الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٣ الصفحة 10

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٣

كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ عَلَى سَبِيل الْكِفَايَةِ. (١) لِقَوْلِهِ ﵊: لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ وَعَدَّ مِنْهَا: أَنْ يُغَسِّلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (٢) وَالأَْصْل فِيهِ: تَغْسِيل الْمَلاَئِكَةِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لآِدَمَ ﵇. ثُمَّ قَالُوا: يَا بَنِي آدَمَ هَذِهِ سُنَّتُكُمْ (٣) .

وَأَمَّا الْقَوْل بِسُنِّيَّةِ الْغُسْل عِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، فَقَدِ اقْتَصَرَ عَلَى تَصْحِيحِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ. (٤)

مَا يَنْبَغِي لِغَاسِل الْمَيِّتِ، وَمَا يُكْرَهُ لَهُ:

٣ - يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَاسِل ثِقَةً أَمِينًا، وَعَارِفًا

_________

(١) ابن عابدين ١ / ١١٢، ١١٣، وبدائع الصنائع ١ / ٢٩٩، ٣٠٠، والاختيار لتعليل المختار ١ / ٩١، ومواهب الجليل، ٢ / ٢٠٧، والشرح الصغير ١ / ٥٢٣ ط دار المعارف بمصر، وروضة الطالبين ٢ / ٩٨، وحاشية الجمل ٢ / ١٤٣، ونيل المآرب ١ / ٢٢٠

(٢) حديث: " للمسلم على المسلم. . . " ورد في كتاب الاختيار شرح المختار (١ / ٩١) ولم نجده فيما بين أيدينا من كتب السنة، وأورده الزيلعي بلفظ " للمسلم على المسلم ثمانية حقوق " وذكر منها " غسل الميت ". وقال: هذا الحديث ما عرفته ولا وجدته. (نصب الراية ٢ / ٢٥٧)

(٣) حديث: " تغسيل الملائكة لآدم ﵇، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم ". أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (٥ / ١٣٦ ط الميمنية) من حديث أبي بن كعب ﵁ موقوفا عليه. وقال الهيثمي: " رجاله رجال الصحيح غير عتي بن ضمرة وهو ثقة

(٤) مواهب الجليل ٢ / ٢٠٩، والشرح الصغير ١ / ٥٤٣ طبع دار المعارف بمصر، والقوانين الفقهية / ٩٧

بِأَحْكَامِ الْغُسْل. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: لِيُغَسِّل مَوْتَاكُمُ الْمَأْمُونُونَ (١) .

وَلاَ يَجُوزُ لَهُ إِذَا رَأَى مِنَ الْمَيِّتِ شَيْئًا مِمَّا يُكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَهُ إِلاَّ لِمَصْلَحَةٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ قَال: مَنْ غَسَّل مَيِّتًا، فَأَدَّى فِيهِ الأَْمَانَةَ، وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ (٢) .

وَإِنْ رَأَى حَسَنًا مِثْل أَمَارَاتِ الْخَيْرِ مِنْ وَضَاءَةِ الْوَجْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، اسْتُحِبَّ لَهُ إِظْهَارُهُ لِيَكْثُرَ التَّرَحُّمُ عَلَيْهِ، وَيَحْصُل الْحَثُّ عَلَى طَرِيقَتِهِ، وَالتَّبْشِيرُ بِجَمِيل سِيرَتِهِ. (٣)

إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُبْتَدِعًا، وَرَأَى الْغَاسِل مِنْهُ مَا يُكْرَهُ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُحَدِّثَ النَّاسَ بِهِ، لِيَكُونَ زَجْرًا لَهُمْ عَنِ الْبِدْعَةِ. (٤)

كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَيِّنَ مَفَاصِلَهُ إِنْ سَهُلَتْ

_________

(١) حديث: " ليغسل موتاكم المأمونون " أخرجه ابن ماجه (١ / ٤٦٩ ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر ﵄ وأعله البوصيري بالضعف الشديد في أحد رواته

(٢) حديث: " من غسل ميتا فأدى فيه الأمانة. . . " أخرجه أحمد (٦ / ١١٩ - ١٢٠ ط الميمنية) وقال الهيثمي: فيه جابر الجعفي، وفيه كلام كثير

(٣) ابن عابدين ١ / ٦٠٢، ومواهب الجليل٢ / ٢٢٣ ط دار الفكر، وروضة الطالبين ٢ / ١٠٩ ط المكتب الإسلامي، والمغني لابن قدامة ٢ / ٤٥٥، ٤٥٦ ط مكتبة الرياض الحديثة

(٤) ابن عابدين ١ / ٦٠٢، والفتاوى الهندية ١ / ١٥٩، وغاية المنتهى ١ / ٢٣٩، والمقنع ١ / ٢٧٤ ط المطبعة السلفية

عَلَيْهِ، وَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ لِقَسْوَةِ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهَا تَرَكَهَا؛ لأَِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ أَنْ تَنْكَسِرَ أَعْضَاؤُهُ. (١) وَيَلُفُّ الْغَاسِل عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً خَشِنَةً يَمْسَحُهُ بِهَا، لِئَلاَّ يَمَسَّ عَوْرَتَهُ. لأَِنَّ النَّظَرَ إِلَى الْعَوْرَةِ حَرَامٌ. فَاللَّمْسُ أَوْلَى، وَيُعِدُّ لِغَسْل السَّبِيلَيْنِ خِرْقَةً أُخْرَى. قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَيُكْرَهُ لِلْغَاسِل أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ إِلاَّ لِحَاجَةٍ، أَمَّا الْمُعَيَّنُ فَلاَ يَنْظُرُ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ. (٢)

كَمَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَقِفَ عَلَى الدَّكَّةِ، وَيَجْعَل الْمَيِّتَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، بَل يَقِفُ عَلَى الأَْرْضِ وَيُقَلِّبَهُ حِينَ غَسْلِهِ، كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِل بِالتَّفَكُّرِ وَالاِعْتِبَارِ، لاَ بِالأَْذْكَارِ الَّتِي ابْتَدَعُوهَا لِكُل عُضْوٍ ذِكْرٌ يَخُصُّهُ، فَإِنَّهَا بِدْعَةٌ. (٣)

النِّيَّةُ فِي تَغْسِيل الْمَيِّتِ:

٤ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى: أَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الطَّهَارَةِ، بَل شَرْطٌ لإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنِ الْمُكَلَّفِينَ، فَلَوْ غُسِّل الْمَيِّتُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ أَجْزَأَ لِطَهَارَتِهِ، لاَ لإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنِ الْمُكَلَّفِينَ. (٤)

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ،

_________

(١) حاشية الجمل ٢ / ١٤٧ ط دار إحياء التراث العربي، وروضة الطالبين ٢ / ١٠٢، والمغني ٢ / ٤٥٦

(٢) ابن عابدين ١ / ٥٧٤، والاختيار ١ / ٩١. دار المعرفة، ومواهب الجليل ٢ / ٢٢٣، والشرح الصغير ١ / ٥٤٨، وروضة الطالبين ٢ / ١٠٠، والمغني ٢ / ٤٥٧

(٣) مواهب الجليل ٢ / ٢٢٣.

(٤) ابن عابدين ١ / ٥٧٧ ط دار إحياء التراث العربي.

وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَرِوَايَةٌ عَنِ الْحَنَابِلَةِ إِلَى: عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي تَغْسِيل الْمَيِّتِ؛ لأَِنَّ الأَْصْل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ كُل مَا يَفْعَلُهُ فِي غَيْرِهِ لاَ يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى نِيَّةٍ، كَغَسْل الإِْنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا، وَلأَِنَّ الْقَصْدَ التَّنْظِيفُ، فَأَشْبَهَ غَسْل النَّجَاسَةِ. (١)

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ آخَرَ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ؛ لأَِنَّ غُسْل الْمَيِّتِ وَاجِبٌ، فَافْتَقَرَ إِلَى النِّيَّةِ كَغُسْل الْجَنَابَةِ، وَلَمَّا تَعَذَّرَتِ النِّيَّةُ مِنَ الْمَيِّتِ اعْتُبِرَتْ فِي الْغَاسِل؛ لأَِنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِالْغُسْل. (٢)

تَجْرِيدُ الْمَيِّتِ وَكَيْفِيَّةُ وَضْعِهِ حَالَةَ الْغُسْل:

٥ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَجْرِيدُ الْمَيِّتِ عِنْدَ تَغْسِيلِهِ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْغُسْل هُوَ التَّطْهِيرُ وَحُصُولُهُ بِالتَّجْرِيدِ أَبْلَغُ.

وَلأَِنَّهُ لَوِ اغْتَسَل فِي ثَوْبِهِ تَنَجَّسَ الثَّوْبُ بِمَا يَخْرُجُ، وَقَدْ لاَ يَطْهُرُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ سِيرِينَ.

وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمَرُّوذِيِّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُغَسَّل فِي قَمِيصِهِ. وَقَال

_________

(١) مواهب الجليل ٢ / ٢١٠ ط دار الفكر (بيروت) وحاشية الجمل ٢ / ١٤٣، وروضة الطالبين ٢ / ٩٩، ونهاية المحتاج ٢ / ٤٤٢، وغاية المنتهى ١ / ٢٢٣ ط مطبعة دار السلام في دمشق.

(٢) نهاية المحتاج ٢ / ٤٤٢، وغاية المنتهى ١ / ٢٢٣، والمغني ٢ / ٤٦٣.

أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي أَنْ يُغَسَّل الْمَيِّتُ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ رَقِيقٌ يَنْزِل الْمَاءُ فِيهِ، يُدْخِل يَدَهُ مِنْ تَحْتِهِ، قَال: وَكَانَ أَبُو قِلاَبَةَ إِذَا غَسَّل مَيِّتًا جَلَّلَهُ بِثَوْبٍ. وَاعْتَبَرَهُ الْقَاضِي سُنَّةٌ، فَقَال: السُّنَّةُ أَنْ يُغَسَّل الْمَيِّتُ فِي قَمِيصٍ، فَيُمِرُّ يَدَهُ عَلَى بَدَنِهِ، وَالْمَاءُ يُصَبُّ. وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ غُسِّل فِي قَمِيصِهِ (١) .

وَأَمَّا سَتْرُ عَوْرَتِهِ فَلاَ خِلاَفَ فِيهِ، لأَِنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ وَمَأْمُورٌ بِهِ، هَذَا إِذَا كَانَ الذَّكَرُ يُغَسِّل الذَّكَرَ، وَالأُْنْثَى تُغَسِّل الأُْنْثَى، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الذَّكَرُ الْمَحْرَمُ يُغَسِّل الأُْنْثَى، وَعَكْسُهُ، فَيَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِ الْمَيِّتِ (٢) .

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ وَضْعِهِ عِنْدَ تَغْسِيلِهِ، فَهِيَ أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَى سَرِيرٍ أَوْ لَوْحٍ هُيِّئَ لَهُ، وَيَكُونُ مَوْضِعُ رَأْسِهِ أَعْلَى لِيَنْحَدِرَ الْمَاءُ، وَيَكُونُ الْوَضْعُ طُولًا، كَمَا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ إِذَا أَرَادَ الصَّلاَةَ بِإِيمَاءٍ.

وَمِنَ الْحَنَفِيَّةِ مَنِ اخْتَارَ الْوَضْعَ كَمَا يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ. وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ يُوضَعُ كَمَا تَيَسَّرَ (٣) .

_________

(١) ابن عابدين ١ / ٥٧٤، والفتاوى الهندية ١ / ١٥٨، والاختيار ١ / ٩١، وبدائع الصنائع ١ / ٣٠٠، ومواهب الجليل ٢ / ٢٢٣، والشرح الصغير ١ / ٥٤٣، والقوانين الفقهية / ٩٧، وحاشية الجمل٢ / ١٤٥، وروضة الطالبين ٢ / ٩٩، والمغني ٢ / ٤٥٣، ٤٥٤

(٢) ابن عابدين ١ / ٥٧٤، والشرح الصغير ١ / ٥٤٦ ط دار المعارف، وروضة الطالبين ٢ / ٢٩٩، والمغني ٢ / ٤٥٤

(٣) بدائع الصنائع ١ / ٣٠٠ ط دار الكتاب العربي، والفتاوى الهندية ١ / ١٥٨ ط المطبعة الأميرية، والاختيار ١ / ٩١ ط دار المعرفة، ومواهب الجليل ٢ / ٢٢٣، وحاشية الجمل ٢ / ١٤٥، وروضة الطالبين ٢ / ٩٩، والمغني ٢ / ٤٥٧.

عَدَدُ الْغَسَلاَتِ وَكَيْفِيَّتُهَا:

٦ - قَبْل أَنْ يَبْدَأَ الْغَاسِل بِتَغْسِيل الْمَيِّتِ يُزِيل عَنْهُ النَّجَاسَةَ، وَيَسْتَنْجِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَأَمَّا إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَإِنْقَاؤُهَا فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولاَنِ بِهِ بِلاَ إِجْلاَسٍ وَعَصْرٍ فِي أَوَّل الْغُسْل، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُنْدَبُ عَصْرُ الْبَطْنِ حَالَةَ الْغُسْل، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَكُونُ إِجْلاَسُ الْمَيِّتِ وَعَصْرُ بَطْنِهِ فِي أَوَّل الْغُسْل.

ثُمَّ يُوَضِّئُهُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، وَلاَ يُدْخِل الْمَاءَ فِي فِيهِ وَلاَ أَنْفِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا أَذَى أَزَالَهُ بِخِرْقَةٍ يَبُلُّهَا وَيَجْعَلُهَا عَلَى أُصْبُعِهِ، فَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ وَأَنْفَهُ حَتَّى يُنَظِّفَهُمَا. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ، وَقَال شَمْسُ الأَْئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: وَعَلَيْهِ عَمَل النَّاسِ الْيَوْمَ.

وَأَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فَلاَ يُغْنِي ذَلِكَ عَنِ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ. وَيُمِيل رَأْسَ الْمَيِّتِ حَتَّى لاَ يَبْلُغَ الْمَاءُ بَطْنَهُ. وَكَذَا لاَ يُؤَخِّرُ رِجْلَيْهِ عِنْدَ التَّوْضِئَةِ. (١)

_________

(١) ابن عابدين ١ / ٥٧٤، والاختيار لتعليل المختار ١ / ٩١، والفتاوى الهندية ١ / ١٥٨، والشرح الصغير ١ / ٥٤٨، وحاشية الجمل٢ / ١٤٦، ومختصر المزني / ٣٥ ط دار المعرفة، والمغني ٢ / ٤٦١، والمقنع ١ / ٢٦٩ ط المطبعة السلفية

وَبَعْدَ الْوُضُوءِ يَجْعَلُهُ عَلَى شِقِّهِ الأَْيْسَرِ فَيَغْسِل الأَْيْمَنَ، ثُمَّ يُدِيرُهُ عَلَى الأَْيْمَنِ فَيَغْسِل الأَْيْسَرَ، وَذَلِكَ بَعْدَ تَثْلِيثِ غَسْل رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ. (١)

وَالْوَاجِبُ فِي غَسْل الْمَيِّتِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَسَّل ثَلاَثًا كُل غَسْلَةٍ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَيَجْعَل فِي الأَْخِيرَةِ كَافُورًا، أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الطِّيبِ إِنْ أَمْكَنَ (٢) .

وَإِنْ رَأَى الْغَاسِل أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثَلاَثٍ - لِكَوْنِهِ لَمْ يُنْقِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - غَسَلَهُ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يَقْطَعَ إِلاَّ عَلَى وِتْرٍ. وَقَال أَحْمَدُ: لاَ يَزِيدُ عَلَى سَبْعٍ. (٣)

وَالأَْصْل فِي هَذَا قَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِغَاسِلاَتِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ ﵂ ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا، وَاغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآْخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ (٤) .

_________

(١) بدائع الصنائع ١ / ٣٠١، والفتاوى الهندية ١ / ١٥٨، والشرح الصغير ١ / ٥٤٨، ومواهب الجليل ٢ / ٢٢٣، وروضة الطالبين ٢ / ١٠٢، والمغني ٢ / ٤٥٨

(٢) ابن عابدين ١ / ٥٧٥، وبدائع الصنائع ١ / ٣٠١، ومواهب الجليل ٢ / ٢٠٨، ٢٢٣، والشرح الصغير ١ / ٥٤٨، وروضة الطالبين ٢ / ١٠١، والمغني ٢ / ٤٦١

(٣) ابن عابدين ١ / ٥٧٥، والشرح الصغير ١ / ٥٤٩، وروضة الطالبين ٢ / ١٠٢، وحاشية الجمل ٢ / ١٤٧، والمغني ٢ / ٤٦١

(٤) حديث: " ابدأن بميامنها. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ١٣٠ ط السلفية)، ومسلم (٢ / ٦٤٧، ٦٤٨ ط الحلبي) من حديث أم عطية ﵂.

وَيَرَى ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ عِنْدَ الْوَبَاءِ وَمَا يَشْتَدُّ عَلَى النَّاسِ مِنْ غَسْل الْمَوْتَى لِكَثْرَتِهِمْ، أَنْ يَجْتَزِئُوا بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِغَيْرِ وُضُوءٍ، يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهِمْ صَبًّا. (١)

وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ عَلَى مُغْتَسَلِهِ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ - مَا عَدَا أَشْهَبَ - وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لاَ يُعَادُ غُسْلُهُ، وَإِنَّمَا يُغْسَل ذَلِكَ الْمَوْضِعُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ أَيْضًا (٢) .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ عَلَى مُغْتَسَلِهِ غَسَّلَهُ إِلَى خَمْسٍ، فَإِنْ زَادَ فَإِلَى سَبْعٍ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ سِيرِينَ وَإِسْحَاقُ (٣) .

وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ إِعَادَةُ وُضُوئِهِ (٤) . هَذَا إِذَا خَرَجَتِ النَّجَاسَةُ قَبْل الإِْدْرَاجِ فِي الْكَفَنِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَجَزَمُوا بِالاِكْتِفَاءِ بِغَسْل النَّجَاسَةِ فَقَطْ (٥) .

٧ - يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْمَل الْمَيِّتُ إِلَى مَكَانٍ خَالٍ

_________

(١) مواهب الجليل ٢ / ٢٣٤.

(٢) ابن عابدين ١ / ٥٧٥، والاختيار ١ / ٩٢، والفتاوى الهندية ١ / ١٥٨، ومواهب الجليل ٢ / ٢٢٣، والشرح الصغير ١ / ٥٤٧ ط دار المعارف، وروضة الطالبين ٢ / ١٠٢، والمغني ٢ / ٤٦٢

(٣) روضة الطالبين ٢ / ١٠٢، والمغني ٢ / ٤٦٢

(٤) روضة الطالبين ٢ / ١٠٣

(٥) ابن عابدين ١ / ٦٠٢، ومواهب الجليل ٢ / ٢٢٣، وروضة الطالبين ٢ / ٩٩، والمغني ٢ / ٤٥٥

مَسْتُورٍ لاَ يَدْخُلُهُ إِلاَّ الْغَاسِل، وَمَنْ لاَ بُدَّ مِنْ مَعُونَتِهِ عِنْدَ الْغُسْل، وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَدْخُلَهُ إِنْ شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يُغَسِّل وَلَمْ يُعِنْ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ الَّذِي يُغَسَّل فِيهِ الْمَيِّتُ مُظْلِمًا. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُعِل بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ سِتْرًا. قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: كَانَ النَّخَعِيُّ يُحِبُّ أَنْ يُغَسَّل الْمَيِّتُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سُتْرَةٌ، وَهُوَ مَا أَوْصَى بِهِ الضَّحَّاكُ أَخَاهُ سَالِمًا، كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: أَتَانَا رَسُول اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ نُغَسِّل ابْنَتَهُ، فَجَعَلْنَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّقْفِ سِتْرًا (١) .

صِفَةُ مَاءِ الْغُسْل:

٨ - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ غُسْل الْمَيِّتِ فِي الْمَاءِ: الطَّهُورِيَّةُ كَسَائِرِ الطَّهَارَاتِ، وَالإِْبَاحَةُ كَبَاقِي الأَْغْسَال (٢)، وَاسْتَحَبَّ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ سَاخِنًا لِزِيَادَةِ الإِْنْقَاءِ، وَيُغْلَى الْمَاءُ بِالسِّدْرِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لأَِنَّهُ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ. (٣)

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُخَيَّرُ الْغَاسِل فِي صِفَةِ الْمَاءِ إِنْ شَاءَ بَارِدًا وَإِنْ شَاءَ سَاخِنًا. (٤)

_________

(١) حديث: " أتانا رسول الله ﷺ. . . . " ورد في المغني لابن قدامة (٢ / ٤٥٥) ولم نجده فيما لدينا من كتب السنة

(٢) نيل المآرب ١ / ٢٢٠ ط مكتبة الفلاح

(٣) ابن عابدين ١ / ٥٧٤، والفتاوى الهندية ١ / ١٥٨، والاختيار ١ / ٩١، ٩٢.

(٤) مواهب الجليل ٢ / ٢٣٤.

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَدَمَ غَسْل الْمَيِّتِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ فِي الْمَرَّةِ الأُْولَى، إِلاَّ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ أَوْ لِوَسَخٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَاسْتَحْسَنَ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَتَّخِذَ الْغَاسِل إِنَاءَيْنِ، وَالْحَنَابِلَةُ أَنْ يَتَّخِذَ ثَلاَثَةَ أَوَانٍ لِلْمَاءِ. (١)

مَا يُصْنَعُ بِالْمَيِّتِ قَبْل التَّغْسِيل وَبَعْدَهُ:

٩ - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ اسْتِعْمَال الْبَخُورِ عِنْدَ تَغْسِيل الْمَيِّتِ مُسْتَحَبٌّ، لِئَلاَّ تُشَمَّ مِنْهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ. وَيَزْدَادُ فِي الْبَخُورِ عِنْدَ عَصْرِ بَطْنِهِ. (٢)

وَأَمَّا تَسْرِيحُ الشَّعْرِ، وَتَقْلِيمُ الأَْظْفَارِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَنَتْفُ الإِْبِطِ، فَلاَ يُفْعَل شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْل الْحَنَابِلَةِ فِي الْعَانَةِ، وَرِوَايَةً عِنْدَهُمْ فِي تَقْلِيمِ الأَْظْفَارِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَدِيمِ أَيْضًا إِلاَّ فِي تَسْرِيحِ الشَّعْرِ وَاللِّحْيَةِ، لأَِنَّ ذَلِكَ يُفْعَل لِحَقِّ الزِّينَةِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِمَحَل الزِّينَةِ. فَلاَ يُزَال عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا إِنْ كَانَ ظُفْرُهُ مُنْكَسِرًا فَلاَ بَأْسَ بِأَخْذِهِ. (٣)

_________

(١) روضة الطالبين ٢ / ٩٩، ومختصر المزني / ٣٥ ط دار المعرفة، والمغني ٢ / ٤٥٩، ٤٦٠.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ١ / ٩١، ومواهب الجليل ٢ / ٢٢٢، ٢٣٨، وروضة الطالبين ٢ / ١٠٠، والمغني ٢ / ٤٥٧.

(٣) بدائع الصنائع ١ / ٣٠١، والفتاوى الهندية ١ / ١٥٨، والمدونة ١ / ١٧٣، ومواهب الجليل ٢ / ٢٣٨، وروضة الطالبين ٢ / ١٠٧، والمغني ٢ / ٥٤٢.