الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٣
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ إِلَى أَنَّهُ يُفْعَل كُل ذَلِكَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَهُمْ فِي تَقْلِيمِ الظُّفْرِ إِنْ كَانَ فَاحِشًا، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ فِي حَلْقِ الْعَانَةِ. وَدَلِيل الْجَوَازِ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: اصْنَعُوا بِمَوْتَاكُمْ كَمَا تَصْنَعُونَ بِعَرَائِسِكُمْ (١) . وَلأَِنَّ تَرْكَ تَقْلِيمِ الأَْظْفَارِ وَنَحْوِهَا يُقَبِّحُ مَنْظَرَ الْمَيِّتِ، فَشُرِعَتْ إِزَالَتُهُ.
وَأَمَّا الْخِتَانُ فَلاَ يُشْرَعُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهُ إِبَانَةُ جُزْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ يُحْلَقُ رَأْسُ الْمَيِّتِ. وَحَكَى أَحْمَدُ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ يُخْتَنُ. (٢)
وَإِذَا فَرَغَ الْغَاسِل مِنْ تَغْسِيل الْمَيِّتِ نَشَّفَهُ بِثَوْبٍ، لِئَلاَّ تَبْتَل أَكْفَانُهُ. (٣) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ ﵂: فَإِذَا فَرَغَتْ مِنْهَا فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا نَظِيفًا (٤) . وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي حَدِيثِ
_________
(١) حديث: " اصنعوا بموتاكم كما تصنعون بعرائسكم " نقل ابن حجر عن ابن الصلاح أنه قال: بحثت عنه فلم أجده ثابتا (التلخيص ٢ / ١٠٦ ط شركة الطباعة الفنية)
(٢) روضة الطالبين ٢ / ١٠٧، والمغني ٢ / ٥٤١، ٥٤٢
(٣) ابن عابدين ١ / ٥٧٥، والاختيار ١ / ٩٢، ومواهب الجليل ٢ / ٢٢٣، والشرح الصغير ١ / ٥٤٩، وروضة الطالبين ٢ / ١٠٢، والمغني ٢ / ٤٦٤
(٤) حديث أم سليم: " فإذا فرغت منها فألقي عليها ثوبا نظيفا. . . " أورده الهيثمي في المجمع (٣ / ٢٢ ط القدسي) وقال: رواه الطبراني في الكبير بإسنادين، في أحدهما ليث بن أبي سليم وهو مدلس، ولكنه ثقة. وفي الآخر جنيد قد وثق، وفيه بعض كلام
ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ فِي غُسْل النَّبِيِّ ﵊ قَال: فَجَفَّفُوهُ بِثَوْبٍ " (١) .
الْحَالاَتُ الَّتِي يُيَمَّمُ فِيهَا الْمَيِّتُ:
١٠ - يُيَمَّمُ الْمَيِّتُ فِي الْحَالاَتِ الآْتِيَةِ:
أ - إِذَا مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسْوَةٍ أَجَانِبَ، وَلَمْ تُوجَدِ امْرَأَةٌ مَحْرَمَةٌ، أَوْ مَاتَتِ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ أَجَانِبَ، وَلَمْ يُوجَدْ مَحْرَمٌ.
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - فِي الأَْصَحِّ - وَالْحَنَابِلَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَأَضَافَ الْحَنَفِيَّةُ قَوْلَهُمْ: إِذَا كَانَ بَيْنَ النِّسْوَةِ امْرَأَتُهُ غَسَّلَتْهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَكَانَتْ مَعَهُنَّ صَبِيَّةٌ صَغِيرَةٌ، لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَأَطَاقَتِ الْغُسْل، عَلَّمْنَهَا الْغُسْل، وَيُخَلِّينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى تُغَسِّلَهُ، وَتُكَفِّنَهُ؛ لأَِنَّ حُكْمَ الْعَوْرَةِ فِي حَقِّهَا غَيْرُ ثَابِتٍ.
وَكَذَلِكَ إِذَا مَاتَتِ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ أَجَانِبَ، وَكَانَ مَعَهُمْ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَأَطَاقَ الْغُسْل، عَلَّمُوهُ الْغُسْل فَيُغَسِّلُهَا. (٢)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
_________
(١) حديث: " فجففوه بثوب. . . " أخرجه أحمد (١ / ٢٦٠ ط الميمنية) من حديث عبد الله بن عباس ﵁، وفي إسناده ضعف كما في التعليق على مسند أحمد (٤ / ١٠٤ ط المعارف)
(٢) بدائع الصنائع ١ / ٢٣٠٥، والفتاوى الهندية ١ / ١٦٠، والشرح الصغير ١ / ٥٤٥، ٥٤٦، والمدونة ١ / ١٨٦ ط دار صادر، وروضة الطالبين ٢ / ١٠٥، والمغني ٢ / ٥٢٦
أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ، وَإِسْحَاقَ، وَالْقَفَّال، وَرَجَّحَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ: أَنَّ الْمَيِّتَ لاَ يُيَمَّمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، بَل يُغَسَّل وَيُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ مِنْ فَوْقِ الْقَمِيصِ، وَلاَ يُمَسُّ.
وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهُ يُدْفَنُ وَلاَ يُيَمَّمُ وَلاَ يُغَسَّل. قَال النَّوَوِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. (١)
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ فَفِيهَا خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحِ (تَيَمُّمٌ) .
ب - إِذَا مَاتَ خُنْثَى مُشْكِلٌ وَهُوَ كَبِيرٌ، عَلَى التَّفْصِيل الَّذِي سَيَأْتِي (٢) فِي ف ١٩
ج - إِذَا تَعَذَّرَ غُسْلُهُ لِفَقْدِ مَاءٍ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَتَقَطُّعِ الْجَسَدِ بِالْمَاءِ، أَوْ تَسَلُّخِهِ مِنْ صَبِّهِ عَلَيْهِ (٣)
مَنْ يَجُوزُ لَهُمْ تَغْسِيل الْمَيِّتِ:
أ - الأَْحَقُّ بِتَغْسِيل الْمَيِّتِ:
١١ - الأَْصْل أَنَّهُ لاَ يُغَسِّل الرِّجَال إِلاَّ الرِّجَال، وَلاَ النِّسَاءَ إِلاَّ النِّسَاءُ؛ لأَِنَّ نَظَرَ النَّوْعِ إِلَى النَّوْعِ نَفْسِهِ أَهْوَنُ، وَحُرْمَةُ الْمَسِّ ثَابِتَةٌ حَالَةَ الْحَيَاةِ،
_________
(١) روضة الطالبين ٢ / ١٠٥، والمغني ٢ / ٥٢٦
(٢) الفتاوى الهندية ١ / ١٦٠، وابن عابدين ١ / ١١٢، ١١٣، وروضة الطالبين ٢ / ١٠٥، والمغني ٢ / ٥٢٦.
(٣) الفتاوى الهندية ١ / ١٦٠، ومواهب الجليل ٢ / ٢١٠، ٢١٢، والشرح الصغير ١ / ٥٤٥، وحاشية الجمل ٢ / ١٤٨، وروضة الطالبين ٢ / ١٠٨.
فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ. وَاخْتَلَفُوا فِي التَّرْتِيبِ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْغَاسِل أَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَى الْمَيِّتِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْغُسْل فَأَهْل الأَْمَانَةِ وَالْوَرَعِ. (١)
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ تَقْدِيمَ الْحَيِّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ فِي غُسْل صَاحِبِهِ عَلَى الْعَصَبَةِ، وَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ التَّنَازُعِ، ثُمَّ الأَْقْرَبُ فَالأَْقْرَبُ مِنْ عَصَبَتِهِ، ثُمَّ امْرَأَةٌ مَحْرَمَةٌ كَأُمٍّ وَبِنْتٍ. وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ، أَوْ كَانَ وَأَسْقَطَ حَقَّهُ، يُغَسِّلُهَا أَقْرَبُ امْرَأَةٍ إِلَيْهَا فَالأَْقْرَبُ، ثُمَّ أَجْنَبِيَّةٌ، ثُمَّ رَجُلٌ مَحْرَمٌ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ. وَيَسْتُرُ وُجُوبًا جَمِيعَ جَسَدِهَا، وَلاَ يُبَاشِرُ جَسَدَهَا إِلاَّ بِخِرْقَةٍ كَثِيفَةٍ يَلُفُّهَا عَلَى يَدِهِ. (٢)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا غَسَّلَهُ أَقَارِبُهُ.
وَهَل تُقَدَّمُ الزَّوْجَةُ عَلَيْهِمْ، فِيهِ ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ:
الْوَجْهُ الأَْوَّل، وَهُوَ الأَْصَحُّ: أَنَّهُ يُقَدَّمُ مِنَ الرِّجَال الْعَصَبَاتُ، ثُمَّ الأَْجَانِبُ، ثُمَّ الزَّوْجَةُ، ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَدَّمُ الرِّجَال الأَْقَارِبُ، ثُمَّ الزَّوْجَةُ، ثُمَّ الرِّجَال الأَْجَانِبُ، ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: تُقَدَّمُ الزَّوْجَةُ عَلَى الْجَمِيعِ.
_________
(١) الفتاوى الهندية ١ / ١٦٠.
(٢) الشرح الصغير ١ / ٥٤٤، ٥٤٥، ٥٤٦ ط دار المعارف
وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً قُدِّمَ نِسَاءُ الْقَرَابَةِ، ثُمَّ النِّسَاءُ الأَْجَانِبُ، ثُمَّ الزَّوْجُ، ثُمَّ الرِّجَال الأَْقَارِبُ. وَذَوُو الْمَحَارِمِ مِنَ النِّسَاءِ الأَْقَارِبِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَهَل يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى نِسَاءِ الْقَرَابَةِ؟ وَجْهَانِ: الْوَجْهُ الأَْوَّل: وَهُوَ الأَْصَحُّ الْمَنْصُوصُ يُقَدَّمْنَ عَلَيْهِ لأَِنَّهُنَّ أَلْيَقُ. وَالثَّانِي: يُقَدَّمُ الزَّوْجُ لأَِنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى مَا لاَ يَنْظُرْنَ، وَظَاهِرُ كَلاَمِ الْغَزَالِيِّ تَجْوِيزُ الْغُسْل لِلرِّجَال الْمَحَارِمِ مَعَ وُجُودِ النِّسَاءِ، وَلَكِنَّ عَامَّةَ الشَّافِعِيَّةِ يَقُولُونَ: الْمَحَارِمُ بَعْدَ النِّسَاءِ أَوْلَى. (١)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الأَْوْلَى بِالتَّغْسِيل وَصِيُّ الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ عَدْلًا، وَيَتَنَاوَل عُمُومُهُ مَا لَوْ وَصَّى لاِمْرَأَتِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى اسْتِدْلاَلِهِمْ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ﵁ وَصَّى لاِمْرَأَتِهِ فَغَسَّلَتْهُ. وَكَذَا لَوْ أَوْصَتْ بِأَنْ يُغَسِّلَهَا زَوْجُهَا (٢) .
وَبَعْدَ وَصِيِّهِ أَبُوهُ وَإِنْ عَلاَ، ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ نَزَل، ثُمَّ الأَْقْرَبُ فَالأَْقْرَبُ كَالْمِيرَاثِ، ثُمَّ الأَْجَانِبُ، فَيُقَدَّمُ صَدِيقُ الْمَيِّتِ، وَبَعْدَ وَصِيِّهَا أُمُّهَا وَإِنْ عَلَتْ، فَبِنْتُهَا وَإِنْ نَزَلَتْ، فَبِنْتُ ابْنِهَا وَإِنْ نَزَل، ثُمَّ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى. (٣)
ب - تَغْسِيل الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا:
١٢ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ لِلْمَرْأَةِ تَغْسِيل
_________
(١) روضة الطالبين ٢ / ١٠٣، ١٠٤، ١٠٦.
(٢) نيل المآرب ١ / ٢٢٠.
(٣) غاية المنتهى ١ / ٢٣٠، ٢٣١ ط مطبعة دار السلام بدمشق
زَوْجِهَا، إِذَا لَمْ يَحْدُثْ قَبْل مَوْتِهِ مَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ. فَإِنْ ثَبَتَتِ الْبَيْنُونَةُ بِأَنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا، أَوْ ثَلاَثًا ثُمَّ مَاتَ، لاَ تُغَسِّلُهُ؛ لاِرْتِفَاعِ مِلْكِ الْبُضْعِ بِالإِْبَانَةِ.
وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا - وَمَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الْعِدَّةِ - لَمْ يَكُنْ لِلآْخَرِ غُسْلُهُ عِنْدَهُمْ لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ فِي الْحَيَاةِ.
وَكَذَا لاَ تُغَسِّلُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إِذَا حَدَثَ مَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ، كَمَا لَوِ ارْتَدَّتْ بَعْدَهُ ثُمَّ أَسْلَمَتْ، لِزَوَال النِّكَاحِ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ كَانَ قَائِمًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَارْتَفَعَ بِالرِّدَّةِ، وَالْمُعْتَبَرُ بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ حَالَةَ الْغُسْل لاَ حَالَةَ الْمَوْتِ. وَيَرَى زُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ حَالَةَ الْمَوْتِ، وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ لَهَا تَغْسِيلُهُ عِنْدَهُ، وَإِنْ حَدَثَ مَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ. (١)
وَالأَْصْل فِي جَوَازِ تَغْسِيل الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا مَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَهُ إِلاَّ نِسَاؤُهُ (٢) .
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٥٧٦، والفتاوى الهندية ١ / ١٦٠، والبدائع ١ / ٣٠٥ ط دار الكتاب العربي، وشرح الزرقاني ٢ / ٨٧ ط دار الفكر، وروضة الطالبين ٢ / ١٠٤، وحاشية الجمل ٢ / ١٥٠، والمغني ٢ / ٥٢٤
(٢) قول عائشة " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه " أخرجه أبو داود (٣ / ٥٠٢ تحقيق عزت عبيد دعاس) والحاكم (٣ / ٦٠ ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه هو وابن حبان (ص ٥٣٠ موارد الظمآن ط السلفية) .
ج - تَغْسِيل الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ:
١٣ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ غُسْلُهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ؛ لأَِنَّ الْمَوْتَ فُرْقَةٌ تُبِيحُ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا، فَحَرَّمَتِ الْفُرْقَةُ النَّظَرَ وَاللَّمْسَ كَالطَّلاَقِ (١) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ لِلزَّوْجِ غُسْل امْرَأَتِهِ، وَهُوَ قَوْل عَلْقَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَتَادَةَ وَحَمَّادٍ وَإِسْحَاقَ. لأَِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ غَسَّل فَاطِمَةَ ﵂ وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ، فَكَانَ إِجْمَاعًا.
وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﵊ قَال لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَقُمْتُ عَلَيْكِ، فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ، وَدَفَنْتُكِ (٢) إِلاَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ مَعَ وُجُودِ مَنْ يُغَسِّلُهَا، لِمَا فِيهِ مِنَ الْخِلاَفِ وَالشُّبْهَةِ. (٣)
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَقَوْل الْخِرَقِيِّ: وَإِنْ دَعَتِ
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٥٧٥، وبدائع الصنائع ١ / ٣٠٥، والفتاوى ١ / ١٦٠، والمغني ٢ / ٥٢٤
(٢) حديث: " ما ضرك لو مت قبلي. . . " أخرجه ابن ماجه (١ / ٤٧٠ ط الحلبي) وقال البوصيري: إسناد رجاله ثقات
(٣) الحطاب ٢ / ٢١٠، والمدونة ١ / ١٨٥، والقوانين الفقهية / ٩٧، وحاشية الجمل ٢ / ١٥٩، وروضة الطالبين ٢ / ١٠٣، ١٠٤، والشرح الصغير ١ / ٥٤٤، والمغني ٢ / ٥٢٣، ٥٢٤
الضَّرُورَةُ إِلَى أَنْ يُغَسِّل الرَّجُل زَوْجَتَهُ فَلاَ بَأْسَ.
يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ غُسْلُهَا مَعَ وُجُودِ مَنْ يُغَسِّلُهَا سِوَاهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْخِلاَفِ وَالشُّبْهَةِ. (١)
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ أَطْلَقُوا الْجَوَازَ (٢) . وَلاَ يَتَأَتَّى ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ غُسْلُهَا عِنْدَهُمْ. (٣)
د - تَغْسِيل الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ وَعَكْسُهُ:
١٤ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ تَغْسِيل الْكَافِرِ؛ لأَِنَّ الْغُسْل وَجَبَ كَرَامَةً وَتَعْظِيمًا لِلْمَيِّتِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْكَرَامَةِ وَالتَّعْظِيمِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لأَِحْمَدَ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْكَافِرُ الْمَيِّتُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْمُسْلِمِ، فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ تَغْسِيلُهُ عِنْدَ الاِحْتِيَاجِ، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ بِهِ مِنْ أَهْل دِينِهِ وَمِلَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ، خَلَّى الْمُسْلِمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ. (٤)
وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ لَمَّا مَاتَ أَبُوهُ أَبُو طَالِبٍ، جَاءَ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ عَمُّكَ
_________
(١) المغني ٢ / ٥٢٤
(٢) التاج والإكليل ٢ / ٢١٠، والمدونة الكبرى ١ / ١٨٥
(٣) ابن عابدين ١ / ٥٧٥، والبدائع ١ / ٣٠٥، والفتاوى الهندية ١ / ١٦٠.
(٤) ابن عابدين ١ / ٥٩٧، وبدائع الصنائع ١ / ٣٢٠، والمجموع ٥ / ١٤٢ ط السلفية، والمغني ٢ / ٥٢٨.
الضَّال قَدْ تُوُفِّيَ، فَقَال: اذْهَبْ وَاغْسِلْهُ وَكَفِّنْهُ وَوَارِهِ (١) .
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ جَوَازُ تَغْسِيل الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ لِلْكَافِرِينَ، وَأَقَارِبُهُ الْكُفَّارُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يُغَسِّل الْكَافِرَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ قَرِيبًا مِنْهُ أَمْ لَمْ يَكُنْ. (٢)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ غُسْل زَوْجَتِهِ الْكَافِرَةِ لأَِنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يُغَسِّل الْكَافِرَ وَلاَ يَتَوَلَّى دَفْنَهُ، وَلأَِنَّهُ لاَ مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا وَلاَ مُوَالاَةَ، وَقَدِ انْقَطَعَتِ الزَّوْجِيَّةُ بِالْمَوْتِ.
وَكَذَلِكَ لاَ تُغَسِّلُهُ هِيَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ إِذَا كَانَتْ بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مُطْلَقًا. لأَِنَّ النِّيَّةَ وَاجِبَةٌ فِي الْغُسْل، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. (٣)
وَعُرِفَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لِلزَّوْجِ غُسْل زَوْجَتِهِ الْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ، وَلَهَا غُسْلُهُ. (٤)
_________
(١) حديث: " اذهب واغسله وادفنه وواره. . . " يدل عليه ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٣ / ٣٤٨ ط السلفية) عن الشعبي قال: لما مات أبو طالب جاء علي إلى النبي ﷺ فقال: إن عمك الشيخ الكافر قد مات، فما ترى فيه قال: " أرى أن تغسله " وأمره بالغسل
(٢) المدونة ١ / ١٨٧، ونيل المآرب١ / ٢٢٣، والتاج والإكليل ٢ / ٢١١، والحطاب ٢ / ٢١١، والمغني ٢ / ٥٢٥.
(٣) التاج والإكليل ٢ / ٢١١، والمغني ٥ / ٥٢٥
(٤) روضة الطالبين ٢ / ١٠٣، وحاشية الجمل ٢ / ١٤٩.
وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: فَالْمَرْأَةُ لاَ تُمْنَعُ مِنْ تَغْسِيل زَوْجِهَا بِشَرْطِ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ وَلَوْ كِتَابِيَّةً. وَأَمَّا عَكْسُ ذَلِكَ فَلاَ يَتَأَتَّى عِنْدَهُمْ فِي الأَْصَحِّ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ، لأَِنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ غُسْلُهَا مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ (ف ١٣) (١) .
تَغْسِيل الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ:
١٥ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَخْرَجِ - مُقَابِل الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ - وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ تَغْسِيل الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ؛ لأَِنَّ التَّغْسِيل عِبَادَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، فَلاَ يَصِحُّ تَغْسِيلُهُ لِلْمُسْلِمِ كَالْمَجْنُونِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ النِّيَّةَ وَاجِبَةٌ فِي الْغُسْل وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. (٢) وَفِي الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ غَسَّل مُسْلِمًا فَإِنَّهُ يَكْفِي. (٣)
هـ - تَغْسِيل الرِّجَال وَالنِّسَاءِ لِلأَْطْفَال الصِّغَارِ وَعَكْسُهُ:
(١) تَغْسِيل الرِّجَال وَالنِّسَاءِ لِلأَْطْفَال الصِّغَارِ:
١٦ - قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُل مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٥٧٥، والبدائع ١ / ٣٠٥، والفتاوى الهندية ١ / ١٦٠
(٢) ابن عابدين ١ / ٥٩٧، وبدائع الصنائع ٢ / ٣٠٣، ومواهب الجليل ٢ / ٢٥٤، والمجموع ٥ / ١٤٥، وروضة الطالبين ٢ / ٩٩، ونيل المآرب ١ / ٢٢٠، والمغني ٢ / ٥٢٣
(٣) روضة الطالبين ٢ / ٩٩، ونهاية المحتاج ٢ / ٤٤٢ ط مصطفى البابي الحلبي.