راع ومسئول عن رعيته ". أخرجه البخاري (الفتح ٢ / ٣٨٠ ط السلفية)، ومسلم ٣ / ١٤٥٩ ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر ﵄.
الزِّينَةَ وَأَسْبَابَ الرَّفَاهِيَةِ فَيُضَيِّعُ عُمْرَهُ فِي طَلَبِهَا إِذَا كَبِرَ وَيَهْلَكُ هَلاَكَ الأَْبَدِ (١) .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَهُ أَيْضًا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ: السِّبَاحَةِ وَالرَّمْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْفَعُهُ فِي كُل زَمَانٍ بِحَسَبِهِ. قَال عُمَرُ ﵁: عَلِّمُوا أَوْلاَدَكُمُ السِّبَاحَةَ وَالرِّمَايَةَ، وَمُرُوهُمْ فَلْيَثِبُوا عَلَى الْخَيْل وَثْبًا. (٢)
هَذَا وَلِلتَّفْصِيل فِي الْعِلْمِ الْمَحْمُودِ وَالْعِلْمِ الْمَذْمُومِ، وَأَقْسَامِهِمَا وَأَحْكَامِهِمَا، وَمَا هُوَ يَتَعَيَّنُ طَلَبُهُ وَتَعَلُّمُهُ وَمَا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ (ر: عِلْمٌ)
تَعْلِيمُ النِّسَاءِ:
١٢ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ تَعْلِيمِ النِّسَاءِ الْقُرْآنَ وَالْعُلُومَ وَالآْدَابَ. وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَال بِوُجُوبِ قِيَامِ الْمُتَأَهِّلَةِ مِنَ النِّسَاءِ بِتَعْلِيمِ عُلُومِ الشَّرْعِ، كَمَا كَانَتْ عَائِشَةُ ﵂ وَنِسَاءٌ تَابِعَاتٌ (٣)، وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى لِنِسَاءِ نَبِيِّهِ
_________
(١) المدخل لابن الحاج ٤ / ٣١١.
(٢) أثر عمر: علموا أولادكم السباحة. وأورد ابن القيم في كتابه الفروسية (ص ٦ ط. دار الكتب العلمية) عن أبي إمامة بن سهل بن حنيف ﵁ قال: كتب عمر بن الخطاب ﵁ إلى أبي عبيدة بن الجراح ﵁: أن علموا غلمانكم العوم، ومقاتلتكم الرمي وعزاه إلى الطبراني في كتاب فضل الرمي.
(٣) تفسير القرطبي ١٠ / ١١٨، والفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي ص ٨٥، والزرقاني ٣ / ١٠٨، وانظر الموسوعة الفقهية ٧ / ٧٦، ٧٧.
﵊: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ (١) وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيمُ النِّسَاءِ مَعَ مُرَاعَاةِ آدَابِ أَمْرِ الشَّارِعِ الْمَرْأَةَ بِالْتِزَامِهَا لِلْحِفَاظِ عَلَى عِرْضِهَا وَشَرَفِهَا وَعِفَّتِهَا، مِنْ عَدَمِ الاِخْتِلاَطِ بِالرِّجَال، وَعَدَمِ التَّبَرُّجِ، وَعَدَمِ الْخُضُوعِ بِالْقَوْل إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ حَاجَةٌ لِلْكَلاَمِ مَعَ الأَْجَانِبِ.
وَلِلتَّفْصِيل (ر: اخْتِلاَطٌ، أُنُوثَةٌ، تَبَرُّجٌ، حِجَابٌ، عَوْرَةٌ) . وَيَجِبُ تَعْلِيمُ النِّسَاءِ الْعُلُومَ الَّتِي تُعْتَبَرُ ضَرُورِيَّةً بِالنِّسْبَةِ لِلأُْنْثَى كَطِبِّ النِّسَاءِ. قَال فِي الْجَوْهَرَةِ: إِذَا كَانَ الْمَرَضُ فِي سَائِرِ بَدَنِ الْمَرْأَةِ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ عِنْدَ الدَّوَاءِ، لأَِنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْفَرْجِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً تُدَاوِيهَا. . قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ " يَنْبَغِي " هُنَا لِلْوُجُوبِ (٢) . وَلِلتَّفْصِيل (ر: تَطْبِيبٌ، وَتَدَاوِي) . هَذَا وَيَرَى أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ فِي تَعْلِيمِ النِّسَاءِ الْكِتَابَةَ كَالرَّجُل. فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ ﵂. قَالَتْ: دَخَل عَلَيَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَأَنَا عِنْدَ حَفْصَةَ فَقَال: أَلاَ
_________
(١) سورة الأحزاب / ٣٤.
(٢) حاشية ابن عابدين ٥ / ٢٣٧، والفتاوى الهندية ٥ / ٣٣٠.
تُعَلِّمِينَ هَذِهِ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ كَمَا عَلَّمْتِهَا الْكِتَابَةَ (١) .
قَال الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى: وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعَلُّمِ النِّسَاءِ الْكِتَابَةَ.
وَقَدْ سَرَدَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الآْدَابِ الشَّرْعِيَّةِ الأَْحَادِيثَ الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْ ظَاهِرِهَا النَّهْيُ عَنْ تَعْلِيمِ النِّسَاءِ الْكِتَابَةَ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ ضَعَّفَ هَذِهِ الأَْحَادِيثَ، أَوْ أَعَلَّهَا بِالْوَضْعِ (٢) .
الضَّرْبُ لِلتَّعْلِيمِ:
١٣ - لِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَتَعَلَّمُ عِنْدَهُ لِلتَّأْدِيبِ (٣) . وَبِتَتَبُّعِ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ يُقَيِّدُونَ حَقَّ الْمُعَلِّمِ فِي ضَرْبِ الصَّبِيِّ الْمُتَعَلِّمِ بِقُيُودٍ مِنْهَا:
أ - أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ مُعْتَادًا لِلتَّعْلِيمِ كَمًّا وَكَيْفًا وَمَحَلًّا، يَعْلَمُ الْمُعَلَّمُ الأَْمْنَ مِنْهُ، وَيَكُونُ ضَرْبُهُ بِالْيَدِ لاَ بِالْعَصَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَ الثَّلاَثَ،
_________
(١) حديث: " ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتها الكتابة ". أخرجه أحمد (٦ / ٣٧٢ ط الميمنية) وأبو داود ٤ / ٢١٥ - تحقيق عزت عبيد دعاس) وأخرجه الحاكم (٤ / ٥٦ - ٥٧ ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
(٢) الآداب الشرعية لابن مفلح ٣ / ٣٠٩، ٣١٠، والفتاوى الحديثة ص ٨٥.
(٣) مواهب الجليل ٢ / ٤٧٢، ومغني المحتاج ٤ / ١٩٣ نشر دار إحياء التراث العربي، والمغني لابن قدامة ٥ / ٥٣٧ ط الرياض، وابن عابدين ٥ / ٣٦٣.
رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ قَال لِمِرْدَاسٍ الْمُعَلِّمِ ﵁: إِيَّاكَ أَنْ تَضْرِبَ فَوْقَ الثَّلاَثِ، فَإِنَّكَ إِذَا ضَرَبْتَ فَوْقَ الثَّلاَثِ اقْتَصَّ اللَّهُ مِنْكَ (١)
ب - أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، لأَِنَّ الضَّرْبَ عِنْدَ التَّعْلِيمِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَإِنَّمَا الضَّرْبُ عِنْدَ سُوءِ الأَْدَبِ، فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ التَّعْلِيمِ فِي شَيْءٍ، وَتَسْلِيمُ الْوَلِيِّ صَبِيَّهُ إِلَى الْمُعَلِّمِ لِتَعْلِيمِهِ لاَ يُثْبِتُ الإِْذْنَ فِي الضَّرْبِ، فَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ الضَّرْبُ، إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهِ نَصًّا.
وَنُقِل عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلُهُمْ: الإِْجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ مُطَّرِدٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ بِدُونِ إِذْنِ الْوَلِيِّ (٢) .
ج - أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ يَعْقِل التَّأْدِيبَ، فَلَيْسَ لِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ مَنْ لاَ يَعْقِل التَّأْدِيبَ مِنَ الصِّبْيَانِ
قَال الأَْثْرَمُ: سُئِل أَحْمَدُ عَنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصِّبْيَانَ، قَال: عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ، وَيَتَوَقَّى بِجَهْدِهِ الضَّرْبَ وَإِذَا كَانَ صَغِيرًا لاَ يَعْقِل فَلاَ يَضْرِبُهُ (٣) .
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٢٣٥، ٥ / ٣٦٣، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٩٦.
(٢) المبسوط للسرخسي ١٦ / ١٣، وابن عابدين ٥ / ٣٦٣، وبدائع الصنائع ٧ / ٣٠٥، ومغني المحتاج ٤ / ١٩٣، وانظر الموسوعة الفقهية الكويتية ١٠ / ٢٣.
(٣) المغني لابن قدامة ٥ / ٢٣٧، والآداب الشرعية لابن مفلح ١ / ٥٠٦، وغاية المنتهى ٣ / ٢٨٥.
ضَمَانُ ضَرْبِ التَّعْلِيمِ:
١٤ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُعَلِّمَ إِذَا أَدَّبَ صَبِيَّهُ الأَْدَبَ الْمَشْرُوعَ فَمَاتَ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ (١) . وَبِهَذَا قَال الْحَنَفِيَّةُ. إِلاَّ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ لِنَفْيِ الضَّمَانِ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ قَدْ حَصَل بِإِذْنِ الأَْبِ أَوِ الْوَصِيِّ، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ كَمًّا وَكَيْفًا وَمَحَلًّا، فَإِذَا ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ صَبِيًّا يَتَعَلَّمُ مِنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الأَْبِ أَوِ الْوَصِيِّ ضَمِنَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأَِنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الضَّرْبِ، وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ (٢) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ مَاتَ الْمُتَعَلِّمُ مِنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَكَانَ مِثْلُهُ مُعْتَادًا لِلتَّعْلِيمِ، لأَِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِسَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ؛ إِذِ الْمَقْصُودُ التَّأْدِيبُ لاَ الْهَلاَكُ، فَإِذَا حَصَل بِهِ هَلاَكٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوعَ (٣) . وَلِلتَّفْصِيل (ر: تَأْدِيبٌ. ضَمَانٌ. قَتْلٌ) .
الاِسْتِئْجَارُ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ:
١٥ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ أَخْذِ الرِّزْقِ
_________
(١) المغني لابن قدامة ٥ / ٢٣٧، وغاية المنتهى ٣ / ٢٨٥، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٩٦ والميزان الكبرى للشعراني ٢ / ١٧٢.
(٢) ابن عابدين ٥ / ٣٦٣، وبدائع الصنائع ٧ / ٣٠٥، وحاشية الطحطاوي على الدر ٤ / ٢٧٥، والمبسوط للسرخسي ١٦ / ١٣.
(٣) مغني المحتاج ٤ / ١٩٩، ونهاية المحتاج، وحاشية الشبراملسي ٥ / ٣٠٨ ط الحلبي.