الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٢ الصفحة 8

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٢

تَشْهِيرٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - التَّشْهِيرُ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ شَهَّرَهُ، بِمَعْنَى: أَعْلَنَهُ وَأَذَاعَهُ، وَشَهَّرَ بِهِ: أَذَاعَ عَنْهُ السُّوءَ، وَشَهَّرَهُ تَشْهِيرًا فَاشْتَهَرَ. وَالشُّهْرَةُ: وُضُوحُ الأَْمْرِ. (١) وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لَهُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (٢) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - التَّعْزِيرُ:

٢ - التَّعْزِيرُ: التَّأْدِيبُ وَالإِْهَانَةُ دُونَ الْحَدِّ. وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّشْهِيرِ، إِذْ يَكُونُ بِالتَّشْهِيرِ وَبِغَيْرِهِ. فَالتَّشْهِيرُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْزِيرِ (٣) .

ب - السَّتْرُ:

٣ - السَّتْرُ: الْمَنْعُ وَالتَّغْطِيَةُ. وَهُوَ ضِدُّ التَّشْهِيرِ.

_________

(١) لسان العرب، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط، والصحاح للجوهري، وتاج العروس مادة: " شهر ".

(٢) المبسوط للسرخسي ١٦ / ١٤٥، ومنح الجليل ٤ / ١٦٤، ٢٣٤، ومغني المحتاج ٤ / ٢١١، وكشاف القناع ٦ / ١٢٧، والمهذب ٢ / ٣٣٠.

(٣) المصباح المنير، والبدائع ٧ / ٥٨، ٦٤.

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

٣ - يَخْتَلِفُ حُكْمُ التَّشْهِيرِ بِاعْتِبَارِ مَنْ يَصْدُرُ مِنْهُ، وَبِاعْتِبَارِ الْمُشَهَّرِ بِهِ. فَالتَّشْهِيرُ قَدْ يَكُونُ مِنَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، عَلَى جِهَةِ الْعَدَاوَةِ أَوِ الْغِيبَةِ، أَوْ عَلَى جِهَةِ النَّصِيحَةِ وَالتَّحْذِيرِ. وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْحَاكِمِ فِي الْحُدُودِ أَوْ فِي التَّعَازِيرِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:

أَوَّلًا: تَشْهِيرُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ:

الأَْصْل أَنَّ تَشْهِيرَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ بِذِكْرِ عُيُوبِهِمْ وَالتَّنَقُّصِ مِنْهُمْ حَرَامٌ.

وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا أَوْ وَاجِبًا. وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى مَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمُشَهَّرُ بِهِ.

٤ - فَيَكُونُ حَرَامًا فِي الأَْحْوَال الآْتِيَةِ:

أ - إِذَا كَانَ الْمُشَهَّرُ بِهِ بَرِيئًا مِمَّا يُشَاعُ عَنْهُ وَيُقَال فِيهِ. وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ . (١)

وَقَوْل النَّبِيِّ: أَيُّمَا رَجُلٍ أَشَاعَ عَلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ كَلِمَةً وَهُوَ مِنْهَا بَرِيءٌ، يَرَى أَنْ يَشِينَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَرْمِيَهُ بِهَا فِي النَّارِ. ثُمَّ تَلاَ مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى:

_________

(١) سورة النور / ١٩.

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ﴾ (١) .

وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ ﷾ الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ، وَتَوَعَّدَهُمْ بِالْعَذَابِ الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ فِي الآْيَاتِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي شَأْنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَة ﵂ حِينَ رَمَاهَا أَهْل الإِْفْكِ وَالْبُهْتَانِ بِمَا قَالُوهُ مِنَ الْكَذِبِ وَالاِفْتِرَاءِ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِْفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ. . .﴾ (٢)

وَقَال ابْنُ كَثِيرٍ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ (٣) أَيْ يَنْسُبُونَ إِلَيْهِمْ مَا هُمْ بُرَآءُ مِنْهُ لَمْ يَعْمَلُوهُ وَلَمْ يَفْعَلُوهُ، يَحْكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ذَلِكَ عَلَى سَبِيل الْعَيْبِ وَالتَّنَقُّصِ مِنْهُمْ، وَقَدْ قَال رَسُول اللَّهِ فِيهِ: أَرْبَى الرِّبَا عِنْدَ اللَّهِ اسْتِحْلاَل عِرْضِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ (٤) وَقَدْ قِيل فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ: مَنْ

_________

(١) حديث: " أيما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة. . . . " أخرجه الطبراني بلفظ مقارب وإسناده جيد كما في الترغيب والترهيب للمنذري (٥ / ١٥٧ ط التجارية) .

(٢) سورة النور / ١١، وانظر الجامع لأحكام القرآن ١٢ / ٢٠٦، ومختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٥٩١، ٥٩٢. وحديث الإفك. أخرجه البخاري (٨ / ٤٥٢ ط. السلفية)، ومسلم (٤ / ٢١٢٩ ط. عيسى الحلبي) .

(٣) سورة الأحزاب / ٥٨.

(٤) حديث: " أربى الربا عند الله استحلال. . . ". أخرجه أبو يعلى بهذا اللفظ، ورواته رواة الصحيح كما قال المنذري في الترغيب والترهيب (٣ / ٥٠٤ ط مصطفى الحلبي)، ورواه أبو داود (٥ / ١٩٣ ط عزت عبيد الدعاس)، وأحمد (١ / ١٩٠ المكتب الإسلامي) بلفظ مقارب، وحسن إسناده السيوطي (فيض القدير ٢ / ٥٣١) .

سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ (١) أَيْ مَنْ سَمَّعَ بِعُيُوبِ النَّاسِ وَأَذَاعَهَا أَظْهَرَ اللَّهُ عُيُوبَهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ: الْهَجْوُ بِالشِّعْرِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: مَا كَانَ مِنَ الشِّعْرِ يَتَضَمَّنُ هَجْوَ الْمُسْلِمِينَ وَالْقَدْحَ فِي، أَعْرَاضِهِمْ فَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى قَائِلِهِ. (٢)

ب - إِذَا كَانَ الْمُشَهَّرُ بِهِ يَتَّصِفُ بِمَا يُقَال عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ لاَ يُجَاهِرُ بِهِ، وَلاَ يَقَعُ بِهِ ضَرَرٌ عَلَى غَيْرِهِ.

فَالتَّشْهِيرُ بِهِ حَرَامٌ أَيْضًا؛ لأَِنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنَ الْغِيبَةِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ ﷾ عَنْهَا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ (٣) . وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قِيل: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُول؟ قَال: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُول فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُول فَقَدْ بَهَتَّهُ. (٤)

_________

(١) مختصر تفسير ابن كثير ٣ / ١١٤، وفتح الباري ١١ / ٣٣٧. وحديث: " من سمع سمع الله به " أخرجه البخاري (فتح الباري ١٣ / ١٢٨ ط. السلفية)، ومسلم (٤ / ٢٢٨٩ ط. عيسى الحلبي) .

(٢) المغني ٩ / ١٧٨، ومغني المحتاج ٤ / ٤٣١.

(٣) سورة الحجرات / ١٢.

(٤) حديث: " أتدرون ما الغيبة؟ . . . " أخرجه مسلم (٤ / ٢٠٠١ ط. عيسى الحلبي) .

وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْل الْعَالِمِ: قَال فُلاَنٌ كَذَا مُرِيدًا التَّشْنِيعَ عَلَيْهِ. أَوْ قَوْل الإِْنْسَانِ: فَعَل كَذَا بَعْضُ النَّاسِ، أَوْ بَعْضُ مَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ، أَوْ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الصَّلاَحِ وَالزُّهْدِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ يَفْهَمُهُ بِعَيْنِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.

وَمِنَ الْمُقَرَّرِ شَرْعًا: أَنَّ السَّتْرَ عَلَى الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ لِمَنْ لَيْسَ مَعْرُوفًا بِالأَْذَى وَالْفَسَادِ. فَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ ﷿ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (١) قَال فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا السَّتْرُ فِي غَيْرِ الْمُشْتَهِرِينَ. وَقَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِذَا رَأَيْتَ إِنْسَانًا عَلَى مَعْصِيَةٍ فَعِظْهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. وَلاَ تَفْضَحْهُ. (٢)

ج - وَيَحْرُمُ كَذَلِكَ تَشْهِيرُ الإِْنْسَانِ بِنَفْسِهِ؛ إِذْ الْمُسْلِمُ مُطَالَبٌ بِالسَّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: كُل أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الإِْجْهَارِ أَنْ يَعْمَل الْعَبْدُ بِاللَّيْل عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحُ وَقَدْ سَتَرَهُ عَلَيْهِ اللَّهُ، فَيَقُول: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا. وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ اللَّهُ ﷿ وَيُصْبِحُ

_________

(١) حديث: " من ستر مسلما ستره الله ﷿. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ٥ / ١٩٧ ط. السلفية)، ومسلم (٤ / ١٩٩٦ ط. عيسى الحلبي) .

(٢) الأذكار ص ٢٨٨ - ٢٩٠، والآداب الشرعية لابن مفلح ١ / ٢٦٦، والحطاب ٦ / ١٦٤، والمواق بهامش الحطاب ٦ / ١٦٦، والزواجر ٢ / ٦، والفواكه الدواني ٢ / ٣٦٩.

يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ ﷿ عَنْهُ (١) وَالسَّتْرُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ إِذَا أَتَى فَاحِشَةً، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ. (٢)

٥ - وَيَكُونُ التَّشْهِيرُ جَائِزًا لِمَنْ يُجَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ فِي الأَْحْوَال الآْتِيَةِ:

أ - بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يُجَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ، فَيَجُوزُ ذِكْرُ مَنْ يَتَجَاهَرُ بِفِسْقِهِ؛ لأَِنَّ الْمُجَاهِرَ بِالْفِسْقِ لاَ يَسْتَنْكِفُ أَنْ يُذْكَرَ بِهِ، وَلاَ يُعْتَبَرُ هَذَا غِيبَةً فِي حَقِّهِ؛ لأَِنَّ مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ لاَ غِيبَةَ لَهُ.

قَال الْقَرَافِيُّ: الْمُعْلِنُ بِالْفُسُوقِ - كَقَوْل امْرِئِ الْقِيسِ:

فَمِثْلُكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقَتْ وَمُرْضِعٌ

، فَإِنَّهُ يَفْتَخِرُ بِالزِّنَا فِي شِعْرِهِ - فَلاَ يَضُرُّ أَنْ يُحْكَى ذَلِكَ عَنْهُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَتَأَلَّمُ إِذَا سَمِعَهُ، بَل قَدْ يُسَرُّ بِتِلْكَ الْمَخَازِي، وَكَثِيرٌ مِنَ اللُّصُوصِ تَفْتَخِرُ بِالسَّرِقَةِ وَالاِقْتِدَارِ عَلَى التَّسَوُّرِ عَلَى الدُّورِ الْعِظَامِ وَالْحُصُونِ الْكِبَارِ، فَذِكْرُ مِثْل هَذَا عَنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ لاَ يَحْرُمُ.

_________

(١) حديث: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ١٠ / ٤٨٦ ط. السلفية)، ومسلم (٤ / ٢٢٩١ ط. عيسى الحلبي) .

(٢) الآداب الشرعية ١ / ٢٦٧، والمواق بهامش الحطاب ٦ / ١٦٦، ومغني المحتاج ٤ / ١٥٠. وحديث: " من أصاب من هذه القاذورات شيئا. . . " أخرجه مالك في الموطأ (٢ / ٨٢٥ ط. فؤاد عبد الباقي)، والبيهقي (٨ / ٣٣٠ ط. دار المعرفة)، والحاكم (٤ / ٢٤٤ ط. دار الكتاب العربي) . وقال حديث صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي.

وَفِي الإِْكْمَال فِي شَرْحِ حَدِيثِ مُسْلِمٍ: مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ (١) قَال: وَهَذَا السَّتْرُ فِي غَيْرِ الْمُشْتَهِرِينَ. وَقَال الْخَلاَّل: أَخْبَرَنِي حَرْبٌ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُول: إِذَا كَانَ الرَّجُل مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ فَلَيْسَتْ لَهُ غِيبَةٌ.

وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ثَلاَثَةٌ لاَ غِيبَةَ فِيهِمْ: الْفَاسِقُ الْمُعْلِنُ بِفِسْقِهِ، وَشَارِبُ الْخَمْرِ، وَالسُّلْطَانُ الْجَائِرُ. (٢)

٦ - ب - إِذَا كَانَ التَّشْهِيرُ عَلَى سَبِيل نَصِيحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَحْذِيرِهِمْ، وَذَلِكَ كَجَرْحِ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ وَالأُْمَنَاءِ عَلَى الصَّدَقَاتِ وَالأَْوْقَافِ وَالأَْيْتَامِ، وَالتَّشْهِيرِ بِالْمُصَنَّفِينَ وَالْمُتَصَدِّينَ لإِِفْتَاءٍ أَوْ إِقْرَاءٍ مَعَ عَدَمِ أَهْلِيَّةٍ، أَوْ مَعَ نَحْوِ فِسْقٍ أَوْ بِدْعَةٍ يُدْعَوْنَ إِلَيْهَا، وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَحَمَلَةِ الْعِلْمِ الْمُقَلِّدِينَ، هَؤُلاَءِ يَجِبُ تَجْرِيحُهُمْ وَكَشْفُ أَحْوَالِهِمْ

_________

(١) حديث: " من ستر مسلما ستره الله " سبق تخريجه ف / ٤.

(٢) الفروق للقرافي ٤ / ٢٠٦، ٢٠٧، والزواجر ٢ / ١٣، والآداب الشرعية ١ / ٢٧٦، ٢٧٧، والفواكه الدواني ٢ / ٣٨٩، ٣٩٠، والحطاب ٦ / ١٦٤، والأذكار / ٢٩٣. وحديث: " ثلاثة لا غيبة لهم. . . " عزاه السيوطي في جمع الجوامع (١ / ٤٩١ نسخة مصورة عن دار الكتب المصرية) إلى الديلمي عن الحسن عن أنس ﵁. وفي فيض القدير (٣ / ٣٢٣ ط. المكتبة التجارية) بلفظ " ثلاثة لا يحرم عليك أعراضهم: المجاهر بالفسق، والإمام الجائر، والمبتدع " وعزاه إلى ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة عن الحسن مرسلا.

السَّيِّئَةِ لِمَنْ عَرَفَهَا مِمَّنْ يُقَلَّدُ فِي ذَلِكَ وَيُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِهِ، لِئَلاَّ يَغْتَرَّ بِهِمْ وَيُقَلَّدَ فِي دِينِ اللَّهِ مَنْ لاَ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ، وَلَيْسَ السَّتْرُ هُنَا بِمُرَغَّبٍ فِيهِ وَلاَ مُبَاحٍ. عَلَى هَذَا اجْتَمَعَ رَأْيُ الأُْمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. (١)

يَقُول الْقَرَافِيُّ: أَرْبَابُ الْبِدَعِ وَالتَّصَانِيفِ الْمُضِلَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يُشَهِّرَ النَّاسُ فَسَادَهَا وَعَيْبَهَا.

وَأَنَّهُمْ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ، لِيَحْذَرَهَا النَّاسُ الضُّعَفَاءُ فَلاَ يَقَعُوا فِيهَا، وَيَنْفِرَ عَنْ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ مَا أَمْكَنَ، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَتَعَدَّى فِيهَا الصِّدْقَ، وَلاَ يَفْتَرِيَ عَلَى أَهْلِهَا مِنَ الْفُسُوقِ وَالْفَوَاحِشِ مَا لَمْ يَفْعَلُوهُ، بَل يَقْتَصِرُ عَلَى مَا فِيهِمْ مِنَ الْمُنَفِّرَاتِ خَاصَّةً، فَلاَ يُقَال فِي الْمُبْتَدِعِ: إِنَّهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَلاَ أَنَّهُ يَزْنِي، وَلاَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ.

وَيَجُوزُ وَضْعُ الْكُتُبِ فِي جَرْحِ الْمَجْرُوحِينَ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَالأَْخْبَارِ بِذَلِكَ لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ الْحَامِلِينَ لِذَلِكَ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَنْقُلُهُ، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى فِي نَصِيحَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي ضَبْطِ الشَّرِيعَةِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ لأَِجْل عَدَاوَةٍ أَوْ تَفَكُّهٍ بِالأَْعْرَاضِ وَجَرْيًا مَعَ الْهَوَى فَذَلِكَ حَرَامٌ، وَإِنْ حَصَلَتْ بِهِ الْمَصْلَحَةُ عِنْدَ الرُّوَاةِ. (٢)

_________

(١) الزواجر ٢ / ١٣، والحطاب ٦ / ١٦٤، والآداب الشرعية ١ / ٢٦٦.

(٢) الفروق للقرافي ٤ / ٢٠٦، ٢٠٧.

وَيَقُول الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: لَوْ قَال الْعَالِمُ لِجَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ: لاَ تَسْمَعُوا الْحَدِيثَ مِنْ فُلاَنٍ فَإِنَّهُ يَخْلِطُ أَوْ لاَ تَسْتَفْتُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ لاَ يُحْسِنُ الْفَتْوَى فَهَذَا نُصْحٌ لِلنَّاسِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الأُْمِّ.

قَال: وَلَيْسَ هَذَا بِغِيبَةٍ إِنْ كَانَ يَقُولُهُ لِمَنْ يَخَافُ أَنْ يَتْبَعَهُ وَيُخْطِئَ بِاتِّبَاعِهِ. (١) وَمِثْلُهُ فِي الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِي. (٢)

وَيَقُول النَّوَوِيُّ: يَجُوزُ تَحْذِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرِّ وَنَصِيحَتُهُمْ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا: جَرْحُ الْمَجْرُوحِينَ مِنَ الرُّوَاةِ لِلْحَدِيثِ وَالشُّهُودِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، بَل وَاجِبٌ لِلْحَاجَةِ.

وَمِنْهَا: إِذَا اسْتَشَارَكَ إِنْسَانٌ فِي مُصَاهَرَتِهِ أَوْ مُشَارَكَتِهِ أَوْ إِيدَاعِهِ أَوِ الإِْيدَاعِ عِنْدَهُ أَوْ مُعَامَلَتِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَجَبَ عَلَيْكَ أَنْ تَذْكُرَ لَهُ مَا تَعْلَمُهُ مِنْهُ عَلَى جِهَةِ النَّصِيحَةِ. (٣)

وَفِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ: يُنْكَرُ عَلَى مَنْ تَصَدَّى لِلتَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى وَالْوَعْظِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ، وَيُشَهَّرُ أَمْرُهُ لِئَلاَّ يُغْتَرَّ بِهِ. (٤)

ثَانِيًا: التَّشْهِيرُ مِنْ الْحَاكِمِ:

تَشْهِيرُ الْحَاكِمِ لِبَعْضِ النَّاسِ يَكُونُ فِي الْحُدُودِ أَوْ فِي التَّعْزِيرِ.

_________

(١) مغني المحتاج ٤ / ٤٣٥.

(٢) الفواكه الدواني ٢ / ٢٧٠.

(٣) الأذكار للنووي / ٢٩٢.

(٤) مغني المحتاج ٤ / ٢١١.

أ - بِالنِّسْبَةِ لِلْحُدُودِ:

٧ - قَال الْفُقَهَاءُ: يَنْبَغِي أَنْ تُقَامَ الْحُدُودُ فِي مَلأٍَ مِنَ النَّاسِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (١)، قَال الْكَاسَانِيُّ: وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي حَدِّ الزِّنَى، لَكِنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِيهِ يَكُونُ وَارِدًا فِي سَائِرِ الْحُدُودِ دَلاَلَةً، لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْحُدُودِ كُلِّهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ زَجْرُ الْعَامَّةِ، وَذَلِكَ لاَ يَحْصُل إِلاَّ وَأَنْ تَكُونَ الإِْقَامَةُ عَلَى رَأْسِ الْعَامَّةِ؛ لأَِنَّ الْحُضُورَ يَنْزَجِرُونَ بِأَنْفُسِهِمْ بِالْمُعَايَنَةِ، وَالْغَائِبِينَ يَنْزَجِرُونَ بِإِخْبَارِ الْحُضُورِ، فَيَحْصُل الزَّجْرُ لِلْكُل. (٢)

وَقَال عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلاَنِيَةً وَغَيْرَ سِرٍّ، لِيَتَنَاهَى النَّاسُ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. (٣)

وَقَال مُطَرِّفٌ: وَمِنْ أَمْرِ النَّاسِ عِنْدَنَا الشَّهْرُ لأَِهْل الْفِسْقِ رِجَالًا وَنِسَاءً، وَالإِْعْلاَمُ بِجَلْدِهِمْ فِي الْحُدُودِ وَمَا يَلْزَمُهُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَكَشْفُ وَجْهِ الْمَرْأَةِ. (٤)

وَسُئِل الإِْمَامُ مَالِكٌ عَنْ الْمَجْلُودِ فِي الْخَمْرِ وَالْفِرْيَةِ: أَتَرَى أَنْ يُطَافَ بِهِمْ وَبِشُرَّابِ الْخَمْرِ؟ قَال: إِذَا كَانَ فَاسِقًا مُدْمِنًا فَأَرَى أَنْ يُطَافَ بِهِمْ،

_________

(١) سورة النور / ٢.

(٢) بدائع الصنائع ٧ / ٦٠، ٦١.

(٣) التبصرة بهامش فتح العلي المالك ٢ / ٢٦٩.

(٤) التبصرة ٢ / ١٨٣.