الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٢ الصفحة 9

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٢

وَنُعْلِنُ أَمْرَهُمْ وَيُفْضَحُونَ. (١)

وَفِي حَدِّ السَّرِقَةِ قَال الْفُقَهَاءُ: يُنْدَبُ أَنْ يُعَلَّقَ الْعُضْوُ الْمَقْطُوعُ فِي عُنُقِ الْمَحْدُودِ؛ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ رَدْعًا لِلنَّاسِ، وَقَدْ رَوَى فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِسَارِقٍ قُطِعَتْ يَدُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ وَفَعَل ذَلِكَ عَلِيٌّ ﵁. (٢)

وَذَكَرَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ حَدِيثَ: مَا بَال الْعَامِل نَبْعَثُهُ، فَيَأْتِي فَيَقُول: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي. فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ. (٣)

قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ - كَمَا قَال ابْنُ الْمُنِيرِ - أَنَّ الْحُكَّامَ أَخَذُوا بِالتَّجْرِيسِ بِالسَّارِقِ وَنَحْوِهِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ. (٤)

كَذَلِكَ قَال الْفُقَهَاءُ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ إِذَا صُلِبَ: يُصْلَبُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لِيَشْتَهِرَ الْحَال وَيَتِمَّ

_________

(١) التبصرة ٢ / ١٧٧.

(٢) المهذب ٢ / ٢٨٤، ومغني المحتاج ٤ / ١٧٩، والمغني ٨ / ٢٦١، وحديث فضالة أخرجه أبو داود (٤ / ٥٦٧ - تحقيق عزت عبيد دعاس) والنسائي (٨ / ٩٢ - ط المكتبة التجارية) . وقال النسائي. الحجاج بن أرطأة - يعني الذي في إسناده -: ضعيف، ولا يحتج بحديثه.

(٣) حديث: " ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ١٣ / ١٦٤ ط. السلفية)، ومسلم (٣ / ١٤٦٣ ط عيسى الحلبي) واللفظ للبخاري.

(٤) ابن عابدين ٣ / ١٩٢. والتجريس بالسارق: التسميع به.

النَّكَال. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِنَّمَا شُرِعَ الصَّلْبُ رَدْعًا لِغَيْرِهِ لِيَشْتَهِرَ أَمْرُهُ (١) .

ب - بِالنِّسْبَةِ لِلتَّعْزِيرِ:

٨ - التَّشْهِيرُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْزِيرِ، أَيْ أَنَّهُ عُقُوبَةٌ تَعْزِيرِيَّةٌ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّعْزِيرَ يُرْجَعُ فِي تَحْدِيدِ جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ إِلَى نَظَرِ الْحَاكِمِ، فَقَدْ يَكُونُ بِالضَّرْبِ أَوِ الْحَبْسِ أَوِ التَّوْبِيخِ أَوِ التَّشْهِيرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، حَسَبَ اخْتِلاَفِ مَرَاتِبِ النَّاسِ، وَاخْتِلاَفِ الْمَعَاصِي، وَاخْتِلاَفِ الأَْعْصَارِ وَالأَْمْصَارِ.

وَعَلَى ذَلِكَ فَالتَّعْزِيرُ بِالتَّشْهِيرِ جَائِزٌ إِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، وَهَذَا الْحُكْمُ هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِكُل مَعْصِيَةٍ لاَ حَدَّ فِيهَا وَلاَ كَفَّارَةَ فِي الْجُمْلَةِ.

يَقُول الْمَاوَرْدِيُّ: لِلأَْمِيرِ إِذَا رَأَى مِنَ الصَّلاَحِ فِي رَدْعِ السَّفَلَةِ: أَنْ يُشَهِّرَهُمْ وَيُنَادِيَ عَلَيْهِمْ بِجَرَائِمِهِمْ، سَاغَ لَهُ ذَلِكَ. (٢)

وَيَقُول: يَجُوزُ فِي نَكَال التَّعْزِيرِ أَنْ يُجَرَّدَ مِنْ ثِيَابِهِ، إِلاَّ قَدْرَ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَيُشَهَّرَ فِي النَّاسِ، وَيُنَادَى عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ إِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ وَلَمْ يَتُبْ. (٣)

_________

(١) مغني المحتاج ٤ / ١٨٢، والمغني ٨ / ٢٨٨، ٢٩١.

(٢) الأحكام السلطانية للماوردي ص ٢٢١.

(٣) المرجع السابق / ٢٣٩.

وَفِي التَّبْصِرَةِ لاِبْنِ فَرْحُونَ: إِنْ رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِي قَمْعِ السَّفَلَةِ بِإِشْهَارِهِمْ بِجَرَائِمِهِمْ فَعَل. (١)

وَيَقُول ابْنُ فَرْحُونَ أَيْضًا: إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالْجَوْرِ، وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ الْعُقُوبَةَ الْمُوجِعَةَ، وَعُزِل وَيُشَهَّرُ وَيُفْضَحُ. (٢)

وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: الْقَوَّادَةُ - الَّتِي تُفْسِدُ النِّسَاءَ وَالرِّجَال - أَقَل مَا يَجِبُ فِيهَا الضَّرْبُ الْبَلِيغُ، وَيَنْبَغِي شُهْرَةُ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَسْتَفِيضُ فِي الرِّجَال وَالنِّسَاءِ لِتُجْتَنَبَ. (٣)

غَيْرَ أَنَّهُ يُلاَحَظُ أَنَّ الْفُقَهَاءَ دَائِمًا يَذْكُرُونَ التَّشْهِيرَ فِي تَعْزِيرِ شَاهِدِ الزُّورِ مِمَّا يُوحِي بِأَنَّ التَّشْهِيرَ وَاجِبٌ بِالنِّسْبَةِ لِشَاهِدِ الزُّورِ، وَذَلِكَ لاِعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ مِنَ الْكَبَائِرِ.

قَال الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي شَاهِدِ الزُّورِ فِي الْمَشْهُورِ: يُطَافُ بِهِ وَيُشَهَّرُ، وَلاَ يُضْرَبُ اسْتِنَادًا إِلَى مَا فَعَلَهُ الْقَاضِي شُرَيْحٌ، وَزَادَ الصَّاحِبَانِ ضَرْبَهُ وَحَبْسَهُ. (٤)

وَيَذْكُرُ ابْنُ قُدَامَةَ حَدِيثَ النَّبِيِّ ﷺ: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُول اللَّهِ قَال: الإِْشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ

_________

(١) التبصرة بهامش فتح العلي ٢ / ١٤٦.

(٢) المرجع السابق ٢ / ٣١٥.

(٣) كشاف القناع ٦ / ١٢٧.

(٤) ابن عابدين ٣ / ١٩٢، ٤ / ٣٩٥، والبدائع ٦ / ٢٨٩.

مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَال: أَلاَ وَقَوْل الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ. فَمَا زَال يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. (١)

ثُمَّ يَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: فَمَتَى ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ عَمْدًا عَزَّرَهُ وَشَهَّرَهُ فِي قَوْل أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ﵁، وَبِهِ يَقُول شُرَيْحٌ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى قَاضِي الْبَصْرَةِ (٢) .

وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: إِذَا عُزِّرَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُشَهِّرَهُ لِمَصْلَحَةٍ كَشَاهِدِ زُورٍ لِيُجْتَنَبَ. (٣)

وَجَاءَ فِي التَّبْصِرَةِ: التَّعْزِيرُ لاَ يَخْتَصُّ بِالسَّوْطِ وَالْيَدِ وَالْحَبْسِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَوْكُولٌ إِلَى اجْتِهَادِ الإِْمَامِ. قَال أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ فِي أَخْبَارِ الْخُلَفَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُعَامِلُونَ الرَّجُل عَلَى قَدْرِهِ وَقَدْرِ جِنَايَتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُضْرَبُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحْبَسُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَامُ وَاقِفًا عَلَى قَدَمَيْهِ فِي الْمَحَافِل، وَمِنْهُمْ مَنْ تُنْزَعُ عِمَامَتُهُ.

_________

(١) حديث: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ١٠ / ٤٠٥ ط. السلفية)، ومسلم (١ / ٩١ ط. عيسى الحلبي) .

(٢) المغني ٩ / ٢٦١.

(٣) كشاف القناع ٦ / ١٢٥ - ١٢٧.

قَال الْقَرَافِيُّ: إِنَّ التَّعْزِيرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأَْعْصَارِ وَالأَْمْصَارِ، فَرُبَّ تَعْزِيرٍ فِي بَلَد يَكُونُ إِكْرَامًا فِي بَلَدٍ آخَرَ، كَقَطْعِ الطَّيْلَسَانِ لَيْسَ تَعْزِيرًا فِي الشَّامِ فَإِنَّهُ إِكْرَامٌ، وَكَشْفِ الرَّأْسِ بِالأَْنْدَلُسِ لَيْسَ هَوَانًا وَبِمِصْرِ وَالْعِرَاقِ هَوَانٌ.

ثُمَّ قَال صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ: وَالتَّعْزِيرُ لاَ يَخْتَصُّ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ وَلاَ قَوْلٍ مُعَيَّنٍ، فَقَدْ عَزَّرَ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِالْهَجْرِ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، فَهُجِرُوا خَمْسِينَ يَوْمًا لاَ يُكَلِّمُهُمْ أَحَدٌ. (١)

وَعَزَّرَ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِالنَّفْيِ، فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَنَفْيِهِمْ. (٢)

وَفِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ: يَجْتَهِدُ الإِْمَامُ فِي جِنْسِ التَّعْزِيرِ وَقَدْرِهِ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ شَرْعًا، فَيَجْتَهِدُ فِي سُلُوكِ الأَْصَحِّ، فَلَهُ أَنْ يُشَهِّرَ فِي النَّاسِ مَنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ. وَيَجُوزُ لَهُ حَلْقُ رَأْسِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُصْلَبَ حَيًّا، وَهُوَ رَبْطُهُ فِي مَكَان عَالٍ لِمَا لاَ يَزِيدُ عَنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يُرْسَل، وَلاَ يُمْنَعُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالصَّلاَةِ. (٣)

_________

(١) التبصرة ٢ / ٢٩٥، ٢٩٦. وحديث: " هجر الثلاثة الذين تخلفوا. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ٨ / ٣٤٢ ط. السلفية) . ومسلم (٤ / ٢١٢٠ ط. عيسى الحلبي) .

(٢) حديث: " الأمر بإخراج المخنثين من المدينة ونفيهم " أخرجه البخاري (فتح الباري ١٠ / ٣٣٣ ط. السلفية) .

(٣) مغني المحتاج ٤ / ١٩٢.

وَهَذِهِ النُّصُوصُ تَدُل عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُكْتَفَى بِالتَّشْهِيرِ كَعُقُوبَةٍ تَعْزِيرِيَّةٍ إِذَا رَأَى الإِْمَامُ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِ عُقُوبَةٌ أُخْرَى كَالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ.

وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الْبُحْتُرِيُّ - وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ - إِذَا أُتِيَ بِرَجُلٍ، قَدْ أَخَذَ مَعَهُ الْجَرَّةَ مِنَ الْمُسْكِرِ، أُمِرَ بِهِ فَصُبَّ عَلَى رَأْسِهِ عِنْدَ بَابِهِ، كَيْمَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ وَيُشَهَّرُ بِهِ. (١)

_________

(١) التبصرة ٢ / ١٨٣.

تَشَوُّفٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - التَّشَوُّفُ لُغَةً: مَصْدَرُ تَشَوَّفَ. يُقَال: تَشَوَّفَتِ الأَْوْعَال: إِذَا عَلَتْ رُءُوسَ الْجِبَال تَنْظُرُ السَّهْل وَخُلُوَّهُ مِمَّا تَخَافُهُ لِتَرِدَ الْمَاءَ. وَمِنْهُ قِيل تَشَوَّفَ فُلاَنٌ لِكَذَا: إِذَا طَمَحَ بَصَرُهُ إِلَيْهِ. ثُمَّ اسْتُعْمِل فِي تَعَلُّقِ الآْمَال، وَالتَّطَلُّبِ.

وَالْمُشَوِّفَةُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي تُظْهِرُ نَفْسَهَا لِيَرَاهَا النَّاسُ.

وَتَشَوَّفَتِ الْمَرْأَةُ: تَزَيَّنَتْ وَتَطَلَّعَتْ لِلْخِطَابِ (١) - مِنْ شفتُ الدِّرْهَمَ: إِذَا جَلَوْتَهُ.

وَدِينَارٌ مُشَوَّفٌ: أَيْ مَجْلُوٌّ - وَهُوَ أَنْ تَجْلُوَ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا وَتَصْقُل خَدَّيْهَا. (٢)

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلَفْظِ تَشَوُّفٍ عَنْ مَعَانِيهِ الْوَارِدَةِ فِي اللُّغَةِ.

وَقِيل: التَّشَوُّفُ بِمَعْنَى التَّزَيُّنِ خَاصٌّ بِالْوَجْهِ، وَالتَّزَيُّنُ عَامٌّ يُسْتَعْمَل فِي الْوَجْهِ وَغَيْرِهِ (٣) .

_________

(١) المصباح المنير، ولسان العرب، ومحيط المحيط، ومعجم متن اللغة مادة: " شوف ".

(٢) فتح القدير ٣ / ١٧٢ والعناية عليه.

(٣) شرح فتح القدير ٣ / ١٧٢ ط دار صادر.

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

أ - تَشَوُّفُ الشَّارِعِ لإِِثْبَاتِ النَّسَبِ:

٢ - مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الشَّرِيعَةِ الإِْسْلاَمِيَّةِ: أَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ لِلَحَاقِ النَّسَبِ، (١) لأَِنَّ النَّسَبَ أَقْوَى الدَّعَائِمِ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا الأُْسْرَةُ، وَيَرْتَبِطُ بِهِ أَفْرَادُهَا، قَال تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾ . (٢)

وَلاِعْتِنَاءِ الشَّرِيعَةِ بِحِفْظِ النَّسَبِ وَتَشَوُّفِهَا لإِِثْبَاتِهِ تَكَرَّرَ فِيهَا الأَْمْرُ بِحِفْظِهِ عَنْ تَطَرُّقِ الشَّكِّ إِلَيْهِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ ذَرَائِعِ التَّهَاوُنِ بِهِ.

وَلِمُرَاعَاةِ هَذَا الْمَقْصِدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اعْتِبَارِ الأَْحْوَال النَّادِرَةِ فِي إِلْحَاقِ النَّسَبِ، لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لإِِثْبَاتِهِ. (٣)

وَلِلتَّفْصِيل (ر: نَسَبٌ) .

ب - التَّشَوُّفُ إِلَى الْعِتْقِ:

٣ - مِنْ مَحَاسِنِ الإِْعْتَاقِ أَنَّهُ إِحْيَاءٌ حُكْمِيٌّ، يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنْ كَوْنِهِ مُلْحَقًا بِالْجَمَادَاتِ إِلَى كَوْنِهِ أَهْلًا لِلْكَرَامَاتِ الْبَشَرِيَّةِ، مِنْ قَبُول الشَّهَادَةِ

_________

(١) رد المحتار على الدر المختار ٤ / ٤٤٤، ٦٢٤، ٦٢٧، والبدائع ٤ / ٣٢٩، وحاشية الدسوقي ٣ / ٤١٢، وشرح الزرفاني ٦ / ١٠٥، والكافي لابن عبد البر ٢ / ٩١٦ وما بعدها.

(٢) سورة الفرقان / ٥٤.

(٣) القرافي في الفروق - الفرق ١٧٥، ٢٣٩.

وَالْوِلاَيَةِ وَالْقَضَاءِ. وَيَقَعُ الْعِتْقُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ كُل: مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ - وَلَوْ سَكْرَانَ أَوْ هَازِلًا وَلَوْ دُونَ نِيَّةٍ - لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَى الْحُرِّيَّةِ بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الأَْصْل تَصَرُّفٌ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَيَجِبُ لِعَارِضٍ، وَيَحْصُل بِهِ الْقُرْبَةُ (١) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ (٢) وَقَوْلُهُ ﷿ ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ (٣) .

وَلِخَبَرِ أَيُّمَا مُسْلِمٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُل عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ (٤) (ر: عِتْقٌ، إِعْتَاقٌ) .

ج - التَّشَوُّفُ فِي الْعِدَّةِ:

٤ - الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ لَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ؛ لأَِنَّهَا حَلاَلٌ لِلزَّوْجِ، لِقِيَامِ نِكَاحِهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَالرَّجْعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَالتَّزَيُّنُ حَامِلٌ عَلَيْهَا فَيَكُونُ مَشْرُوعًا. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ: فَيَرَوْنَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا الإِْحْدَادُ. فَلاَ يُسْتَحَبُّ لَهَا التَّزَيُّنُ. وَمِنْهُمْ مَنْ

_________

(١) شرح فتح القدير ٥ / ٤٣٩، ٤٤٢ ط دار صادر، وحاشية الدسوقي ٤ / ٥٩ وشرح الزرقاني وحاشية البناني عليه ٧ / ١٢٠ ط دار الفكر، وحواشي الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج ١٠ / ٣٥٦ ط دار صادر، ونهاية المحتاج ٨ / ٣٥٦، ٣٥٧ ط الحلبي بمصر، ومطالب أولي النهى ٤ / ٦٩١ وما بعدها.

(٢) سورة النساء / ٩٢.

(٣) سورة البلد / ١٣

(٤) متفق عليه.

قَال: الأَْوْلَى أَنْ تَتَزَيَّنَ بِمَا يَدْعُو الزَّوْجَ إِلَى رَجْعَتِهَا (١) . (ر: عِدَّةٌ) وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْرِيمِ الزِّينَةِ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مُدَّةَ عِدَّتِهَا؛ لِوُجُوبِ الإِْحْدَادِ عَلَيْهَا.

وَأَمَّا الْمُبَانَةُ فِي الْحَيَاةِ بَيْنُونَةً كُبْرَى، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا عَلَى أَقْوَالٍ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الزِّينَةُ، حِدَادًا وَأَسَفًا عَلَى زَوْجِهَا، وَإِظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ، الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِصَوْنِهَا وَكِفَايَةِ مَئُونَتِهَا، وَلِحُرْمَةِ النَّظَرِ إِلَيْهَا، وَعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الرَّجْعَةِ.

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَحَبُّ لَهَا الإِْحْدَادُ. وَفِي قَوْلٍ: الإِْحْدَادُ وَاجِبٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا: لاَ إِحْدَادَ إِلاَّ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَقَطْ. وَمُفَادُهُ: لاَ إِحْدَادَ عَلَى الْمُبَانَةِ وَإِنِ اسْتُحِبَّ لَهَا فِي عِدَّتِهَا.

وَلاَ يُسَنُّ لَهَا الإِْحْدَادُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَلِهَذَا لاَ يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَجَنَّبَ مَا يُرَغِّبُ فِي النَّظَرِ إِلَيْهَا مِنَ الزِّينَةِ (٢) .

وَلِلتَّفْصِيل (ر: عِدَّةٌ) .

_________

(١) ابن عابدين ٢ / ٥٣٦، ٦١٦ - ٦١٨ ط بيروت، وبدائع الصنائع ٣ / ١٨٠ ط أولى، وشرح فتح القدير ٣ / ١٧٢ ط دار صادر، وحاشية الجمل على شرح المنهج ٤ / ٤٥٧ - ٤٥٩، ونهاية المحتاج ٧ / ١٤٠ وما بعدها، وروضة الطالبين ٨ / ٤٠٥ - ٤٠٧، والشرح الكبير ٢ / ٤٧٨ - ٤٧٩، والمغني ٧ / ٢٧٩، ٥١٧ - ٥١٩.

(٢) المراجع السابقة.