الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٣ الصفحة 9

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٣

يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَمْلِيكِهِ إِيَّاهُ دُونَ غَيْرِهِ.

وَكَذَلِكَ إِذَا قَال: بِعْ هَذَا الشَّيْءَ فِي الزَّمَنِ الْفُلاَنِيِّ أَوْ فِي الْمَكَانِ الْفُلاَنِيِّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِهَذَا التَّعْيِينِ، إِلاَّ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لاَ غَرَضَ لِلْمُوَكِّل فِي هَذَا التَّعْيِينِ، فَلاَ يَجِبُ التَّقَيُّدُ بِهِ (١) .

ح - فِي الإِْجَارَةِ:

١٥ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى وُجُوبِ تَعْيِينِ نَوْعِ الْمَنْفَعَةِ فِي الإِْجَارَةِ وَتَعْيِينِ الْمُدَّةِ فِيهَا. وَذَلِكَ إِمَّا بِغَايَتِهَا كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ مَثَلًا، وَإِمَّا بِضَرْبِ الأَْجَل إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا غَايَةٌ كَكِرَاءِ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ، وَإِمَّا بِالْمَكَانِ الْمُرَادِ الْوُصُول إِلَيْهِ كَكِرَاءِ الرَّوَاحِل إِلَى الْمَكَانِ الْفُلاَنِيِّ.

وَيَرَى بَعْضُ فُقَهَاءِ السَّلَفِ جَوَازَ إِجَارَةِ الْمَجْهُولاَتِ، مِثْل أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُل حِمَارَهُ لِمَنْ يَحْتَطِبُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ (٢) . وَالتَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (إِجَارَةٌ) .

ط - فِي الطَّلاَقِ:

١٦ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ قَال رَجُلٌ لِزَوْجَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، وَنَوَى وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا طَلُقَتْ، وَيَلْزَمُهُ التَّعْيِينُ (٣) . وَالتَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (طَلاَقٌ) .

_________

(١) مغني المحتاج ٢ / ٢٢٧، والمغني لابن قدامة ٥ / ١٣١، والبدائع ٦ / ٢٧.

(٢) مغني المحتاج ٢ / ٣٣٩، والمغني لابن قدامة ٥ / ٤٣٥، والقوانين الفقهية ٢٧٩، وبداية المجتهد ٢ / ٢٤٧.

(٣) مغني المحتاج ٣ / ٣٠٥، والمغني لابن قدامة ٧ / ٢٥٢، وجواهر الإكليل ١ / ٣٥٥، وحاشية ابن عابدين ٢ / ٤٥٨.

ي - فِي الدَّعْوَى:

١٧ - مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ مَعْلُومًا مُعَيَّنًا، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا كَحَيَوَانٍ اشْتُرِطَ تَعْيِينُ الذُّكُورَةِ وَالأُْنُوثَةِ وَالسِّنِّ وَاللَّوْنِ وَالنَّوْعِ، وَإِنْ كَانَ نَقْدًا اشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْقَدْرِ وَالْوَصْفِ؛ لِيَتَمَكَّنَ الْحَاكِمُ مِنَ الإِْلْزَامِ بِهِ إِذَا ثَبَتَ (١) .

وَالتَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ (دَعْوَى)

_________

(١) حاشية ابن عابدين ٤ / ٤٢٠، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٢٦، مغني المحتاج ٤ / ٤٦٤، وكشف المخدرات ٥١٠.

تَغْرِيبٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - التَّغْرِيبُ فِي اللُّغَةِ: النَّفْيُ عَنِ الْبَلَدِ وَالإِْبْعَادُ عَنْهَا. أَصْلُهُ غَرَبَ. يُقَال: غَرَبَتِ الشَّمْسُ غُرُوبًا: بَعُدَتْ وَتَوَارَتْ. وَغَرَبَ الشَّخْصُ: ابْتَعَدَ عَنْ وَطَنِهِ فَهُوَ غَرِيبٌ. وَغَرَّبْتُهُ أَنَا تَغْرِيبًا. وَقَدْ يَكُونُ غَرَبَ لاَزِمًا كَمَا يُقَال: غَرَبَ فُلاَنٌ عَنْ بَلَدِهِ تَغْرِيبًا (١)

وَلاَ يَخْرُجُ مَعْنَاهُ الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (٢) .

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالتَّغْرِيبِ:

التَّغْرِيبُ يَكُونُ عُقُوبَةً فِي حَدِّ الزِّنَى، وَحَدِّ الْحِرَابَةِ، كَمَا يَكُونُ تَعْزِيرًا.

أَوَّلًا: التَّغْرِيبُ فِي حَدِّ الزِّنَى:

٢ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّغْرِيبِ فِي

_________

(١) لسان العرب والمصباح المنير مادة: " غرب ".

(٢) ابن عابدين ٣ / ١٤٧، والدسوقي ٤ / ٣٢٢، وأسنى المطالب ٤ / ١٣٠، وكشاف القناع ٦ / ٩٢.

الزِّنَى، فِي الْجُمْلَةِ عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي اعْتِبَارِهِ مِنْ حَدِّ الزِّنَى أَوْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ.

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى: أَنَّ مِنْ حَدِّ الزَّانِي - إِنْ كَانَ بِكْرًا - التَّغْرِيبَ لِمُدَّةِ سَنَةٍ لِمَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ (١) وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ ﵄: أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال أَحَدُهُمَا: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَأَنِّي افْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْل الْعِلْمِ، فَقَالُوا: إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالرَّجْمُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا. فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ. وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا. ثُمَّ قَال لأُِنَيْسٍ الأَْسْلَمِيِّ: وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا (٢) . وَلأَِنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالإِْجْمَاعِ.

_________

(١) حديث: " البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة. . . " أخرجه مسلم (٣ / ١٣١٦ ط الحلبي) .

(٢) حديث: " والذي نفسي بيده. . . " أخرجه البخاري (١٢ / ١٨٦ الفتح ط السلفية)، ومسلم (٣ / ١٣٢٥ ط الحلبي) .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّغْرِيبَ لَيْسَ مِنَ الْحَدِّ، وَلَكِنَّهُمْ يُجِيزُونَ لِلإِْمَامِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ، إِنْ رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً. فَالتَّغْرِيبُ عِنْدَهُمْ عُقُوبَةٌ تَعْزِيرِيَّةٌ، وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ (١) . لاَ يُؤْخَذُ بِهِ؛ لأَِنَّهُ لَوْ أُخِذَ بِهِ لَكَانَ نَاسِخًا لِلآْيَةِ؛ لأَِنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى نَصِّ الآْيَةِ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ (٢) وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لاَ يَقْوَى عَلَى نَسْخِ الآْيَةِ لأَِنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ (٣) .

وَقَالُوا: فِي التَّغْرِيبِ فَتْحٌ لِبَابِ الْفَسَادِ، فَفِيهِ نَقْصٌ وَإِبْطَالٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْهُ شَرْعًا. وَلِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَال: غَرَّبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الشَّرَابِ إِلَى خَيْبَرَ، فَلَحِقَ بِهِرَقْل فَتَنَصَّرَ، فَقَال عُمَرُ: لاَ أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا.

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ التَّغْرِيبَ هُوَ النَّفْيُ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الزِّنَى إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، دُونَ حَبْسِ الْمُغَرَّبِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي نُفِيَ إِلَيْهِ، إِلاَّ أَنَّهُ يُرَاقَبُ؛ لِئَلاَّ يَرْجِعَ إِلَى بَلْدَتِهِ. وَهَذَا

_________

(١) حديث: " البكر بالبكر جلد مائة. . . " سبق تخريجه ف / ٢.

(٢) سورة النور / ٢.

(٣) ابن عابدين ٣ / ١٤٧، وبدائع الصنائع ٧ / ٣٩، وحاشية الدسوقي ٤ / ٣٢١، ٣٢٢، والفواكه الدواني ٢ / ٢٨١، ومغني المحتاج ٤ / ١٤٧، ١٤٨، وكشاف القناع ٦ / ٩١.

فِيمَنْ زَنَى فِي وَطَنِهِ، وَأَمَّا الْغَرِيبُ الَّذِي زَنَى بِغَيْرِ بَلَدِهِ، فَيُغَرَّبُ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ.

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُغَرَّبُ الزَّانِي عَنِ الْبَلَدِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الزِّنَى إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، مَعَ سَجْنِهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إِلَيْهِ. وَهَذَا إِنْ كَانَ مُتَوَطِّنًا فِي الْبَلَدِ الَّتِي زَنَى فِيهَا. وَأَمَّا الْغَرِيبُ الَّذِي زَنَى فَوْرَ نُزُولِهِ بِبَلَدٍ، فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَيُسْجَنُ بِهَا؛ لأَِنَّ سَجْنَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي زَنَى فِيهِ تَغْرِيبٌ لَهُ. (١)

مَنْ يُغَرَّبُ فِي حَدِّ الزِّنَى:

٣ - اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالتَّغْرِيبِ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى الرَّجُل الزَّانِي الْحُرِّ غَيْرِ الْمُحْصَنِ لِمُدَّةِ عَامٍ (٢) . لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ (٣) .

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُحْصَنَةِ، فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَاللَّخْمِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى وُجُوبِ التَّغْرِيبِ عَلَيْهَا كَذَلِكَ. قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: وَيَكُونُ مَعَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إِلاَّ وَمَعَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ (٤) وَفِي

_________

(١) ابن عابدين ٣ / ١٤٧، وحاشية الدسوقي ٤ / ٣٢٢، وأسنى المطالب ٤ / ١٣٠، وكشاف القناع ٦ / ٩٢، والمغني لابن قدامة ٨ / ١٦٨.

(٢) الدسوقي ٤ / ٣٢١، والفواكه الدواني ٢ / ٢٨١، ومغني المحتاج ٤ / ١٤٧، وكشاف القناع ٦ / ٩١.

(٣) الحديث: تقدم تخريجه (ف٢) .

(٤) حديث: " لا تسافر المرأة ليس معها زوجها. . " أخرجه البخاري (٤ / ٧٣ الفتح ط السلفية) .

الصَّحِيحَيْنِ: لاَ يَحِل لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ (١) . وَلأَِنَّ الْقَصْدَ تَأْدِيبُهَا، وَالزَّانِيَةُ إِذَا خَرَجَتْ وَحْدَهَا هَتَكَتْ جِلْبَابَ الْحَيَاءِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَغْرِيبَ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَوْ مَعَ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ وَلَوْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ، عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ (٢) .

ثَانِيًا: التَّغْرِيبُ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ:

٤ - وَرَدَ النَّفْيُ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَْرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَْرْضِ﴾ (٣)

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالنَّفْيِ فِي الآْيَةِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى: أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ الْحَبْسُ؛ لأَِنَّ النَّفْيَ مِنْ جَمِيعِ الأَْرْضِ مُحَالٌ، وَإِلَى بَلَدٍ آخَرَ فِيهِ إِيذَاءٌ لأَِهْلِهَا، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ الْحَبْسُ، وَالْمَحْبُوسُ يُسَمَّى مَنْفِيًّا مِنَ

_________

(١) حديث: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة. . . " أخرجه مسلم (٢ / ٩٧٧ط الحلبي) .

(٢) حاشية الدسوقي ٤ / ٣٢٢، مغني المحتاج ٤ / ١٤٨، وكشاف القناع ٦ / ٩٢.

(٣) سورة المائدة / ٣٣.

الأَْرْضِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَنْتَفِعُ بِطَيِّبَاتِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا وَلاَ يَجْتَمِعُ بِأَقَارِبِهِ وَأَحْبَابِهِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى: أَنَّهُ مِثْل التَّغْرِيبِ فِي الزِّنَى، وَلَكِنَّهُ يُسْجَنُ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ أَوْ يَمُوتَ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ - إِذَا أُخِذَ قَبْل أَنْ يَقْتُل نَفْسًا أَوْ يَأْخُذَ مَالًا - يُعَزَّرُ بِالْحَبْسِ أَوِ التَّغْرِيبِ. وَقَالُوا: هَذَا تَفْسِيرُ النَّفْيِ الْوَارِدِ فِي الآْيَةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ تَشْرِيدُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي الأَْرْضِ، وَعَدَمُ تَرْكِهِمْ يَأْوُونَ إِلَى بَلَدٍ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُمْ. (١)

ثَالِثًا: التَّغْرِيبُ عَلَى سَبِيل التَّعْزِيرِ:

٥ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّعْزِيرِ بِالتَّغْرِيبِ. (٢) لِمَا ثَبَتَ مِنْ قَضَاءِ النَّبِيِّ ﷺ بِالنَّفْيِ تَعْزِيرًا فِي شَأْنِ الْمُخَنَّثِينَ. (٣)

_________

(١) حاشية ابن عابدين ٣ / ٢١٢، وحاشية الدسوقي ٤ / ٣٤٩، وأسنى المطالب٤ / ١٥٤، وكشاف القناع ٦ / ١٥٣، وتفسير القرطبي ٦ / ١٥٢، وأحكام القرآن للجصاص ٢ / ٥٠٠، وأحكام القرآن لابن العربي ٢ / ٥٩٨.

(٢) حاشية ابن عابدين ٣ / ١٤٧، وحاشية الدسوقي ٤ / ٣٥٥، ونهاية المحتاج ٨ / ٥، ١٩، وكشاف القناع٦ / ٢٨

(٣) حديث: نفي " المخنثين. . . " أخرجه البخاري (١٢ / ١٥٩ الفتح ط السلفية)

وَلِنَفْيِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ لِلَّذِي عَمِل خَاتَمًا عَلَى نَقْشِ خَاتَمِ بَيْتِ الْمَال وَأَخَذَ بِهِ مَالًا مِنْهُ.

وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (تَعْزِيرٌ) .

تَغْرِيرٌ

انْظُرْ: غَرَرٌ

تَغْسِيل الْمَيِّتِ

التَّعْرِيفُ:

١ - التَّغْسِيل فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ غَسَّل بِالتَّشْدِيدِ، بِمَعْنَى: إِزَالَةِ الْوَسَخِ عَنِ الشَّيْءِ، بِإِجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَالْمَيِّتُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ: ضِدُّ الْحَيِّ، وَأَمَّا الْحَيُّ - فَهُوَ بِالتَّشْدِيدِ لاَ غَيْرُ - بِمَعْنَى مَنْ سَيَمُوتُ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ (١) وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، قَال تَعَالَى: ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ (٢) وَلَمْ يَقُل مَيِّتَةً. (٣) فَتَغْسِيل الْمَيِّتِ مِنْ قَبِيل إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُول.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: تَعْمِيمُ بَدَنِ الْمَيِّتِ بِالْمَاءِ بِطَرِيقَةٍ مَسْنُونَةٍ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

٢ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ تَغْسِيل الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَاجِبُ كِفَايَةٍ، بِحَيْثُ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ؛ لِحُصُول الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ،

_________

(١) سورة الزمر / ٣

(٢) سورة الفرقان / ٤٩.

(٣) مختار الصحاح، وابن عابدين ١ / ١١٣