الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٢
وَاجِبٌ فِي الْقَعْدَةِ الَّتِي لاَ يَعْقُبُهَا السَّلاَمُ؛ لأَِنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِهِ سُجُودُ السَّهْوِ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ: سُنِّيَّةَ التَّشَهُّدِ فِي هَذِهِ الْقَعْدَةِ؛ لأَِنَّهُ يَسْقُطُ بِالسَّهْوِ فَأَشْبَهَ السُّنَنَ.
وَأَمَّا التَّشَهُّدُ فِي الْقَعْدَةِ الأَْخِيرَةِ فِي الصَّلاَةِ فَوَاجِبٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لِقَوْلِهِ ﷺ فِي حَدِيثِ الأَْعْرَابِيِّ: إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنْ آخِرِ سَجْدَةٍ، وَقَعَدْتَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُكَ (١) عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْقَعْدَةِ دُونَ التَّشَهُّدِ، فَالْفَرْضُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ الْقَعْدَةِ هُوَ الْجُلُوسُ فَقَطْ، أَمَّا التَّشَهُّدُ فَوَاجِبٌ، يُجْبَرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ إِنْ تَرَكَ سَهْوًا، وَتُكْرَهُ الصَّلاَةُ بِتَرْكِهِ تَحْرِيمًا، فَتَجِبُ إِعَادَتُهَا. (٢)
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَفِي قَوْلٍ وَاجِبٌ. (٣)
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ
_________
(١) حديث: " إذا رفعت رأسك من آخر سجدة. . . " ذكره صاحب الاختيار (١ / ٥٣ ط دار المعرفة) . ولم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر الحديثية.
(٢) انظر الدر المختار ورد المحتار ١ / ٣٠٧.
(٣) الاختيار لتعليل المختار ١ / ٥٣، ٥٤، وابن عابدين ١ / ٣٠٦، ٣١٣، والقوانين الفقهية / ٧٠، وجواهر الإكليل ١ / ٤٩، وحاشية الدسوقي ١ / ٢٤٣، ٢٥١، والزرقاني ١ / ٢٠٥، ونهاية المحتاج ١ / ٥١٨، والأذكار / ٦٠، وروضة الطالبين ١ / ٢٦١، والمغني ١ / ٥٣٢، ٥٣٣، وكشاف القناع ١ / ٣٨٩، ٣٨٥.
الصَّلاَةِ، وَهَذَا مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُهُمْ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا وَبَعْضُهُمْ رُكْنًا، تَشْبِيهًا لَهُ بِرُكْنِ الْبَيْتِ الَّذِي لاَ يَقُومُ إِلاَّ بِهِ (١)
وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَمَعْنَى الْوُجُوبِ عِنْدَ غَيْرِهِمْ تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مَظَانِّهِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالأُْصُول. (٢) وَانْظُرْ أَيْضًا: (فَرْضٌ، وَوَاجِبٌ) .
أَلْفَاظُ التَّشَهُّدِ:
٣ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ أَفْضَل التَّشَهُّدِ، التَّشَهُّدُ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ ﷺ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵄، وَهُوَ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (٣) .
وَوَجْهُ اخْتِيَارِهِمْ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا رُوِيَ: أَنَّ حَمَّادًا أَخَذَ بِيَدِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ، وَقَال أَخَذَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ بِيَدَيَّ وَعَلَّمَنِي، وَأَخَذَ
_________
(١) المراجع السابقة.
(٢) ابن عابدين ١ / ٦٤، ١ / ٣٠٦، وكشاف القناع ١ / ٣٨٥.
(٣) حديث: " تعليم النبي ﷺ التشهد لعبد الله بن مسعود ". أخرجه البخاري (الفتح ٢ / ٣١١ ط السلفية) . ومسلم (١ / ٣٠١ - ٣٠٢ ط عيسى الحلبي) .
عَلْقَمَةُ بِيَدِ إِبْرَاهِيمَ وَعَلَّمَهُ، وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ﵁ بِيَدِ عَلْقَمَةَ وَعَلَّمَهُ، وَأَخَذَ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ وَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فَقَال: قُل: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. . . إِلَى آخِرِهِ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قَال: عَلَّمَنِي رَسُول اللَّهِ ﷺ التَّشَهُّدَ - كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ - كَمَا يُعَلِّمُنِي سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ، التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. . . . (١)
لأَِنَّ فِيهِ زِيَادَةَ وَاوِ الْعَطْفِ، وَإِنَّهُ يُوجِبُ تَعَدُّدَ الثَّنَاءِ؛ لأَِنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَبِهِ يَقُول: الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ (٢) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ أَفْضَل التَّشَهُّدِ تَشَهُّدُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ وَهُوَ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
وَهَذَا لأَِنَّ عُمَرَ ﵁ قَالَهُ عَلَى
_________
(١) حديث عبد الله بن مسعود: " علمني رسول الله ﷺ التشهد " كتاب الآثار لمحمد الشيباني (ص ١٤٦ - ١٤٧ ط المجلس العلمي) . والآثار لأبي يوسف (ص ٥٣ ط الاستقامة) . ويشهد للحديث ما قبله.
(٢) الاختيار لتعليل المختار ١ / ٥٣، والمغني ١ / ٥٣٤، ٥٣٥، ٥٤١ ط الرياض، وكشاف القناع ١ / ٣٨٨ ط عالم الكتب.
الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يُنْكِرُوهُ، فَجَرَى مَجْرَى الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَكَانَ أَيْضًا إِجْمَاعًا. (١)
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَأَفْضَل التَّشَهُّدِ عِنْدَهُمْ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَيَقُول: قُولُوا: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. (٢)
وَالْخِلاَفُ بَيْنَ الأَْئِمَّةِ هُنَا خِلاَفٌ فِي الأَْوْلَوِيَّةِ، فَبِأَيِّ تَشَهُّدٍ تَشَهَّدَ مِمَّا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ جَازَ (٣) وَمِنَ النَّاسِ مَنِ اخْتَارَ تَشَهُّدَ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ، وَهُوَ أَنْ يَقُول: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الطَّيِّبَاتُ، وَالصَّلَوَاتُ لِلَّهِ. . . وَالْبَاقِي كَتَشَهُّدِ
_________
(١) القوانين الفقهية / ٧٥، وحاشية الدسوقي ١ / ٢٥١ ط دار الفكر، وجواهر الإكليل ١ / ٥٢ دار المعرفة.
(٢) الأذكار / ٦١، ٦٢، وروضة الطالبين ١ / ٢٦٣. وحديث ابن عباس ﵄: " كان يعلمنا التشهد. . . " أخرجه مسلم (١ / ٣٠٢ - ٣٠٣ ط عيسى الحلبي) .
(٣) ابن عابدين ١ / ٣١٣، وحاشية الدسوقي ١ / ٢٥١، والزرقاني ١ / ٢١٦ ط دار الفكر، والأذكار / ٦٢، وروضة الطالبين ١ / ٢٦٣ ط المكتب الإسلامي، والمغني ١ / ٥٣٦.
ابْنِ مَسْعُودٍ (١) وَذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَقْصِدُ بِأَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ مَعَانِيَهَا، مُرَادَةً لَهُ عَلَى وَجْهِ الإِْنْشَاءِ، كَأَنَّهُ يُحَيِّي اللَّهَ تَعَالَى وَيُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَعَلَى نَفْسِهِ وَالأَْوْلِيَاءِ، وَلاَ يَقْصِدُ الإِْخْبَارَ وَالْحِكَايَةَ عَمَّا وَقَعَ فِي الْمِعْرَاجِ مِنْهُ ﷺ وَمِنْ رَبِّهِ ﷾ وَمِنَ الْمَلاَئِكَةِ. (٢)
الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِي أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهَا:
٤ - اخْتَلَفَتْ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى النَّحْوِ الآْتِي: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا أَنْ يَزِيدَ فِي التَّشَهُّدِ حَرْفًا، أَوْ يَبْتَدِئَ بِحَرْفٍ قَبْل حَرْفٍ.
قَال أَبُو حَنِيفَةَ: وَلَوْ نَقَصَ مِنْ تَشَهُّدِهِ أَوْ زَادَ فِيهِ. كَانَ مَكْرُوهًا؛ لأَِنَّ أَذْكَارَ الصَّلاَةِ مَحْصُورَةٌ، فَلاَ يُزَادُ عَلَيْهَا. ثُمَّ أَضَافَ ابْنُ عَابِدِينَ قَائِلًا: وَالْكَرَاهَةُ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ لِلتَّحْرِيمِ. (٣)
وَيُكْرَهُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الزِّيَادَةُ عَلَى التَّشَهُّدِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَرْكِ بَعْضِ التَّشَهُّدِ، فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلاَمِ بَعْضِ شُيُوخِهِمْ عَدَمُ حُصُول
_________
(١) بدائع الصنائع ١ / ٢١٢ ط دار الكتاب العربي. وحديث أبي موسى " التحيات لله الطيبات. . . " أخرجه مسلم (١ / ٣٠٣) .
(٢) ابن عابدين ١ / ٣٤٢.
(٣) المرجع السابق نفسه.
السُّنَّةِ بِبَعْضِ التَّشَهُّدِ، خِلاَفًا لاِبْنِ نَاجِي فِي كِفَايَةِ بَعْضِهِ، قِيَاسًا عَلَى السُّورَةِ. (١)
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ فَصَّلُوا الْكَلاَمَ، وَقَالُوا: إِنَّ لَفْظَ الْمُبَارَكَاتِ وَالصَّلَوَاتِ، وَالطَّيِّبَاتِ وَالزَّاكِيَاتِ سُنَّةٌ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي التَّشَهُّدِ، فَلَوْ حَذَفَ كُلَّهَا وَاقْتَصَرَ عَلَى الْبَاقِي أَجْزَأَهُ مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ. وَأَمَّا لَفْظُ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ. . . إِلَخْ فَوَاجِبٌ لاَ يَجُوزُ حَذْفُ شَيْءٍ مِنْهُ، إِلاَّ لَفْظُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. وَفِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا عَدَمُ جَوَازِ حَذْفِهِمَا. وَالثَّانِي: جَوَازُ حَذْفِهِمَا. وَالثَّالِثُ: يَجُوزُ حَذْفُ وَبَرَكَاتُهُ، دُونَ رَحْمَةُ اللَّهِ ". (٢)
وَكَذَلِكَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ أَلْفَاظِهَا مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، فَلَوْ قَدَّمَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ جَازَ، وَفِي وَجْهٍ لاَ يَجُوزُ كَأَلْفَاظِ الْفَاتِحَةِ (٣) .
وَالْحَنَابِلَةُ يَرَوْنَ أَنَّهُ إِذَا أَسْقَطَ لَفْظَةً هِيَ سَاقِطَةٌ فِي بِضْعِ التَّشَهُّدَاتِ الْمَرْوِيَّةِ صَحَّ تَشَهُّدُهُ فِي الأَْصَحِّ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: لَوْ تَرَكَ وَاوًا أَوْ حَرْفًا أَعَادَ الصَّلاَةَ، لِقَوْل الأَْسْوَدِ: فَكُنَّا نَتَحَفَّظُهُ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَمَا نَتَحَفَّظُ حُرُوفَ الْقُرْآنِ. (٤)
_________
(١) شرح الزرقاني ١ / ٢٠٥، ٢١٦، والمغني ١ / ٥٤٥، ١ / ٥٣٧.
(٢) الأذكار / ٦٢.
(٣) المرجع السابق نفسه.
(٤) المغني ١ / ٥٣٧، ٥٣٨.
الْجُلُوسُ فِي التَّشَهُّدِ:
٥ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْل الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى: أَنَّ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ الأَْوَّل سُنَّةٌ. وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - أَنَّهُ وَاجِبٌ.
وَأَمَّا فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي فَالْجُلُوسُ بِقَدْرِ التَّشَهُّدِ رُكْنٌ عِنْدَ الأَْرْبَعَةِ، وَهُوَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ الْحَنَفِيَّةُ بِالْفَرْضِيَّةِ، وَغَيْرُهُمْ تَارَةً بِالْوُجُوبِ وَتَارَةً بِالْفَرْضِيَّةِ. (١)
وَأَمَّا هَيْئَةُ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ، فَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (جُلُوسٌ) .
التَّشَهُّدُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ:
٦ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ التَّشَهُّدِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِلْعَاجِزِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا. (٢) وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (تَرْجَمَةٌ) .
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٣٠١، والاختيار ١ / ٥٣، ٥٤، والقوانين الفقهية / ٦٩، وجواهر الإكليل ١ / ٤٨، وحاشية الدسوقي ١ / ٢٤٩، ونهاية المحتاج ١ / ٥٢٠، ٥٢١، والمغني ١ / ٥٣٢، ٥٣٣، ٥٣٩، وكشاف القناع ١ / ٣٨٥.
(٢) ابن عابدين ١ / ٣٢٥، والبدائع ١ / ١١٣ ط دار الكتاب العربي، والمجموع ٣ / ٢٩٩ وما بعدها ط المكتبة السلفية والقليوبي ١ / ١٥١ ط مطبعة دار إحياء الكتب العربية، وروضة الطالبين ١ / ٢٢٦، ٢٢٩، والمغني ١ / ٥٤٥، وكشاف القناع ٢ / ٣٤.
الإِْسْرَارُ فِي التَّشَهُّدِ:
٧ - السُّنَّةُ فِي التَّشَهُّدِ الإِْسْرَارُ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ يَجْهَرُ بِهِ، إِذْ لَوْ جَهَرَ بِهِ لَنُقِل كَمَا نُقِلَتِ الْقِرَاءَةُ، وَقَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ﵁ مِنَ السُّنَّةِ إِخْفَاءُ التَّشَهُّدِ (١) .
قَال صَاحِبُ الْمُغْنِي: وَلاَ نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلاَفًا. (٢)
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِ التَّشَهُّدِ:
٨ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ سَجْدَةِ السَّهْوِ بِتَرْكِ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الأُْولَى (قَبْل الأَْخِيرَةِ) إِنْ كَانَ تَرْكُهُ سَهْوًا، عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي الْحُكْمِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَرْكِهِ عَمْدًا: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى: وُجُوبِ إِعَادَةِ الصَّلاَةِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، أَنَّ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْضًا.
وَأَمَّا تَرْكُ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الأَْخِيرَةِ إِنْ كَانَ عَمْدًا: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي وَجْهٍ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ الإِْعَادَةِ.
_________
(١) حديث: " من السنة إخفاء التشهد " أخرجه أبو داود (١ / ٦٠٢ ط عبيد الدعاس) والترمذي (٢ / ٨٤ - ٨٥ ط مصطفى الحلبي) . وصححه أحمد شاكر.
(٢) المبسوط للسرخسي ١ / ٣٢، والأذكار / ٦٣، والمغني ١ / ٥٤٥.
وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ سَهْوًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةَ السَّهْوِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. (١)
وَأَمَّا حُكْمُ الرُّجُوعِ إِلَى التَّشَهُّدِ لِمَنْ قَامَ إِلَى الثَّالِثَةِ فِي ثُنَائِيَّةٍ أَوْ إِلَى الرَّابِعَةِ فِي ثُلاَثِيَّةٍ، أَوْ إِلَى خَامِسَةٍ فِي رُبَاعِيَّةٍ، فَقَدْ فَصَّلَهُ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ سَجْدَةِ السَّهْوِ.
الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي التَّشَهُّدِ:
٩ - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ لاَ يَزِيدُ عَلَى التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الأُْولَى بِالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَبِهَذَا قَال النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ مِنَ الأَْقْوَال إِلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلاَةِ فِيهَا، وَبِهِ قَال الشَّعْبِيُّ.
وَأَمَّا إِذَا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ التَّشَهُّدِ (٢) .
وَأَمَّا صِيغَةُ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي الْقَعْدَةِ
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٣١٣، ٥٠١، والقوانين الفقهية / ٨٣، وشرح الزرقاني ١ / ٢٣٦، وروضة الطالبين ١ / ٣٠٣، ونهاية المحتاج ٢ / ٧٤، ٧٥، والأذكار / ٦٠، والمغني ٢ / ٦، ٢٦، ٢٧، ٤٤، وكشاف القناع ١ / ٣٨٩.
(٢) الاختيار ١ / ٥٣، ٥٤، وابن عابدين ١ / ٣٤٣، والقوانين / ٧٠، وروضة الطالبين ١ / ٢٦٣، والمغني ١ / ٥٣٧، ٥٤١، ٥٤٢.
الأَْخِيرَةِ، وَمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ مِنَ الأَْدِلَّةِ، فَقَدْ فَصَّل الْفُقَهَاءُ الْكَلاَمَ عَلَيْهِ فِي مَوْطِنِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ. (١) وَانْظُرْ أَيْضًا: " الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ".
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٣٤٤، ٣٤٥، وروضة الطالبين ١ / ٢٦٥، والمغني ١ / ٥٤٢.